|
الانتخابات في مناخ -الفقر الديمقراطي-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1847 - 2007 / 3 / 7 - 12:53
المحور:
المجتمع المدني
قبل التحدُّث في "الكيمياء الاجتماعية والسياسية"، دعونا نستوضح الأمر مدار الاهتمام عَبْر مثال من الكيمياء الطبيعية. نعرف أنَّ الماء يتألَّف من جزيئات، وأنَّ جزيء الماء يتألَّف من ذرَّة أوكسجين واحدة وذرَّتي هيدروجين. ولكن، ثمَّة ما هو أهم من ذلك، وينبغي لنا معرفته، وهو أنَّ خواص وصفات الماء ليست "حاصِل الجَمْع" بين خواص وصفات عنصري الأوكسجين والهيدروجين اللذين يتألَّف (أو يتركَّب) منهما، فلجزيء الماء المتأتي من الاتحاد الكيميائي بين غازي الأوكسجين والهيدروجين من الخواص والصفات ما يجعله مختلفا نوعيا عن مُكوِّنيه.
وفي هذا المعنى، يشبه "المجتمع (أو الأمة، أو الشعب)" جزيء الماء، أي أنَّه في خواصه وصفاته ليس "حاصِل جَمْع" بين خواص وصفات أفراده وأبنائه، فما المعنى البرلماني الذي ينطوي عليه هذا؟ معناه، الذي لا يختلف فيه اثنان من علماء "الكيمياء الاجتماعية والسياسية"، هو أنَّ تمثيل المجتمع (أو الأمة، أو الشعب) في البرلمان، وبالبرلمان، لم يستوفِ بَعْد شروطه، فمجلس النواب لدينا لا يملك من خواص وصفات التمثيل إلا ما يجعله "حاصِل جَمْع" بين خواص وصفات "الجماعات دون القومية" التي أنْتَجَته، انتخابيا، بفضل قانون انتخابي، فُصِّل على مقاسها، ولا يسمح لـ "المجتمع"، الذي يختلف نوعيا عن مكوِّناته من الأفراد، ومن تلك الجماعات، بأن يُمَثَّل في البرلمان؛ لأنَّ تمثيل المجتمع في البرلمان يَفْقِد معناه وقوامه إذا لم يكن تمثيلا سياسيا ـ حزبيا.
هل نَزِنُ هذا "الفساد الانتخابي" بـ "ميزان الخطأ والصواب"، فنَنْظُر إليه على أنَّه "خطأ" يمكن تخطِّيه عبر "الحوار المنطقي والعقلاني"؟ جوابي هو أنَّ هذا "الخطأ" ينطوي على "الصواب"؛ ولكن ليس بـ "ميزان العقل"، وإنَّما بـ "ميزان المصالح (الفئوية الضيقة)"، فالقانون الانتخابي، الذي بحسبه نَنْتََخِب وكأننا نَنْتَحِب على حقوقنا الديمقراطية، لم يُكْتًَب إلا بمداد من له مصلحة فعلية وحقيقية في إبقاء "المجتمع (الأمة والشعب)" في خارج البرلمان، جسدا وروحا.
البرلمان، بأعضائه، إنَّما هو اقتراح يُقْتَرَح، فنقاش وتبادُل للرأي يَظْهَر فيهما ويتأكَّد الصراع، فتصويت، فقرار، في قضايا وأمور لا يمكنها، بحُكْم طبيعتها، أن تكون مدار اهتمام "الجماعات دون القومية"، بناخبيها وممثِّليها البرلمانيين، الذين لصفتهم التمثيلية الضيِّقة يتركون للحكومة أمر بت تلك القضايا والأمور بتَّاً متلفِّعا بالموافقة البرلمانية، فتَتْرُك لهم الحكومة، عملا بمبدأ المعاملة بالمثل، حرِّية "الاستئساد البرلماني" في القضايا والأمور التي لا تنبعث منها رائحة سياسية، وكأنَّ هذا التقاسم اللعين يقوم على مبدأ "أعطِ ما للحكومة للحكومة، وما للبرلمان للبرلمان".
وحتى لا يُفْهَم هذا المبدأ على أنَّه توأم مبدأ "فصل السلطات"، نقول إنَّ العمل به يفضي إلى أن تضيف الحكومة إلى سلطاتها التنفيذية سلطات برلمانية مهمة وجوهرية، وإلى أن يختلف البرلمان في سلطاته عن سلطات المجالس البلدية كمِّيَّاً فحسب، وكأنَّه "أُم المجالس البلدية".
وليس هذا فحسب، فـ "الفصل (الوهمي) بين السلطات الثلاث" تُرْجِمَ، ويُتَرْجَم، بـ "حكومة ثلاثة في واحد"، فالحكومة ثُلْثها "شرطي"، وثُلْثها "قاضي"، وثُلْثها "مُشَرِّع"!
لقد اسْتَنْفَدت الحكومة والأحزاب الجهد والوقت من أجل إنتاج قانون انتخابي جديد، فكانت النتيجة النهائية أن اكتشفت الحكومة عقبة لا يمكن تذليلها (اليوم أو غدا) وهي قوَّة ورسوخ "ثقافة الانتماء الانتخابي العشائري"، أي أنَّ قسما كبيرا من الناخبين، أو ممَّن يحق لهم الاقتراع، يقفون ضد كل إصلاح أو تطوير للقانون الانتخابي يمكن أن يتمخَّض عنه نَزْعٌ لـ "ثقافة الانتماء العشائري" من الانتخابات النيابية، ترشيحا وتصويتا. وهذه العقبة تستمدُّ قوَّة من عقبة أُخرى هي ضعف، إنْ لم يكن انتفاء، "ثقافة الانتماء الانتخابي السياسي ـ الحزبي"، فالأحزاب، على كثرتها النسبية، لا وزن لها ولا تأثير في الغالبية العظمى من المواطنين، والناخبين، وعيا، ومَيْلا، من الوجهة السياسية، وليس لدينا، بالتالي، من قوَّة وحضور "الحزبية السياسية" ما يُبَرِّر تغيير القانون الانتخابي بما يؤدِّي إلى قيام "برلمان حزبي (خالص، أو في المقام الأول)". ولكن الحكومة لم تتعدَّ، في اكتشافها هذا وذاك، "الوصف" إلى "التفسير (والتعليل)"، وكأنَّ لها مصلحة في غياب التفسير.
إنَّ الانتخابات النيابية وِفْق قانون انتخابي جديد يسمح لتلك الانتخابات بأن تأتي بـ "برلمان يمثِّل المجتمع سياسيا" كان يجب ألا تستأثر بحصَّة الأسد من الاهتمام الديمقراطي لدى الحكومة والأحزاب؛ لأنَّها، منطقا وتاريخا، تأتي بَعْد "بَذْر البذور"، فالمجتمع، بأفراده وجماعاته، يملك، أوَّلا، من الحقوق والحرِّيات الديمقراطية (السياسية والفكرية والثقافية..) ومن القدرة الفعلية على ممارستها ما يمكن، ويجب، أن يؤدِّي إلى نشر وتعزيز وترسيخ "ثقافة الانتماء الحزبي"، وإلى تغليب "المواطَنة"، و"ثقافة الانتماء إلى المجتمع"، على تلك الانتماءات التي بلونها لُوِّنَت، وما زالت تُلوِّن، الانتخابات النيابية، ترشيحا وتصويتا.
الخيار الديمقراطي السليم، الآن، ومن وجهة نظر مصلحة التطوُّر الديمقراطي للمجتمع، ليس إجراء الانتخابات النيابية، وليس، على وجه الخصوص، إجراؤها وِفْقَ القانون الانتخابي الحالي، وليس إقرار قانون انتخابي جديد، وإنَّما تطوير "البنية التحتية" للحياة الديمقراطية بما يسمح بتذليل العقبات من طريق قيام "برلمان سياسي ـ حزبي منتخَب"، في انتخابات حرَّة ديمقراطية، يكون فيها الأردن كله دائرة انتخابية واحدة.
ومن هذا البرلمان، الذي يملك من الخواص والسلطات ما يجعله ممثِّلا سياسيا للمجتمع، في وحدته وانقسامه الحضاريين والديمقراطيين، تنبثق "حكومة الغالبية البرلمانية"، التي تعمل على مرأى ومسمع من "معارضة الأقلية البرلمانية".
إنَّ الانتخابات البرلمانية الحزبية هي الوحدة التي لا انفصام فيها بين "البرنامج" و"المرشَّحين"؛ وعلى الحزب أن يتعلَّم من تجربته كيف يُحْسِن اختيار المهمات والأهداف في برنامجه، و"المرشَّحين" في قائمته الانتخابية، التي يمكن أن تتَّسِع لـ "مرشَّحين من خارج الحزب ومستقلين عنه؛ ولكن متحالفين معه".
"المرشَّح الفردي (غير الحزبي)" يمكن أن يشق طريقه إلى البرلمان عبر الحزب السياسي، وتنتفي، بالتالي، ظاهرة الفَرْد الذي بقوَّته المستمدَّة من الانتماء العائلي والعشائري، وغيره من الانتماءات دون القومية، يجيء بحزبه إلى البرلمان، وكأنَّ الحزب هو الآلة لحملته الانتخابية ليس إلا.
ومع انتفاء هذه الظاهرة تنتفي الحاجة إلى "البطَّانيَّات" و"المناسف".. في الحملات الانتخابية، فلا نسمع مرشَّحا يخاطب جمهوره الانتخابي بعد خسارته الانتخابية (والمادية) قائلا: "أكلتم من خيري، ثمَّ انتخبتم غيري!".
وعلى "النيابة" أن تتغيَّر شكلا ومحتوى، فتغدو خدمة عامة مُرْهِقة للنائب، ولا تعود عليه بأي نفع شخصي (مادي على وجه الخصوص) فلا يُقْبِل عليها إلا من ارتضى العيش في تقشُّف، فـ "النيابة" إنْ لم تشبه "الجندية" تَفْقِد محتواها من القيم والمبادئ الديمقراطية، ليملأ الفساد النيابي هذا الفراغ.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليوم -حَبْس- وغداً.. !
-
-روح إسرائيلية- لإحياء -المبادرة العربية-!
-
فيلم -هيكل سليمان الضائع-!
-
-اتفاق مكة-.. و-أهل مكة-!
-
صورة الحرب إذا ما نشبت!
-
بعضٌ من الثقافة التي رضعنا!
-
-الشريك الفلسطيني-.. هل عاد إلى الوجود؟!
-
عباس وهنية في خطَّين متوازيين!
-
كوريا وإيران.. فَرْق أعظم من الشبه!
-
مسطرة -المجلس الأعلى للإعلام-!
-
نُذُر حرب جديدة!
-
ساعة المخاض لسلطة -فتحماس-!
-
في جدل العلاقة بين -الذات- و-الموضوع-
-
بند -الاعتراف- في -الحوار المكِّي-!
-
شلال دمٍ من أجل -عَظْمَة-!
-
الطريق التي افتتحها اجتماع -الرباعية-!
-
ثلاث سنوات من الجَزْر الديمقراطي!
-
والمفتي إذ أفتى!
-
لن يُغْفَر للشعب الفلسطيني سكوته!
-
-التقارب- بين الرياض وطهران!
المزيد.....
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
-
أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|