لا أدري لماذا يجب أن نكون متشابهين، ومتطابقين، ونسخا، في كل شيء، بما في ذلك في الأحلام والأفكار والأحذية والنساء والمقالات والأمراض والعقد النفسية؟
لماذا نحبس الناس في خانات وتصنيفات ومخازن وعناوين؟
لماذا لا نتركهم يتفتحون في ظروف طبيعية؟
صحيح أن العقل المشرقي يميل إلى الكتلة، والجماعة، والحشد، والقطيع، والجمع، لكن من حق الإنسان أن يحلم لحسابه الخاص، ويغرد خارج السرب، وينشد خارج الحشد، ويفكر على الضد من القطيع أو الراي العام، ويذهب إلى السجن لحسابه الخاص.
ليس هناك عقد بيننا على العيش والموت على صورة أو مثال أو نموذج أو فكرة أو عقيدة، وهذه حالة عملت الأحزاب الشمولية لتحقيقها وفشلت بصورة قاطعة.
من يريد أن يحلم لحسابه فليحلم.
ومن يريد أن ينتحر على طريقته فلينتحر.
ومن يريد أن يعشق الكوابيس فليعشق.
ومن يريد أن يكون زعيما على حشد من الذباب فليكن.
لا حدود للحلم ولا حدود للوهم ولا للرغبة.
هناك من يحلم بأن يكون مثل جمال عبد الناصر ومعه حق.
وهناك من يحلم بأن يكون نسخة طبق الأصل من عبد الحليم حافظ ومعه حق أيضا.
وهناك من يريد تقليد "فيفي عبدو" واحتجاجاتها المتكررة على قلة الذوق، وقلة الحرية، وقلة المال، وقلة الخيل" لذلك شدوا على الكلاب سروج!"
معها حق كذلك.
هناك من يحلم بأن يكون غرابا ينقر صلعة أعضاء مجلس الحكم الانتقالي، وهناك من يحلم أن يكون وردة على سترة أحدهم أو حتى على نعاله.
معه حق.
هناك من يريد أن يخطف قبلة من زعيم هذا الحزب أو ذاك، وهناك من يريد أن يخطف منصبه، أو بنته، عشقا، أو يخطف بصقته لصالح الجماهير.
معه حق.
هناك من يريد أن يشتري مكنسة لزوجته في عيد ميلادها بدل باقة زهور، وهناك من يريد أن يشتري حفاظات أطفال كهدية لمجلس الحكم الانتقالي في أول قرار تاريخي بتسليم جثة.
ومعه حق.
هناك من يريد أن يستشهد على طريقة ذو الفقار علي بوتو في الموت شنقا، ورفضا، وكبرياء، وهناك من يريد أن يموت على دين المحبوب، كما في قارئة الفنجان.
ومعه حق.
هناك من يختار أن يخرج في مسيرة تنتهي بحفلة رصاص، ويموت مضرجا بحريته، وهناك من يريد الخروج في مسيرة ردح وتزمير ورقص ويسقط مضرجا بالأحذية.
معه حق.
هناك من يحلم أن يعود إلى الوطن على إثر ثورة، يكون هو فيها في مقدمة فرقة خيالة تصهل على أبواب بغداد، وهناك من يحلم بأن يصهل هو على ابواب عجائز إسكندنافيا، ويموت مضرجا بلباس داخلي ، بلا خيل، ولا ليل، ولا بيداء تعرفني.
يموت وفي يده "العازل" كشعار لحقبة المنفى.
واحد يريد أن يبيع الوطن، ويقول أنا مناضل.
آخر يريد أن يبيع حليب أطفاله من أجل القمار.
ثالث يحلم أن يكون مقاوما ويموت في شارع كالأشجار.
رابع يريد أن يكون واشيا ودليلا ويموت على مزبلة ويكون مستقبله كمستقبل القحف.
خامس يحلم أم يصير فراشة تلدغ ثعبانا.
سادس يحلم أن يكون ثعبانا يلدغ فراشة.
سابع يريد أن يكون شجرة في برية تحط عليها فراشة أو ينام تحتها ثعبان.
ثامن يريد تغيير التاريخ.
تاسع يريد تغيير المراحيض.
عاشر يتمني أن يكون مهرجا في سيرك أو فأرا في مختبر تجارب.
كلهم معهم حق.
من يريد أن يكون غليونا فليكن.
من يريد أن يكون خشب أسنان فليكن.
من يريد أن يكون هاتفا خلويا،
أو مبولة عمومية،
أو ممسحة مناضد،
أو زعيم حزب ثوري عبر الهاتف الخلوي،
من يريد أن يؤسس جمعية لمكافحة التلوث،
مكافحة التصحر، مكافحة الصلع، مكافحة العقم، مكافحة الذباب، مكافحة الرشوة، مكافحة الجراد، مكافحة النظام العالمي الجديد، مكافحة العولمة، مكافحة العنصرية، مكافحة خارطة الطريق الجديد، مكافحة الأمراض النفسية، والجدري، والزكام، مكافحة الضباب على طريق المطار الدولي، مكافحة الثلوج وثقب الأوزون وسرقة الأملاك العامة، وغسل الأموال، وغسل سجلات المدن بالحرق، مكافحة الجليد كي لا يضرب السفن المبحرة نحو البيت الأبيض، مكافحة الكتاب كي لا يصيروا كتابا يفكرون لحسابهم الخاص، ومكافحة المسرحيين كي لا ينتجوا غير مسرحية واحدة، ومكافحة الأنقاض كي لا تهرب إلى الدول الصديقة والشقيقة.
كل هؤلاء معهم حق.
من يريد بعد اليوم أن يكون حمامة معه حق.
من يريد أم يكون زاغا أو جربوعا معه حق.
ومن يريد أن يكون مزبلة معه حق.
من يريد أن يجلس في مقهى على رصيف ويصطاد السمك من الغبار معه حق.
ومن يريد فتح محلا للمشهيات، ومن يريد أن يفتح بقالية حزبية، ومن يريد أن يفتح صحيفة، أو مقبرة معه حق.
من يحلم بتأسيس مرحاض عام، أو مسرح ثوري، أو عبثي، من يريد فتح موقعا اليكترونيا، أو مضيفا، أو ديوانية، أو دهليزا للفن من أجل الفن، ومن يريد أن يفتح مسلخا، أو يفتح محطة قطار، أو حركة اصولية، أو مكتبا للزواج المثلي " الجنس المعاش!" من جنود الاحتلال، أو مكتب صداقة مع المخابرات الدولية، من يريد فتح حيفا، أو فتح زقاقا في حي شعبي، من يريد فتح إذاعة أو روضة للكلاب ، من يريد أن يفتح انفاقا من الحزن على حساب مشاعرنا بحجة حرية التعبير، أو حرية التبعير، معه حق كالآخرين.
من يرغب في لبس العقال فوق الرأس، أو وضع الرأس فوق العقال، أو وضع الحذاء في الأرجل، أو وضع الأرجل فوق الأحذية، ومن يرغب في صياغة دستور لماخور أو بار أو مقهى أو مستشفى أو رصيف أو زريبة، من يريد أن يرسم أطفالا، أو حجارة، أو أطفال الحجارة، أو حجارة بلا أطفال، من يرغب في أن يكون ضد اليأس والإحباط والشخير والحزن والفوبيا، من يريد أن يسافر حالا إلى الوطن على طائرة، أو شاحنة، أو بعير، أو على القدمين، من يريد أن ينام على ظهره أو بطنه في زمن النهوض العربي، من يريد أن يكون طائر بجع أو كلبا ينبح على القمر والسراب والوهم، من يريد أن يكون شاعرا في التصحر وشارات المرور وأعشاش الطير والغرام، ومن يريد أن يكون شيخا على قبيلة من الكلاب أو البشر أو النعاج، كل هؤلاء معهم حق.
من يريد أن يدفن واقفا، أو نائما، أو يترك جسده لبزاة الطير والجوارح، أو المختبرات الطبية، أو قوات التحالف، أو للمطربين الجدد، أو باعة الشلغم في ساحة الطيران، أو باعة الوطن، أو باعة الوهم، أو باعة المطر للرياح، أو باعة المعتقلات القديمة للكاميرات، أو باعة الليل العراقي الجميل، بالتدليك، والتخويف، والترغيب، والابتزاز، إلى الشركات العابرة للقارات، والعابرة للركب، والعابرة للمستقبل، كل هؤلاء معهم حق.
من يطالب بوحدة الوطن معه حق، ومن يطالب بتقسيمه معه حق، من يريد أن يكون وزيرا للخارجية، أو الداخلية، أو الإعلام، يجب أن يكون انفصاليا، أمريكيا، ومن يريد أن يكون محافظا على مدن صلاح الدين، ديالى، الموصل( الشريط الحدودي الجديد!) يجب أن يكون "جبوريا" كجزء من صفقة البيع مع "الجبور" يتعهد بموجبها هؤلاء بقضم أراضي جديدة ومنحها للدولة القومية "الفتية" القادمة في صفقة عقارات تمت قبل سنوات، مقابل دعمهم في وظائف حكومية ومشاريع ومقاولات وعقارات!
كل هؤلاء معهم حق.
من يريد أن يؤسس مدرسة روائية، أو فكرية، أو فنية، أو حزبية، أو فرقة اغتيالات، أو فرقة ردح، أو فرقة طرب باليورو أو العملة الوطنية، معه حق.
كل هذه المصائب وموقع" أبو الفلافل!" الالكتروني غير مهتم إلا بمطاردة هذا الكاتب أو ذاك من قارة إلى قارة، ومن بلد إلى بلد، ومن جنسية إلى أخرى، ومن صحيفة إلى صحيفة، لكي يكتم أنفاسه من أجل الحرية، والديمقراطية، والعدالة والنزوة!
كل ذلك لكي يشعر بنشوة وهو في الطائرة،
أو هو على الهاتف، أو في السرير، أو في المصح، أو المصعد، والعراقيون في الداخل والخارج يتساقطون رقصا من الحنين أو الرصاص رقصة المذبوح على أنغام التانغو!
الصراعات السياسية والفكرية والاجتماعية لا تخضع لشعارات أو أخلاقيات بوس اللحى، والترضية، والمساومة ودفن الرأس بالرمل أو الهروب إلى الأمام أو التجاهل أو التغاضي.
كل ما سنهرب منه اليوم سنجده في يوم آخر وقد صار حربا أهلية، أو فتنة قومية أو طائفية، أو فوضى عارمة، أو دولة فاسدة.
علينا مواجهة الواقع المر كما هو.
لا بالنوم في النهار على الكنبة، ولا بالأحلام، ولا بكأسك يا نصر، ولا بالتمني، أو الغزل، أو الوهم، ولا بالدموع الخشنة، والقمصان الواقية من الرصاص، أو المقالات الواقية من البرد، ولا بشعارات يستر الله العراق فيه شعب واع، وعريق، والحرب الأهلية، أو التقسيم وهم من اختراع أعداء الوطن، أعداء الحزب، أعداء التاريخ، أو اعداء الافتتاحية، اعداء الرفيق أبو ثورة أو ابو تحرير أو ابو نضال أو ابو بريص أو أبو عجو، أو اعداء الدستور، أو اعداء الحرية..الخ. الخ..
من يخالف هؤلاء على رأي أو فكرة أو وجهة نظر، يجد نفسه يوما وان طال محمولا على حمار أبتر وعلى راسه الطربوش وهو عميل في الموساد، والسافاك، والسي،آي، ايه، وفي المخابرات السريلانكية..الخ. وطبعا دون أن يدري المسكين!
الحروب الأهلية وقعت في أرقى الدول( شهدت فرنسا قبل قرون أربع حروب أهلية، كذلك أمريكا، روسيا...الخ). لا ضمانة من الكوارث والحروب والفتن والمآسي بأسلوب دفن الرأس في الرمل أو في الخمر أو الوهم أو النشوة أو الجهل.
أخاف هذه الأيام من لعبة ذبح الجمل بعد سقوطه.
من تقسيم الوطن بعد تدمير الدولة والمجتمع.
من الشريط "الجبوري" الجديد مع مدن الشمال.
من الصفقات والعمولات والرشاوى.
من الوزراء الجدد.
أخاف من الصمت والسكوت والأريحية العراقية المدمرة.
أخاف خوف طفل أمام غابة في مساء خريفي شاحب.
أخاف وأريد أن اصلي،
لكني لا أعرف الاتجاه،
فهل يحق لي الصلاة في الإنترنت؟!