إنطلقت في الآونة الأخيرة دعوات توحيدية ضمن صفوف الحركة الوطنية الكردية (السورية) منها قاعدية ومنها ما صدر عن أعلى المستويات القيادية في الأحزاب الكردية المنشقة عن بعضها بعضاً خلال أعوام طويلة من التناحر المضني والتنافر القوي، وكذلك تصدر هذه الدعوات من أصدقاء الحركة ومؤيديها المخلصين، سواء في الداخل أو في الخارج. وهذا دليل على أن الوقت قد حان فعلاً للنظر في الوضع المزري للحركة السياسية الكردية ومن الضروري القيام بعمل ما للخروج من أزمتها المستديمة.
من هذه الدعوات ما يمكن القول عنها بأنها ردّة فعل عاطفية وشحنة إنسانية قوية تبعت تظاهرة الأطفال الكرد في دمشق يوم 25/6/2003، تلك التظاهرة السلمية لأطفال أبرياء رّد عليها النظام البعثي القائم للأسف الشديد لا بالورود كما يستقبل الأطفال عادة في مسيراتهم في البلدان المتقدمة أو في دوائر الدول الراقية، وإنما بالهراوات والشتائم والإهانات والقيود الحديدية.. وهنا ثارت ثائرة بعض الكرد فطالبوا الأحزاب الداعمة للتظاهرة بالوحدة والاتحاد أو بتشكيل "لجنة قيادية مشتركة" أي ب "عمل فوقي" كعادة أطروحات القياديين عندما يضطرون إلى الإفصاح عما يختلج في صدورهم وتلبية لبعض الحاجات النفسية للشعب المسحوق الرافض لهذه التمزقات والانشطارات والانشقاقات الجارية بإسمه.
ومن هذه الدعوات ما يمكن وصفها بأنها جادة ومتزنة ورصينة وتنطلق من قلوب لا تريد لشعبها وحركته الوطنية إلا الخير، ومعظم هذه الدعوات تصدر من مثقفين مستقلين أو كوادر قدامى في الحركة يرون المشاكل العالقة أمام عيونهم يوما بيوم ولايجدون لها سوى الوحدة أو الاتحاد دواءً.. إلا أن بعض هذه الدعوات أصبحت كالموضة تظهر بألوان وأشكال مختلفة حسب فصول السنة الأربعة وهي مفصّلة تفصيلاً يلائم أوضاع القيادات المتخاصمة والمنشّقة عن بعضها بعضاً بحيث يقبلها الكل ولا ينزعج منها أحد، دون الدخول في حقيقة ما حدث ويحدث..
وبرأينا قبل أن ندعو للوحدة يجب علينا البحث عن أسباب الانشقاقات العديدة والتنظيمات الكثيرة في الجزء السوري من كوردستان، ولقد تناول هذه الأسباب مثقفون دارسون للموضوع الكردي دراسة علمية قيمة ولا نريد أن نذكر أحداّ منهم هنا، ولكن القارىء الكردي يرى بنفسه أن الأسباب مدروسة وموضوعة على شكل تقارير ومقالات ودراسات أمام مختلف الأحزاب وكل المهتمين بالشأن الكردي والمناضلين من أجل القضية الكردية العادلة في كوردستان سوريا.
ومن هذه الاسباب: الخلافات الآيديولوجية ، التشبّث بالرأي والكرسي لدى بعض القادة الذين يعتبرون أنفسهم خلفاء لهم الحق في قيادة الحركة حتى يدركهم الموت ، التأثيرات الكوردستانية المختلفة على الحركة ، القناعات المختلفة في طريقة المطالبة بالحقوق والنضال لها ، الضغوط النفسية والسياسية للنظام القائم على بعض الأطراف دون غيرها ، المشاكل المالية والتنظيمية التي لا تجد لها حلاً في التنظيم الواحد ، عدم وجود مناخ ديموقراطي داخل الحركة وفي البلاد عامةً، عدم وجود تخصص كادري على مستوى عال في الحركة وما إلى هنالك من أسباب..
إلا أن إدراك هذه الأسباب وغيرها أيضاً لايكفي لانجازالنجاح في عملية الوحدة المرغوبة أوالتوحيد المطلوب ، إذ لابد من تحديد " ثوابت الحركة الوطنية " وهذا يعني البحث عن هذه الثوابت وإظهارها للشعب وللمناضلين الحزبيين وتأطيرها واعتبار التنازل عنها خيانة بحق الأمة الكردية والقضية الكردية. وهذه الثوابت القومية والوطنية يمكن أن تبني القاعدة الثابتة لانطلاقة وحدوية تعيد الثقة بالحركة بين الشعب الكردي ...
بانضمام حزب آزادي وأول جمعية ثقافية طلابية كردية للحزب الديموقراطي الكردستاني في سوريا في بدايات النضال القومي الكردي السوري دون تحديد وتأطير هذه الثوابت لم تتم وحدة كاملة وصحيحة ومع الأيام حدث أول انشقاق داخل الحزب وكان انشقاقاً بسبب عدم الاتفاق التام حول الجانب الكردستاني من المسألة الكردية في سوريا. وهذا لايمكن إنكاره من قبل أي مناضل مضطّلع على تاريخ حركته السياسية أو كان معاصراً لتلك الأحداث المؤسفة.
ونرى بأن الوحدة التي تمت في السنوات الأخيرة بانضمام الحزب الاشتراكي الكردي إلى الحزب الديموقراطي التقدمي قد تمت بعد الاتفاق التام على الموقف من النظام القائم قبل أن يكون اتفاقاً على المسائل الأخرى في الحركة الوطنية الكردية، أي أنه اتفاق على موا قف أكثر مما يكون اتفاقاً على ثوابت ، إذ لم يتم تحديدها والتركيز عليها في قرار الانضمام..
طبعاً ليس هناك ما يدل على أن " التحالف الديموقراطي الكردي" أو "الجبهة" في وضع جيد ، إذ أن بعض أطرافها قد غاب عن التظاهرة التي حدثت بدمشق في 25/6/2003 وبعضها غاب عن الندوة التي اقيمت في القامشلي يوم 16/7/2003، بل إن بعضها انتقد الحدثين أو أدار وجهه عنهما لأسباب مختلفة. ولكن أصواتاً في القطبين الجاذبين تدعو إلى الوحدة والاتحاد دون تحديد الثوابت والركائز القومية والوطنية الأساسية، وهي بهذه الدعوات إنما تعبر عن عدم رضاء عن الواقع المتردي لكلا المتحدين السياسيين..
لذلك من الضروري الوقوف عند هذه الثوابت التي لا بد منها قبل الإقدام على أي محاولة وحدوية جديدة تتعرّض مستقبلاً للتمزّق مرة أخرى لوقوفها على أقدام واهية.. ولقد تطرقنا لهذه الثوابت فيما مضى ولابأس من التطرّق إليها هما أيضاً لأهميتها وضرورتها:
-الشعب الكردي في سوريا جزء من الأمة الكردية المجزأة المقسّمة وليس شعباً ينتمي إلى أمة غيرها.. واعتبار هذا الشعب أقلية أو مجرد "أكراد" إهانة وخيانة للقضية الكردية العادلة.
- كردستان سوريا تم إلحاقها بسوريا وتجزئتها من كردستان الأم وفق معاهدة استعمارية هي معاهدة سايكس – بيكو عام 1916م دون إرادة الشعب الكردي ، وكل تفسير آخر لوجود الشعب الكردي في سوريا يتعارض مع هذه الحقيقة التاريخية.
- القومية الكردية في سوريا تشكل القومية الثانية في البلاد من حيث الحجم السكاني والتواجد الجغرافي والفعاليات الاقتصادية والإنتاج وعليه يجب مراعاة وضعها المتميز هذا في كل ما يتعلق بشؤون الحكم والإدارة ومنحها الحق العادل في إدارة ذاتية تحدد العلاقة بين السلطة المركزية والمنطقة الكردية في سوريا، ويتم تثبيت ذلك دستورياً .
-لغة الشعب الكردي في سوريا هي اللغة الكردية المعروفة بلهجاتها وتصريفاتها وقواعدها والتي هي من عائلة اللغات الهندو – أوروبية وليست لهجة محرفة عن غيرها من لغات القوميات السائدة في كوردستان.
-سياسة التعريب المتبعة والمنفذة في المنطقة الكردية الممتدة من أقصى الشرق في الجزيرة السورية إلى أقصى الغرب في جبل الأكراد وكذلك سائر المشاريع التي تستهدف وجود الشعب الكردي في هذه المنطقة تتعارض مع كل المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الشعوب والأقوام وحقوق الإنسان ، مهما اختلفت أشكال الحكم وتنوعت الآيديولوجيات وتقلبت الظروف في سوريا.
-كل ألوان العمل السياسي والحوار مع السلطة والدخول في التحالفات الوطنية وكل أشكال التنظيم القومي السوري يجب أن تأخذ هذه الحقائق والثوابت بعين الاعتبار وتعمل وفقها وترفض التنازل عنها أو المساومة حولها..
بارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا
31.07.2003