|
/ كتاب شهر اذار/ كيف يمكن ان نعيش سويا ومختلفين
مهدي النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1843 - 2007 / 3 / 3 - 10:18
المحور:
الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2 : المصالحة والتعايش في مجتمعات الصراع العراق نموذجا
كيف يمكن أن نعيش سويّاً ومختلفين " الطُّرق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق" ابن عربي دأبت كل مجموعة من الناس (ملة/فرقة/طائفة/...الخ) على التمسك بمعتقداتها، خاصة الدينية والمذهبية، وراحت تزعم بأنها وحدها على حق ووحدها من يمتلك الحقيقة دون الناس أجمعين، فشكَل هذا الاعتقاد سمات هويتها وشخصيتها لذا اجتهدت في الدفاع عنه بالغالي والنفيس وصارت حتمية إقصاء الآخر شأناً مرتبطاً بالعقيدة ذاتها وأصبح ما يقره رجال الشرع من هذه الجماعات المنغلقة فيما يتصل بمن يخالفونهم الدين أو المذهب يمثل سقفًا نهائياً للعلاقة مع المختلفين لا يمكن تخطّيه، وبتعبير آخر مثلت ثقافة العداء والتصادم مع الآخر عنصراً أساسا في المكوّنات الذاتية التي لا يجوز التخلي عنها بأيّ حال، وبرزت نماذج متعددة وواضحة ومؤثرة في الثقافة العربية الإسلامية في العقود الأخيرة من القرن الواحد والعشرين، لعل أكثرها وضوحاً وتطرفاً نموذج الثقافة اللادنية (نسبة إلى أسامة بن لادن) التي أجهضت في مدها المتسع والمتطرف الكثير من جهود الإصلاح والتحديث وحالت بينها وبين فاعلية النسيج الثقافي والاجتماعي العربي/الإسلامي، فحصيلة هذه الثقافة المتشددة من خلال انطوائها على نفسها وسخطها المزمن على الأزمنة الحديثة ورفضها القاطع للتغيرات المفهومية والقيَمَية إهمال الحس التاريخي الذي يقول عنه ابن خلدون: " ومن الغلط الخفيّ في التاريخ الذهول عن تبدّل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدّل الاعصار ومرور الأيام"، أو كما يقول الكاتب التونسي د.أحميدة النيفر(جدل العالمية والخصوصية) : فإنها لا تريد أن تباشر التراث الديني والفكري إلا متقيّدة بالمستوى الذهني والمعرفي الذي وقع ضبطه من قِبَل السلف. مؤدى هذا الفهم"التقديسي" هو تحويل حقبة من الحقب التاريخية إلى منظومة مرجعية في فكرها وأنساقها الاجتماعية والقيَميَة، على اعتبار أنها تقدّم أفضلَ صور الالتزام بحقيقة الرسالة الدينية ودلالاتها الحضارية. إن هذا التزمت ألمعتقدي (الديني و/أو المذهبي) يقفز فوق الوقائع التاريخية ولا يكترث بمشروطياتها وعواملها التي تؤثر بالنشأة الدينية والاعتقاد بحقانية هذا الدين أو هذا المذهب دون سواه، حيث من السهل أن نجد إن الدين و/أو المذهب الذي يعتنقه الإنسان هو ابن بيئته (خاصة بيئته العائلية) التي ولد فيها، وكثيراً ما ينكر المتشددون هذه المسالة البديهية أو يتغافلون عنها بسبب تعصبهم المفرط لما استورثوه عن آبائهم من اعتقاد وغِيرتهم الشديدة على نصوصهم باعتبارها هي النصوص الثابتة والصحيحة مهما تغيرت الأمكنة والأزمان. إن البديهية التي ذكرناها تواً تشير إلى أن الإنسان حين يولد ليست أمامه اختيارات أي الأديان (أو المذاهب) سينتمي إليها، ومن هي الصحيحة ومن هي الخطأ، ليست أمامه حيلة أن ينتمي إلى الإسلام أو إلى الهندوس، إلى الشيعة أو السنة، فمن يولد في عائلة مسلمة معتقدة بالإسلام في السعودية أو باكستان أو حتى بريطانيا على اغلب الاحتمالات سوف ينشأ مسلماً، ومن يولد في عائلة هندوسية وان ولد في إيران على أقوى الاحتمالات سوف يكون هندوسياً، أو من يولد في عائلة بوذية في تايلاند أو بورما أو حتى في باكستان على أقوى الاحتمالات سوف يكون بوذياً. على أي حال فمن حق كل إنسان أن يعتقد بان دينه هو الدين الحقيقي الوحيد لأنه نشأ في بيئة مقتنعة بهذه الفكرة، فترسخت في ذهنه وتطابقت مع تصوراته بشكل لا يستطيع التفكير بوجود دين حقيقي آخر لذا يجب عليه الالتزام به وعدم التخلي عنه، لكن يجب على هذا الإنسان المؤمن بدينه أن يلتفت إلى ما حوله وأن يقرَّ بان أتباع سائر الأديان والمذاهب يفكرون كما يفكر هو، ولا يجيزون لأنفسهم ترك دينهم ومن حقهم ممارسة عباداتهم وطقوسهم. على ضوء ذلك ينبغي استخلاص سؤال العصر الراهن: هل يمكن أن نعيش سويّاً ومختلفين؟! إن الشفاء من مرض الانغلاق الديني والانسداد المذهبي وأعراضهما الاقصائية والعدائية، وهو من اخطر أمراض المجتمعات البشرية المعاصرة، يجعل الناس باستطاعتهم أن يقدموا أسوة حسنة من المتدينين الأصحاء المتجاوزين للتشدد والانغلاق وينظرون إلى سائر أخوانهم وأخواتهم في البشرية من أتباع الأديان الأخرى بنفس العين للاستفادة من أفكارهم ومعتقداتهم وممارساتهم وإلغاء النظرة العدائية والاحتقارية للآخرين وان يسعى الجميع إلى محورية الحقيقة الإلهية التي نسميها الله والتي تدعونا لحب أبناء جنسنا، وحين تمتلئ النفوس بهذه الحقيقة التي يسميها القديس بولص: "فاكهة الروح" تتسامى وتنتعش، لأنها في حقيقة الأمر تمتلئ بأمور كثيرة كالحب والأمان والسلام والصبر والحنان والإحسان والوفاء والصفح وضبط النفس والعدالة الاجتماعية، وهذه أمور تدعو إليها مختلف الشرائع وتعتبرها سبباً لتعالي الإنسان.
#مهدي_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القيم الذكورية في الذهنية الاسلامية
-
اليهودي في الذهنية الاسلامية
-
الكيانات السياسية والمعاطف الماكرة
-
الف ليلة وليلة والحقبة الكسولة
-
الحداثة ومازق الهويات
-
السلطة في التاريخ الاسلامي
-
التدين الاسطوري قبل الاسلام
-
الاسلام بين ثقافتين:العنف والتسامح
-
مذكرات غابرييل غارسيا ماركيز
-
الصخب وثقافة العولمة
-
الوقائع المزورة والام الحلاج
-
النداءت المضيئة لرقي الانسان
-
عن ماذا يكتب المثقفون
-
جدليات ابن خلدون
-
لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم
-
الدستور والتمويه الثقافي
-
رسالة في التسامح
-
من اجل قراءة معرفية للتراث
-
ماذا نفعل مع ثقافة العولمة
-
مذهب للكراهية...مذهب للتسامح
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
|