382003
نجد اليوم بعض التطورات النوعية لأشكال الصراع في الشأن العراقي، فالهجمات على الجنود الأمريكيين تزداد يوما بعد يوم، وإن كانت مازالت غير منظمة، بذات الوقت نجد إن الخطاب العربي قد أزداد عداءا للعراقيين، والفضائيات الإعلامية قد اتخذت لها نهجا جديدا متسقة مع بعضها البعض، والأمريكان يضغطون على دول الجوار بشدة، والنتيجة تدفق مزيدا من الفدائيين العرب والأفغان العرب والسلفيين المتشددين من الدول العربية، وبهذا الشأن بالذات، يغض الأمريكان الطرف وكأنهم لم يروا شيئا، ودخل اللعبة الكثير من السياسيين العرب الذين يحرضون لحروب طائفية في العراق!!!!!! ما الأمر؟ ما الذي يمكن أن نرصده من كل هذا وذاك؟
لنبدأ أولا بالفضائيات العربية وأجهزة الإعلام الأخرى فهي الأكثر ثرثرة وبالتالي تشي بالكثير الذي نستطيع أن نقرأه بين السطور وحتى من العناوين الكبيرة.
بعد الذي شاهده وسمعه الناس من جرائم النظام بعد سقوطه، صار من المسلمات إن صدام لم يعد ممكنا له أن يعود ليحكم العراق من جديد، وبدا هذا الأمر واضحا جدا من خلال الطروحات والتحليلات والمداخلات للمداخلين، من أن صدام جلاد ومجرم وهكذا كل ما يمكن أن يقال من صفات الرذيلة فهي تنطبق عليه. المشكلة التي تواجه الفضائيات الآن للاستمرار بالتحريض هو غياب البطل الفارس الذي يدفعون المغرر بهم للدفاع عنه.
أصبح ذلك حقيقة لبشاعة المناظر التي لم يكن ممكنا أن تسترها الفضائيات وباقي وسائل الإعلام العربية وعلى رأسها فضائيات الجزيرة والعربية. تدخل الإعلاميون ملوك الدجل والانحطاط الفكري والأخلاقي العروبي ليعيدوا تشكيل الصورة للبطل من جديد. ذلك لأن العربي المسكين الذي صار محبطا ولم يجد ما يقوله بعد موت البطل أخلاقيا. وإذا كان البطل قد مات فما جدوى أن يحارب العربي ولمن ستكون البطولة في نهاية الأمر؟ فليس هناك دكتاتورا جديدا مهيئا لأخذ هذا الدور بدلا من صدام.
وفي غفلة منا جميعا، استجمعت الفضائيات العربية قوتها وشتات فكرها واستدعت كل الدجالين وصانعي الرأي العام المزيف ليعيدوا النظر بأمر الصورة البشعة التي خرج بها المواطن العربي عن صدام الذي يعتبرونه البطل والقائد المغوار ومحرر فلسطين من رجس الصهاينة الأشرار.
صدام من جانبه لم يفوت فرصة إلا وبعث بشريط جديد ليؤكد إنه موجود مما زاد من تعقيد الأمور، فكيف سيبعثون بالأموات من جديد؟ الإشكالية كبيرة، فصدام ذو الصورة البشعة والذي قتل ألف مرة أخلاقيا وعرفا ومعنا في نفوس الأخوة العرب مازال موجود ويقدم الضحايا ويسميهم شهداء وهم ذاهبون إلى عليين وليس إلى صقر، ويغير مكانه كل أربع ساعات والأمريكان يلاحقونه ويفشلون بالإمساك به حيا أو ميتا رغم قوتهم. فهو إذا موجود ومازال قوي وله من يعمل على عودته للسلطة. إن هذه الإشكالية والتناقض في الصورة لدى الأخ العربي باتت تقض مضجعه ولا يدري كيف يعيد ترتيب أفكاره، لأن هذه المهمة قد تركت له وهو غير قادر على استيعابها ولا تحملها.
من هنا جاءت الضرورة لإعادة تشكيل الصورة وجعلها جميلة رحمة بالمشاهد العربي الذي لم يقدموا له البديل، ولقتل المزيد من أبناء الشعب العراقي المقتول أصلا، وتقدم هذه الأجهزة القذرة الدليل من جديد على عدائها المطلق لشعب العراق.
لذا نرى الفضائيات العربية التي تصر على دونيتها، قد استبسلت من جديد وبمنهج (ثيمة) جديد متمثلا بإعادة تشكيل الصورة لتبدو إنسانية وشخص صدام أكثر صلابة وتماسك من ذي قبل، فهو القائد الذي لا يهزم أبدا لولا الخيانة والخذلان ممن هم من حوله. تلك الصورة التي خلقها الخيال المريض لمن يحبونه في الأيام الأولى لسقوط النظام.
بالأمس يقابلون إبنته رغد التي هي يفترض أن تكون إحدى ضحاياه والأكثر دلالة على مدى همجية النظام وشراسة صدام وأبناءه وأبناء عمومته الذين كانوا يمسكون بالسلطة ويتحكمون بمقدرات البلد. يستشف المشاهد من المقابلة، أن صدام أب حنون وحكيم ومحب لأهل بيته وأبناء عمومته وقريته العوجة. صدام لم يترك مناسبة إلا وجلب الهدايا لآل بيته وخصوصا أحبته الصغار منهم الذين يستمع لهم بآذان صاغية ويحاورهم كأي حضري متمدن ولا يعرف للعنف من معنى، وإن من قتل زوج رغد، ذلك الشخص العصامي المكافح والخارق الذكاء الموهوب حسين كامل هو علي حسن المجيد، حيث تحاشت في هذه المرحلة أن تسميه علي كيمياوي، والوزر الأكبر للجرائم التي اقترفت، هي طبعا لا تعرف عنها شيء ولم تسمع بها إطلاقا، تلك الجرائم كانت من صنع أخوته الذين هم من أطراف العشيرة ومن أفقر الناس بها بحيث إن أباهم لا يملك حتى قطعة أرض، هؤلاء الأوغاد هم المسئولون عن خطايا النظام، بالطبع مع علي كيمياوي، هم من كان وراء كل الجرائم البشعة بحق الشعب والإنسانية، ومنها طبعا مقتل زوجها وأخيه الذي هو الآخر زوج ابنة صدام الوسطى والحارس الأمين الأكثر إخلاصا لأبيها الحبيب والبريء براءة الذئب من دم يعقوب، بل وبراءة الأطفال في عينيه، بالرغم من شخصيته المهيبة والمتماسكة والمقتدرة.
طبعا، بكل وقاحة يقدمها سعد السيلاوي على إنها ابنة السيد الرئيس العراقي، وكأنه مازال في السلطة، وكأن الأمر ما هو إلا سحابة صيف ستمر دون أن يحدث شيء، متجاوزا بذلك على الشعب العراقي والقيادة الجديدة في البلد والتي كأنها غير موجودة، بل ولا تستحق منه أن يذكرها على الإطلاق، ألم يقل أحمد ماهر إن مجلس الحكم في العراق ""ولا حاجة""؟! لم لا يقولها هذا المأجور سعد السيلاوي؟
على نفس هذه المنهجية (الثيمة) تعمل الجزيرة بوجوه جديدة لم تدخل في قذارة ووحل الإعلام المزيف المنحاز للعنف والنظام المقبور ولم تمارس الإهانات قبل الآن للشعب العراقي بشكل مباشر، أي إن أبطالها من أصحاب الأيادي البيضاء لحد الآن. فأسعد طه الشاعر وصاحب البرنامج المتميز بمسحته الإنسانية، ولم يقدم ما يسيء للعراق والعراقي قبل الآن، يخرج بالأمس ببرنامج خبيث، وأخبث ما فيه يروج لبعث الحياة من جديد لنظرية المؤامرة التي راح صدام المسكين ضحية لها، فبرنامج نقطة ساخنة لم يجد من يقابلهم غير ذلك النفر من ضباط النظام الذين مازالوا لحد الآن يسمون صدام بالسيد الرئيس حفظه الله ورعاه، وإن سقطت أحيانا (ورعاه) سهوا. ذلك النفر من الضباط يؤكدون إن ما سقط هي بغداد وليس النظام. فمعركة المطار، التي ضمنا تبرأ ساحة الصحاف وتؤكد على صدقه، كانت معركة ذبح الأمريكان كذبح الخراف على الطريقة الصدامية، فالضابط الأول قال بضعة عشرات قد قتلوا، والثاني قال إن الرقم يزيد على سبعمائة وثلاثين، ولا أدري ماذا يقصد ب(يزيد على)، هل كان الرقم سبعمائة وثلاثين جندي و(بسطال) مثلا؟ المهم إن الخبر اليقين عند الضابط الصدامي. أما الجندي من فدائيي صدام والملثم وجد إن العدد ألفين وقد جزت رؤوسهم كما الخراف. ولكن الخيانة كانت لصدام بالمرصاد وهي التي كانت سببا لهزيمة الجيش.
الجيش الذي هزم من قبل أن يحارب، كانت الخيانة سببا لهزيمته وليس عدم إيمانه بالحرب، وليس لأنه جيش مرتزقة، وليس بسبب كره الشعب لهذا الجيش وللقائد الفلتة المناضل صدام حسين.
إذا فالقائد الذي مازال متماسكا، ما كان لينهزم لولا هذا النفر من الضباط الخونة من حوله.
فالثيمة theme) ) التي تعمل عليها الفضائيات العربية وخصوصا الجزيرة والعربية والأم بي سي تتلخص بالآتي:
• القائد الضرورة أياديه بيضاء كالثلج وبريء من كل الجرائم التي أقترفها النظام بحق الشعب العراقي والشعوب في الجوار، ولم يمت أخلاقيا ولا عرفيا لكونه مجرم طريد لا بد سيقع يوما ما.
• القائد مازال حيا ومتماسكا ويقاوم، ومن يريد أن يذهب ويقاوم معه، فإنه سينال الشرف الرفيع دفاعا عن الأمة بقتل العراقيين وحتى آخر عراقي.
• القائد ليس بتلك البشاعة بحيث يقتل صهريه ويترك بناته أرامل وأحفاده أيتام. فإنه الأب الحنون، والطيب القلب، والرقيق المرهف الإحساس، والنزيه العادل الذي ما اقترف جريمة من قبل، حتى تلك المقابر الجماعية فما هي إلا مقابر تركها الأتراك و هولاكو يوم غزوا العراق، وما تلك السجون إلا من أجل إقامة الحق والعدالة، وربما منتجعات مجانية للأحبة أبناء الشعب العراقي.
• إذا لابد أن تكون وجوه جديدة لهذه المهمة. وجوه لم تمتلئ أفواهها بوحل الأكاذيب وتحريف الحقائق، معروفة بصدقها أو حتى غير معروفة على الإطلاق، هي من أوكلت إليها المهمة الجديدة. فلو كان المتحدث فيصل القاسم مثلا، فمن سيصدق هذا الدجال بعد كل ما فعل
وآخر من دخل لعبة التحريض الرخيص ضمن لعبة الفضائيات القذرة السياسي اللبناني الأجدع وليد جمبلاط. ضمن حلقة لبرنامج على الجزيرة يديره أحد الفرسان الجدد للتحريض الرخيص غسان بن جدو. فيه يدعو جمبلاط الدول العربية لفتح حدودها للفدائيين العرب، الذين باتوا معروفين لدى الجميع، من إن وجودهم في العراق غير مرغوب به، ويعتبرهم الشعب العراقي من ألد أعدائه، يدعو هذا الجمبلاط لزج أكبر عدد من هذه الحثالات العربية اوتسهيل دخولها لمحاربة الشعب العراقي والأمريكان، ولكن يجب أن يستثنى من هذه الحرب الأكراد. جميل أن يستثني شريحة من الشعب العراقي، ولكن لماذا يحمي الأكراد؟ فعلمها عند الله، بالرغم من أنه يقول، وأنا غير مصدق، إن الأكراد قد ظلمتهم الأمة العربية ويريد هو أن ينصفهم الآن بأن يستثنيهم من الجرائم التي يجب أن تقترف بحق العراق والعراقيين. وإذا عرفنا إن الفدائيين العرب موضع ترحيب من فئة معروفة لنا جميعا، فلم يبقى من العراق غير الشيعة. إذأ إن التحريض لقتل الشيعة العراقيين هو ما يقصده هذا الأجدب، حيث إن قتل الشيعة أصبح من الثوابت القومية العربية، وهذا ما يفضحه بكل وضوح جمبلاط وبن جدو على فضائية الجزيرة. المدعوون للبرنامج كانوا أصلا من المنظمات الشبابية في لبنان، وهم من يجب أن يغرر بهم قبل أي جهة أخرى. إن جمبلاط المتحمس لحرب طائفية في العراق، لدرجة لم أرى حماسا أكثر حرارة منها، يريد أن يجعل من العراق لبنان جديدة. الأغرب من ذلك، إن من يقف معهم بنفس الخندق محطة المنار اللبنانية التي تعمل بنفس المنهج ونفس اللغة، ومن ورائها يقف حسن نصر الله يوميا يهتف ويحرض هو الآخر لقتل العراقيين على اعتبار إن قتلهم أصبح من الثوابت القومية العربية والإسلامية وجزأ لا يتجزأ من العداء لأمريكا.
كل هذا يتزامن مع واقع جديد لأعمال القتل والإخلال بالأمن من قبل القادمون الجدد من السلفيين والذي هربتهم أنظمة الجوار ليحاربوا الأمريكان في العراق. بالإضافة إلى ذلك جاء ترحيل الأفغان العرب وفلول القاعدة وطالبان، الذين حمتهم إيران بعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان، متزامنا مع وصول السلفيين الهاربين من بلدانهم، هؤلاء الأوغاد قد تركوا ليدخلوا إلى العراق، وكأن العراق قد أصبح أرض المعركة مع الأمريكان.
أصبح الآن لدينا أربعة أطراف تحارب في العراق، فلول النظام المقبور وفلول طالبان وسلفيوا دول الجوار والفدائيين العروبيين، فالأربعة يطالبون بالثأر من الأمريكان ولكن هذه المرة على أرضنا، حيث سيتسنى لهم بذات الوقت أن يصفوا حساباتهم الطائفية مع العراقيين، تلك الحسابات التي صرنا نعرفها شفاها.
وفي هذا التوقيت نجد إن أيمن الضواهري يتوعد الأمريكان بانتقام رهيب، حيث إن مسألة التوقيت مهمة جدا، هل استطاع الأفغان العرب وطالبان من دخول الأراضي العراقية واتخذوا لهم متاريس ومخابئ بها؟ وبذات التوقيت أيضا نجد صدام يحدد يوم الخامس والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) موعدا لعودته إلى السلطة!!!!!
هل هذا التزامن في الأحداث يعني إن الجميع ينسقون لهدف واحد؟
إن العجيب الذي أستطيع أن أرصده ضمن هذا السياق هو السلوك الأمريكي، فهي من يمسك بكل خيوط اللعبة، وهم أيضا من يدفع الأيرانيين لإطلاق الأفغان العرب وفلول طالبان وفتح الطريق إليهم للدخول إلى العراق، وبذات الوقت يضعون السعوديين تحت ضغط هائل من أجل التخلص من السلفيين المتطرفين الذين يهاجمون الأمريكان هناك، ولكن بذات الوقت يغضون الطرف عنهم حين تفتح الحدود العراقية لهم من دون رقيب، فأين سيذهب هؤلاء السلفيين غير الذهاب إلى العراق؟ حيث هناك سيجدون الأمريكان الذين يودون محاربتهم وبذات الوقت الشعب العراقي الذي يجدون به من الشعوب الكافرة، وإن قتل العراقي جزائه ضمان قصر في الجنة.
إذا فالأمريكان يدفعون بالأفغان العرب وفلول طالبان والسلفيين في السعودية والفدائيين العرب لدخول العراق في وقت واحد، ويسكتون على كل أنواع التحريض القديم منها والجديد، ماذا الذي ينوون فعله؟! هل يخططون لأمر ما؟ هل المسألة مخطط لها بأن تستدرج أمريكا كل أعدائها ممن تسميهم بالإرهابيين إلى العراق لكي تجهز عليهم مرة واحدة، حتى لو كلف ذلك الشعب العراقي الكثير من الضحايا الأبرياء؟؟؟؟؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف استطاعت الولايات المتحدة أن تجد المسوغ الأخلاقي لعمل من هذا النوع؟ أنا لم أعد أستبعد شيئا على الإطلاق في هذا الزمن.
أرجو أن تكون أمريكا قد تحسبت لهذا الأمر، وإن من واجبها حماية الشعب العراقي، خصوصا بعد أن جرد الشعب من سلاحه.