|
المادة الثانية.. ليست مقدسة
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1849 - 2007 / 3 / 9 - 13:56
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
أصبح من يطالب بإعادة النظر فى المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع كمن يسبح ضد التيار، أو من يقدم على مغامرة غير مضمونة العواقب. وأسباب هذا المأزق متعددة من بينها أن هذه المادة تكاد أن تكون القاسم المشترك الوحيد بين الحزب الوطنى الحاكم وبين جماعة الاخوان المسلمين التى تطلق عليها الحكومة لقب الجماعة المحظورة رغم ذلك الاتفاق اللافت للنظر والمثير للدهشة حول تبنى هذه المادة خاصة وأن هذه المادة تعطى المسوغ «الدستورى» لـ «وجود» الجماعة «المحظورة»! وبالتالى فإن من يطالب باعادة النظر فى المادة الثانية إنما يضع نفسه فى مواجهة الحكومة والجماعة معًا. وبين مطرقة حزب الحكومة وسندان الجماعة المحظورة يكاد العلمانيون - ليبراليون ويساريون - أن يكونوا فى مهمة مستحيلة خاصة وأن قضية اعادة الثانية فى حد ذاتها توفر لخصومهم أرضية خصبة للعب على عواطف الناس البسطاء ودغدغة مشاعرهم الدينية، وتصوير كل من تسول له نفسه الاقتراب من المادة الثانية كما لو كان كافرًا أو زنديقًا والعياذ بالله. حتى الدكتور عصام العريان أحد القيادات الأكثر اعتدالاً ومرونة لجماعة الاخوان قال بحدة غير معهودة فيه «إن أى حديث عن تعارض الشريعة الاسلامية مع حقوق المواطنة افتراءات وأكاذيب». هذا الخطاب الخشن الغريب على دماثة الدكتور عصام العريان يغلق أبواب الحوار الهادئ بوصفه الآراء المخالفة له بانها «افتراءات» و«أكاذيب». وأنا شخصيًا أحد اولئك الذين يرون أن المادة الثانية تنطوى على مشاكل فيما يخص مبدأ المواطنة، ولا أرى فى ذلك الزعم «افتراء» أو «كذبًا» على أحد. وطالما اننا نتحدث عن الدستور فاننا نسعى فى حقيقة الأمر إلى عقد اجتماعى جديد يقوم بالضرورة على «التوافق» المجتمعى وبدون ذلك التوافق لا نكون بصدد دستور ديمقراطى وإنما بصدد «إملاءات». والعلمانيون - ليبراليون ويساريون - لديهم حجج كثيرة تسوغ المطالبة بفصل الدين عن السياسة دون أن يكون فى ذلك انتقاص من شأن الدين أو تطاول عليه. وهذا الفصل يستوجب الكف عن الحديث من دين «رسمى» للدولة فالدول ليس لها دين باعتبارها كيانًا اعتباريًا، والدول لن تبعث يوم القيامة، والاقرار بوجود دين «رسمى» يمكن أن يفسر بأن الأديان الأخرى غير رسمية. كما أن هذا الفصل بين الدين والدولة يستلزم أيضًا اعادة النظر فى نص المادة الثانية فكما جاء فى بيان أخير لمركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان فان «الدستور لم ينص على وجود مصادر أخرى للتشريع سوى مبادئ الشريعة الاسلامية، وهو ما يعد - حسب نص البيان - انتكاسة خطيرة لمبدأ المواطنة والدولة المدنية ويميل بمصر ناحية الدولة الدينية». وتجربة ربع قرن من تعديل المادة الثانية - كما يقول البيان ذاته - «أثبتت انها كانت عاملا أساسيًا فى تراجع دور الدولة الحيادى تجاه مواطنيها، كما جرى توظيف هذا النص لاشاعة مناخ التطرف وكبت الحريات والحجر على البحث العلمى والابداع. ومع أن الغاء المادة الثانية هو الحل الأمثل من وجهة نظر كاتب هذه السطور - فان ضرورات «التوافق» - التى هى الأساس كما قلنا فى صياغة دستور يحظى بتراضى مختلف طبقات وفئات المجتمع - تجعلنا ننادى بـ «حل وسط» بحيث لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم. هذا الحل الوسط ينادى بالابقاء على المادة الأولى والمادة ا لثانية لكن مع نقلهما من صلب الدستور إلى ديباجته، مع تعديلهما بحيث يتم استبدال مسألة دين الدولة الرسمى بصيغة تقر واقع الحال وهو أن مصر دولة أغلبية سكانها من المسلمين، ويتم تعديل الصيغة التى تنص على أن مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع بصيغة أخرى تقول ان مقاصد الشريعة الاسلامية والشرائع السماوية الأخرى ومواثيق وعهود حقوق الانسان هى المصدر الرئيسى للتشريع. بهذا التعديل نبقى على «الشريعة الاسلامية» لارضاء الاخوان والحكومة، ونهدئ مخاوف غير المسلمين باضافة الشرائع السماوية الأخرى ومواثيق حقوق الانسان. وليس هذا مجرد حل توفيقى بل انه من الناحية الموضوعية حل يؤدى إلى رفع التناقض بين مواد الدستور وبعضها البعض فى ظل الوضع الراهن. هذا أحد الاجتهادات لكيفية التعامل مع هذه القضية الشائكة، وليس من الإنصاف قطع الطريق على كل من لديه اجتهاد بمنهج الدكتور عصام العريان الذى يذهب إلى انه «كان أحرى بهذا الجمع - المطالب بتعديل المادة الثانية - أن يتصدوا للفساد والاستبداد والتسلط والقمع الذى يمارسه النظام من إهدار لحقوق الأغلبية والأقلية بدلا من التصدى للشريعة». والاحجاف فى هذا الرأى أن التصدى ليس للشريعة - كما قلنا - وإنما هو للخلط بين ما هو مطلق وما هو نسبى بين ما هو دينى وما هو دنيوى. وأن الاهتمام بهذه القضية لا يعنى تأييد «الفساد والاستبداد والتسلط والقمع الذى يمارسه النظام» وإنما هو بالأحرى يعنى النضال ضد نوعين من الاستبداد، الاستبداد السياسى، والاستبداد الدينى اللذين يلتقيان معًا فى نهاية المطاف. وكما نرى فانه ليس من باب الصدفة أن يتفق الخصمان اللدودان الحزب الوطنى والجماعة الاخوانية على تقديس المادة الثانية!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرية العقيدة.. يا ناس!
-
ماجدة شاهين.. الدبلوماسية الأكاديمية
-
صدق أولا تصدق: نقد رئيس مصر مباح .. وعتاب أمير عربى ممنوع!
-
»الوفاق« الوطني و»النفاق الحزبي«
-
ما رأيك يا وزير التنمية الإدارية
-
هل يتمتع كلاب الأمراء العرب ب -الحصانة- فى مصر؟
-
تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية يفسر تراجع ترتيب مصر
-
اقتصاد يغدق فقراً
-
بدلاً من تضييع الوقت والجهد في الرد علي الفتاوي الهزلية: تعا
...
-
كأن العمر .. ما كانا!
-
حتى فى السودان
-
التعليم..غارق فى بحر من الفساد
-
الذكرى السنوية الأولى للكارثة
-
ثقافة الإضراب
-
التعذيب.. يا حفيظ 1-2
-
جلال الغزالى
-
ذيول جريمة بنى مزار
-
التعذيب.. يا حفيظ 3
-
راحت السكرة وجاءت الفكرة
-
لبنان .. فى مفترق الطرق
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|