|
صداقة المفاهيم
عصام عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 1850 - 2007 / 3 / 10 - 08:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في كتابه "ما الفلسفة" عرف جيل دولوز الفلسفة بأنها " صداقة المفهوم " ناقضا التعريف التقليدي " حب الحكمة ". ورغم ان لفظة philia الاغريقية تعني الحب والصداقة ، معا ، فإن الفارق بينهما كبير، فالصداقة تسمح بمسافة مناسبة تمكننا من رؤية الامور علي حقيقتها لا الذوبان والاستغراق فيها أو الانفصال و الانعزال عنها . و هذه النقلة من "الحب " الي " الصداقة" ومن " الحكمة" الي " المفهوم " هي جوهر كل فعل نقدي و المحرك لكل نقد اليوم ، إذ لم يعد ينظر الي المفاهيم من منظور " مع " أو " ضد " ، الحب والكره ، التوله والعداء ، الانصياع والرفض . ان الفلسفة تساؤل يعيد النظر فيما تراكم لديه من أجوبة ، وهي إبداع المفاهيم، وتعريف الفلسفة من منظور إبداع المفاهيم، ينقل الفلسفة " من البحث عن الحقيقة ، إلي حيز أدوات البحث إذ أن المفاهيم لم تكن مفردات للحقيقة، بقدر ما هي أدوات أو مفاتيح تتعامل مع أجواء الحقيقة. وما حاول"دولوز"بلورته ، في إطار فكر ما بعد الحداثة في الفلسفة ؛ هو أنها ثورة على الجاهز، وسؤال لا يبحث عن إجابات بقدر ما يعمل على اختراق الحدود دون أن يدّعي الوصول ، فهي ، نقض لذاتها وتجاوز لمفهومها الأوّل"المبادئ الأولى"التي قالت به الفلسفة الأرسطية ، وإنّما هي مفاهيم لا متناهية ، هي الاختلاف والمغايرة ، وهي في ارتحال مستمر واغتراب دائم عن جسدها المصطلحي
هذا من ناحية ، من ناحية أخري أنتفت صفة القداسة عن الكلمات لانها لم تعد "حكمة" ، ولا يوجد مفهوم مطروحا للتداول والنقاش علي بساط البحث الفلسفي لايطاله النقد أو غير قابل للنقد . وعلي سبيل المثال فإننا جميعا مؤمنون بالتعددية وبالتنوع والاختلاف ، ونسر كثيرا عند سماعها أكثر من الأحادية والشمولية والتماثل ، لكن المسالة ليست في هذه الكلمات ذاتها وإنما في" عبادتها " !. وكما لاحظ " رسل جاكوبي " في كتابه " نهاية اليوتوبيا " ، فإن هذه الكلمات أصبحت " مقدسة " أو أريد لها ذلك ، ومن يرفضها أو ينقدها فسيحرق علي خازوق ، تماما مثلما أحرق جيوردانو برونو قبل أربعة قرون . لم يسأل أحد أو يسائل نفسه : ماقدر التعدد والاختلاف داخل التعددية و الاختلاف ؟ ماذا تعني كلمات مثل " تعدد" و"تنوع" و"أختلاف" أساسا ؟ علي العكس تماما مما هو شائع ، تكشف الفلسفة المعاصرة عن أن الأمور ليست كما تبدو لنا ، وإنما هي تمضي دون توقف نحو "التماثل" و" التشابه " لا التعدد والاختلاف ، وهنا مكمن المفارقة ، وإن شئت المراوغة ، فهي تقر وتعترف بالتعدد والاختلاف والتنوع ، ولكن من أجل إلغائه ودمجه في "وحدة " هي "وحدة معني" أو "هوية مبني" . ان " منطق الشبيه والمثيل " The Same - Exemplar إذا استعملنا لغة دريدا في "سياسات الصداقة" هو منطق استعلائي يرفض الآخر وينبذ الأختلاف . و قد دشن إيمانويل ليفيناس – Levinas ( 1906 -1995 ) ومدرسة مابعد الحداثة النقد الجذري لفكرة الشبيه ، ذلك ان تحويل الذات الي موضوع أو في التعامل مع الاخر كموضوع يعد عملا تعسفيا . وسبق لإدوارد سعيد في كتابه " الاستشراق " الصادر عام 1978 ان نبه الي ان هذا التحويل للذات الي موضوع يحط من انسانية الآخر ، وهو رفض لحقه في الوجود كانسان له تاريخه وثقافته وطريقته الخاصة في الحياة . ويري انه إذا ما كانت هناك من أخلاق خالصة فهي تلك الاخلاق التي لا تبغي إمتلاك الآخر لان كل معرفة هي سيطرة . وهي نفس الفكرة التي دافع عنها " ليفيناس " حين تحدث عن ضرورة الحفاظ علي مسافة أو قطيعة بين الأنا والآخر ، فكل معرفة سلطة وكل سلطة عنف . من هنا دعا الي أخلاق تتأسس علي " الآخر " وعلي المسئولية تجاه الآخر ، وبلغه ليفيناس نفسه : علي علاقة " وجه – لوجه " وليس " كتف – لكتف " التي تسود المجتمعات الأخواتية . وهي نفس الفكرة التي عمل دريدا علي تفكيكها سواء في قراءته لأخلاق نيقوماخوس عند أرسطو أو لصداقة شيشرون أو في نقده لكتاب مفهوم السياسة للفيلسوف كارل شميت أو للمقال الافتتاحي لهيدجر إبان تسلمه عمادة جامعة فرايبورج .وهي فكرة أو تقليد لا يسود الفلسفة الغربية وحسب ولكن أيضا كل المجتمعات الأخواتية والقبائلية والعشائرية التي تمجد "الاخ" وتعلي من شأن "الاخوة". فقد حذر في كتابه " سياسات الصداقة " كما في كتابه " مارقون " من الديمقراطية القادمة ، ودعا الي نبذ منطق الأخ والشبيه . يقول " لا خطر علي الديمقراطية القادمة إلا من حيث يوجد الأخ ، ليست بالضبط الأخوة كما نعرفها ، ولكن حيث تصنع الأخوة القانون ، وتسود دكتاتورية سياسية بأسم الأخوة " ....فالدعوة الي الأخوة العالمية اليوم قد تلغي الغيرية وكل حق في الاختلاف ، وهو ماتنبهنا إليه الفلسفة .
#عصام_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرات علي عالم اليوم
-
شباب وأحزاب.. ولغة سرية وعولمة
-
دعوة إلي كتاب الحوار المتمدن
-
في الذكري الخمسين للعدوان الثلاثي علي مصر
-
جدلية القمع والتخفي
-
الارهاب يستعين بالمقدس... وقائع أوروبية
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|