للبدع والخرافات تاريخ حافل وطويل متجذر في عقول المؤمنين على اختلاف عقائدهم ودياناتهم التي استدلوا عليها وعلى صحتها وصدق بيانها بالقلب أولا ثم بالعقل بعد ذلك لترشيد هذا الإيمان وتثبيته ودعم حججه ومنطقه . والبدع والخرافات ليست أبدا من الأديان التى حضت علي عمل الخير والمعروف ونهت عن الباطل والمنكر ، وكانت تعاليمها ومبادئها لخير البشرية والإنسانية وتحسين المستوى الفكرى والأخلاقي للناس والمجتمع . ومن المؤسف أن من ينشر هذه البدع والخرافات هم ( المؤمنون ) أتباع الديانات أنفسهم لسبب أولآخر ، والمسلمون من جملة هؤلاء المؤمنين الذين نشروا – وانتشرت – الخرافات بين أوساطهم ، فدونوها في أدبياتهم ومؤلفاتهم وآمنوا واقتنعوا بها فأصبحت جزءا لايتجزأ من التراث والمعرفة والثقافة ، بعد أن ابتدعوا لها الكثير من الشواهد والأدلة والبراهين لتصبح حقيقة ثابتة لامنازع لها في عقول الناس وقناعاتهم ، ولأخطر من ذلك أن من روجها ونشرها وبرهن على صحتها هم علماء الأمة وفقهائها لا بل قادة الفكر الدينى آ نذاك . ومن هذه الخرافات التى كانت سائدة ومتداولة حتى وقت قريب جدا ـ لولا أن دحضها العلم ـ أن الأرض محمولة على قرن ثور إذا
تعب هذا القرن نقل إلى القرن الثانى كما جاء فى كتاب (قصص الأنبياء المسمى عرائس المجالس) ، والذى مازال متداولا بكثرة حتى يومنا هذا ، ولكن بعد حذف الكثسر من صفحاته التى لم تعد تتناسب مع علوم هذا العصر ، وقصة خلق الأرض هذه مذكورة أيضا فى كثير من كتب التاريخ الهامة القديمة مثل (مروج الذهب للمسعودى ) و (وتاريخ الطبرى ) و000 ألخ
. يقول كتاب قصص الأنبياء فى خلق الأرض ما يلى : ( أن ملكا أدخله الله تحت الأرضين السبع وبسط يديه لتكون إحداهما فى المشرق والأخرى فى المغرب فيحمل الأرض عليها لكن
لم يكن لقدميه موضع قرار ،فأهبط الله من أعلى الفردوس ثورا له سبعون ألف قرن و أربعون ألف قائمة ، جعل قدمى الملك على سنامه ، فلم تستقر قدماه فأحدر ياقوتة خضراء من أعلى درجات الفردوس غلظها مسيرة خمسمائة عام فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فأستقرت عليها قدما الملك الذى يحمل الأرض على راحتيه ، وقرون ذللك الثور خارجة من أقطار الأرض
كالحسكة تحت العرش ومنخر ذلللك الثور فى البحر فهو يتنفس كل يوم نفسا واحدا ، فإذا تنفس مد البحر ، وإذا آراد نفسه جزر ولم يكن لقوائم الثور قرار فخلق الله تعالى صخرة خضراء غلظها كغلظ سبع سموات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها ، ولم يكن للصخرة مستر فخلق الله تعالى (نونا ) وهو الحوت العظيم اسمه (لوتيا ) وكنيته (بهلوت ) لقبه (بهموت ) فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خا ل ،والحوت فى البحر ، والبحر على متن الريح ، والريح على القدرة ،ولكن إبليس تغلغل إ لى الحوت فوسوس إليه أن يلقى ما على ظهره فذلك أريح له ، فهم الحوت (لوتيا ) أن يفعل ذلك فبعث الله إ ليه دابة دخلت منخره ووصلت إلى دماغه فعج الحوت إالى الله تعالى فأخرجها من منخره ، وإنه ينظر إ ليها وتنظر إليه ، فإن هم بشي من ذلك عادت كما كانت ، وهذا الحوت هو الذى أ قسم الله تعالى به فقال : ( " ن والقلم وما يسطرون ") ولو علمنا ـ وكل الناس تعلم ـ أن الكون يحتوى على مليارات لا متناهية من الكواكب والنجوم ، فهل خلق الله سبحانه وتعالى لكل كوكب أو نجم ثورا وحوتا يحمله ودابة تحميه من نوايا الحوت أم أنه حص الأرض فقط بهذه النعمة والمعجزة ؟ كما أن الكتاب ذاته روى عن الصحابى الفقيه الجليل عبد الله بن عمر عن الرسول (ص ) ما يلى : ( وروى عبد الله بن عمر عن رسول الله بن عمر عن رسول الله (ص ) أنه قا ل : بين كل أرض إ لى التى تليها مسيرة خمسمائة عام وهي سبعة أطباق ، الأرض الأولى هذه فيها سكانها ، والأرض الثانية مسكن الريح ومنها يخرج الرياح المختلفة كما قال الله تعالى وفي الأرض الثالثة خلق وجوههم مثل وجوه بني آدم وأفواههم مثل أفواه الكلاب وأيديهم مثل أيدى الإنس وأرجلهم مثل أرجل البقر وآذانهم كآذان الماعزوأشعارهم كأصواف الضأن لا يعصون الله طرفة عين ليس لهم أثواب ، ليلنا نهارهم ، ونهارهم ليلنا ، والأرض الرابعة فيها حجارة للكبريت التى أعدها الله لأهل النار تستقر بها جهنم ، والأرض الخامسة فيها عقارب أهل النار كأمثال البغال لها أذناب الأبقار )2. لقد كانت هذه ( المقولات العلمية )لوقت قريب جدا كما ذكرنا حقائق ثابتة مؤكدة فى أذهان الناس لم يتجرأ أحد على معارضتها أو نقضها ، وإلا اعتبر خارجا عن الملة مكذبا لعلوم أهلها ، ومما يؤسف له أن مكتشفوا هذه الحقائق العلمية استعانوا بأحاديث نحلوها واختلقوها عن النبى ( ص) ونسبوها إليه ، تماما مثلما وضعوا الأحاديث التى تغفر ذنوب الخلفاء أو تتنبأ بمجيئهم وتثبت شرعيتهم أمويين كانوا أم عباسيين . لا شك فيه أن هذه الخرافات والبدع (العلميه ) لها ما يماثلها فى العقائد الأديان الأخرى ، وربما نجد حتى وقتنا الحاضر أناسا مازالوا مقتنعين بها ، أو أنهم يجدون صعوبة بالغة فى تكذيبها ، لأنهم ما زالوا يعيشون فى كهوف وأنفاق عميقة بعيدة كل البعد عن عصرهم الذى لا يستطعون الاندماج فيه ،ينهلون من صفحات كتبهم القديمة ، بينما العالم يتحرك ويتبدل ويتطور من حولهم دون أن يدركوا ، كما صرح سابقا أحد كبار العلماء المشهورين (متولى شعراوى ) فى مقابلة تليفزيونية ـ مفاخرا ـ أنه لم يقرأ منذ أربعين عاما كتابا آخر غير القرآن الكريم ، كما لازلنا نسمع حتى أيامنا هذه بخرافات تطلقها بعض الجماعات من أن القيامة ستقوم هذه السنة أو السنة التى تليها ، أو أن كائنات من كوكب آخر غزت الأرض واستنسخت البشر الموجودين عليها حاليا ، أو كذا ... أو كذا ... إلى آخر ما هنالك من هرطقات وبدع وخرافات وردت فى كتب وأدبيات أولئك أو هؤلاء . ومن هذه البع التى تهمنا كعرب مسلمين ما جاء فى كتاب من أهم كتب الحديث قاطبة ( صحيح البخارى ) فى حديث منسوب إلى النبى ( ص) من أن ( الشمس حين تغرب تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، وتوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، يقال لها ارجعى من حيث جئت ، فتطلع من مغربها )3 أو كما ادعوا أن الرسول ( ص) قد قال : ( إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم فليغمسه ، ثم لينزعه ، فإن فى إحدى جناحيه داء وفى الأخرى شفاء )4 فهل يمكن لعاقل أن يصدق أن النبى ( ص) الذى حض على النظافة ولم يتساهل بها ، والعناية بالروح والجسد والصحة يمكن أن يقول مثل هذا الكلام ؟ إن الكثير ، الكثير من الأحاديث المنسوبة إلى النبى ( ص) يجب مراجعتها وتمحيصها وتدقيقها وحذفها ما لا يصح منها لدرء خطرها ، فقد وضعت فى زمن كثر فيه النحل والوضع دون حسيب أو رقيب ، بأمر أو محاباة لهذا أو ذاك ، لإثبات رأى أو ادعاء أو شرعية بحيث أصبحت تشكل عبئا على تاريخنا وإهانة لأدبياتنا وثقافتنا وخطرا على تقدمنا واستهزاء بعقولنا ، وبكل أسف مازلنا نرى ونسمع عن الكثيرين من هؤلاء المتزمتين الذين لا يقبلون ولا يصدقون شيئا لا يجدون له سندا فى كتب السلف، هؤلاء الذين يقفون سدا منيعا فى وجه تقدم هذه الأمة وازدهارها ، كالذين لا يصدقون حتى الآن أن الإنسان قد وطئت قدماه منذ أربعين عاما وجه القمر ، لا بل أن بعضهم يعتبر حديثا طهذا كفرا وزندقة ،ولعلهم يظنونها من المؤامرات الأبدية المستمرة من الغرب على العرب والمسلمين . إن هؤلاء الذين يرجعون جميع الظواهر الطبيعية والاجتماعية إلى المبدأ الأول ( الله ) ، ويقومون بإحلاله فى الواقع الحسى المباشر ، فينفون بالتالى الإنسان ويعطلون دوره ، كما يلغون القوانين الطبيعية والأجتماعية بحجة أن الله يفعل ما يشاء (ما رميت إذ رميت ، ولكن الله رمى ) ، وقياسا على هذا القانون فإن كل ما يفعله الإنسان من شرور وظلم وقتل لا يد للإنسان فيه وإنما كتب له ذلك ، أى لا وجود لقانون يحكم البشر والطبيعة ، ونتيجة لهذا التصور والفهم المغلوط للأشياء ، ولعدم قدرتهم على التفكير والاستنباط فقد أغلقوا باب الاحتهاد ، واكتفوا بعلوم وفتاوى عصر أكل الدهر عليه وشرب . إن الجهل قد أعمى عيوننا وعقولنا من أن ما هو حقيقة مؤكدة فى مجتمع ما ، قد يكون خيالا جامحا فى مجتمع آخر بسبب ثقافة وتراث وظروف هذا المجتمع أو ذلك البلد ( الشمس تشرق وتغرب يوما فى صحرئنا العربية ، لكنها ليست كذلك فى بعض أيام السنة فى السويد وفنلندة ) . إن الخرافة التى تصبح جزءا من القناعات والثقافة ، فتحارب وتنفى كل الثقافات الأخرى بنا فيها العلو التى تتناقض مع تلك البدع التى لا يمكن لها أبدا إلا أن تكون عائقا لتطور المجتمع وتقدمه ، وتبقيه فى حالة من الخمول العقلى والكسل الذهنى والغيبة والوهم والتخلف ، كما حصل للعالم الكبير ( كوبرنيك ) الذى أثبت أن الأرض تدور مما لم يرق للكنبسة فى روما آنذاك فاتهمته بالكفر الذين ترسخت فى عقولهم هذه الخرافات فتعصبوا لها ، كما حدث أيضا لكثير من علماء المسلمين الذين سجنوا وعذبوا وقتلوا ومثل بأجسادهم بطرق قذرة بشعة ، دون أن ننسى أن بعضا ممن وصفوا بكبار علماء الدين الإسلامى ، ظلوا إلى وقت قريب ـ لولا أن توافاهم الله ـ يكفرون كل من كان يقول أن الأرض كروية لأنها فى (علومهم ) مسطحة كعقولهم ، إن الجهل والخرافة وجهان لعملة واحدة ما زالت متداولة فى أسواقنا العربية الإسلامية ، فالأول ينتج الثانية وشرط لوجودها واستمرارها ، وبينما يقيم العالم المتمدن آلافا من مراكز الأبحاث والمختبرات المتخصصة بالمشاكل والظواهر الطبيعبية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، لدراستها وفهمها وإيجاد الحلول الملائمة لها ، نغوص نحن فى جوف الكتب السلفية القديمة نبحث فى خباياها عن حادثة رواها ( فلان ) أو قصة ذكرها ( علان ) نقيسها أو نشابهها لتفسير هذه الظاهرة أو تلك مستخدمين الوسائل نفسها التى اتبعوها ، ومطبقين الاحكام ذاتها التى طبقوها ، دون أن ندرك أن مئات كثيرة من السنين تفصل بيننا وبينهم ، وإننا فى زمن غير زمانهم ، وعصر غير عصرهم ، وأناس غير أناسهم .