ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1851 - 2007 / 3 / 11 - 13:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سافر جوزف سماحة من بيروت إلى لندن ليعزي صديقه حازم صاغية، فمات عنده. حازم الذي فقد زوجته مي غصوب قبل أسبوع هو الذي سيجد صديقه ميتا. هذا وحشي جدا. سماجة لا تطاق.
كنت أعرف أن جوزف وحازم صديقان. لكني كنت أفترض، على دأب ما هو شائع في أوساطنا، أن تباعد موقفيهما الفكريين والسياسيين لا يبقى من الصداقة غير ما يقوم بأود اللياقات الواجبة. ثبتني على هذا الافتراض ما كنت أتبينه أحيانا من نقد لاذع خفي يسدده الواحد منهما إلى مقالات الآخر وتوجهاته السياسية وأدواته الفكرية.
حازم يميل إلى تركيز تحليلاته على اختلالات موروثة أو حديثة في ثقافتنا وتفكيرنا السياسي والديني وتكويناتنا الاجتماعية العصبوية وعسر علاقتنا بالحداثة..، فيما يركزها جوزف على الهيمنة الأميركية والعدوانية الإسرائيلية المستمرة والسياسات والانحيازات العربية المطاوعة لهما. حازم يقول المشكلة في الداخل، جوزف يقول المشكلة في هيمنة الخارج. حازم مثقف ليبرالي، جوزف قومي يساري. في تفكير كل منهما فائض على هذا الاختزال، صحيح. بيد أن "إشكالية" كل منهما ليست بعيدة عما وصفت. لا شيء يمكن أن يكون أكثر تباعدا في تفكيرنا المعاصر.
غير أنهما كانا صديقين. سيقصد جوزف لندن لمواساة صديقه.. وينام هناك.
هذه أمثولة صالحة. وإن كانت لا تدر عزاءا، بل وإن كان الكلام على أمثولات قد يثير الضيق في هذا المقام. بيد أن أمثولة هي ما يمكن أن تمنحنا شعورا بتوظيف الموت الذي لا يغلب في مخططات الأحياء.
وأن يموت جوزف سماحة، رئيس تحرير جريدة "الأخبار" في بيت صديقه حازم صاغية الذي يتحفظ بلا ريب على ما تمثله الجريدة من مواقف وخيارات وولاءات، لأمر يمكن أن يقول شيئا عن لبنان الحالي. فالبلد الصغير، المهدد بانقسام لا يلتئم، يحسن إلى نفسه ومحيطه لو ميز أربابه بين مقام للانحياز السياسي والفكري ومقام للصداقة. من السخف قول هذا، لكن التمييز بين المقامين أساس مناقبيات الديمقراطية.
في بلداننا التي تنتج من الانقسامات الكثير ومن الإلتآمات القليل لا تفيض الصداقة أبدا عن الحاجة. إنها ليست شيئا مستحبا أخلاقيا، بل هي لزوم سياسي وجودي.
الكتابة السياسية العربية معرضة لأن تعرج في غياب جوزف سماحة. قد لا تتفق معه، لكن لا غنى عنه من أجل تفكير متوازن.
ياسين الحاج صالح
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟