|
ثقافة الحجاب من حجز المرأة بالبيت إلى توظيف الحجاب أيديولوجيا
امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 1848 - 2007 / 3 / 8 - 12:39
المحور:
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2007 -حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعية والبيئية والموروث الديني
لقد اطلعتنا السيرورة التاريخية للحركة الإجتماعية أنه بعد تعدد المصالح و تعارضها و بروز السيطرة و الهيمنة بالقوة أصبح الفرد في حاجة ماسة إلى من يحميه من بطش الآخرين ، فكان لا بد من صياغة قوانين من أجل حماية مصالحه هذه القوانين التي ربطها بالتعلق بالقوى الميتافيزيقية التي استعان بها لتفسير جميع الظواهر الإجتماعية و الطبيعية ، و استمد الفرد قوته خارج العالم المادي الذي يعيشه فوضع لكل ظاهرة تفسيرا ميتافيزيقيا و أصبح الدين جزءا من حياته اليومية ، و الذي تطور مع مرور الزمان إلى أن يصبح شموليا يتدخل في كل تفاصيل حياته . و تعتبر ظاهرة المعتقد ظاهرة طبيعية في حياة الشعوب و الذي عرف تعبيرات متعددة و متنوعة حسب خصوصيات كل حضارة ، و تعتبر الكنيسة و الدير و المسجد أهم رموز المعتقدات الدينية الأساسية و الأكثر انتشارا في العالم ، و التي تملكت الشرعية التاريخية لما لها من تأثير كبير في تطور المجتمعات البشرية حيث ارتكزت على نشر العدل و المساواة بين البشر ، و لم تخل من صراعات تاريخية ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا حيث تسعى كل ديانة إلى السيطرة و الإستمرار على أنقاض الديانات الأخرى ، هذه الصراعات التي عرفت انتهاك حقوق الإنسان و سفك الدماء ، خاصة في الوقت الذي أصبح فيه الدين جزءا من منظومة الدولة يتم استغلاله أيديولوجيا . و برزت اليهودية كأول ديانة سماوية على أنقاض تناقضات الدولة الفرعونية كما جاء في أساطيرها انطلاقا من الصراع ضد الحكم الفرعوني المستبد ، و جاءت الديانة اليهودية من أجل بسط العدل و المساواة بين الناس و القضاء على استبداد الفرعون و أصبحت ديانة عالمية ، و حاولت توحيد الآلهة و نقل مركزها من الأرض إلى السماء انطلاقا من إيجاد حلول القضايا الإجتماعية في السماء ، و تم تجاوز منظور تجسيد الآلهة في الأصنام كرموز مادية للآلهة بتجسيد الإله الواحد و الموحد خارج الواقع الطبيعي الذي يعيشه الإنسان ، كل ذلك من أجل إسقاط نظام الفرعون و إقامة نظام بديل مكانه تسود فيه العدالة و المساواة و توالت الديانات السماوية مع بروز ضرورة التغيير فظهرت المسيحية ثم الإسلام . إن الدين باعتباره منظومة فكرية ميتافيزيقية يستمد قوته من خارج العالم الطبيعي يحاول بسط سيطرته على الواقع المادي ساعيا في نفس الوقت إلى تغيير هذا الواقع و التحكم في أحواله المادية و المعنوية ، و لا يمكن أن يتم الحديث عن الدين خارج منظومة المجتمع الذي نشأ فيه و تطور داخله بحكم العلاقة الجدلية بين الدين كحركة فكرية و الحركة الإجتماعية ، و هو يعتبر إفرازا طبيعيا للمجتمع الذي نشأ في أحضانه وفق أهميته التاريخية و الضرورية حسب متطلبات المجتمع في مراحل تاريخية محددة حيث شيوع سيادة الفكر الميتافيزيقي. و خلال عصور المشاعة التي يمكن اعتبارها أرقى ما وصل إليه الإنسان على مستوى العلاقات الإجتماعية لكون الفرد يعمل لصالح الجماعة التي تعمل على حمايته من داخل الجماعة و لصالح الجماعة ، كانت المرأة هي المؤهلة لقيادة هذا الصراع ضد الآخر/ الحيوان و قساوة الطبيعة بفعل مكوناتها الفيزيولوجية و السيكولوجية و السوسيولوجية التي تضعها في موقع المسؤولة على استمرار الحياة ، و في مجتمعات تعتمد على الجماعة نظرا لما تتطلبه تكنولوجية تلك العصور التي هي عبارة عن وسائل إنتاج بدائية ، تعتمد على العمل الجماعي أكثر من اعتمادها على الفرد الذي لا شأن له إلا من داخل الجماعة ، تلك هي حتمية الوجود في العصور الحجرية و ما قبلها و التي تحتم على الإنسان التعاون الجماعي من أجل البقاء و استغلال الطبيعة ، في هذه الظروف التي أسست لبناء المجتمعات البشرية كانت المرأة تتحكم في الإقتصاد و كانت أسعد المراحل التاريخية التي عاشتها البشرية . و استمر الحال هكذا لملايين السنين اعتبرت فيها المرأة المكون الأساس في المجتمعات البشرية التي حظيت فيها بالسلطة في ظل المجتمعات المشاعية كأنظمة ذات أبعاد اشتراكية عفوية ، و لم يتم التحول و الإنقلاب على نمط العيش المشاعي إلا عبر المراحل التاريخية المتقدمة من حياة البشرية بعد التطور الذي لحق وسائل الإنتاج ، عبر تطوير أساليب استغلال الطبيعة بعد استئناس الحيوان و تربيته و استغلاله في وسائل الإنتاج ، و تم توزيع الأدوار بين المرأة و الرجل حيث تقوم المرأة بالأشغال الإجتماعية التي لها العلاقة بالإستقرار الشيء الذي حتم عليها البقاء في بقعة ذات حدود جغرافية محددة ، و أصبح عملها مزدوجا بالإشتغال بأعمال الفلاحة و تدبير شؤون البيت بعد بناء الأسرة بما في ذلك دور الأمومة التي تستغرق زمنا طويلا و معاناة شاقة ، و أصبحت حياة الرجل غير مستقرة حيث تتسم بالتنقل لمطاردة الحيوان بحثا عن الصيد و استئناس الحيوانات التي استغلها كوسائل الإنتاج . و أحدث اكتشاف المحراث الخشبي ثورة خطيرة في حياة البشرية و خاصة حياة المرأة التي ستصبح فيما بعد وسيلة من وسائل الإنتاج يتحكم فيها الرجل و يستغلها ، و امتلك الرجل الأراضي و المواشي و استعبد المرأة و ظهر أسلوب الرق الذي طال المرأة كعاملة و نشأت بوادر الإقطاعي ، الذي حول المرأة من موقع السلطة داخل المجتمعات المشاعية إلى وسيلة من وسائل الإنتاج في النظام الإقطاعي تتعرض للإستغلال المزدوج بالبيت و المزرعة ، و نشأ النظام الإقطاعي الذي لعبت فيه المرأة دورا هاما في الإنتاج كعاملة دون مقابل يذكر و استولى الرجل على السلطة السياسية و الإقتصادية ، و امتلك وسائل الإنتاج و سن قوانين الرق و الإستعباد التي توفر له السيادة على المرأة أولا و على الرجال العبيد ثانيا . و أصبحت المرأة خادمة للرجل بالبيت في أحسن الأحوال و خادمة بالبيت و الأرض في أسوئها بعدما فقدت مكانتها و إلى الأبد عندما نشأة الدولة و سنت التشريعات من طرف الرجل ، و استمر الصراع بين المرأة و الرجل على السلطة السياسية كوسيلة للتحكم في الإقتصاد و الإجتماع لآلاف السنين من عمر النظام الإقطاعي الذي شرعن استعباد المرأة من طرف الرجل ، لكن هذا لا يمنع أن تقوم أنظمة اجتماعية في ظل النظام الإقطاعي في عصور متقدمة تبوأت فيه المرأة مكانة عليا في المجتمع حيث استطاعت الوصول إلى السلطة السياسية و قيادة الدولة ، ذلك ما سجله التاريخ في العديد من المجتمعات البشرية في الجزيرة العربية مع مملكة سبأ باليمن و ما وصلت إليه الحضارة البشرية في تلك العصور و خاصة تنظيم الري ، و في عهود الممالك الأمازيغية بشمال أفريقيا و ما وصلته الحضارة الإمازيغية من تقدم خلال تلك العصور التي حكمت فيه المرأة ، و لعبت المرأة دورا هاما في بناء هذه الأنظمة السياسية التي تعتبر جد متقدمة . و فرض على المرأة حصار الرجل الذي يسعى أن يجعلها خارج الصراع بمحاولة حجزها بالبيت و فرض القيود عليها حتى لا تخرج إلى الميدان السياسي و الإقتصادي ، و ظهرت المرأة المتحجبة المحرومة من الإحتكاك بالرجال حتى لا يفتح لها المجال ثانية للوصول إلى السلطة السياسية و الإقتصادية ، أما المرأة التي يتم استعبادها في المزرعة في ظل ظروف استغلالها فهي تعيش استغلالا مزدوجا بالبيت و المزرعة ، و كانت نساء البلاط من زيجات و جاريات لا يحق لهن الإحتكاك بالرجال إلا في ظل ممارسة سلطاتهن على العبيد الخدم بالبيوت الذين تعرضوا لأبشع ممارسات الحرمان الذي يصل حد خصيهم ، و أصبحت المرأة مادة يستغلها الرجل في ممارسة الجنس الذي لا يريد أن يشاركه فيها أحد من بني جنسه و فرض الحجاب على المرأة ، و الذي له انعكاسات سلبية على موقع المرأة في المجتمعات التي ما زال الدين طاغيا في سلوكاتهم اليومية ، حيث تحول الحجاب من ممارسة تعسفية للرجل على المرأة إلى تشريعه عقائديا ليتم تكريسه في القوانين العرفية خاصة في مراحل سابقة من استغلال الدين أيديولوجيا . لقد مر حجاب المرأة من عدة مراحل كما رأينا كان الهدف الأساسي وراءه هو استغلال المرأة و فصلها عن الحياة السياسية و الإقتصادية حتى لا تنافس الرجل ، و أصبح الحجاب أداة للتحكم في المرأة و قد أخذ شكله الأول بحجز المرأة بالبيت من طرف الحكام الذين لا يرغبون في ظهور زيجاتهم خارج البيت ، إلا أنهم في نفس الوقت يستغلون المرأة العاملة في المزرعة في ظل استعباد العاملات و العمال في الأنظمة الإقطاعية ، و تطور حجاب المرأة مع تطور المجتمعات البشرية ليصبح ثقافة سائدة في ظل استعباد و استغلال المرأة و حجزها في البيت ، خاصة عندما تم الإستغناء عن بعض النساء في العمل بحقول الإقطاعيين و ظهرت الحرف و الوظائف الإجتماعية و الإدارية في مراحل متقدمة من بروز الدولة ، و أصبحت ثقافة الحجاب سائدة في ظل الإنظمة الإستبدادية التي تتحكم في الدين و السياسية و الإقتصاد ، وتم استغلال المعتقد لبسط سيطرت الرجل على المرأة بشرعن الحجاب و فرضه . و هكذا نرى أن الصراع بين المرأة و الرجل يكمن في الصراع من أجل التحكم في الإقتصاد عن طريق الإستيلاء على السلطة السياسية التي تتحكم في جميع مناحي الحياة في ظل الآنظمة الإقطاعية المتعاقبة عبر التاريخ ، و من أجل الإستمرار في السلطة عمل الرجل على استغلال عامل الدين كبعد أيديولوجي جديد من أجل التحكم في السلطة و خاصة في الأنظمة الإستبدادية التي تحالف فيها الملك و النبلاء و رجال الدين ، في ظل الحكم المطلق من أجل السيطرة على الموارد الإقتصادية عبر استغلال السلطة السياسية بسن تشريعات تعتمد على الدين و تضع المرأة في مقام الدونية قصد إبعادها عن السلطة لتسهيل استغلالها . و سادت ثقافة الحجاب بسيادة الفكر الفيودالي الذي استغل الدين للسيطر على الموارد الطبيعية و لعبت الكنيسة دورا هاما في نشر ظاهر الإستعباد ، و ذلك بتحالف رجال الدين و الملك و النبلاء لشيوع ثقافة السيطرة كما هو الشأن في استغلال الدين الإسلامي خاصة في عصور الإنحطاط ، من أجل نشر ثقافة الحجاب و شرعنتها فأصبحت ثقافة موروثة تطورت مع تطور المجتمعات البشرية ، لتتحول من الحجز في البيت إلى حجب الجسد عند الخروج إلى الشارع و عدم الإحتكاك مع الرجال ، و التي تحولت مع مراحل متقدمة إلى الإكتفاء بحجب الوجه والشعر ثم حجب الشعر فقط فيما بعد ، إلا أنه بدأت تظهر ظاهرة حجب الجسد بالشارع مرة أخرى مع ظهور بعض التيارات الأصولية التي قامت بتكريس هذه الظاهرة من المنظر الديني ، و الذي بلغ مداه ليصل حد حجز المرأة بالبيت في ظل حكم طالبان بأفغانستان حيث استغلال عامل الدين بشكل بشع حرم المرأة من حقوقها كاملة ، و أصبحت ثقافة الحجاب منتشرة بسرعة فائقة بظهور ظاهرة الحركة الأصولية منذ الثمانينات من القرن 20 . و بلغت ثقافة الحجاب مداها في هذا مع استغلال الدين أيديولوجيا من طرف الجماعات الأصولية حيث أصبح رمزا من رموز الإنتماء السياسي ، بعد أن كان في وقتا سابق ظاهرة طبيعية بعدما تحول إلى عرف خاصة في المجتمعات المحافظة في البوادي ، التي أصبح فيها لباسا تقليديا ذو الجذور الدينية الذي تحول إلى ممارسة ثقافية عرفية أكثر منها ممارسة عقائدية دينية ، و كان لإعادة توظيف الحجاب أيديولوجيا أثر كبير في نشوء الصراع من جديد داخل المجتمعات المحافظة ، و الذي يهدف إلى تكريس استغلال المرأة و السيطرة عليها بفصلها عن واقعها الإجتماعي الذي تتعرض فيه للإستغلال من طرف الرجل ، و أصبحت المرأة من جديد معرضة للحجز و ذلك بتوظيفها كأداة أيديولوجية يتم التحكم فيها بتكريس ظاهرة الحجاب . تارودانت في : 05 مارس 2007
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطور الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بتماسينت بالريف بالمغرب
-
حتى لا تعيد المقاومة العراقية تجارب حركة التحرر الوطني في ال
...
-
التحولات الإجتماعية للطبقة العاملة في ظل الرأسمالية الإمبريا
...
-
من أوراق منظمة إلى الأمام : من أجل بناء خط ماركسي لينيني لحز
...
-
العلاقة الجدلية بين المعبرات السياسية للبورجوازية الصغرى و م
...
-
الوجه الحقيقي للاستغلال البشع الذي يتعرض له العمال والفلاحون
...
-
المهام الثورية للبورجوازية الصغرى
-
الأسس التاريخية لحركة التحرر الوطني و الحركة الثورية المغربي
...
-
الأسس التاريخية لحركة التحرر الوطني و الحركة الثورية المغربي
...
-
الأسس التاريخية لحركة التحرر الوطني و الحركة الثورية المغربي
...
-
الأسس التاريخية لحركة التحرر الوطني و الحركة الثورية المغربي
...
-
الأسس التاريخية لحركة التحرر الوطني و الحركة الثورية المغربي
...
-
في حديث مع التحريفيين الجدد بالنهج الديمقراطي 2
-
حتى لا تكون الأمازيغية الوجه الآخر للأصولية 2
-
حتى لا تكون الأمازيغية الوجه الآخر للأصولية
-
الحركة الثورية و بناء الحزب الثوري
-
في حديث مع التحريفيين الجدد بالنهج الديمقراطي
-
الرسالة النقدية للمناضل الماركسي اللينيني عزيز المنبهي إلى ق
...
-
من أوراق منظمة إلى الأمام : الوضع الراهن والمهام العاجلة للح
...
-
حركة النهج الديمقراطي إلى أين ؟
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
اثر الثقافة الشرقية على المرأة والرجل
/ جهاد علاونه
المزيد.....
|