صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1845 - 2007 / 3 / 5 - 11:44
المحور:
الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2007 شباط : مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق
مقدمة
في هذه المقالة احاول تبيان وجهة نظري من التعامل العلماني العربي والشرقي مع الأسلام والمسلمين. ورأيي, مع استثناءات محدودة, ان غالبية العلمانيين يتعاملون مع الموضوع بطريقة كثرما تجافي الموضوعية وهي لذلك غير علمية, بل ان نشاطهم يمكن ان يعتبر اقرب الى التسلية الإدمانية غير المسؤولة وغير المتفكرة بنتائج نشاطها ولا الحريصة على صدق منطقها من ان يكون موقفاً سياسياً ناضجاً, وانهم يفقدون بذلك مهمتهم الأساسية في مجتمعهم, لينضموا الى الجوقة الناشطة في بناء صورة "العدو الجديد" للرأسمالية – الإسلام الإرهابي. فالرأسمالية لاتستطيع العيش دون وجود من تقنع شعوبها به كعدو خطير يبرر تأجيل تغيير النظام الى آخر اكثر عدالة, بدلاً من تصعيد الفوارق وتصعيد تصنيع الأسلحة والحروب في العالم كما يجري الآن, لذا يجري في العالم نشاط كبير لصناعة هذا البديل الذي يفترض ان يأخذ دور الإتحاد السوفيتي المنهار.
يترك العلمانيون في العالم العربي من اجل هذه التسلية الإدمانية اللذيذة المناسبة لأميركا, وفي لحظة في تأريخية خطيرة, يتركون مهمتهم التأريخية "المزعجة", مهمة المشاركة الأساسية في تأسيس ديمقراطية لشعوبهم احتذاءً بما فعل العلمانيون الآخرون لشعوبهم, تأسيس ديمقراطية تجد فيها تلك الشعوب مكاناً ايضاً لمعتقداتها الدينية الأسلامية بشكل رئيسي, المهمة العسيرة لتأسيس ديمقراطية "معقولة", "ديمقراطية اسلامية" بالضرورة, قابلة للحياة في المجتمع اولاً, وثم التطور باتجاه ديمقراطية متكاملة بقدر ما يسمح به تطور فكر الشعوب الأسلامية في تفسيرها لنصوص الإسلام وفي إطمئنانها الى أن الديمقراطية ضمان لحرية الفكر والمعتقد للجميع بلا استثناء, وان هذه الحرية صديق لها وليست عدو, وهذا ما سأحاول تسليط الضوء عليه والبرهنة على امكانيته في هذه المقالة.
يرى معظم العلمانيون انهم يهاجمون "الأسلام السياسي" و "المعممين" و "المتطرفين" وليس المسلمون عموماً, إلا انه من المشكوك به ان تتمكن الأدوات الخشنة التي يستعملونها من مثل ذلك التمييز. اقرأوا الألم والإحتجاج على المقاييس المغشوشة في مقالة الكاتبة صبيحة شبر في الحوار المتمدن: لماذا يهاجم جميعهم شخصية الرسول؟ فتقول: "يفتشون في سيرته عن خطأ ويعجزون ، ويدعون ان زواجه من فتاة صغيرة هو اكبر الأخطاء ، يحاكمون الإحداث القديمة التي حدثت قبل خمسة عشر قرنا من الزمان ، بمنطق هذه الأيام ، كان زواج الفتيات الصغيرات من كبار السن متفشيا في تلك المرحلة، ولم يحدث المنع ، إلا في العصر الحديث" (*)
لكن هذا المنطق البسيط و "العلماني" الحق, لايجد متحمسين له, وتبقى "مفاخذة" رجل لفتاة قاصر قبل 1500 عام اكبر "الجرائم" اغراءً للكتابة كأن لم يحدث بعدها ماهو اسوأ منها في التأريخ البشري الموغل في الوحشية.
أتساءل: لماذا يعامل العلمانيون مؤمني شعوبهم بكل نواقصها كأشياء ثمينة رائعة بينما يتعامل علمانيوا الشرق مع المسلمين الذين يشكلون الغالبية الساحقة لشعوبهم, كـ "شيء يمكن التخلص منه"؟ انهم في نهاية الأمر يتعاملون مع شعبهم نفسه كشيء يمكن التخلص منه!
مطالب علمانية تعجيزية: ابعاد الدين عن السياسة و حقوق المرأة فوراً!
يشترط علمانيوا الشرق, دون غيرهم على مجتمعاتهم القفز مرة واحدة فوق كل ما لايجدونه مناسباً من تراث هذا المجتمع, كشرط لرضاهم عنه وقبول التعامل معه,فيضعون امامه مطالب تعجيزية لاقبل له بها.
ومن المطالب التعجيزية التي تطرح كشرط للديمقراطية مطلب ابعاد الدين عن السياسة. وانا لا اعترض على المطلب نفسه إلا انه لايمكن ان يكون شرطاً للديمقراطية, لأنه قد يعني اجهاضها, حيث لم تتمكن حتى اكثر الدول العريقة الديمقراطية من إتمامه. ودليلي على ذلك هو احتواء جميع الدول الأوربية والغربية الأخرى على احزاب مسيحية كبيرة ومشاركة في الحكم بنشاط, كما تتعرض القوانين والدساتير في جميع تلك البلدان الى ضغط شديد لإدخال مفاهيم مسيحية اليها, والصراع جار.
. فمن المعلوم أن أي رئيس في اميركا لم يستطع منذ فترة ان يصل الى منصبه دون ترتيش خطابه الإنتخابي حديث ديني, وان هذه الظاهرة في تزايد مطرد وقد وصلت الى اعلى مستوياتها اليوم بحكومة بوش الذي يحدث زواره عن الله الذي قال له ان يفعل كذا وكذا. وبلير رئيس حكومة بريطانيا قال مؤخرا ان الله هو من سيحاسبه على سياسته, اما في هولندا فقد طالبت وزيرة التعليم السابقة بتدريس نظرية الخلق كنظرية علمية في المدارس, وكذلك سمح حزب (SGP) المسيحي, وله عضوان في البرلمان, مؤخراً فقط للنساء بالعضوية الكاملة فيه.
اما في اسرائيل فليس هناك حتى مثل هذا الصراع, وقد كتب الكثيرين عن القوانين التمييزية لليهود فيها, بل ان الدولة مؤسسة اساساً على اساس تمييزي يهودي .
كذلك يطالب العلمانيون بشروط تعجيزية في مسألة معاملة المرأة ومساواتها المطلقة بالرجل. وانا كعلماني اقر المبدأ تماماً, لكني اعتبر وضعه كشرط مسبق لبناء الديمقراطية عمل تعجيزي. فالحماس لهذا المبدأ الإنساني جعل المطالبين به ينسون تماماً ان الغبن الموجه الى المرأة تراث اجتماعي بشري عام وعميق ويتطلب التغلب عليه زمناً طويلاً. وبدلاً من التعامل مع هذا الموضوع بشكل علمي, راح العلمانيون يضعونه كشرط اخر للديمقراطية. لقد افترضوا ان الشعب, من مؤمنين وغير مؤمنين, قادر على ان يقرر مساواة المرأة "بجرة قلم" لكنه لايفعل ذلك لأنه متخلف وسيء الطبع, لذا توجب ضربه حتى يتخلى عن هذا التخلف.
ففي الوقت الذي تطالب الجهات العلمانية العراقية بمشاركة (إجبارية) للمرأة بنسبة (لاتقل عن!) 50% (خفضت فيما بعد بسبب الإستحالة) لا تشكل نسبة النساء داخل الكونغرس سوى15% في الولايات المتحدة
لقد نسي العلمانيون العرب ان صراع المرأة من اجل حقوقها في الدول الديمقراطية استغرق قروناً طويلة, وان حقها في التصويت استغرق الديمقراطية ثلاث قرون لإقراره بشكل كامل. ولو راجعنا تأريخ منح هذا الحق للمرأة لوجدنا انه لم يبدأ حركته الحقيقية حتى اوائل القرن العشرين ومن خلال تظاهرات العاملات في اميركا والدول الأوربية ونضالهن من اجل حقوقهن.
المراجع لقائمة تواريخ حقوق المرأة يجد ان الكثير من الدول بدأت اعطاء المرأة حقوقها عام 1918, ومن المحتمل ان يكون السبب في ذلك المكانة التي اكتسبتها المرأة أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى حين حلت محل الرجل الذي ذهب للقتال, اضافة الى تأثير ثورة اكتوبر الإشتراكية في روسيا واعطائها المرأة حقوقاً مساوية للرجل فوراً, فلم يرد الآخرون ان تبدو روسيا المتخلفة اكثر تحضراً منهم.
مع ذلك تخلفت عن الركب العديد من الدول, وربما يفاجأ الكثير من الناس حين يعلموا ان المرأة الكندية لم تحصل على حقوق التصويت الكاملة حتى عام 1960! ولم تحصل المرأة في البرتغال على حقوق تصويت كاملة مع بعض التحديدات حتى 1976!
وان سويسرا لم تتبنى حق التصويت للمرأة حتى عام 1971, ولم تنتخب اول إمرأة سويسرية لتشارك في الحكومة حتى عام1984, وفي 1985 فقط تم القبول بنتيجة استفتاء لمراجعة الدستور في سويسرا للحصول على حقوق متساوية للنساء والرجال.
ملفت للنظر ان عدداً من الكانتونات المحافظة رفضت تنفيذ القانون الصادر عام 1971 الخاص بحق المرأة في التصويت وبقي اخرها (ابنزل اننرهودن) مصراً على رفضه حتى اواخر عام 1990 حيث اجبر (!) على ذلك بإعادة تفسير الدستور السويسري ليشمل حقوق المرأة دون الحاجة الى تغيير في الدستور المحلي للكانتون. (**)
وفي كندا حاربت النساء من اجل الإعتراف بهن "كأشخاص" قانونياً منذ 1920 وحتى 1929, بسبب غموض اساسه قانون بريطاني يعود الى 1876 يقول "تعتبر النساء اشخاصاً فيما يتعلق بالمعاناة والعقوبات ولكن لايعتبرون كذلك في امور الحقوق والإمتيازات". وقد استعمل البعض هذا النص للإعتراض على تعيين امرأة في سلك الشرطة في كندا عام 1916. عن السؤال "هل تشمل كلمة "شخص" في القانون البريطاني لعام 1876, النساء ايضا؟" اجابت المحكمة العليا في نيسان عام 1928 بـ "لا". وفي 1929 اعلن اللورد سانكي لمجلس "بريفي" قراراً بالإجابة بـ "نعم" عن هذا السؤال, وهكذا اعطيت المرأة حقوقاً كاملة كـ "شخص". (***).
لاتعني هذه المراجعة التأريخية بالطبع اني ادعو الى ان تأخذ المرأة العربية او العراقية او الشرقية نفس المدة الزمنية او مقاربة لها لتحصل على حقوقها, فتجارب الشعوب التي سبقت تختصر الزمن, لكن من جهة اخرى وددت عرض مدى صعوبة تحقيق ذلك وضرورة اعطاء الموضوع بعض الوقت دون تفاؤل مفرط, او وضعه كشرط تعجيزي لولادة الديمقراطية او الإعتراف بها في هذه المنطقة من العالم. ان المطالبة بالمساواة الفورية للمرأة لاتذكر المرء الا بمشروع "الوحدة الفورية" العربية, والذي انتهى بكارثة عربية في الموضوع.
القسوة الإعلامية على المسلمين
غربيا
لايكاد يخلو يوم من اخبار وتحليلات عن الهجوم الإعلامي الغربي العام على المسلمين لذا لن اطيل في الموضوع. ومما قرأت مؤخراً خبراً عن دراسة ميدانية قام بها قسم الإعلام بجامعة إيرفورت الألمانية أكدت إسهام البرامج السياسية في القناتين الحكوميتين الأولى والثانية خلال عام ونصف، في زيادة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) وتكريس أجواء صراع الحضارات داخل المجتمع الألماني.
حللت الدراسة صورة الإسلام والمسلمين في 133 مادة سياسية بثتها قناتا "أي.آر.دي" و"زد.دي.أف" بين يونيو/تموز 2005 وديسمبر/كانون الأول 2006 فتبين ان الإسلام قُدم في 80% من برامج القناتين كأيدولوجية سياسية ذات منظومة قيمية مخالفة للأنماط السلوكية السائدة في المجتمع الألماني، وتم تصويره كخطر سياسي ومجتمعي، وربطه بقضايا العنف والنزاعات كالإرهاب واضطهاد المرأة ومشاكل الاندماج والتعصب الديني وقتل النساء بدعوى الدفاع عن الشرف, في الوقت الذي ندرت تغطية تنامي النزاعات العنيفة والمتطرفة في أديان أخرى، كما لم تتعد التقارير المحايدة أو الإيجابية حول الإسلام والمنتمين إليه 19%. شددت الدراسة في النهاية على أهمية منح مسلمي ألمانيا نفس الحقوق الإعلامية المكفولة للنصارى واليهود وتمثيلهم في مجالس إدارات شبكات الإذاعة والتلفزة الألمانية.
كذلك معروف النشاط الهادف الى تشويه صورة المسلمين والعرب في السينما الغربية, وخاصة الأمريكية. فيقول جاك شاهين, الأمريكي من اصل لبناني الف كتاباً قدم فيه مسحا نقديا لاكثر من 900 فيلم هوليوودي: "العنصرية الوحيدة المسموح بها في السينما والتلفزة الاميركية اليوم هي العنصرية المعادية للعرب والمسلمين." (****)
ملفت للنظر ان تقريراً سنوياً تصدره الأمم المتحدة نشر في كانون ثاني 2006 أرجع ما وصفه بـ"الغبن" الواقع على أحوال المرأة العربية قديما وحديثا إلى بنى ثقافية ومجتمعية بعضها قبلي يعتمد على العرف، وإلى مواريث دينية تستند إلى تفسيرات وتأويلات النصوص المقدسة بحيث تخدم التراتب بين الذكر والأنثى بإعطاء الأفضلية للرجل على حساب المرأة، وأن الاجتهادات الفقهية القديمة فسرت النصوص الإسلامية في ضوء هادٍ من ذلك العرف في حين أن الإسلام براء من هذا التمييز المجحف.
عربيا
لكن المؤلم ان ينتقل هذا الغبن الى داخل الشعوب الإسلامية نفسها, على يد مثقفيها العلمانيين. هذه امثلة:
سيد القمنى
لو قال مواطن انه لايريد " إقامة دولة دينية أو حكومة دينية" وان منهجه " إقامة حكومة ودولة مدنية ، يتساوون فيها الحقوق والواجبات التي يضمنها الدستور" وأن "الشعب من حقه أن يولي الحاكم وأن يحاسبه وان يعزله لفترات محددة ، وتحدث عن فصل السلطات الثلاثة في الدولة.. وأن حقوق الأفراد مكفولة بحكم الدستور" لوقال مواطن هذا لحكمنا انه علماني بلا شك, ولإفترضنا ان العلمانيين سيحتضنوه بكل الحب. لكن ان عرفنا ان من قال هذا لم يكن إلا "قيادي معلوم الشأن" في حزب الإخوان المسلمين في مصر (عصام العريان, في نيسان عام 2005, مع بعض الإضافات عن دور الإسلام هنا وهناك) لأثار ذلك استغرابنا, و...ربما تفاؤلنا.(*****)
لكن ما يثير الإستغراب اكثر هو تعليق الكاتب الكبير "سيد القمني" على هذه المقولة بالذات (الحوار المتمدن - العدد: 1820 - 2007 / 2 / 8) حيث يعلق بشكل معاكس لكل التوقعات الممكنة قائلاً". ورغم أن الشخص واحد فإنه يحمل فيما قال من متناقضات ما يؤكد لنا أن الإخوان أبدا لا يقولون حقا ولا يعرفون صدقا وأن النوايا غير الطوايا وأن الطوايا غير الخفايا وأن المعلن غير كل هذا لكنة يحمل تناقضات تحملها النوايا والطوايا الخفايا ، وإذا كان المعلن كما سنثبت الآن يحمل شرا مستطيرا للدين وللوطن ، فما بالك وما هالك ، لو اطلعت على البواطن الخفية ؟"
هل هذا رد "علماني" حريص على مستقبل وطنه والديمقراطية فيه, يبحث راجياً عن اساس للعمل والتفاؤل من اجلهما؟ ما هو مبرر هذا الحديث عن "البواطن" و "الطوايا" بدلاً من الترحيب (حتى وان كان ترحيباً متشككاً حذراً) بمثل هذه التصريحات, والدعوة الى تفعيلها؟ انه اقرب الى صورة شخص يغيضه اي تقدم من جماهير شعبه الإسلامي نحو الديمقراطية مما هو رد فعل لباحث عن بوادر الأمل في اعتراف تلك الجماهير الواسعة بالمقاييس الديمقراطية والإقتراب منها!
بشكل عام, يستند الداعون الى تحديث موقف الإسلام من مختلف قضايا المجتمع, مثل د. نصر حامد ابو زيد وغيره, الى حقيقة امكانية تفسير القرآن بطرق عديدة وهو ما اشار اليه منذ ولادة الإسلام الأمام علي نفسه حين قال "أن القرآن حمالة اوجه" ويأملون من خلال هذه الحقيقة ومن مقولة الإمام علي بالذات اقناع ا لمسلمين بالنظر الى الجانب الأكثر ايجابية وسلمية وقرباً من الحداثة من القرآن والدين. لكن بعض "العلمانيين" مثل وفاء سلطان وايان هرسي علي (هولندا) وغيرهم كثير, يتخذ موقفاً هو في الحقيقة اقرب الى نفس مواقف المتزمتين المحبذين للعنف من المسلمين, ونفس موقف مثيري الشغب والأحزاب العنصرية المضادة للأجانب في اوروبا, الا وهو موقف ان "العنف هو التفسير الوحيد للإسلام".
من المؤسف ان ينضم كاتب بوزن سيد القمني, وهو الذي يخاطر بحياته من اجل الحقيقة, ويقف بوجه تهديدات المتطرفين المؤمنين بالعنف من المسلمين كما اذيع مؤخراً, الى هذه المجموعة. يقول سيد القمني:"يتحدث العريان عن منهجهم في إقامة دولة مدنية تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات مرجعيتها الإسلام الذي هو حضارة جميع المصريين إن العريان بما يقول هنا قد خرج ليس فقط من جماعة الإخوان بل أعلن العصيان على الإسلام . لأن المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم أمر لا تعرفه الشريعة الإسلامية ، إنما تعرف المراتب والمنازل حفظا لقيم المجتمع ، ففيها السيد العربي وفيها المسلم المولي ، ولا يجوز شرعا المساواة بينهما ، وفيها السيد المسلم وفيها الذمي، ولا يجوز شرعا المساواة بينهما، وفيها السيد الرجل وتابعته محل متعته المرأة ، ولا يجوز شرعا المساواة بينهما ، وفيها السيد والعبد والسيد والأمة ولا يجوز شرعا المساواة بينهما ،ولكل من أطراف هذه المعادلة حقوق غير الآخر وواجبات غير الآخر ، بل أن السيد دوما كان هو صاحب الحقوق وغيره لا حقوق له . إن دولة الشريعة لا تساوي أبدا بين المواطنين ومن يقول بغير ذلك فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة."
كل من الإسلامي المتطرف والقمني يقولان في نهاية الأمر كلاماً واحداً: "من اراد المساواة بين المواطنين على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم, من اراد المساواة بين العربي وغيره والرجل والمرأة, فهو عاص على الإسلام" وعلى المسلم ان يختار بين دينه وبين المساواة. فماذا سيفضل المؤمن؟ غالباً ما اراده المتطرف ان يختار!
شاكر النابلسي:
كثرما وضعت العراقيل امام الأحزاب الإسلامية للوصول الى الحكم عن طريق الديمقراطية مثلما حدث في الجزائر بشكل مفضوح وبمساندة مطلقة من الغرب, فانتقلت المنظمات الإسلامية فيها الى العنف كما هو متوقع. لكن حتى عندما تصل بعض تلك الجهات الى الحكم وحتى عندما تلتزم بالأسس الديمقراطية بشكل جيد, فلا يتم الإعتراف بها كجهة ديمقراطية!
معروف ان حماس وصلت الى السلطة بشكل ديمقراطي لم يسبق له مثال في العالم العربي وبشهادات من كارتر وجهات غربية اخرى, وربما زاد مستوى نظافة الإنتخابات التي رشحتها للحكم على معدل نظافة الإنتخابات الغربية, خاصة اذا اخذنا تأثير المال واصحاب السلطة الإعلامية في كل مكان, اميركا وايطاليا على سبيل امثلة واضحة.رغم ذلك لايجد الكتاب العلمانيون غضاضة في تجاهل ذلك الإنجاز بشكل كامل تقريبا حين يكتبون عن حماس او عن الديمقراطية في العالم العربي او الإسلامي وإن فعلوا اشاروا اليها بشكل سلبي.
هذا الكاتب الأردني المقدر الدكتور شاكر النابلسي يكتب عنها في "الحوار المتمدن": "كذلك فقد نسيت حماس، أن السلطة الديكتاتورية، ومنها السلطة الدينية الحمساوية، لا تؤمن بالله حقيقةً، وإنما بالسلطة. ولذلك تتشبت حماس الآن بالسلطة، حتى ولو ضاع الجزء المتبقى من شتات وفتات فلسطين، وغِضب الله.
فمن طبيعة وطبع الديكتاتور في التاريخ، أن لا يقبل شرطاً من أحد، وألا يلتزم بما يلتزم به الإنسان العادل"
اليس غريباً ان يتحدث كاتب معروف عن حكومة منتخبة باغلبية مطلقة بكلمات "السلطة الدكتاتورية" و "طبع الدكتاتور في التاريخ" و"الإنسان العادل"؟ اليس مضحكاً ان يعترض النابلسي على "تشبث" الحكومة المنتخبة ديمقراطياً بـ "السلطة"؟
عبد المنعم الاعسم
وهذا كاتب علماني اخر هو "عبد المنعم الأعسم" يكتب تحت عنوان: "حريق المنطقة (2) التطرف.. الى حروب اهلية" قائلاً: "يعترض، الآن، حزب الله على حكم الاكثرية النيابية اللبنانية على وفق وزنها في البرلمان ويرفض قاعدة التعاون مع الاكثرية كشريك في الحكم ويطالب بحق لا دستوري يضعه في موقع يتحكم منه بسلطة الحسم والتعطيل والقرار، فان حركة حماس ترفض رفضا قاطعا فكرة المشاركة المتساوية في ادارة القرار السياسي مع حركة فتح، على الرغم من ان حماس اوصلت الحكومة الى الشلل والوضع الامني الى فلتان"
من المعروف تماماً ان حزب الله استند في اعتراضاته على الحكومة (المؤسسة رسمياًعلى نظام انتخابي طائفي) الى طرق ديمقراطية معروفة ومثبتة تتيح للشعب (عن طريق احزابه او بشكل مباشر) ان يعترض على الحكومات (حتى المنتخبة منها) واسقاطها. واكثر من ذلك التزم حزب الله باسلوب اللاعنف "ساتياجراها" الهندي (كما فعل غاندي) فقال انه لن يرد حتى لو قتل الجانب الآخر الفا من اتباعه.
ولماذا يجب على حماس اصلاً ان "تشارك" احداً في سلطة ارادها الشعب الفلسطيني لها وحدها؟ لم وجع الرأس والإنتخابات ان كانت المشاركة "المتساوية" هي الهدف؟ من اوصل حماس الى الشلل غير المقاطعة الغربية المدفوعة من قبل اسرائيل؟ الى اي مدى يمكن تجاهل الحقائق من اجل اثبات رأي ما؟
عبدالخالق حسين
يكتب الدكتور عبد الخالق حسين : "فلا بد من وجود تعاليم ونصوص دينية مقدسة ينفرد بها الإسلام دون غيره تدعو إلى العنف" ولو اخذ الدكتور بعض الوقت وقرأ الإنجيل, بقسميه العهد الجديد و (بشكل خاص) العهد القديم لتردد الف مرة في التورط بمثل هذه الجملة.
بالمقابل يكيل الدكتور سيولاً من المديح والدفاع عن البابا بندكتوس 16 في مقالة اسماها للغرابة "ليس دفاعاً عن البابا بندكتوس السادس عشر" يقول فيها: "لا أريد هنا الدفاع عن البابا بنديكتوس السادس عشر، فهو بالتأكيد ليس بحاجة إلى دفاعي، إذ معه أكثر من مليار مسيحي كاثوليكي يقدسونه وغير كاثوليكي يقفون معه ويدافعون عنه. كما هو ليس بالإنسان العادي الذي لا حول له ولا قوة، بل هو فيلسوف محترف وثيولوجي متبحر في الديانات المختلفة، إذ كان أستاذاً في اللاهوت في جامعة بون (1969-1971) قبل أن يتفرغ للمناصب الكنسية ليتدرج إلى رئاسة البابوية."
من المدهش ان يتمكن الدكتور عبد الخالق المراقب الدقيق لكل صغيرة وكبيرة من مخالفات الإسلام للمبادئ الإنسانية الحديثة عن علاقة هذا البابا بالنازية في الماضي, ولايثير انتباهه ان هذا الإنسان و"استاذ اللاهوت" "غير العادي" و "المتبحر" قد خطب في البشر يوم توليه منصبه الكبير قائلاً انه "يرى الناس خرافاً تائهة في الصحراء", ولكن عليهم ان لايخافوا فقد جاء ليرشدها وينقذها!
وبينما اطرى كثيرا على المسيحية التي تقدم خدها الإيسر لمن ضربها على خدها الأيمن, فهو يمتدح البابا لموقفه المتشدد في عدم تقديم اعتذار او تراجع عما قاله واعتبر ان ذلك كان سيكون " له مردود كارثي على الجميع!" وان "علينا نحن الكتاب الليبراليين تقديم الشكر له", ليكمل قائلاً: "وحتى لو افترضنا جدلاً أن ما نقله البابا كان خطأً، ففي هذه الحالة، ألم يقولوا "ناقل الكفر ليس بكافر"؟" وطبعاً هذا مردود, فـ "ناقل الكفر" يفترض انه لم ينقله تأييداً له, وإلا لكان كافراً بلا شك, والبابا لم يأت بالإقتباس ليبين خطأه بل ليؤكد فيه رأيه.
لايتورع الدكتور عبد الخالق لإزاحة اية عقبة تقف بينه وبين "اثبات" رأيه ان يتهم "ملحد يهودي وداعية سلام اسرائيلي" بركوب "موجة الإسلاميين" ويتهمه بانه " يقف في صف المتطرفين الإسلاميين" لماذا؟ لأنه انتقد البابا واتهمه بالتبعية للرئيس الأمريكي جورج بوش, حين بين أوري افنري في مقالة له ان القيصر الذي اقتبس البابا كلامه كان في حالة حرب مع الأتراك واراد بكلامه توحيد المسيحيين ضد المسلمين كما يفعل بوش الآن. ولا ينجح اوري افنري في اثارة اي تردد في ذهن الدكتور عبد الخالق حول العنف الذي يمارسه بوش في العالم, والذي يفعله حسب ما يقوله بوش لاغيره, باسم الدين.
يقول الدكتور عبد الخالق: "إذا كان المسيحيون قد مارسوا العنف في الماضي باسم المسيحية، فالآن هم مسالمون ويرفضون العنف باسم الدين".
وهو لا يرى ان مشكلة السلام مع اسرائيل بسبب اسرائيل كما يراها الإسرائيلي اليهودي افنري بل المسلمين فيقول له: "وهنا أود أن أسأل السيد أفنيري وهو الداعية للسلام بين العرب وإسرائيل، أليست حماس الفلسطينية الإسلامية هي التي ترفض السلام مع إسرائيل؟"
وإذا كان بوش قد حاول احياناً تخفيف خطابه الموجه ضد الإسلام فأن الدكتور عبد الخالق يذهب ابعد منه قائلاً: "لا شك أن يتفق معي كل عاقل أن الإسلامويين اختطفوا الإسلام ووضعوا المسلمين في حالة مواجهة دموية مع العالم المتحضر" وهي عبارة ابتزازية لكل من يخالف الدكتور عبد الخالق الرأي, فيتهمهم بنقص العقل, وهو لايشمل بذلك اوري افنري فقط بل والغالبية العضمى من المثقفين في العالم, بل والغالبية المطلقة من البشر التي ترى ان التهديد الحقيقي للسلام في العالم هو في اميركا بوش التي تضع نفسها "في مواجهة دموية مع العالم" وليس الإسلام والمسلمين. كل هؤلاء "ناقصي عقل" بخلاف الدكتور عبد الخالق ومجموعة بوش من المحافضين الجدد وبضعة حكومات تابعة ونسبة بسيطة من المؤيدين لسياستهم من البشر.
ثم ينتقل الدكتور عبد الخالق ليصب جام غضبه على حسن نصر الله, فينكر عليه النصر الذي اعترف له به الشعب اللبناني الذي قدم تضحياته بل واعترفت له به حتى اسرائيل نفسها, وإلا فهل كان رئيس الأركان السابق دان حالوتس الذي استقال في كانون الثاني الماضي قد فعل ذلك لأنه "انتصر" في لبنان؟
يطلق الدكتور بعد ذلك العنان لتحليله الطبي على حسن نصر الله ليصفه بـ "السايكوبات" الذي "لا يهتم بعواقب قراراته ولا بالخسائر الجسيمة الناجمة عنها ولا بالضحايا البشرية مهما بلغت، ولا بمعاناة شعبه من جراء سياساته الطائشة." وعلى هذا المنطق, ولكي لا نطبق مقاييس مختلفة, يجب ان نجد في ثوار الجزائر الذي قدموا مليونا شهيد نفس المرض ولأن ثورتهم خسرت معارك عديدة قبل ان تنتصر, وان يحاسب هوشي منه وليس اميركا على مقتل ملايين الفيتناميين, باعتباره "سايكوباتاً" هو الآخر.
الجميع, عرباً وغير عرب يتبرع بالنيل من الشعوب العربية لتخاذلهم الطويل امام اسرائيل, ثم حين وقف احد هذه الشعوب بوجهها تحمل بصبر ثمن الدفاع عن كرامته وحقق نصراً لاغبار عليه, بدأوا يذرف الدموع عليه واخترعوا لأبطاله الذين كسروا سلسلة الهزائم تلك كل التهم الممكنة, واول من يفعل ذلك للأسف "العلمانيون" فيعزلون انفسهم عن شعوبهم اكثر واكثر ويفقدون مصداقيتهم اكثر واكثر.
هذا هو الحماس الليبرالي او العلماني المتطرف ضد الإسلام, والذي يزيح من امامه اية عقبة منطقية او حقيقة تأريخية ليثبت فكرته المتلذذة برؤية كل الشرور والأمراض في نقطة واحدة في العالم هي "المسلمين" مهما كلفه ذلك من مصداقية ومكانة لدى شعبه.
لم اختر هذه المجموعة اعلاه كأكثر ممثلي العلمانية تشدداً وقسوة مع الإسلام بل بالعكس, لأنها تعتبر من اكثر النماذج موضوعية وقرباً الى العلمية في تحليلاتها, وتجنبت الخطابات المغرقة في الكراهية الطاغية مثل خطابات د. وفاء سلطان, التي اعتبر وضعها في خانة العلمانية خطأً مفضوحاً (وفاضحاً).
عالمياً: مؤتمر لتفسير القرآن من منظور علماني
تستعد اليوم شخصيات غربية من تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لإقامة مؤتمرا حول الإسلام والعلمانية و"تفسير القرآن من منظور علماني". وتحضر المؤتمر شخصيات علمانية (!) من العالم الإسلامي "لبحث أسباب تحول ثقافات الشرق الأوسط من الانفتاح خلال العصور الوسطى إلى مجتمعات دينية حاليا"- كما جاء في نشرة أصدرها منظمو المؤتمر.
المؤتمر مليء باسماء منظمات مشبوهة مثل معهد "أمريكان إنتربرايز" المعروف بتمثيله لتيار المحافظين الجدد البعيد كل البعد عن العلمانية, و"المؤسسة الأوروبية للديمقراطية", الفرع الأوروبي لمؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" الأمريكية التابعة للمحافظين الجدد ايضاً, والمسؤولة عادة عن التآمر على الحكومات التي لاتعجبها بحجة نشر الديمقراطية,،وشخصيات مشبوهة مثل نوني درويش (ابنة ضابط مخابرات مصري في غزة في الخمسينيات من القرن الماضي) والتي اعتنقت المسيحية- كما ذكرت صحف مصرية- وأطلقت مشروعا أسمته "عرب من أجل إسرائيل".
ان ترجمنا موقف اسرائيل من العرب يمكننا ان نطلق على مشروعها اسم "عرب من اجل العنصرية ضد العرب" او "عرب من اجل احتلال العرب" او "عرب من اجل طرد العرب" دون ان نتجن عليها.
تقول نوني: إن سبب الحروب في المنطقة هو "ثقافة الشرق الأوسط الإسلامية"، وما تسميه "دعاية الكراهية التي يتم تعليمها للأطفال منذ الصغر". (إذن ليس الإحتلال والتهجير والتمييز العنصري هو المذنب كما كنا نعتقد لنصف قرن, وكما يعتقد العالم كله اليوم!)
كذلك تشارك شخصيات تدعي العلمانية وتتبنى خطاب المسيحي المتطرف, الناخب الأساسي للرئيس بوش, مثل د.وفاء سلطان الأمريكية من أصل سوري التي لاعلاقة لها بالعلمانية ولا الإسلام ، والكاتبة الباكستانية الأصل إرشاد مانجي التي هاجمت الإسلام بعد انتقادها بشدة على دعوتها لممارسة الشذوذ الجنسي في كتابها "المشكلة في الإسلام".
ولا يجد الكاتب الأردني المعروف د. شاكر النابلسي ضيراً من الإنظمام الى هذه المجموعة في مؤتمر يدعمه المحافظين الجدد المعروفين بتشددهم الديني في بلادهم نفسها, مبرراً ذلك قائلاً "حتى لو وقفوا وراء هذا المؤتمر ماليا، الأهم من هذا أنه يمكن أن نقول ما نشاء في المؤتمر. حتى لو كان البيت الأبيض أو الكونغرس هو الممول فإن الشيء الجميل أننا نستطيع أن نقول ما نشاء بينما في العالم العربي عندما يمول مؤتمر من جهة ما علينا ألا نتعارض في أفكارنا مع أفكار الممولين".
لا افهم لماذا يجد العلمانيون في ادارة بوش ممثلاً للعلمانية علماً انها تتكون من, وتعتمد على اشد المسيحيين الأمريكان تطرفاً, ولماذا يجد المشاركون في اي نشاط مشبوه في الغرب مبرراً لمشاركتهم في انه لو كان ذلك النشاط قد تم في العالم العربي لكان الأمر اسوأ!
آمل من الدكتور شاكر النابلسي ان يبرهن أمانته العلمية و يمارس حريته في ابداء الرأي في المؤتمر ليسأل لي السيدة ارشاد مانجي حين تلقي دراستها عن موقف المحافظين الجدد انفسهم من "الشذوذ الجنسي" الذي دافعت عنه ولماذا يتخلفون عن جميع الدول الغربية في هذا "التقدم"؟ وأود كذلك ان يسأل المشاركين من اليهود لماذا لايجدون من المفيد عقد مؤتمر لـ "أعادة تفسير العهد القديم من منطلق علماني"؟ سيكون سؤالاً مثير للإهتمام لأنه سيضع علامة استفهام على اساس دولة اسرائيل نفسها!
نتوقف هنا, وفي الحلقة القادمة سنناقش اجزاء اخرى من الموضوع
-----------
(*)(http://www.rezgar.com/m.asp?i=945)
(**) http://history-switzerland.geschichte-schweiz.ch/chronology-womens-right-vote-switzerland.html
http://canadaonline.about.com/cs/women/a/personscase.htm (***)
http://www.alsaheefa.net/article.php?id=2553(****)
( (*****تعتبر العديد من ا لجهات البحثية الغربية (مثل مركز الدراسات الحكومية الهولندي) ان حزب الإخوان المسلمين في مصر يتبنى موقفاً قريباً جداً من الديمقراطية يدعو الى التفاؤل. ويمكن التأكد من ذلك بمراجعة طروحات هذا الحزب كما يراها منير محمد الغضبان في هذا الموقع :http://hem.bredband.net/dccls/s348.htm
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟