|
القيم الذكورية في الذهنية الاسلامية
مهدي النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1848 - 2007 / 3 / 8 - 12:39
المحور:
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2007 -حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعية والبيئية والموروث الديني
حين نحاول القيام بأعادة بناء منظومة القيم الاخلاقية والفكرية التي أستجابت لظروف ورهانات المجتمعات الاسلامية القديمة على أسس جديدة ملائمة لأوضاع وظروف العصر الراهن وقيمه لابد من أختراق تلك المنظومة المغلقة والصلبة ومن ثم تفكيك رموزها وأشاراتها وأعتبارها (وهذا شيء بالغ الاهمية ) نتاج تأريخي خالص أفرزه الناس من خلال مستوياتهم الاقتصادية والثقافية ومعاييرهم المعرفية . بعبارة اخرى فأن ما أنتجته ذهنية الاسلاف من قيم ومعاييركانت خاضعة لظروفهم وطبيعة حياتهم وثقافتهم ومعارفهم البدائية التي لم تكن تسمح لهم الا بما أهتدوا اليه وطبقوه ، ولعل من أهم القيم التي فارقت الحياة وأصبحت عائقا قويا في سبيل تطور هذه المجتمعات التقليدية صوب المعاصرة والحداثة ، تلك القيم الاستبدادية التي تتعلق بالمرأة والتي أصبحت بحاجة أكيدة الى التفكيك والمساءلة والى الغربلة الجائرة عبر الغربال المعرفي الدقيق ، لذا سنتفحص أولا بأول تلك القيم البعولية التي ميزت الذهنية الاسلامية التقليدية بميزة الاستبداد الذكوري :
أولا : قصة الخلق تشترك أغلب القصص الميثية التي أفرزتها شعوب المعمورة (ومنها المجتمع الاسلامي )بمشتركات ثابتة وثيمات متشابهة ، فعلى العموم هناك فصلان في هذه المسألة ، الفصل الاول يتعلق بما قبل الخلق البشري ، حيث توجزه المقولة العربية القديمة (او بالاحرى البابلية ) بأن : ((الرجل هو ظل أله )) او ((الملك هو مرآة الاءله )) ويتضح من ذلك أن سلطة السماء ( أو الفوق ) هي سلطة ذكورية محضة لأن الرجل هو ظل الاله المعكوس على الارض . تستبعد مثل هذه الذهنية أن تكون سلطة الارض او سلطة السماء سلطة أنثوية كذلك تستبعد ان يكون ملكوت السلطة السماء ملكوتا أنثويا ،فمن كبائر الاثم تسمية ملائكة الله بأسماء أناث . لكن من المستغرب كان العرب القدماء يقولون : أن الملائكة وهذه الاصنام (اللات ،والعزى ، ومناة ) بنات الله وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعائهم عند الله ولا نعرف تفسيرا مرموقا لهذين السلوكين عند العرب قبل الاسلام ، فمن جهة يعبدون بنات الله ويسمون الملائكة بأسمائهن ومن جهة ثانية يأدون بناتهم ؟! اذا صحّ اعتقادنا بأن (الوأد ) كان ظاهرة دينية عبادية ، تقديم القربان وليس ظاهرة مجاعية او تنكيلية ، يزول الالتباس وتكون الوثنية العربية منسجمة مع نفسها في حقل (البنات) أي : العبادة وتقديم القربان ، قطع الاسلام التوحيدي دابر هذا التخليط الوثني وفرز بصورة حاسمة وقاطعة سلطة ((الله )) عن الشوائب الانثوية ، ففي مجال النذور والاخلاص للعبادة تكون للغلمان دون الاناث بأستثناء مريم ((العابدة )) التي قبلت مقام الذكر في النذور ولم تقبل قبلها أنثى لأصطفائها على نساء العالمين ، وعلى أساس هذا الفرز الاسلامي القاطع والحاسم سيرسل ((الله)) خلفاءه (ظلاله) الى الارض من الجنس الذكوري فحسب سواء قبل الخلق البشري (ابليس ) او بعد الخلق البشري (آدم ) . الفصل الثاني من قصة الخلق يتعلق بالخلق البشري المختص حصرا بالجنس الذكوري (آدم) المخلوق من الطين اللازب (اللزج الطيب ) ولا نعثر في أغلب مراجع قصة الخلق على كيفية مستقلة لخلق الجنس الانثوي (حواء) أنما هي خلق تابع ، او تخليق جزئي من جسد الرجل ويتضح هذا من خلال حوارية بين الله والنبي آدم ، رواها أذكر أشياخ العرب أبن عباس (رض) : (( آدم : يا رب ألم تخلقني بيدك ؟ الله : بلى . آدم : يارب ألم تنفخ فيّ من روحك ، ألم تسبق رحمتك غضبك ، ألم تسكني جنتك ؟ الله : بلى ، بلى ! آدم : فلم أخرجتني من الجنة ؟ الله : بشؤم معصيتك . آدم : فلو تبت ، او راجعي أنت أليها ؟ الله : نعم . فرجع عليه بالرحمة والقبول وأكتفى بذكر توبة آدم لأن حواء كانت تبعا له ، وقد طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك )) (تفسير النسفي /ج4ص44 ، وكذلك الطبري في تاريخ الامم والملوك /ج1ص66). تتلخص قصة خلق المرأة بالتخليق الجزئي المشوه : (( أن المرأة خلقت من ضلع ، وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، أن ذهبت تقيمه كسرته وأن تركته لم يزل أعوج )) أي ان قصة الخلق الانثوي تدور في محورين : تبعية الخلق الانثوي وسرمدية أعوجاج الانثى وعدم أستقامتها . وبذا وفرت الذهنية الاستبدادية لنفسها من جراء التشويه الخلقي هذه المكاسب : 1- السلطة الابدية الذكورية (ظل الله في الارض ) أي أن الخليفة رجل وليس امرأة . أستبعاد أن يكون النبي /الخليفة /الملك /الامير /الامام /القاضي من الجنس الانثوي بأستثناء الملكة بلقيس ، ملكت الناس ((وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم )) وسرعان ما يقتحم عرشها من قبل الملك (الرجل ) الخارق سليمان بن داود فينكحها وتلد له غلاما فلا تنفك من العبودية أبدا . بهذا الصدد يورد النسفي في تفسيره عن أبي ذر الغفاري بأن عدد الانبياء مائة الف وأربعة وعشرون الفا منهم ثلثمائة وثلاثة عشر رسولا أولهم آدم وآخرهم محمد منهم أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ومحمد ، ويذكر بأن كل الانبياء من الذكور ولا توجد بينهم أناث .
2- التبعية النكاحية لأعادة أنتاج السلطة الذكرية عن طريق عقود النكاح ، أنتاج ذكور لأعادة السلطة وأدامتها وأنتاج أناث لأستمرار السيرورة الانتاجية ويتبجح أحد الكتاب المعاصرين ((بأن الله تعالى خلق المرأة وجعلها أعظم معمل وأروع مصنع لأنتاج البشر ))!!
3- القوامة الذكورية : ((الرجال يقومون عليهن آمرين ناهين كما يقوم الولاة على الرعاة وسموا قواما لذلك بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعضهم وهم النساء بالعقل والعزم والحزم والرأي والقوة والغزو وكمال الصوم والصلاة والزكاة والنبوة والخلافة والامامة .... وملك النكاح- الرجل بيده عقدة النكاح لأن الطلاق بيده- واليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم )) (تفسير النسفي ج/1 ) أي أن القوامة الذكورية بسبب كون النساء : نواقص الايمان /نواقص الحظوظ /نواقص العقول .
ثانيا : المعصية /الخطيئة البشرية . تدافع الذهنية التقليدية دفاعا حلزونيا وتبريرياعن سقوط آدم في المعصية لأعتبارات الاستبداد الذكوري وترفع أوراقها التشويهية والتشهيرية ضد الانثى تزكية للرجل من (وصمة )السقوط ، فلا تتعقل هذه الذهنية أن يسقط آدم (الرجل )في الخطيئة فهي ستجد مخرجا تبريريا لمثل هذا الاحراج وذلك بتلبيس حواء جانبا مهما في عثرة السقوط : (( تقدمت حواء - بعد أن حثها أبليس - فأكلت ثم قالت : يا آدم كل فاءني قد أكلت فلم يضرني فلما أكلت بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان من ورق الجنة ))(الطبري /ج1ص53) . يطرد آدم وتابعه (الانثى ) من الجنة جزاء المعصية وينزل الى الارض . يستمر آدم في محنة الامتحانات الاءلهية بعد هبوطه الى الارض ويستخدم أبليس قدراته ووسائله لأيقاع آدم في الخطايا ، على أن الذهنية الميثية تؤكد على أن أبليس أستخدم من أهم وسائله الاغوائية الشريرة فتنة الانثى لأسقاط الرجل (البريء) في الامتحانات المتتالية : - ((المرأة عقرب حلوة اللبسة )) - (( المرأة شر كلها وشرّ ما فيها أنه لابدّ منها )) - ((ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء )).
على تلكم الاساسات الميثية في تشطير الانسان الى شطر متفوق وشطر تابع أوجدت الذهنية الاستبدادية تقسيم التوابع الانثوية الى نوع أيجابي : المطيعات القائمات بما عليهنّ للازواج . والنوع السلبي : العاصيات، المترفعات، الناشزات عن طاعة الازواج (الناشزات :النشز المكان المرتفع والنبوة ) وفرضت جزاءات على النوع العاصي (الناشز) : جزاء نفسي (الوعظ ) التخويف بعقوبة الله تعالى وتليين القلوب القاسية وترغيب الطبائع النافرة / جزاء جنسي (الهجران) : عدم أدخالهن تحت اللحف وهو كناية عن الجماع او هو أن يوليها ظهره في المضجع / جزاء جسدي (الضرب ) :أن لم تنجح تلك الجزاءات (النفسية – الجنسية ) في تطويع الانثى وأدخالها بيت الطاعة ، فسيستعمل العنف (الضرب) ضدها كأجراء رادع .
ثالثا : الانثى / الجنس أعتمدت الذهنية التقليدية قيم الاستبداد الذكوري في تشويه الخلق الانثوي من الناحيتين العقلية والجنسية ووسعت بصورة فاضحة وممركزة الهوة الفاصلة بين الخلق الذكري والخلق الانثوي وأوجدت صعوبات كبيرة (من خلال تاثيرها في الظروف الاجتماعية والعلاقات الانسانية ) لتقارب الذكورة والانوثة في حقلها الجنسي وأنشئت تغريبا في عدم التشابه الولادي الجزئي للعاطفة المرتبطة بالغريزة الجنسية وذلك بزيادة التاثيرات النفسية الكثيرة وتفريق البيئتين الجنسيتين وظروفهما التربوية المنحرفة عن مساراتها السوية من خلال أعتمادها القيم الذكورية التالية :
اولا : الجنس/الاغواء لم تكن الممارسة الجنسية في قيم الذهنية التقليدية عبارة عن حاجة بايلوجية / نفسية وممارسة أنسانية طبيعية ، بل هي عبارة عن متاع أو وسيلة أغواء وتزيين للرجل من أجل أسقاطه في الامتحانات الالهية والمعاصي الدنيوية ويأخذ أبليس (أو الشيطان ) دورا أساسيا في تأجيج شهوة الرجل وسلب لبه من خلال تجميل وتزيين هذه المخلوقة (المرأة ) الناقصة العقل والدين وبذلك تلغي هذه القيم البائدة العلاقة التفاعلية السوية والمتكافئة بين الرجل والمرأة خلال الممارسة الجنسية ونلاحظ ذلك في نصوص مأثورة كثيرة : (( زين للناس (الرجال) حب الشهوات من متاع الدنيا من النساء )) /(( أن البهائم همها بطونها وأن النساء همهنّ زينة الحياة الدنيا والفساد فيها ))/ (( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من أحداكنّ)) .
ثانيا : الجنس / الاصطفاء منحت قيم الاستبداد الذكوري الحق المطلق للجنس البعولي في أختياراته الانثوية من حيث النوع والعدد والعمر لممارسة حريته الجنسية وأعطته حق الطلاق (يختلف هذا الحق في السياق الاسلامي عما هو في السياق المسيحي : (( فقال لهم من طلق أمرأته وتزوج بأخرى يزني عليها وأن طلقت أمرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني / أنجيل مرقص / الاصحاح العاشر )).) وأعطت هذه القيم الحق للرجل في ممارسة رغبته بأي وقت شاءت المرأة أو أبت : ((أذا دعا الرجل أمرأته الى فراشه فأبت ، فبات غضبانا عليها لعنتها الملائكة حتى الصباح )).
ثالثا : الجنس /الثواب كما تكون الانثى في دار الزوال جنسا أغوائيا ، تظل هي كذلك في دار البقاء رمزا لأغواء الرجال وأجرا (الاجر = الثواب ) على أيمانهم وطاعتهم في الدار الاخرة : لهم أزواج مطهرة من الانجاس والحيض والنفاس أضافة الى أنهار من العسل والخمر واللبن والولدان المخلدين / ((أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر ...لكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن )) من الملاحظ أن التصور المسيحي لا يتماثل مع التصوري الاسلامي حيث جاء في أنجيل متي / الاصحاح الثاني والعشرون : (( لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونوا كملائكة الله في السماء )). ويصور لنا المعري في رسالته البلاغية ((رسالة الغفران)) هذه الصورة الطريفة عن حوريات الجنة : ((يأخذ أحد الداخلين الى الجنة ثمرة فيكسرها فتخرج منها جارية حوراء عيناء تبرق لحسنها حوريات الجنة . ويخطر في نفسه وهو ساجد ، أنّ تلك الجارية -على حسنها ضاوية- فيرفع رأسه من السجود وقد صار من ورائها ردف يضاهي كثبان (عالج) فيهال من قدرة الله اللطيف الخبير فيقول : أسالك أن تقصر بوص (البوص = العجيزة ) هذه الحورية على ميل في ميل فقد جاز بها قدرك حدّ التأميل . فيقال له : أنت مخير في تكوين هذه الجارية كما تشاء )).
تظل مسالة تصحيح التصورات حول المرأة من المسائل المهمة لولوج الاجتماعات التقليدية (ومنها الاسلامية ) فضاءات الازمنة المعاصرة ، ولا تسكن هذه القيم والتصورات العدوانية والامتهانية والبدائية ذهنية الرجل التقليدي فحسب أنما يشكل ذهن المرأة نفسها أحد الخزانات الكبيرة لقيم الذكورة الاستبدادية لذا ينبغي تحليل الاذهان الذكورية والنسائية ونقد قيمها الجوهرية والاساسية وهذا سبيل للوصول الى حال سوي يتمثله قول كريم لامطعن في سلامته : ((النساء شقائق الرجال ))
#مهدي_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليهودي في الذهنية الاسلامية
-
الكيانات السياسية والمعاطف الماكرة
-
الف ليلة وليلة والحقبة الكسولة
-
الحداثة ومازق الهويات
-
السلطة في التاريخ الاسلامي
-
التدين الاسطوري قبل الاسلام
-
الاسلام بين ثقافتين:العنف والتسامح
-
مذكرات غابرييل غارسيا ماركيز
-
الصخب وثقافة العولمة
-
الوقائع المزورة والام الحلاج
-
النداءت المضيئة لرقي الانسان
-
عن ماذا يكتب المثقفون
-
جدليات ابن خلدون
-
لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم
-
الدستور والتمويه الثقافي
-
رسالة في التسامح
-
من اجل قراءة معرفية للتراث
-
ماذا نفعل مع ثقافة العولمة
-
مذهب للكراهية...مذهب للتسامح
-
جدلية الثقافي والسياسي
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
اثر الثقافة الشرقية على المرأة والرجل
/ جهاد علاونه
المزيد.....
|