معنى انضمام سورية إلى اتفاقيات الغات والمنظمة العالمية للتجارة
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري *
كانت سورية ولبنان من الدول الثلاث والعشرين التي أسست اتفاقية الغات في عام 1947 غير أن سورية انسحبت من عضويتها في عام 1951 احتجاجاً على انضمام إسرائيل إلى اتفاقية الغات.
علينا أن نميز بين نوعين من النتائج الناجمة عن تطبيق اتفاقية الغات على الاقتصاد العالمي وبخاصة اقتصاديات الدول النامية والاقتصادات العربية ومنها الاقتصاد السوري:
النوع الأول :نتائج تعد بمثابة حقائق مؤكدة تتمثل في النتائج الفعلية لمفاوضات جولات الغات وبخاصة ما يتعلق بالتخفيضات الجمركية بموجب جداول التعرفة الوطنية وعروض الخدمات وما تضمنته من تعهدات.
النوع الثاني :نتائج تتمثل بالتقديرات المستنبطة وهي التي تتناول أثر تحرير التجارة على الدخل العالمي وتدفقات التجارة الدولية، وهي التقديرات التي تخضع لمؤثرات عديدة من غير الممكن تضمينها جميعاً في التقييم لأنها مؤثرات غير كمية ترتبط ، بمستقبل أداء الاقتصاد العالمي ومدى كفاءته بوجه عام .
" من المتوقع أن يؤدي تنفيذ اتفاقيات جولة أوروجواي إلى زيادة التبادل التجاري والمساهمة في تحقيق معدلات نمو أعلى في الاقتصاد العالمي . فالاتفاقيات متعددة الأطراف لتجارة السلع من شأنها أن تؤدي إلى زيادة في الطاقات الإنتاجية بسبب إزالة أو تخفيض القيود الجمركية وغير الجمركية أمام الواردات وأن تعزز قدرات الدول على المنافسة في الأسواق العالمية . ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي فتح أسواق الدول المتقدمة إلى إتاحة الفرصة أمام الدول النامية للتخصص في الإنتاج والتصدير على أساس الميزة النسبية " [1]
إن تحرير المستوردات يؤدي إلى توسيع القاعدة الإنتاجية وتطويرها وتحديثها، ويعمل على تخفيض تكاليف الإنتاج وتحسين الإنتاجية والنوعية لمنافسة المنتجات الأجنبية، وعلى سورية أن تتقيد بالمعايير الدولية للجودة والمواصفات وخاصة نظام إيزو 9000 الذي أصبح مقبولاً ومعترفاً به على النطاق الدولي.
إن تطبيق سورية لاتفاقيات الغات يدفع المنتجين السوريين إلى الإسراع في تطوير مشروعاتهم الإنتاجية وهذا سينعكس إيجاباً على التنمية الاقتصادية الاجتماعية وزيادة حجم التصدير وبالتالي زيادة الدخل القومي.
إن انضمام سورية إلى اتفاقيات الغات سيمكنها من النفاذ إلى الأسواق الخارجية وبخاصة موضوع الاستفادة من مبدأ الدولة الأكثر رعاية .ويمكن لسورية أن تستفيد من المساعدات الفنية وتدريب العناصر وحضور الدورات التدريبية التي تنظمها الأمانة العامة للمنظمة العالمية للتجارة ..سيكون على سورية من خلال انضمامها إلى الغات تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية مما سيؤدي إلى انخفاض حصيلة الرسوم الجمركية والضرائب على الاستيراد. إن رفع الحماية عن الصناعة الوطنية ربما يشكل ضرراً بالغاً يهدد بحدوث ضرراً كبيراً على الصناعة السورية. وفي حال انضمام سورية لاتفاقية الغات فانه يتوجب عليها التزامات يقابلها حقوق:
- الالتزامات:
أ - الالتزام بالمبادئ العامة لاتفاقية الغات.
ب - الموافقة على نتائج جولة الاورغواي وبخاصة الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها في مؤتمر الدار البيضاء وعددها (28 اتفاقية) .
ج - تقديم التزامات محددة في مجال تجارة السلع وبخاصة ما يتعلق بموضوع التثبيت الجمركي وهذا يتم بمفاوضات ثنائية مع شركاء سورية التجاريين الذين يطالبون بإزالة القيود
على المبادلات التجارية الخارجية والتثبيت الجمركي .
د - كما تلتزم سورية في مجال الخدمات بالقطاعات المطلوبة فيها دخول الخدمة الأجنبية إلى السوق السورية.
ـ الحقوق :
حق السلعة أو الخدمة السورية من الدخول إلى الأسواق الدولية بأفضل معاملة من حيث تطبيق التعرفة الجمركية للواردات وفقاً لتعرفة الغات المنخفضة، تتمتع السلع السورية بالإلغاء المتزايد للإجراءات التعريفية من أسواق الدول الأخرى وبخاصة الحصص الكمية، تراخيص الاستيراد، تعرفة متغيرة، وعلى المفاوض السوري في مجال الانضمام إلى اتفاقية الغات التمسك بالتوازن بين الالتزامات والحقوق المترتبة على ذلك باتباع ما يلي:
أ - فرض تعرفة جمركية مرتفعة إلى حد ما على السلع المطلوب حمايتها أو التي تشكل مورداً لخزينة الدولة.
ب - استخدام أسلوب التثبيت الجمركي في الحدود العليا من التعرفة الحالية .
ج - وضع برنامج زمني يمنح سورية إمكانية ترتيب الأوضاع الاقتصادية والمنتجات السورية مع المستجدات في ظل الغات .
أقرت الوثيقة الختامية لاتفاقية الغات حق الدول النامية في التنمية، وحث كافة الدول الأعضاء على مراعاة ظروف التنمية في هذه الدول، واحتياجاتها المالية والتجارية، إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة أن كافة الامتيازات التي حصلت عليها الدول النامية في الاتفاقات ككل، إنما يهدف في المقام الأول تيسير التزام الدول النامية بأحكام الاتفاقية في إطار تحرير التجارة الدولية مع ضمان عدم إخلالها بحقوق البلدان الأخرى الأعضاء خاصة والحديث عن تجارة دولية حرة أمر لا يتحقق دون مشاركة الدول النامية، التي تعد السوق الرئيسة لمنتجات الدول الصناعية المتقدمة من السلع والخدمات ومصدراً رئيساً للمواد الخام ومصادر الطاقة. وكان من الضروري إتاحة ذلك عن طريق منح الدول النامية بعض التسهيلات التي تمكنها من المشاركة، وتمثلت هذه التسهيلات بصورة حوافز مؤقتة للدول النامية تساعدها على إعادة هيكله اقتصاداتها وتعديل تشريعاتها وسياساتها التجارية الوطنية لتتلاءم مع الفكر الجديد لتحرير التجارة الدولية بمفهومه الشامل .
ومع ذلك، فان من المتفق عليه أن تنفيذ اتفاقيات جولة أوروجواي سيترتب عليه مكاسب وتكاليف، وان توزيع هذه المكاسب والتكاليف بين الدول النامية سيتفاوت من دولة لأخرى استناداً إلى طبيعة اقتصاداتها . وبصورة عامة، فمن المتوقع أن تكون الدول التي ستحصل على أقصى المكاسب الاقتصادية الممكنة هي تلك التي تتميز بنظام اقتصادي متحرر وذو توجه خارجي، على حساب الدول التي تنتهج نظاماً اقتصادياً مغلقاً والتي تعتمد على الأفضليات التجارية لوصول صادراتها إلى أسواق الدول المتقدمة، وكذلك تلك التي تعتمد على الاستيراد لتوفير احتياجاتها من الأغذية .
ـ أثر عولمة الاقتصاد على قطاع الزراعة في سورية:
شهد قطاع الزراعة في سورية تحولاً كبيراً في السياسات والإجراءات خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ تباينت آلية تنفيذ السياسة الزراعية لتحقيق الأهداف التي تم وضعها في إطار عملية التنمية الشاملة في تلك الفترة. فشهد برامج إصلاح هيكلية للسياسات الزراعية نجم عنها ارتفاع في مساحات الأراضي المزروعة وفي إنتاجيتها واستطاع تحقيق الاكتفاء الذاتي في عدد من المنتجات. تبلغ مساحة الجمهورية العربية السورية حوالي 185 ألف كم2 منها حوالي 83000 كم2 أراضي صالحة للزراعة، والباقي وقدره102 ألف كم2 هي عبارة عن البادية والسهوب. ومن أهم المحاصيل الزراعية التي تنتجها سورية:
ـ الحبوب: كالقمح وقد بلغت كميات الإنتاج منه في عام 1996 حوالي 4,1 مليون طن والشعير 1,7 مليون طن إضافة إلى 250 ألف طن من الذرة الصفراء.
ـ البقوليات: كالعدس الذي بلغت كميات إنتاجه في عام 1996 حوالي 152 ألف طن والحمص 49 ألف طن والفول 15,9 ألف طن والفاصولياء الحب 4,6 ألف طن، إضافة إلى الجلبانة 14,5 ألف طن والبيقية 7,1 ألف طن والكرسنه الحب 6,1 ألف طن، والبازلاء الحب واللوبياء.
ـ المحاصيل الصناعية: كالشوندر السكري حيث بلغ إنتاجه في عام 1996 حوالي 974 ألف طن والقطن 760 ألف طن والفول السوداني 32 ألف طن والتبغ 18 ألف طن والكمون 17,1 ألف طن والسمسم 8,3 ألف طن، دوار الشمس 6,9 ألف طن وغيرها .
ـ الأشجار المثمرة: منها الزيتون الذي وصل إنتاجه إلى كمية 648 ألف طن في عام 1996، والعنب 540 ألف طن والتفاح 302 ألف طن والبرتقال 373ألف طن وحمضيات أخرى مختلفة 248 ألف طن،والرمان62,6 ألف طن،والكرز40,8 ألف طن والليمون49,6 ألف طن،واللوز7, 33 ألف طن والمشمش 4, 30 ألف طن وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أن إجمالي عدد أشجار الزيتون في سورية قد وصل في عام 1995 إلى حوالي 48 مليون شجرة منها حوالي 8, 31 مليون شجيرة مثمرة.
ـ الإنتاج الحيواني: بلغ عدد الأبقار الإجمالي في سورية في عام 1996 حوالي 810 ألف رأس منها 246 ألف عجل وثور أما عدد الأبقار الإناث فقد وصل إلى نحو 554 ألف رأس منها 374 ألف رأس حلوب. وبلغت كميات الحليب المنتج خلال نفس العام 934 ألف طن. كما بلغ عدد الأغنام في سورية خلال عام 1996 حوالي 1, 13 مليون رأس، والماعز 1,08 مليون رأس. وبلغت كمية لحم الفروج المنتجة خلال العام ذاته 8, 81 مليون طن.
إضافة إلى منتجات أخرى كالخضراوات والإنتاج الحراجي وغيرها.
وقد بلغ عدد الجرارات المستخدمة في الزراعة في عام 1995 حوالي 82603 جرار، وعدد مضخات رفع المياه حوالي 134700 مضخة وعدد الحصادات والدراسات 3700 حصاده. كما بلغت كميات الأسمدة المستخدمة خلال ذات العام حوالي 845 ألف طن.
- الانضمام إلى اتفاقيات الغات وتحرير التجارة:
حين الانضمام إلى اتفاقيات الغات وتحرير التجارة الدولية والانخراط في العولمة، سيكون الاقتصاد السوري وقطاع الزراعة، أمام واقع جديد يطرح العديد من الأسئلة. فما هو أثر اتفاقيات الغات في ما تم تحقيقه؟ ثم ما هو أثرها في قطاع الزراعة السورية؟ وما هو أثرها على الاقتصاد السوري؟ للإجابة على هذه الأسئلة نستعرض أهم الآثار التي تنتج عن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وتحديد التغييرات المتوقعة وأهمها: تغييرات في فرص النفاذ إلى الأسواق، والتخفيضات على الدعم المقدم للمنتجين الزراعيين، والتحويل إلى تعريفات، والتخفيضات على الدعم المقدم للصادرات الزراعية.
1- فرص النفاذ إلى الأسواق :
بالنسبة للسلع ذات الأهمية الاستراتيجية كالحبوب والقطن، يلاحظ أن إنتاج هذه السلع في الغالبية العظمى هي بيد القطاع الخاص، إلا أن الدولة هي التي تقوم بعمليات التخطيط والتمويل والتسعير والتسويق. أي أن آليات السوق معطلة في إنتاج وتبادل هذا النوع من المحاصيل في سورية. والتسويق الخارجي لهذه السلع محصور بالمؤسسة العامة لتسويق الحبوب باستثناء الشعير، والذرة الصفراء التي سُمح للقطاع الخاص بتصديرها بترخيص منها. ([2])
" أما فيما يتعلق بالقطن فيدخل في تعداد السلع الاستوائية التي تدخل الدول الصناعية إما معفاة من التعريفات الجمركية أو بمعدلات تعريفية منخفضة، وستحصل وفقاً للاتفاق الزراعي على النسبة الأكبر من التخفيض على التعريفات الجمركية (وإن كانت بعض التقديرات تقول أنه لن يكون لهذا التخفيض أثر كبير). وعلى سبيل المثال: إذا كانت سورية تصدر القطن إلى دول صناعية فإن الفائدة من تطبيق الاتفاق الزراعي على صادراتها من هذه السلعة محدودة جداً إن لم تكن معدومة . أما إذا كانت أسواق قطنها في الدول النامية ، فقد تتوفر لها الفرصة في زيادة صادراتها إليها مع تطبيق الاتفاق الزراعي وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. علماً بأن صادراتها من القطن البالغة2.390 مليون ل.س عام 1995 كانت إلى أسواق دول أوروبا الغربية وجنوب شرق آسيا وتدخل أسواق الاتحاد الأوروبي معفاة من الرسوم الجمركية مما يجعلها لا تستفيد من أية تخفيضات في الاتحاد الأوروبي." [3]
لن تزداد فرص النفاذ إلى الأسواق بالنسبة الحبوب وبخاصة القمح، والتي تدخل في عداد سلع المناطق المعتدلة فتتمتع بمستويات دعم عالية في أسواق الدول الصناعية، ولا يُتوقع لها أن تنخفض كثيراً. ولن يكون لهذا الأمر تأثير كبير على صادرات سورية من الحبوب الأساسية (القمح والشعير) التي بلغت في عام 1995 نحو 222.46 مليون ل.س و 623.24 مليون ل.س على التوالي، أي ما مجموعه 845.70 مليون ل.س تم تصديرها بشكل رئيسي إلى الدول العربية وبعض الدول المجاورة كتركيا وقبرص بالإضافة إلى أوكرانيا، بينما كانت الدول الصناعية في مراتب متأخرة عن هذه الدول. ونظراً إلى عدم توفر المعلومات حول مدى زيادة فرص النفاذ إلى أسواق هذه الدول في حال انضمام سورية إلى المنظمة، وعدم معرفة مدى الدعم الذي تقدمه هذه الدول لمنتجي الحبوب ومصدريها، يصعب التكهن بتأثير الانضمام إلى المنظمة في زيادة صادرات سورية من هذه السلع. فإذا كانت هذه الدول منضمة إلى المنظمة ، أي أنها ستطبق الاتفاق الزراعي وتخفض الحماية والدعم، فيمكن لها الاستفادة من فرص النفاذ إلى أسواقها. أما إذا كانت التجارة بهذه السلع محررة في هذه الدول أو إذا كانت غير منضمة إلى منظمة التجارة العالمية فلن يكون هناك أثر في زيادة هذه الفرص. أما فرص الدول الأخرى في النفاذ إلى الأسواق السورية فهي منخفضة حتى مع تخفيض التعريفة. لأن تعريفتها بالأصل منخفضة.
ويختلف الأمر بالنسبة للسلع التي تخضع بشكل أو بآخر لآليات السوق:
من هذه السلع الخضار والفواكه التي تدخل هي أيضاً في عداد سلع المناطق المعتدلة والمنتجات الحيوانية، أن الدول العربية المجاورة هي الجهة الأساسية لتجارة هذا النوع من السلع. وتخضع هذه المحاصيل للقيود الجمركية عند دخولها إلى أسواق تلك الدول. وفي حال انضمام سورية ستضطر هذه الدول لتطبيق تخفيض التعريفات الجمركية على الخضار والفواكه، وبذلك من الممكن أن يكون الانضمام مفيداً لهذه المنتجات. ولكن أهم الدول التي تُصدر إليها الخضار والفواكه (لبنان والعربية السعودية) ما زالتا خارج منظمة التجارة العالمية وهذا يجعل الأثر الإيجابي مشروطاً بانضمامها إلى المنظمة العالمية للتجارة. وستكون فرص النفاذ إلى الأسواق السورية مرتفعة في هذه المنتجات. فعند رفع القيود عن استيراد الخضار والفواكه، وبفرض الإبقاء على قرارات السماح لمصدري الخضار والفواكه بالاحتفاظ بـ 100% من عائدات التصدير دون غيرهم، سيتم إعادة استيراد جزء مما صدر من هذه السلع بعد استفادة مصدريها من قطع التصدير بما يشكل تحايلاً على أنظمة التصدير للاستفادة من القطع الأجنبي.
يمكن الإشارة إلى الاستفادة من دخول سورية مع بعض الدول العربية، السعودية، لبنان في اتفاقيات ثنائية أو عربية في إطار العمل الاقتصادي العربي المشترك، منطقة التجارة الحرة، قد تبدو أكثر فائدة وأقرب للتحقيق مما هو عليه ظل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
2 - تخفيض الدعم الزراعي:
ينحصر الدعم الحكومي المباشر للزراعة السورية في المحروقات ورسوم الري من الشبكات الحكومية. هذا بالإضافة إلى الدعم غير المباشر في التسعير والتمويل (إذ تنخفض معدلات الفائدة على القروض الزراعية بحيث لا تتجاوز 4-5%) وعلى أسعار صرف مستلزمات الإنتاج. إذاً لا يوجد دعم مباشر للإنتاج الزراعي بالمستويات المطبقة في الدول المتقدمة أو الدول النامية. إن سورية غير مطالبة بتخفيض الدعم أو بإلغائه. أما أساليب الدعم المستخدمة حالياً فهي غير محظورة بموجب الاتفاق الزراعي ولن يكون لشروط تخفيض الدعم الزراعي أثر في هذا الانقطاع.
3- تحويل القيود الكمية إلى تعريفات جمركية:
" أدت السياسات المُتبعة في سورية إلى انخفاض عدد السلع الزراعية التي يُسمح باستيرادها، وإلى خضوع السلع ذات الأهمية الاستراتيجية والخضار والفواكه إلى قوانين المنع والحصر، بينما يُسمح باستيراد بعض السلع الاستوائية ومستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي من السلع الزراعية التي لا تُنتجها سورية بتعريفات جمركية بحدود 1% في أغلب الأحيان، ولا تتجاوز 7% في الجزء الباقي من الحالات. وفي حال الانضمام، سيُفرض عليها، شأنها شأن الدول الأخرى، تحويل القيود الكمية إلى قيود تعريفية ذات تأثير في المنع مشابه للقيود الكمية tariffication ثم تخفيض هذه التعريفات بمقدار 24% على أن لا يقل التخفيض في أية سلعة عن 10% ، وهو إجراء لا أثر حقيقي له سوى تحقيق الشفافية في المرحلة الانتقالية ريثما يجري إجراء المزيد من المفاوضات الزراعية في عام 2000. على أن التعريفات الجديدة بعد عملية التحويل إلى تعريفات ستكون مرتفعة إلى درجة يصعب معها الاستيراد. أي لن يكون لهذه العملية أثر حقيقي في سورية وغيرها." [4]
4- تخفيض الدعم عن السلع الزراعية المصدرة:
" لا تستفيد الصادرات الزراعية السورية من أي دعم مباشر في حال التصدير، وما زال بعضها يخضع للضريبة عند التصدير (مثل ضريبة تصدير القطن. توقعت الميزانية التقديرية لعام 1998 أن تبلغ عائدات الخزينة من ضريبة تصدير القطن مليار ليرة سورية). ومن ثمة لن يكون للبند المتعلق بتخفيض الدعم على الصادرات أثر في تخفيض صادراتها. أما فيما يتعلق بالدعم غير المباشر مثل القرارات والقوانين التي تشجع تصدير هذه السلع (مثل الاحتفاظ بـ 100% من عائدات التصدير بالنقد الأجنبي) فهي غير مشمولة في الاتفاق الزراعي ولن تُحاسب عليها سورية عند الانضمام.
وبعد وضع كل المعطيات السابقة في ميزان الفوائد والخسائر وُجد أن القطاع الزراعي لن يستفيد أو يخسر في الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة والانخراط في عملية العولمة الاقتصادية، لأن سورية نفذت بالفعل غالبية التزاماتها الناجمة عن اتفاق الزراعي نتيجة للسياسات الزراعية المُتبعة بعد عام 1987. ولا يُتوقع أن تنضم سورية إلى منظمة التجارة الدولية قبل العام 2000 على أقل تقدير، عام بدء المرحلة الثانية من المفاوضات في المنظمة لتحقيق المزيد من التحرير في هذا القطاع. لذلك فهذا التحليل يقدّر ما سيحصل في حال الانضمام اليوم، أما في فترة ما بعد المرحلة الثانية من المفاوضات الزراعية فلا يمكن التكهن بنتائجها منذ الآن." [5]
– أثر عولمة الاقتصاد على قطاع الصناعة في سورية:
تنتج معظم الصناعات السورية سلعاً بديلة عن المستوردات خلف أسوار حماية عالية، لتأمين الحاجات المحلية دون التفكير الجدي بالتصدير. علماً أن جزءاً هاماً منها أنشئ في فترة كانت سورية تعاني فيها من صعوبات اقتصادية فرضت إنشاء هذه الصناعات للتعويض عن سلع مُنع استيرادها. أي اتباعها سياسة إحلال الواردات بدلاً من تشجيع الصادرات. واتسمت هذه الصناعات بكفاية منخفضة وتكاليف إنتاج عالية، ونوعية منتجات متدنية. وازداد الوضع صعوبة نظراً لاستخدام عدد منها تكنولوجيا قديمة أو مُنسقة إذا ما قورنت بالتكنولوجيا الحديثة.
شهدت الفترة 1990 ـ 1995 تراجعاً في نسبة مساهمة قطاع الصناعة والتعدين في الناتج المحلي الإجمالي في سورية حيث تراجعت هذه النسبة من 20% في عام 1990 إلى نحو 14% في عام 1995 بالأسعار الجارية. ومن 30% إلى 28% خلال نفس الفترة بالأسعار الثابتة لعام 1985. ومع ذلك مازال قطاع الصناعة والتعدين يحتل المركز الأول من حيث المساهمة في تكوين الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (28%) والمركز الثالث (14%) بالأسعار الجارية بعد الزراعة وتجارة الجملة المفرق.
1 – واقع القطاع الصناعي في سورية:
يمكننا تصنيف معظم الإنتاج الصناعي التحويلي في سورية حسب نوع النشاط الصناعي في خمس مجموعات رئيسية هي:
صناعة الغزل والنسيج والحلج والجلود: ويعد هذا النشاط من أهم نشاطات الصناعة التحويلية في سورية سواء من حيث حجم رأس المال المستثمر الذي يصل إلى حوالي 20 مليار ل. س (في القطاع العام فقط ) أو من حيث عدد العاملين الذين يقدر عددهم بحوالي ( 32600) عامل في القطاع العام فقط. إضافة إلى تنوع منتجاته التي تضم حلج القطن وغزله ونسجه كما ينتج الألبسة الداخلية والخارجية والجوارب والسجاد والأحذية.
وتجدر الإشارة إلى تزايد نسبة القيمة المضافة التي يسهم بها القطاع الخاص في هذا النشاط، حيث ارتفعت من 48% في عام 1989 إلى نحو 65% في عام 1993.
الصناعات الغذائية والمشروبات والتبغ: ويسهم هذا النشاط بنسبة 20% من القيمة المضافة في الصناعات التحويلية (إحصاءات 1994) ويلاحظ تراجع نسبة القيمة المضافة التي يسهم بها هذا النشاط. وتسهم سورية بأكثر من ثلث القيمة المضافة للصناعات الغذائية القائمة في منطقة ألاسكوا.
الصناعات الكيماوية ومشتقات النفط: وتعد هذه الصناعات من الدعائم الهامة في الصناعة السورية حيث تنتج عدداً واسعاً من السلع مثل الأسمدة والمنظفات والإطارات والأدوية والبلاستيك ومشتقات النفط الذي يلعب دوراً رئيسياً في زيادة القيمة المضافة في الصناعات التحويلية من 16% في عام 1989 إلى حوالي 21% في عام 1994. ويلاحظ انخفاض مساهمة القطاع الخاص في هذا النشاط (16% ) في عام 1994.
الصناعات المعدنية: من أهم منتجات هذا النشاط المحركات الكهربائية والبرادات والتلفزيونات، وهي موجهة لتلبية حاجة السوق المحلية. وقد ارتفعت مساهمة هذا النشاط في القيمة المضافة للصناعات التحويلية من 10% في عام 1989 إلى حوالي 19% في عام 1994. وتعتمد هذا الصناعات على المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج الأخرى المستوردة.
المنتجات غير المعدنية: وهي عبارة عن صناعة الإسمنت والزجاج والخزف والجص ومواد البناء. يلاحظ أن مساهمة هذا النشاط الصناعي في القيمة المضافة في الصناعات التحويلية قد تزايدت من 8.5 % في عام 1989 إلى 11.7% في عام 1994. وتصل حصة القطاع الخاص في إنتاج القيمة المضافة لهذا النشاط الصناعي إلى نحو 61% في عام 1994.
وقد وصلت كتلة الرواتب والأجور في القطاع العام الصناعي في سورية خلال عام 1995 حوالي 13604 مليون ليرة سورية. كما وصل عدد العاملين في القطاع العام الصناعي 1487.2 عامل في عام 1995.
من أهم الصناعات الاستخراجية في سورية النفط، الذي تزايد إنتاجه من 27.3 مليون م3 عام 1991 إلى حوالي 34.3مليون م3 في عام 1995. وبلغ إنتاج سورية من الفوسفات في عام 1995 حوالي 1.6 مليون طن، إضافة إلى إنتاج الملح 111 ألف طن في عام 1995 والجير الإسفلتي والرخام وأحجار الزينة وغير ذلك.
ويواجه قطاع الصناعة التحويلية في سورية عدداً من المشاكل والصعوبات أهمها:
ـ انخفاض القيمة المضافة في الصناعات التحويلية.
ـ العجز الكبير بين الصادرات والواردات من منتجات الصناعات التحويلية.
ـ التحديات الاقتصادية الراهنة والمرتبطة بالمتغيرات العالمية والاقتصاد العالمي.
2 – أثر اتفاقيات الغات على قطاع الصناعة في سورية:
تعد معظم اتفاقيات " اتفاقيات مبدئية وليست نهائية، فهي كل ما استطاعت الدول المتفاوضة التوصل إليه. وأفضلها ما تم التفاوض عليها مدة طويلة كالاتفاقيات المتعلقة بتجارة المنتجات الصناعية، وهي الأكثر ملائمة لأن تصبح اتفاقيات نهائية. وعلى هذا الافتراض لا يُتوقع أن تتغير التكهنات فيما يتعلق بالصناعة السورية في حال بقاء الوضع الصناعي في سورية على ما هو عليه، في حين قد تؤدي مراجعة الاتفاقات الأخرى في فترات لاحقة إلى التقليل من أهمية النتائج التي يتم التوصل إليها في البحث. فهي تضع الصناعة السورية في مواجهة ما تم تحقيقه في مجال تحرير تجارة السلع الصناعية بإيجابياته وسلبياته دون أن تتوقع تغيير كبير فيها، وذلك من أجل التأقلم مع هذا الواقع وتجنب النواحي السلبية فيه إن أمكن." [6]
- الصناعة الغذائية والمشروبات والتبغ:
بلغ إجمالي حجم الإنتاج من هذه الصناعات في عام 1996 (بتكلفة عوامل الإنتاج وبالأسعار الجارية) 67.445 مليون ل.س. شكلت حوالي 28.2% من مجموع إنتاج الصناعات التحويلية. ولا يتجاوز ما صدرته عام 1997 حوالي 1644 مليون ل.س. فشكلت حوالي 8.4% من مجموع الصادرات غير النفطية، وتنخفض هذه النسبة أكثر إذا ما أخذت الصادرات النفطية بالحسبان. إذاً فهذه الصناعة موجهة بشكل أساسي نحو الأسواق الداخلية وقدرتها على التصدير ليست مرتفعة، وتُعد من الصناعات التي يمكن إطلاق صفة بدائل المستوردات عليها.
"ويُوضح جدول التعريفات الجمركية أن المنتجات الغذائية التي تُستخدم كسلع وسيطة للإنتاج تخضع لرسوم منخفضة ومتوسطة (1% أو 7% في أغلب الأحيان و15% في عدد قليل منها) بينما ترتفع التعريفات على السلع الغذائية النهائية التي يوفر الإنتاج وطني بديلاً عنها، وخاصة المشروبات التي تصل التعريفات عليها إلى 150%. تشير الوقائع إلى أن هذه الصناعة بواقعها الحالي ستعاني من المنافسة الخارجية عند تخفيض التعريفات الجمركية على منتجاتها، ولن تكون هناك فرص كبيرة للاستفادة من فرص النفاذ إلى الأسواق الخارجية."
-الصناعات الكيميائية والهندسية:
وتشمل هـذه الصناعة صناعة الورق، والإطارات، والأسمدة، والمنظفات الكيميائية، والمصابيح والأدوية، والأحذية، والزجاج وغيرها. بلغ إنتاج سورية من الصناعات الكيميائية في عام 1996 بتكلفة عوامل الإنتاج وبالأسعار الجارية 65161 مليون ل.س. فشكلت حوالي 27% من مجموع الصناعات التحويلية للعام نفسه([7]). أما صادراتها فبلغت عام 1995 /1208/ مليون ل.س. أي نحو 7.2% من مجموع الصادرات غير النفطية، و207% من مجموع الصادرات.
وفي مقدمة الصناعات التي ستتأثر باتفاق حماية الملكية الفكرية صناعة الأدوية. إذ أن معظمها يُنتج بموجب تراخيص أو امتياز من الشركات الأجنبية. وحين يُطبق اتفاق حماية الملكية الفكرية وترتفع أسعار براءات الاختراع ستزداد تكاليف إنتاج هذه الصناعة. كما ستتعرض للمنافسة عند فتح باب استيراد الأدوية التي كانت ممنوعة من الاستيراد سابقاً. فالتعريفة على الأدوية لا تتجاوز 1% حالياً.
أما باقي الصناعات الكيميائية فهي موجه نحو الأسواق المحلية ودخلت الإنتاج كبدائل مستوردات خلف حماية عالية، فمعظم السلع التي تنتجها الصناعات الكيميائية في سورية ممنوعة من الاستيراد (مثل الصابون و مستحضرات التجميل...). وهذا ما جعلها تعاني من تدني مستويات الجودة وضعف خبر التسويق، واحتمال تعرضها لمنافسة كبيرة عند فتح باب الاستيراد وتخفيض التعريفات الجمركية عليها. مع الإشارة إلى أن السلع الكيميائية التي تستخدم كمدخلات إنتاج للصناعة السورية مسموح استيرادها بمعدلات تعريفية منخفضة (1% ولا تتجاوز 7%).
وتشمل الصناعات الهندسية صناعة البرادات، والتلفزيونات، وغيرها. ولا يختلف الوضع في الصناعات الهندسية كثيراً عنه في الصناعات الكيميائية . فمعظمها دخلت كبدائل مستوردات موجهة للاستهلاك المحلي ومحمية بشكل كبير من المنافسة الخارجية، وإمكانيات تصديرية منخفضة. فلم تزد صادرات هذا القطاع عن 149 مليون ل.س. عام 1997، تشكل حوالي 0.3% من مجموع الصادرات و 0.76% من مجموع الصادرات غير النفطية. وهذا الوضع سيعرضها لاحتمالات المنافسة الخارجية عند تطبيق اتفاقات مراكش 1994.
- الصناعات النسيجية:
تتمتع الصناعة النسيجية السورية، بخاصية الحماية من الأسواق الخارجية عند الاستيراد والقدرة على التصدير بالوقت نفسه. وهذه الحماية دفعتها مع العديد من الصناعات السورية إلى تفضيل الإنتاج الموجه للأسواق المحلية، والإبقاء على وسائل الإنتاج والتسويق والدعاية في مستويات متدنية دون تطوير، مما خفّض صادراتها بشكل كبير بعد سقوط دول الكتلة الشرقية سابقاً التي كانت السوق التصديرية الأساسية لها والتي كانت تتغاضى عن النوعيات المتدنية التي كانت ترسلها سورية في بعض الأحيان كونها تخضع لاتفاقات التبادل مع هذه الدول.
ومعلوم أن قطاع الصناعات النسيجية هو ثاني أكبر قطاع صناعي في سورية بعد النفط. وصل مجموع الإنتاج فيه عام 1996 حوالي 46.198 مليون ل.س. شكلت حوالي 19.3% من مجموع الصناعات التحويلية. فيما بلغت صادرات هذا القطاع، باستثناء القطن الخام، عام 1997 حوالي 3.222 مليون ل.س، فشكلت حوالي 7.3% من مجموع الصادرات. وارتفعت هذه النسبة إلى 16.4% من مجموع الصادرات باستثناء الصادرات النفطية([8]).
"وفي حال انضمام سورية إلى المنظمة فسيخضع هذا القطاع لمرحلة انتقالية ينظمها اتفاق المنسوجات والملابس، ثم يخضع في نهايتها إلى الاتفاق الصناعي كبقية السلع الصناعية وبناء على ذلك ستلتزم سورية إلغاء أنظمة الحصص على المنسوجات والملابس لتعامل مستورداته كباقي المستوردات الصناعية. وذلك وفق التالي:
- المرحلة الأولى: في 1/1/1995 تُرفع القيود الكمية عن 16% من الحجم الكلي للواردات من المنسوجات والملابس.
- المرحلة الثانية: في 1/1/1998 تُرفع القيود عن 17% أخرى.
- المرحلة الثالثة: في 1/1/2002 تُرفع القيود عن 18% أخرى.
- المرحلة الرابعة والنهائية: في1/1/2005 يتم رفع القيود الكمية عن باقي النسبة وهي 51%.
وستتم هذه العملية مع مراعاة إلغاء نظام الحصص في كل مرة لنوع واحد على الأقل من أنواع السلع المشمولة بالاتفاق وهي: الغزول، الأقمشة، الملابس، والمنتجات المصنوعة من المنسوجات.
وتنضم هذه الفئات الأربع في جدول التعريفة الجمركية السوري تحت البنود الجمركية من 50 إلى 63. إلا أن التعريفة عليها مختلفة: فتتراوح التعريفة على الغزول والأقمشة ما بين 15% و50%، وتتراوح على السلع المصنوعة من الأقمشة ما بين 30% و75% ، باستثناء السلع التي تدخل في الصناعة، إذ تنخفض التعريفة عليها لتتراوح ما بين 1% إلى 7% . ويُلاحظ عدم ذكر تعريفة للملابس الجاهزة في الجدول المذكور." [9]
وتدل أنظمة التجارة الخارجية السورية واتفاقاتها أن سورية ليست طرفاً في ترتيبات الألياف المتعددة، ومن ثمة فلن تكون مستفيدة أو خاسرة مباشرة من إلغاء هذه الترتيبات. ولكنها، ومن ناحية أخرى، تمنع استيراد الملابس الجاهزة وعدد من السلع المصنوعة من الأقمشة (مثل السجاد). فإن التزمت اتفاق المنسوجات والملابس ستفتح باب استيراد هذه السلع وتخفض التعريفة المفروضة عليها وعلى مجمل منتجات الصناعة النسيجية، مما يؤدي إلى منافسة هذه الصناعة المحمية بشكل شبه كامل (لا تتوفر إحصائيات حول واردات السوق الموازية من الملابس والسلع المصنوعة من الأقمشة) منافسة شديدة.
وفي حال قررت سورية الانضمام، وقلصت حمايتها لهذا القطاع، فسوف يتعرض لمنافسة صناعة أكثر كفاية، وذات نوعيات أفضل، بأثمان أرخص. ولا يبقى خياراً أمامها إلا التطوير، وتعزيز قدرتها التنافسية بسرعة لأنها ستواجه خطراً مضاعفاً: خطر المنافسة الخارجية، وصعوبة في فتح أسواق جديدة لا ترتبط مع دولها باتفاقات تفضيلية تسمح بنفاذ سلعها إلى أسواقها بشروط مسيرة، وخطر المنافسة داخل الأسواق المحلية عند فتح باب الاستيراد وتخفيض التعريفات الجمركية.
وإذا كان التطوير هو الخيار الوحيد للصناعة السورية فسوف تحتاج الصناعة السورية إلى أموال طائلة لتجديد وسائل الإنتاج
وإذا كانت معظم الصناعات السورية ستتعرض للمنافسة في حال الانضمام بشكل قد يهدد البعض منها بالإغلاق، إلا أن هناك شركات ومؤسسات إنتاجية قد لا تكون خاسرة كالشركات التي تنتج بكفاءة عالية وذات احتكاك بالأسواق العالمية وقادرة على التصدير، والصناعات التي تستخدم تكنولوجيا حديثة، وبخاصة تلك التي تم إنشاؤها وفق قانون الاستثمار رقم (10) الذي اشترط استخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج.
وسيكون المستفيد الأول من هذه التغييرات هو المستهلك الذي سيتمتع بتشكيلات أكبر من المنتجات، نوعيات أفضل، وأسعار أقل، أو على الأقل نفس الأسعار. والمستفيد الثاني الذي ستكون فوائده أكبر هو المستورد لانفتاح أبواب الاستيراد أمامه وازدياد المواد المسموح باستيرادها وفتحها للقطاع الخاص.
"يمكن لسورية أن تتبع إجراءات كانت اتبعتها دول نامية للتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن الانضمام إلى المنظمة، بأن تقدم في جداول التزاماتها الخاصة بالصناعة سقوف تعريفات تكون نسبتها أعلى من تلك المطبقة حالياً، بشرط أن لا تشمل كل السلع الصناعية. وستعتمد هذه النسب على ما يلي:
1- مقـدار ما يطالب به شركاء سورية التجاريون من تحرير للقطاع الصناعي. مع التذكير بأن شريكها التجاري الأساسي هو الاتحاد الأوروبي الذي يعمل لتحرير القطاع الصناعي السوري منذ الآن في إطار مبادرة الشراكة الأوروبية المتوسطية.
2- السلع التي ترى سورية في إبقاء الحماية عليها ضرورة اقتصادية تتناسب والتوجهات الاقتصادية للدولة بما ينسجم ومبدأ تحويل كل القيود الكمية إلى تعريفات.
3- القدرة التفاوضية للوفد السوري لمفاوضات الانضمام." [10]
وعلى فرض أن سورية تقدمت بطلب الانضمام اليوم. فيجب أن تحدد بالدرجة الأولى ما هي استراتيجيات التجارة الخارجية وما هي استراتيجيات التنمية، وما مدى انسجامها مع اتفاقات مراكش لمعرفة ماذا تريد من المنظمة، وكيف ستستفيد منها. ومن ثم ما هي الإصلاحات المطلوبة في اقتصادها لينسجم مع المنظمة. ما الاستراتيجية الاقتصادية السورية؟
تشير الوقائع الماضية إلى أن سورية تقلبت في استراتيجيتها الاقتصادية من اقتصاد السوق بعد الاستقلال عام 1947، وكانت من أوائل المنضمين إلى الغات 1947، إلى فترة الوحدة مع مصر حيث تولى القطاع العام كل الأنشطة الاقتصادية الأساسية، فالتحول الاشتراكي والتأميم في فترة ما بعد ثورة الثامن من آذار عام 1963. ونعتقد أن سورية لم تتمثل أياً من النظامين (الرأسمالي والاشتراكي) بشكل كامل. وبعد قيام الحركة التصحيحية عام 1970، اتضحت سمات معينة للاقتصاد أهمها التعددية الاقتصادية على أن يكون للقطاع العام الدور القيادي لعملية التنمية في سورية بتحمله لأعباء المشاريع الكبيرة أو الاستراتيجية ومشاريع رأس المال الاجتماعي، فُتح الباب أمام القطاع الخاص ليقوم بدوره في عملية التنمية. بينما يعمل القطاع المشترك ليحمل مزايا القطاعين العام والخاص معاً، وليفتح الباب لأكبر مشاركة ممكنة من كل قطاعات الشعب وفقاً لسياسة الاعتماد على الذات وسياسة الإحلال محل الواردات. ومع حلول عام 1986، وبعد حالة الانكماش الاقتصادي التي عاشتها سورية في الثمانينات، بدأ التوجه الاقتصادي يأخذ منحى جديداً، تزايد فيه دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي ومنحه التسهيلات الكبيرة من أجـل زيادة الإنتاج وتشجيع الإنتاج الزراعي والتصدير.. وغير ذلك. وشهدت هذه الفترة (من 1986 - إلى اليـوم) تزايداً لدور القطاع الخاص زراعياً وصناعياً وتجارياً وتوجهاً نحو تشجيع الصادرات. وبدأ الجدل يزداد حول دور القطاع العام وأهميته، دون أن يتم التوصل إلى نتيجة محددة. وحتى القطاع الخاص لا يُعتقد أن ما تم تحقيقه كان يتبع نموذجاً أو خطة محددة ومرسومة بدقة، بل كان يتبع لسياسات منفصلة هنا وهناك، وإن كانت تصب في مجملها باتجاه اقتصاد السوق دون أن تتبعه بشكل واضح.
ويمكن القول إن استراتيجية سورية الاقتصادية لم تكن ثابتة، بل مرت بمراحل متعددة وتغيرت استراتيجيات التنمية تبعاً للتغيرات التي طرأت على النظام الاقتصادي. وما زال موضع التغيير مطروحاً من قبل بعض الاقتصاديين.
وفي وضع كهذا تبدأ الأفكار المختلفة بالظهور وهو أمر مفيد للوصول إلى وضع خطة صحيحة وواضحة للتنمية الاقتصادية، هذا المصطلح الذي تراجع العمل بموجبه من أجل تحقيق التنمية في الكثير من الأدبيات الاقتصادية في العالم، ليحل محله الحديث عن العولمة والخصخصة وتحرير التجارة العالمية والقيام بإصلاحات اقتصادية وإدارية للدخول إلى المنظمة. ويبقى الحديث في هذا الإطار ناقصاً إذا لم يتضمن أهم ما تحتاجه سورية وهو التنمية الاقتصادية، والتي تفرضها اتفاقات مراكش بشكل مبطن لتستفيد الدول من عضويتها.
لا بد أن تكون هناك رؤية واضحة ومحددة للطريق الذي تريد سورية أن تسلكه، لا أن تظل تتخذ إجراءات مرحلية هنا وهناك تنوب عن الخوض في جوهر مشكلاتها الاقتصادية. ولن ينتهي الجدل حول انضمامها إلى المنظمة إلا بانتهاء الجدل حول توجهها وهويتها الاقتصادية وإجراء دراسات تفصيلية تحدد الطريق الصحيح لتحقيق أهدافها الاقتصادية المرجوة وتحدد فيما إذا كانت منسجمة مع أهداف المنظمة ثم الإجابة عن السؤال المركزي المتعلق بالانضمام أو عدمه، وما الفائدة من ذلك، وبأي شروط سيكون الانضمام، وما الثمن، وماذا تريد من المنظمة ليكون الانضمام لصالح استراتيجيتها التنموية.
إن التحليل القطاعي لآثار انضمام سورية إلى المنظمة يشير إلى قلة حجم الفوائد في الوضع الراهن لها وللاتفاقات. أما في المستقبل، فسيتوقف حجم الفوائد والخسائر على الموقع الذي تخطه لنفسها على الخريطة الاقتصادية العالمية والتغييرات التي ستطرأ على الاتفاقات المختلفة.
وبعد كل هذا لا بد من تذكّر أن عملية انضمام سورية وغيرها إلى المنظمة ليست عملية من طرف واحد هو الدولة الراغبة بالانضمام.
أما بشأن الطرف الأول: المنظمة فليس الانضمام بالسهولة التي نتوقع. فحتى لو اتخذت سورية قرار الانضمام اليوم فقد تحتاج إلى فترة لا تقل عن سنتين أو أكثر لتصبح عضواً كاملاً في المنظمة، بسبب الإجراءات المعقدة أحياناً، وأثر الدور السياسي فيما يتم إحرازه من تقدم أحياناً أخرى.
النقطة المهمة التي كان قد أشار إليها السيد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية د. محمد العمادي في أوائل التسعينات، وهي ضرورة الانضمام -في حال أرادت سورية ذلك - قبل انتهاء جولة الأوروغواي والتوقيع على الاتفاقيات الناجمة عن تلك المفاوضات، وإلا أصبح الوقت متأخراً. فقبل انتهاء جولة الأورغواي كان لدى الدول المتعاقدة بعض المرونة في مجال التزاماتها، فالتزام عدد من الدول النامية بقي في الحدود الدنيا اللازمة. وكان من الممكن لدولة صغيرة اقتصادياً مثل سورية أن تجد لنفسها مكاناً في خضم المفاوضات الجارية بين عمالقة تجاريين، وربما استطاعت أن تحصل على بعض التنازلات من شركائها التجاريين في زحمة التفاوض، وتتقدم بحدود دنيا من التنازلات اللازمة لاستمرار عضويتها في الغات، خصوصاً وأنه في فترة ما قبل التوقيع على اتفاقية مراكش 1994 كان التوقيع على عدد من الاتفاقيات اختيارياً، ولم يكن الانضمام إلى كل الاتفاقيات ملزماً لكل الدول (باستثناء الاتفاقات الجمعية)، وأصبح الانضمام أكثر صعوبة مما كان عليه قبل انتهاء جولة الأوروغواي وذلك للمطالبة بما يسمى "أجرة الانضمام" التي تحد من قدرة الدولة الراغبة بالانضمام على المناورة والتفاوض.
بهدف تعظيم الفوائد التي تحصل عليها سورية من انضمامها إلى اتفاقية الغات وتقليل الأضرار والخسائر الناجمة عن ذلك إلى أدنى درجة من الممكن تقديم المقترحات التالية:
- دراسة اتفاقية الغات وما ترتبه من حقوق والتزامات، مع إمكانية الاستفادة من المرونة الممنوحة للدول النامية في جانب الالتزامات .
- القيام بدراسة مفصلة للأهداف الأساسية للتفاوض من قبل الدولة الراغبة في الانضمام تعتمد على تحليـل مفصل لاستراتيجياتها وسياساتها الاقتصادية وانسجامها مع التزامات المنظمة. كما يجب أن تشمل تحديد دور التجارة الخارجية وإسهامها في التنمية حالياً ومستقبلاً، وتحديد القطاعات المُنافسة عالمياً في الاقتصاد الوطني التي يمكن أن تزيد من إمكانيات التصدير، وتحديد مدى الحاجة إلى حماية القطاعات الهامة "اجتماعياً" والصناعات الوليدة. وسيترافق هذا الاستعداد مع معرفة كاملة بكل اتفاق من اتفاقات المنظمة وتحليل معمق للقوانين والأنظمة الوطنية وانسجامها معها. فقد وجدت دول نامية عديدة نفسها غير مهيأة تماماً لمواجهة هذا التحدي من ناحية الموارد البشرية والمالية، وخاصة بعد تقدمها بطلب الانضمام.
- يجب بناء إجماع سياسي بين كل الفئات داخل الدولة الراغبة في الانضمام فيما يتعلق بالمسائل التي ستحتاج إلى تعديل كبير في القرارات والقوانين بصورة تجعلها منسجمة مع التزاماتها تجاه المنظمة. وضرورة تعاون الأجهزة الحكومية غير الحكومية في تحديد معوقات التصدير للسوق الدولي بحيث يكون ملائماً مع الظروف الجديدة يكون الإنتاج السوري في إطار الظروف الجديدة.
- المهم جداً تقديم كافة الوثائق اللازمة مفصلة وصحيحة منذ البداية في مذكرة طلب الانضمام لتجنب سوء الفهم والأسئلة الإضافية غير الضرورية التي قد تؤخر عملية الانضمام. كما حديث مع بعض الدول التي رغبت بالانضمام فتعرضت لأسئلة حول: غموض بعض الأجوبة، أو عدم وضوحها، أو استخدام مفردات غير صحيحة أو غير مألوفة...وغير ذلك. [11]
- أهمية تبادل الخبرات مع الدول العربية الأخرى الأعضاء في اتفاقية الغات، أو الدول التي في طريقها للانضمام .
- كما أن سكرتارية الغات يمكنها تقديم مساعدات فنية في هذا المجال للدول النامية بما فيها سورية وفقاً لما تحدده من طلبات.
- يجب تخصيص جهود كبيرة لوضع آلية حكومية لدعم مفاوضات الانضمام ، تكون لها السلطة الكافية لتنسيق هذه العملية بين الوكالات الحكومية المختلفة، وبينها وبين المؤسسات القانونية والتجارية. وسينجم عن هذه الآلية تشكيل فريق تفاوض عالي الكفاءة قادر على التعامل مع المشكلات المتعلقة، ومنها مشكلات تقنية و"لوجستية" مثل ضرورة معالجة عدد كبير من الوثائق، وترجمتها، وترجمة القوانين المحلية ذات الصلة إلى اللغات الرسمية في المنظمة. قد يقتضي الأمر تشكيل لجنة من الأجهزة الحكومية المعنية(الاقتصاد ـ المالية ـ الصناعة ـ السياحة) والغرف الصناعية والتجارية وتنظيمات القطاع الخاص لدراسة السلبيات والإيجابيات الناجمة عن الانضمام أو عدم الانضمام إلى اتفاقية الغات واعتبار الحقائق التالية:
أ- انه لسورية حق تقديم طلب الانضمام إلى الغات (حيث لا يشكل ذلك أي التزام على سورية) قبل قبول عضويتها التي لا يتوقع أن تكون قبل عامين أو أكثر وهذه هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة ماذا يريد الأطراف الشركاء التجاريين من السوق السوري.
ب - أهمية النظرة المستقبلية في هذا الموضوع نظراً للتشدد المتوقع في المستقبل في
قبول أعضاء جدد وزيادة الالتزامات الواقعة عليهم.
ج - ارتباط قرار الانضمام أو عدمه بالسياسات الاقتصادية لسورية من حيث تشجيع الاستثمار وهل سيكون الإنتاج للسوق المحلي فقط، أم انه إنتاج للتصدير مع أهمية قطاع التصدير في مجال التنمية والتشغيل .
وفقاً للتجربة العملية فان تكلفة عدم الانضمام يمكن حسابها مقدماً من حيث حق الدول الأخرى في التمييز في غير صالح السلعة أو الخدمة السورية باتخاذ إجراءات لا حدود لها في شأن التعريفة الجمركية أو القيود غير التعريفة . أما تكلفة الانضمام فإنها متوقفة على الطلبات التي ستقدم إلى سورية من الأطراف الأخرى (تخفيض جمركي ... تثبيت جمركي ـ إزالة قيود غير تعريفة) ولا يتحقق ذلك إلا بعد بدء مفاوضات الانضمام التي يمكن فيها الاستمرار أو التوقف والتأجيل وفقاً للمصالح الوطنية.
إن سورية لا تملك خيار الانضمام أو عدم الانضمام إلى اتفاقيات الغات أو المنظمة العالمية للتجارة ومؤسساتها التي أصبحت تضم أكثر من 124 دولة وتسيطر على ما يزيد عن 95% من التجارة العالمية. كما أن عدم انضمام سورية إلى الاتفاق لن يحول دون تأثرها بأحكامها، وبخاصة أن النظام الدولي الجديد الذي ظهر مع بداية عام 1995 سيمثل الجوانب التجارية المتعلقة بحماية الملكية الفكرية (وبخاصة التكنولوجيا) وتجارة الخدمات (سياحة، نقل، مصارف، اتصالات، استشارات وغيرها) وكذلك الجوانب التجارية المتعلقة بالاستثمار والتنمية.
كما إن بقاء سورية أو أية دولة أخرى خارج إطار اتفاقيات الغات أصبح من الأمور شبه المستحيلة. لأنها ستجد نفسها غير قادرة على تأمين تبادلها التجاري والتعامل مع الدول الأخرى دون التعرض إلى مصاعب وعقبات عديدة، هذا بالإضافة إلى أن الدول الأعضاء الأخرى سوف تطبق عليها قيوداً لا تستطيع مجابهتها في مجال التعامل التجاري في السوق الدولية، لذلك على سورية ألا تبقى خارج اتفاقيات الغات لأنها ستتحول إلى بقعة معزولة اقتصادياً في عام 2005.
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
[email protected]
--------------------------------------------------------------------------------
* - جامعة دمشق – كلية الاقتصاد. بحث مقدم إلى الندوة العلمية: العولمة وآثارها الاقتصادية على الدول النامية وخصوصاً على الاقتصاد اللبناني والسوري، كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال – الجامعة اللبنانية، بيروت - نيسان 1999.
[1] - نتائج جولة أوروغواي وأثارها على اقتصاديات الدول العربية، دراسة صادرة عن صندوق النقد العربي 1995.
[2] - أنظر،عدنان شومان، القطاع الزراعي وآليات السوق في سورية، محاضرة ألقيت في ندوة الثلاثاء الاقتصادية العاشرة، ص21.
[3] - بحث رسالة ماجستير بعنوان:اتفاقيات جولة الأورغواي ومنعكساتها الاقتصادية - مع إشارة خاصة لسورية، إعداد الطالبة رانية الرفاعي، ص 125. :كنت عضواً في لجنة الحكم على رسالة الماجستير ، كلية الاقتصاد – جامعة دمشق.
[4] - المصدر سابق ص 127.
[5] - المصدر السابق ص 128
[6] - المصدر سابق ص 129.
[7] - محسن هلال، تنمية الصادرات السورية في ضوء النظام التجاري الدولي الجديد، ص22 .
[8] - المجموعة الإحصائية لعام 1998، إصدار المكتب المركزي للإحصاء، دمشق 1998.
[9] - رانية الرفاعي مصدر سابق ص 132.
[10] - المصدر سابق، ص 134.
[11] - UNCTAD Secretariat : "Countries in Accession to the WTO. Main Issues Involved", Journal of Economic Cooperation Among Islamic Countries, Vol.: 16, no: 3-4, July-October 1995
و الأونكتاد ، "الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية العملية والقضايا"، ندوة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وتنفيذ اتفاقيات جولة أوروغواي.