ياسر اسكيف
الحوار المتمدن-العدد: 1848 - 2007 / 3 / 8 - 11:49
المحور:
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2007 -حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعية والبيئية والموروث الديني
1 – بين الإماء والحرائر نسج الحجاب :
باستثناء الآية ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين أناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلك يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا ً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلك كان عند الله عظيما . سورة الأحزاب ) ما من آية أخرى في القرآن أتت على ذكر الحجاب
وفي العودة إلى أسباب التنزيل أن عمر بن الخطاب قال للنبي : إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن بأن يتحجبن . فنزلت الآية . ويقال بأن الآية قد نزلت بعد زواج النبي من زينب بنت جحش وما رافق ذلك الزواج من التباس . وفي القراءة المتأنية لهذه الآية نجد بأنها ليست أكثر من علامة على القلق من انجرار نساء النبي وراء شهواتهن .
ولأن هذه الآية تخصّ نساء النبي دون غيرهن , ولأسباب واضحة ومحدّدة , فلا شأن لبقية نساء المسلمين بها وخاصّة أن التفريق التفاضلي بين نساء النبي وبقية نساء المسلمين قد جاء نصيّا ً ودون مواربة : ( يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء * سورة الأحزاب ) . وبالتالي ليس هناك من نصّ قرآني يشير إلى فرض الحجاب لا كزي ولا كواجب ديني . وان المراحل التي مرّ بها النص الديني فيما يخص قواعد اللباس عند المرأة المسلمة نجد أنه بعيد كلّ البعد عن المبررات والمسوّغات التي افترعها الفقهاء وكرّسوها .
الحجاب ليس زيّا ً بل هو مجرّد حاجز أو ساتر يفيد الحجب ولا يعني أو يخصّ الجسد أبدا ً , ذلك أنه يمكن للمرء أن يكون عاريا ً من أي لباس ومحجّب بذات الوقت . والآية المعنية بالحجاب تشير إلى ذلك دون لبس . وأما ما يدخل في إطار القواعد الإسلامية التي تحدّد ما المطلوب من المرأة المسلمة أن تلبسه , وطريقة قيامها بذلك , فيعود السبب فيه إلى الجواري وغير المسلمات . أي أنه وليد تمييزين : - ديني طائفي – طبقي عرقي .
ومن الجدير بنا أن ننتبه إليه هو أنه لولا وجود الإماء والجواري في النسيج الاجتماعي العربي , والعربي الإسلامي , لما تم نزول آية الجلابيب على سبيل المثال : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين * سورة البقرة
ذلك أنه في العودة إلى أسباب نزول هذه الآية نكتشف كم أنه من المثير للسخرية , ومن المحزن والمعيب , أن تكون نصّا ً يستند إليه اليوم في شرعنة اللباس . إذ أن سبب نزول هذه الآية أن بعض الرجال كانوا يلحقون بالنساء اللواتي يخرجن إلى الخلاء لقضاء حاجتهن طمعا ً بالفرجة وربما أكثر ظنا ً منهم أنهنّ من الجواري أو من غير المؤمنات , فشكتهم النساء إلى النبي فنزلت الآية لتشير إلى إيجاد تفريق رمزي في اللباس ( كلمة سر ) تجعل المؤمنات في منجى من الأذى وكأنما الآية لا ترى في تعرّض الجواري , أو حتى غير المؤمنات , لنفس الأذى أمرا ً مشينا ً ومرفوضا ً ! ليس هذا فحسب بل أن التاريخ يذكر بأن عمر بن الخطاب كان يضرب الجواري ويمنعهن من إدناء جلابيبهنّ إذا فعلن ذلك في محاولة منهن لاتقاء الأذى !!! . ومن اللافت أيضا ً في هذه الآية , وفي أسباب تنزيلها أن كلمة السر ستبعد الأذى بالتأكيد , أي أن الرجال الفجار الذين يلاحقون النساء سوف يمتنعون عن ذلك بمجرد معرفتهم لإيمان المرأة الذي يشير إليه لباسها . وما دام هؤلاء الفجار يطيعون الأمر الإلهي إلى هذه الدرجة فلماذا لم يتوجه إليهم بالخطاب ويأمرهم بعدم الإساءة إلى أي امرأة كانت !!!!!! ؟؟؟
والسؤال الذي يمكن توجيهه إلى الفقهاء والى الرعاع الدهماء الذين ينقادون إلى هلوساتهم :
ألا يسقط الحكم بانتفاء السبب ؟ أي مادامت دورات المياه في كل منزل , وما دامت القوانين قد ألغت الرق ّ منذ زمن طويل , فكيف يمكننا الأخذ بحكم يخصّ وجودهما ونعتبره فرضا ً شرعيا ً في أيامنا هذه .!!!!!! ؟؟؟؟؟؟
وأما الآية الثالثة التي يتمسك بها فقهاء التحجيب على أنها سند نصي يفيد ألوهية الأمر فيما يخصّ الحجاب فهي الآية المتعلقة بالخمار :
( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها وليضربن بخمورهنّ على جيوبهنّ .
* سورة النور ) المتمعنّ في هذه الآية يجد أن النص الديني يطلب من المرأة المؤمنة أن تغاير ما هو متعارف عليه من شكل اللباس . حيث كانت العربيات ( وما زالت البدويات , والقرويات بشكل عام يرجعن أطراف غطاء الرأس إلى الخلف فوق ظهرهنّ إلى يومنا هذا ) في ذلك الزمن يسدلن أطراف غطاء الرأس إلى جهة الخلف فيبقى النحر مكشوفا ً . بينما بإسداله إلى الأمام , كما تطلب الآية , فان النحر يصبح مستورا ً . وبالتالي فالآية نطالب المؤمنات بزيادة الحشمة في إطار الزي واللباس الذي يرتدينه . إنها تطلب طلبا ً , وشأن الآيات السابقة , لا تفرض فرضا ً ولا تقترح نمطا ً محدّدا للباس الذي يسمى شرعيا ً , والذي فصّله الفقهاء ونسبوه كذبا ً وافتراء ً إلى النص الديني .
2 – الحجاب وذكورية النص الديني :
لطالما كان الجسد والسيطرة على امكاناته من أهم الامتحانات التي تواجهها أية منظومة ميتافيزيكية . فالجسد الحرّ لا يحتكم إلا للتجربة وبنتائجها يستدلّ . وتاريخ الأديان ليس سوى سجّل لمراحل السيطرة على الجسد وتحويله إلى أداة تتحرك كمنفذ أبله لوصايا المنظومات .
والتهديد الذي تحتشد به الكتب السماوية عن صنوف العذاب الجسدي الوحشي لمن يخالف تعاليمها خير دليل على درجة الخوف من هذا الجسد ومدى الرغبة في تهميشه وسحقه وإقصائه , كما الحدّ من طاقاته وتحولاته .
ولأن النص الديني , التوراتي والقرآني على وجه الخصوص , ضاجّا ً بالمنبع الذكوري , فقد كان على النساء المسلمات , ومن قبلهنّ اليهوديات أن يتحملن وزر الجسد الذي ليس أنثويا ً فقط .
لقد حمّل الذكور , وعبر النص , تبعات أجسادهم للنساء .
حواء أغوت آدم وأخرجته من الجنة . و هكذا كرّت حبات السبّحة .
وحتى يومنا هذا توجّه أصابع الاتهام للمغتصبة على أنها سبب في اغتصابها , وأنها لولا كونها مثيرة لغريزة الرجل الجنسية لما أقدم على اغتصابها . لنتصور . المرأة مدانة بجسدها الذي لم تكن أبدا ً السبب في وجوده . ! إنها مدانة بوجودها بكل بساطة . !
والنص القرآني لم يفعل حيال ذلك سوى التأكيد . انه ببساطة لم يخاطب الرجل ويأمره أن يسيطر على غريزته , وأن يمتنع عن الإساءة إلى المرأة , أيا ً كانت , بغير حق . مع أنه فعل ذلك في مواقف أخرى , وتحديدا ً فيما يخصّ الصيام والتحكم بغريزة الأكل
واعتبر ذلك فرضا ً وركنا ً من أركان الإسلام . لقد وضع الجسد ذكريا ً كان أم أنثويا ً أمام امتحان الجوع . فلماذا لم يضعهما معا في امتحان التحكم بالغريزة الجنسية ؟؟!!!
لقد أمر الله , في مواضع كثيرة من القرآن , بتحريم ما أراد أن يحرّمه على عباده , وما دامت الآيات السابقات الذكر لم تذكر بأنه حرّم على المرأة عدم ارتداء الحجاب فلها الحق في ارتدائه أو عدمه ولا ينقص العدم من إيمانها مثقال ذرّة . وفي هذا المقام لا يفيد ما يحاوله الفقهاء والمتفقهون من تمرير فرضهم للحجاب , على أنه أمر الهي , بحجّة أن الجسد الأنثوي المكشوف محرّض على الرذيلة
إذ يثير غرائز الرجال , الذين لا حيلة لهم تجاهها ! وإذا كان هذا الاتهام حقيقيا ً فهل تعتبر أجساد الطفلات الصغيرات المحجبات مثيرة أيضا ً ؟ !!!
والسؤال الأدهى : ألا يمكننا أن نحدث بالتكوين النفسي , وبالتالي بالسلوك الوظيفي الاجتماعي , للكائن الذي يعيش حياته , منذ وعيه على الدنيا بإحساس مفاده أن جسده خطيئة , وأنه هدف راهن للاعتداء والفتك ومصدّر رئيس لأسباب الرذيلة والفاحشة ؟ ؟؟ !!!
ولو كان الحجاب الممارسة الوحيدة التي تهدف إلى مسخ المرأة لكان إفشالها على درجة من السهولة . غير أنه , وباصطفافه ضمن منظومة محكمة من الممارسات التي تهدف إلى إذلال المرأة وسحقها وتهميشها وممارسة كل صنوف التمييز الجنسي ضدها , يصبح أمرا ً لا يجب السكوت عنه بل والتصدي بكل الوسائل للدعاوى التي تحاول فرضه وكشف عمقها اللاديني .
#ياسر_اسكيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟