|
دروب الضياع والتدمير الذاتي
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1842 - 2007 / 3 / 2 - 12:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يعد خافياً على أحد ، أن تفاعلات المشاريع والمصالح الدولية ، وفي مقدمتها الأميركية ، في بدايات القرن الحالي ، المتأتية عن عملية الاستقطاب الدولي ، وأن أحداث دولية خطيرة ، خاصة مابعد 11 أيلول 2001 ، وما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ، ووضع مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط ، الصهيو - أميركي ، قيد التطبيق ، وبعد اغتيال " الحريري " وانطلاق تداعيات التحقيق الدولي حوله ، قد وضع بقاء النظام رهن مفاعيل تلك التفاعلات والأحداث ، التي كان أخطرها العزلة الدولية التي فرضت عليه
في وقت كانت المعارضة السورية قد قطعت شوطاً هاماً في التصدي لاستحقاق انتقال سوريا من الديكتاتورية إلى الديمقراطية ، وإلغاء كل الإجراءات والتفاصيل التعسفية المرتبطة به والناتجة عنه ، وإعادة بناء سوريا ديمقراطية بمؤسساتها المتعددة المتفصلة .. قوية بوحدتها الوطنية .. مزدهرة باقتصادها المتحررالمتعدد ، الذي يحقق الوفرة والعدالة لكل أبنائها . ولتحقيق ذلك طرحت من خلال الربط العالي المسؤولية بين ا ستحقاق الداخل الوطني الديمقراطي المشروع ورفض أي تدخل خارجي .. بل والعداء لهذا التدخل المشبوه
وقد كان منطق الأمور ، لو أن الطبقة السياسية الحاكمة تمتلك الحكمة السياسية وحس المسؤولية الوطنية ، كان يستدعي التلاقي الوطني الشامل على برنامج التغيير الوطني الديمقراطي السلمي في البلاد ، ما كان سيؤدي موضوعياً للتعاطي مع الطرف الخارجي الاستعماري بقدرات وطنية شاملة تجنب البلاد العزلة والعجز والابتزاز والتهديد
غير أنه خلافاً لمنطق الأمور ، وخلافاً للمصالح الوطنية العليا ، اختار النظام مسلكاً لاعقلانياً مدمراً للإجابة على سؤال المصير الوطني والديمقراطي ، بمتابعة محورة كل شيء حول ذاته وحول مصالح أركانه وأتباعه ومحيطه ، بمتابعة اختزال الوطن بالنظام ، واختزال النظام بالشخص ، ما أفضى إلى خيار ضبط وقمع الداخل .. المعارضة .. وتكريس الجهد المكثف لاقتناص وتضخيم الفرص الدبلوماسية في أي اتجاه متاح ، والتهافت لتلقف أية علاقة دولية ، مهما كانت ضعيفة ونافلة من حيث التأثير الدولي ، ولو كانت في الشرق الأقصى أو في أميركا اللاتينية أو في مجاهل أفريقيا ، للتشبث بها ، وتجميعها كماً تراكمياً ، لتكذيب وتجاوز حالة العزلة المفروضة عليه في الخارج وحالة العزلة ، التي فرضها على نفسه ، بقمعه وأخطائه الاستهتارية ، في الداخل . والإعلام الرسمي .. صحافة .. تلفزيون .. انترنيت .. إذ يقدم ما أنجز من " نجاحات " في هذا الصدد ، يقدم في آن البؤس الذي وصل إليه الجهد الدبلوماسي والإعلامي . فعلى مدار اليوم والساعة تتضمن عناوين الإعلام ما ذكر هنا وهناك ، مهما كان مستوى المصدر بسيطاً أو هامشياً ، وهو الغالب في العرض ، حول أهمية " سوريا " و " دور سوريا " في صراعات الشرق الأوسط المحتدمة وعملية السلام في الشرق الأوسط المنشودة ، وحول النفوذ " السوري " في الساحات العراقية واللبنانية والفلسطينية تحديداً
وضمن هذا السياق يلاحظ مدى احتفاء وافتخار النظام السوري بدعوته لحضور مؤتمر بغداد في العاشر من الشهر الجاري ، بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول الجوار العراقي ، لبحث شأن السلام والعملية السياسية في العراق . ويلاحظ التضخيم المتعمد لهذه المشاركة كمؤشر على انتصار السياسة " السورية " ونجاح الدبلوماسية السورية ، التي " دعمتها " تحولات سياسية هامة في الداخل الأميركي ، في حين تؤكد كل المعطيات ، أن هذه الدعوة والاشتراك مع أطراف دولية ومنها الولايات المتحدة الأميركية حول الشأن العراقي ، إنما جاءت من الجانب السوري تعبيراً عن تراجعه في دعم المقاومة العراقية ضد الاحتلال وتأكيداً على تعاونه مع قوى الاحتلال لإنجاح العملية السياسية ، التي تقودها القوى الموالية لواشنطن ، الأمر الذي تفوح من حوله روائح الصفقة ، التي قد تطاول لبنان ومعه قضية الحريري والمقاومة وفلسطين والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال والداخل السوري والمعارضة السورية ، وقد تفكك تحالفات قائمة وتنشيء تحالفات جديدة في الشرق الأوسط
واللافت أنه كلما اقتربت الصفقة بين النظام السوري والخارج الدولي - الأميركي من اكتمال شروطها ، وتبعاً لمقتضياتها غز النظام السيرعلى دروب الضياع ، أملاً في تعزيز بقائه ، كلما أمعن وتوسع في اعتقال ومحاكمة المزيد .. والمزيد .. من المواطنين تعسفياً ، وأمعن في إبقاء العديد من حملة الرأي المعارض قيد الاعتقال . وآخر تجليات القمع الأكثر تعسفاً .. والأكثر إثارة للعار .. أن يطلب النظام رسمياً الحكم باسقاط الجنسية عن معارض له ، للدلالة على أنه نظام قوي ، وهو مطلق القدرة باتخاذ قرارات مصيرية
على أية حال ، إن التفاعلات السياسية في الشرق الأوسط حمالة تداعيات واحتمالات ذاتية ودولية لاحصر لها ، هي أكبر من إمكانية أية دولة لوحدها من دول المنطقة في التعاطي معها بفعالية مجدية ، ولاحصانة لأية دولة ، مهما عقدت من صفقات وتحالفات ، إلاّ وحدتها الوطنية ضمن أسوارها . ومن يفرط بالداخل الموحد .. ويراهن على إرضاء الخارج الاستعماري ، إنما يسلك دروب الضياع
وتأسيساً على ذلك ، إن البناء على إرضاء الخارج الاستعماري ، بعقد الصفقات غير المشرفة معه ، وعلى قمع الداخل وإفراغه من أية إمكانية على التحرك ، لتحقيق ا ستدامة النظام ، هو وهم وتدمير للذات . فالخارج لاحدود لمطامعه وابتزازه وجشعه ، وإرادة الشعب ليست دخاناً يمكن أن تتلاشى أمام رياح القمع
التاريخ يقول : إن خيار الشعب هو أبقى وأقوى ..
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التهريب في التهريب .. المازوت مثلاً
-
الميز السياسي والاستحقاقات الانتخابية
-
حتى يكون مجلس الشعب برلماناً .. سلطة تشريعية
-
سلطان أبا زيد .. شهيدا
-
العبثية الاقتصادية .. من العمادي إلى الدردري - 2
-
العبثية الافتصادية .. من العمادي إلى الدردري - 1
-
حول أثرياء حرب اقتصاد الفساد
-
خلفيات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
-
لاديمقراطية في الشكل ولاهم شعبي في المضمون
-
أية هيبة .. أية دولة .. ؟
-
الملهاة .. المأساة .. في مسرحية - عمارة النظام -
-
الديكتاتور حقاً قد قبر .. الشعب حقاً قد انتصر
-
الحوار أول الحركة إلى أمام
-
قيمة اللحظة اللبنانية الراهنة
-
في - النهج التشاركي - .. من يشارك من .. ؟
-
مجتمع بلا خرائط
-
أكثر من صرخة من أجل بيت حانون
-
الجري وراء عدل مفقود
-
فقراء البرازيل .. من دروب الجوع إلى دروب الأمل
-
حجب غير متمدن .. للحوار المتمدن
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|