|
حكايتي مع الحجاب
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1848 - 2007 / 3 / 8 - 10:44
المحور:
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2007 -حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعية والبيئية والموروث الديني
ربما جازَ لكم الإعتقاد ، بأنني لم أتب إلى ربّي من معصية الفنّ ، إلا بعدما مضى صبا جسدي وخبا لهيبه ؛ بعدما قل الطلب على أدواري السينمائية ، المثيرة ، وكاد أن ينضب معين رزقي . كلا ، السبب ليس هذا وذاك . بل قل يهدي الله من يشاء . الشيخ " حرباوي " ، من يجهل إسمه ومقامه ؟ تبتُ على يديه المباركتين . بإختصار ، وصلني مرسالاً يشرفني بالمثول في حضرته . لن أصف لكم ما كان عليه حالي ، قبيل لحظة اللقاء تلك ، الفاصلة . كنت في غاية التعاسة ، ألعن الوسط الفني وأهله ؛ نميمتهم وجحودهم وقرفهم . عند سماحته ، رأيتني في نور على نور . أجلسني بمواجهته على الشلتة ، وراح يتفحصني بتمل ورويّة . لم يخفِ إعجابه بي . لا بل وأكد أن الشعور هذا ، الدافيء ، كان ينتابه مذ بدء عهدي بالسينما . أدهشتني معارفه الفنية ، أكثر من تلك الدينية ، والتي لا ريب في كمالها : " صدقيني ، أنا أصغر سناً من زوجك الأول ، الأمير الخليجي ! " ، قال لي وبصره يتغلغل في كل شاردة من جسمي الملموم بفستان ضيّق . كانت نظرته تبث الرضا والسكينة ، ثمة أينما حلت . وأعترف بقلة لياقتي ، حينما ذهبت إليه دونما حيطة لواجب الحشمة ، المطلوبة في هكذا موقف . ويبدو أن الشال المغطي جانباً من شعري الأشقر ، الكثيف ، لم يوفر جوّ الوقار المناسب . فلا غروَ إذاً أن يكون حديث الحجاب ، الشرعيّ ، هوَ الغالب على الجلسة الاولى تلك ، مع شيخي . وتأكيدي على الكلمة الأخيرة ، مبعثه أنني ومنذ جلسة الهداية ، حتى اليوم ، ما فتئت مريدة في مسلك " الحرباوي " ، الرباني ، لا أخرج عن طوعه وإرشاده ونصحه .
إشارة سماحته إلى زوجي الأول ، سالفة الذكر ، جعلتني يومئذٍ أتساءل في سري ، عما إذا كان لهذا صلة ما ، محتملة ، بموضوع هدايتي . إذ سبق لطليقي المذكور ، ومباشرة بعيد شهر العسل ، السويسري ، أن أصرّ على تركي التمثيل والتفرغ للفراش .. أقصد ، للمنزل . كنت في قمة نجوميتي ، فرفضت ذلك طبعاً . في تلك الأثناء ، شاعت شبهة في وسطنا الفني ، عن رجال أعمال سعوديين ، مقيمين في القاهرة ، يمولون مشروعاً خيرياً لنصح الفنانات بالتحجب تمهيداً للإعتزال . إلا أنني إستبعدت أن يكون طليقي الأمير ، وراء المشروع . لقد كف عن تأليف الأشعار ، التي كانت منذورة لكبار المطربين . ولكن رغبته في تجديد حياته لم تنطفيء أبداً . فبحسب الصحافة ، أنهى الأمير قبل شهر إجراءات طلاقه رقم 77 . حياتي معه ، لم تستمر أكثر من أيام شهر العسل . كنت وقتذاك صبية مراهقة ، فيما الرجل يتخطى الخمسين . أغرقني في الترف ، الحق يقال ، وجعل منامتي بين الرياش والحرير . من جهته ، كان يأبى كل ليلة إلا أن يتوسّد مرتفع الحوض ، مريحاً ذقنه الملتحية في طريّ الأعكان وسلسبيل الخلجان . كان متديناً ، فوق ذلك ، ولا يحيد في الفراش عن السنة وحكم الشرع .
قد يظن أكثركم أنّ الممثلة المحجبة ، المعتزلة ، تضرب على حياتها الإجتماعية حجاباً قاتماً ، كامداً . الواقع على عكس ذلك ، صدقوني . أن تستر المرأة شعرها ، ليسَ معناه أن تغيّب فتنتها : " الله جميل يحبّ الجمال " ، يردد شيخي دوماً ، نقلاً عن حديث نبويّ ، معروف . كنتُ أسأله عن التبرّج والموضة ، وحتى عمليات التجميل ، فيجيبني بكلمة مقتضبة ، أن لا بأس عليكِ ولا جناح ! وأقول له ، أنه في سياحاتي الكثيرة خارجاً ، أكون سافرة منذ لحظة نزولي من الطائرة ، فيقرظ حكمتي وواقعيتي : " ما دام الغرب الكافر مكان عبور لا مقام إستقرار ! " . ولا أخفيكم ، أنني وقعتُ مرة ً في خطيئة المظنة بشيخي . كان ذلك حينما قادَ ، عبرَالأثير ، معركة الحجاب الفرنسي ، رفقة زميله الشيخ " القبراوي " . هذا الأخير ، على فكرة ، هوَ من إهتدت على يديه " فتونة بن طاطا " ، مذيعة قناة " الجعيرة " . إنها الآن صديقتي ، نتبادل الزيارات ونسخ أحاديث الدعاة ، المطبوعة والمسجلة . وقد أخبرتني ببداية علاقتها مع شيخها ، حينما دعاها إليه بمناسبة معركة الحجاب ضد الحكومة الفرنسية : " أنتِ مغاربية ، وسيكون حجابك ، إن شاء الله ، قدوة لبنات جنسك في الغرب الكافر " . ثم كرّمها الشيخ ، عندما تحجبت ، بأن جعلها مقدمة برنامجه المشهور " الحياة الآخرة " . ويبدو أنها كانت حساسة ، أكثر من اللازم ، مع فضيلته : في الحلقة الثانية من البرنامج ، نأت بنفسها جانباً ، وبدت كالمنكمشة في حضرة الشيخ . أما في الحلقة الثالثة ، فقد إستطال حجم الطاولة ، الفاصل بينهما . ولكن مذيعتنا إختفت فيما جدّ من حلقات ، وتم إستبدالها بزميل شاب ..
في رمضان الفائت ، قلت لشيخي : " يا مولانا ، نفسي إشتاقت للأستديو ، وأرغب في العودة للتمثيل " . تمعّن فيّ بهدوئه المأثور عنه ، ثم تنحنحَ مجيباً : " كل عمل شريف ، فهوَ محلل .. بشرط الإلتزام بالحجاب ووجود شخص مُحْرَم معك ! " . تساءلتُ إذاك ، ما إذا كان المنتج ينفع كـ " محرم " ، فهزّ فضيلته رأسه موافقا . ولكنه أعقبَ ذلك ، بإقتراحه أن أعمل في المسلسلات الدينية . " الطريق إلى تلك المسلسلات صعبة ، بسبب تراكم الممثلات المتحجبات والممثلين الملتحين ، الحاجين ! " ، قلتُ له متأففة . وعلى كل حال ، رأيتني مرة اخرى في الأستديو ، بعد إنقطاع طويل . أديتُ دورَ أمّ متفانية ، في مسلسل إجتماعي . لا أخفيكم ، أنه حزّ في قلبي هكذا دور بعد سيرتي الأولى ، الحافلة ، كنجمة إغراء . ولكن حجابي ، أؤكد لكم ، لم يحُل دون إحتضاني ، المرة تلو الاخرى ، للشاب الجميل الذي مثل دور إبني الحبيب . حتى أنني كنت أنهال عليه ، بمناسبة وبدونها ، بقبلات الأمومة الحميمة ، الطاهرة . لاقى المسلسل نجاحاً باهراً ، ككل عمل تتولى بطولته ممثلة محجبة . دعيتُ للمهرجانات أيضاً ، وتألقتُ فيها بزينتي وشياكتي . كتبت الصحافة القومية عن حجابي ، الذي غطى على كل شيء ، بمسحة من الوقار والورع .
نجاحي ذاكَ ، الموصوف ، دفعَ ممثلة مشهورة ، شابة بعد ، إلى الحجاب . كانت المسكينة سابقاً ، وعلى مدى مشوارها الفني ، ضحية إشاعات وإختلاقات ، سافلة ، تتعرّض لحياتها الخاصة . إنما بعدما تابت لله تعالى ، وحجّت لبيته المعمور ، راحت الصحافة ـ بما فيها الإخوانية ـ تثني على سيرتها العطرة وأخلاقها الحميدة . صرنا حبايب ، أيضاً . ثم إنضمت إلينا ممثلة اخرى ، معروفة ، شاءت العودة للتمثيل بعدما تحجبت وإعتزلت . تعرفونها ، إنها بطلة مسلسل " كوكب الغرب " ، الذي لاقى نجاحاً عظيماً عند عرضه . وكان من أصداء ذلك النجاح ، أنّ المؤرخين عقدوا مؤتمراً عالمياً ، في القاهرة ، راجعوا فيه مرحلة الرئيس عبد الناصر مراجعة شاملة ، إعتماداً على معلومات السيناريست في ذلك المسلسل : إذ تبيّن أن خطة الضباط الأحرار، للإطاحة بالملكية ، قد وضعت في فيلا مطربتنا العظيمة ؛ أنّ خطاب الزعيم ، لدى تأميم القناة ، المدوي ، كتبَ في ذلك المكان أيضاً ؛ أنّ زعيمنا كان يستمع للحن جديد من سيدة الغناء تلك ، حينما وصله خبر هزيمة حزيران ، فصرخ وهوَ ينتتر واقفا : " يا خبر أسود ! " ، ثمّ ذهب من هناك إلى التلفزيون مباشرة وقدم إستقالته .. الخ الخ . فعلاً إتقنت صديقتي هذه دورها ، وبدت في شخصيتها الرائعة الجذابة كتمثال من الشحم .. أقصد ، من الشمع ! ربنا يتمم نجاحاتنا ، نحن الفنانات المحجبات ، فهذا يمهد الطريق لفن إسلامي ، هادف وملتزم . ويؤكد مولانا ، من جهته ، بأنه بعد عقد واحد من الأعوام ، لن يبقى فنانة في مصر بدون حجاب ؛ بما فيهن القبطيات واللبنانيات والعلويات .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة وبقرة وقمر
-
كلمتان أمامَ ضريح الحريري
-
أمّ كلثوم ، مُطهَّرة أمْ مَحظيّة ؟
-
العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 1 / 2
-
دايلُ القاريء إلى القتلة / 1
-
دليلُ القاريء إلى القتلة / 1
-
الكوكبُ والشّهاب : أمّ كلثوم في حكايَة كرديّة
-
النغمُ والمشهَد : زمنُ السينما الرومانسيّة
-
تاريخٌ تركيّ ، بلا عِبْرة
-
شيطانُ بازوليني 2 / 2
-
الطاغية والطفولة
-
أفلامُ عطلةِ الأعياد ، المفضّلة
-
السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية / 2
-
شيطانُ بازوليني 1 / 2
-
نفوق الوحش ونفاق الإنسان
-
نوتوريوس : هيتشكوك وتأسيس الأدب السينمائي
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 3
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 2
-
السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية
-
النبي ؛ هل كانَ جبرانُ نبأً كاذباً ؟
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
اثر الثقافة الشرقية على المرأة والرجل
/ جهاد علاونه
المزيد.....
|