|
أكان الرصافي معضلة العراق الأولى وداؤه العضال ؟
شمخي جبر
الحوار المتمدن-العدد: 1852 - 2007 / 3 / 12 - 11:49
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
هل ينبغي إزالة تمثال الرصافي؟
الى أين تتجه بغداد بهروبها الأول من عروبتها بهدمها تمثال مؤسسها أبي جعفر المنصور،فهل هذه الدعوة هي تكريس لهروبات بغداد حتى من عراقيتها؟ولكن الى أين تتجه بعد كل هذه السلسلة من التخليات؟ ففي الوقت الذي تحتفي فيه صفحات الصباح بالمفكر العراقي حسن العلوي الذي يحاول فيه أن يعبر بجمهور قرائه من القطيعة نحو المشاركة، وكم كنا بمسيس الحاجة الى خطاب كهذا يعمل على ترميم التشظي الذي أصاب هويتنا القومية والوطنية والدينية.اذ تحولت عملية التشظية هذه الى منهج وخطاب عمل عليه الكثيرون،فكان تخريبا ثقافيا وتربويا واجتماعيا أصاب مشهدنا الاجتماعي والديني والسياسي في الصميم، فأصبح لدينا خطاب ضاج بالكراهية التي تحولت الى سلوك عدواني إقصائي، قطفنا ثماره في مشهد القتل اليومي الذي نعانيه منذ سنوات.من هنا اعتقد ان نشر كتاب المفكر حسن العلوي (عمر والتشيع، ثنائية القطيعة والمشاركة) لبنة مهمة في منهج المشاركة والتعايش بين المكونات العراقية، وتعزيز للثقافة الوطنية العراقية،لان طريق المشتركات الوطنية وليس طريق الانعزال والإقصاء هو مستقبلنا الذي لابد ان نؤسس لثقافته، بعيدا عن الخصومة التي تجرنا نحوها نخبنا السياسية. ولكن في ظل هذه الظروف لا أجد ما نشرته الصباح إلا انجرار خلف الاحتقان السياسي الذي يعمل على تصعيده السياسيون لدينا، في الوقت الذي لا نرض لأنفسنا ان نتحول الى أدوات تحركها مشيئة المشهد السياسي وتخندقاته. وكنت مترددا في الكتابة في هذا الموضوع لحساسية الزمان الاجتماعي والسياسي الذي نخوض غماره ولكن إصرار الزميل مسؤول القسم الثقافي في جريدة الصباح جعلني أتجاوز هذا التردد الذي كانت أهم مسبباته،ان لا نكرس هكذا مواضيع هي اقرب للقطيعة منها للمشاركة بحسب العلوي . لماذا اخترت هذا العنوان دون غيره؟، وهل ثمة صلة قربى بين الروائي فرانز كافكا والشاعر العراقي معروف عبد الغني الرصافي، ليكون عنوان مقالي مستعارا من عنوان (هل ينبغي إحراق كافكا) لبديعة أمين، أقول ليس ثمة صلة، سوى ان القطيعة خسارة إنسانية فادحة.لا اعتقد ان الكاتب سلام عبود سيدعو في مقال آخر الى إحراق مؤلفات الرصافي او إزالة تمثاله،وهنا تذكرت حديث الشاعر خالد المعالي صاحب دار الجمل في كولونياـ ألمانيا،إذ قال في احدى مقابلاته ان الجماعة السلفية في الكويت أصدرت بياناً تطالب فيه الحكومة الكويتية منع الرصافي من دخول الكويت (توفي الرصافي عام (1945) بعد صدور كتابه (الشخصية المحمدية) عن دار الجمل، ولست في معرض المقارنة بين الفتوى السلفية ومقال الكاتب سلام عبود، الذي لم اعرف عنه طائفية او دعوة للكراهية، بل كان داعية للثقافة المدنية ولا ادري ما الجدوى من نشر جريدة الصباح لمقال الكاتب سلام عبود (هل كان الرصافي طائفيا)، انتابتني الحيرة من هدف الكاتب من هذا المقال، هل هو التحريض الطائفي،ونحن لسنا بحاجة الى من يحرض على الطائفية، إذ هناك الكثيرين ممن ينوبون عن هذا الكاتب الذي لم اقرأ له، ما يجعلني اعذره لأقول انه يؤدي دورا مناط به، بل كان على حد علمي كاتبا مترفعا عن هذا المستوى من الخطاب. وما نعيشه من جو مشحون بالعنف يدعونا لنكون بعيدين عن ما يزيد نار الفتنة الطائفية اشتعالا، ونحن نعلم ان هناك من لهم القدح المعلى في هذا المجال.وما كنت لأذهب الى ما ذهبت إليه لو أن الكاتب اتخذ منهجا بحثيا موضوعيا لم يقصد به الى قيمة البحث وقيمه، ولم يغمز الرصافي الى انه قدوة التكفيريين والبعثيين فقال الكاتب (تطابق بيانات البعثيين والتكفيريين مع مقولات الرصافي..... وفي القاعدة العقلية ذاتها،التي تبناها الرصافي في حياته السياسية)ولم يشفع للرصافي جميع مواقفه الوطنية التي لم يتجاوزها الكاتب في بداية مقالته إلا انه انكرها حين أراد ان يجعل من الرصافي طائفيا. فقد وصف الكاتب الرصافي (نصير الفقراء) (نظم شعرا ذا نزعة انسانية) (الشجاعة الوطنية النادرة) وقمة التناقض الذي وقع فيه الكاتب اذ وصف الرصافي بقوله (ما يميز شخصية الرصافي هو عناصر الثبات في تفكيره وسلوكه) فإذا كان ثابتا في مواقفه الوطنية المشهودة، فكيف يتلاعب به الكاتب فيجعل منه مرة وطنيا ثابت المواقف وأخرى طائفيا لا يختلف عن عقلية التكفيريين والبعثيين؟ فاين عناصر الثبات في تفكيره وسلوكه؟. وأين يضع الكاتب قصائد الرصافي السرية المطالبة بإطلاق سراح الزعيم الوطني العراقي جعفر ابو التمن وستة من الوطنيين العراقيين الذين نفتهم السلطات البريطانية الى جزيرة هنجام عام (1922) وهنا أود ان اسأل الكاتب هل كان أبو التمن طائفيا هو الآخر؟ ام كان تكفيريا ليدافع عنه الرصافي بهذا الحماس؟وكم كان الكاتب موضوعيا في سرد المواقف الوطنية للرصافي فرأى (ان الرصافي كان ينظر، الى ان السياسة العثمانية عززت الميل الفئوي في نفوس العراقيين على حساب الشعور الوطني) وهذه المقولة لا يقولها إلا وطني بعيد كل البعد عن الطائفية وألا كان متماهيا مع سياسة الدولة العثمانية آنذاك وهو الذي كان جزءاً من كيانها كونه عضواً في (مجلس المبعوثان) وان كنا قد نسينا الكثير من ثوابتنا اثر ما تعرضنا له من خلل قيم نال من كل شيء، فإننا لن ننسى ان الرصافي شاعر وطني داعي الى التقدم والتحرر، ووقف بوجه الاحتلال والانتداب البريطاني،معلمنا كان يردد ونردد وراءه: علم ودستور ومجلس امة كل عن المعنى الصحيح محرف أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف
من يقرأ الدستور يعلم انه وفقا لصك الانتداب مصنف
وكنا قد تعلمنا من الرصافي قيم التسامح: علام التعادي لاختلاف ديانة وان التعادي في الديانة عدوان؟ وما ضر لو كان التعاون ديننا فتعمر بلدان وتأمن قطان؟ اذا جمعتنا وحدة وطنية فماذا علينا إن تعدد أديان؟ لكن ان يكتب في هذا الوقت بالذات وبهذا الأسلوب ضد احذ الرموز الوطنية،لا نحسبها إلا دعوة للكراهية ولا يشفع لها التجلبب بجلباب البحث العلمي،فهي دعوة لتشويه ركن من أركان الثقافة العراقية وانسياق وراء الخطاب السياسي المتخلف الموبوء بالكراهية، فهل هي دعوة لإزالة تمثال الرصافي،كما جرى لمؤسس بغداد وبانيها ورمزها الأول أبي جعفر المنصور؟وأتساءل هنا هل وقعنا في فخ التسقيط لرموزنا الوطنية؟ وأجيب نعم هناك خطوات جادة لإفراغ الهوية والثقافة الوطنية العراقية من رموزها وعلاماتها الدالة، في ظل حملة التشويه التي تقودها ثقافة الانحطاط،في وقت نحن أحوج ما نكون الى تأسيس ثقافة التنوع والتعايش والتسامح بين المكونات العراقية. في الختام لابد ان تؤشر حالة التأني التي لابد ان يتحلى بها الجميع في ظل الظروف الشاذة التي نعيشها، وكيف يمكن ان نخاطب الشارع العراقي الموبوء بفايروسات الموت والقتل المجاني، الذي لا يعرف إلا ثقافة الإقصاء وإزالة كل ما يتعلق بالحياة، اعتقد اننا لابد ان نسعى الى ثقافة تبني ولا تهدم، تجمع ولا تبعثر، فقد أشبعتنا ثقافة الكراهية و التبعثر قتلا ندفع ضريبته كل يوم، وإذا كنا قد وقعنا في مدار الأسئلة، فلابد ان تكون هذه الأسئلة منتجة لا أن تتجه بنا الى الخراب!فاذا كان التكفيريون والبعثيون معضلة العراق وداؤه العضال، فان الرصافي ليس كذلك.
ملاحظة: كتب هذا المقال ردا على مقال الكاتب سلام عبود (هل كان الرصافي طائفيا) الذي نشر على موقع الحوار المتمدن في 27 شباط2007 واعادت نشره جريدة الصباح البغدادية .
#شمخي_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الضمانات الدستورية لحرية الرأي والتعبير في الدساتير العراقية
-
ديمقراطية بلا ديمقراطيين ، دين بلا أتباع
-
الحاجة للاصلاح القانوني : احترام وصيانة الحريات العامة وحقوق
...
-
علاقة التكامل بين المجتمع المدني والدولة
-
جذور المجتمع المدني في العراق
-
النيابية البرلمانية: مفهومها وفاعليتها في العملية السياسية
-
رجل لكل العصور
-
في سيرة وطن اسمه العراق
-
هكذا تكلمت مدينة الصدر.. حين يلقي الصابرون الدرس الديمقراطي
...
-
الفيدرالية بين جدلية الرفض والقبول
-
دور منظمات المجتمع المدني في المصالحة الوطنية
-
امريكا ليست هبلة
-
الثقافة العراقية جدل الوطنية والهويات الفرعية
-
من يشكل الراي العام في العراق؟
-
قراءة أولية في ثقافة العنف ومرجعياته
-
صباح العزاوي آخر العنقود
-
حول اغلاق مركز اوجلان للبحوث والدراسات
-
هل تطيرالديمقراطية العراقية بأجنحة أمريكية؟
-
الإسلام والغرب ....الصدام والحوار
-
المصالحة الوطنية ... المشروع الوطني العراقي ؟
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|