|
علمانية جديدة في العالم العربيّ
غسان عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 1842 - 2007 / 3 / 2 - 12:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
علمانية جديدة في العالم العربيّ* غسان عبدالله** طوال الخمسة عشر سنة الأخيرة، اكتسبت حركة مهمة للكتابات العلمانية العربيّة القوّة والعمق، نال القليل منها الاهتمام خارج المنطقة1. وتدخل هذه الحركة في اتّجاهات جديدة، أكثر من كونها مجرد رد فعل للأصولية الإسلامية والتي نمت خصوصاً بعد تولّي الخميني في إيران السلطة عام 1979. هذه المقالة هي ملخّص سريع لبعض من تلك المؤلّفات الحديثة التي نشرت بالعربيّة.
يبدو أن الإسلاميين يمسكون بزمام الأمور في العديد من البلاد العربيّة، ويحظون بالتّغطية الإعلامية. حيث تسيطر أخبار العنف الأصوليّ على العديد من البلاد الإسلاميّة. ففي الجزائر، وصل النّزاع المفتوح مع النّظام المدعوم من الجيش إلى مستويات جديدة من الفظاعات وتواصل السلطات محاولة إثبات تقواها بإجراءات محافظة أكثر تشدداً، ينال الجانب الثقافي حيزاً ليس بالقليل منها. ففي مصر، تزيد مؤسّسة الأزهر الإسلاميّة وهي الوصيّة الرّئيسيّة على تطبيق المبادئ الإسلاميّة في البلد هجومها على اي إشارة من إشارات اللّيبراليّة الثّقافيّة، وتُلام من قبل البعض بطريقة غير مباشرة على احتضانها للمقاتلين المسلّحين المتطرّفين .
وفي لبنان، يحتل حزب الله وضعًا خاصًّا حيث أنه القوّة الرّئيسيّة التي تواجه الإسرائيليّين المحتلّين في جنوب لبنان. وفي الأردنّ، فان حركة الأخوان المسلمين قد حافظت على علاقتها بالنظام إلا أنّ عناصر أكثر تطرّفاً قد رُوقبت من قبل أجهزة الأمن، ومن ضمنهم المجاهدين الإسلاميّين الذين كانوا قد ذهبوا إلى أفغانستان لمحاربة الحكم الملحد المدعوم من قبل السّوفييت في الثّمانينيّات. وفي كلّ مكان في العالم العربيّ، فان الخطاب الإسلاميّ يُؤْخَذ بجدّيّة من قبل كلّ الحكومات .
و مع ذلك، وعلى العكس مما يبدو أنه صورة منحازة وحيدة الجانب، فان هنالك ردّ فعل متنامي معارض فكري وعملي لهذا التيار الإسلاميّ، خصوصًا ما يُلَقَّب بالاسلام السّياسي. يُظْهِر هذا من خلال فيض من الكتب الجديدة التي تُرَى بوفرة متزايدة في مكتبات العديد من المدن العربيّة الكثيرة. فبعض كتب نصر حامد أبو زيد، المحاضر في جامعة القاهرة والذي كان يواجه تهمة الإرتداد وفصله عن زوجته، والّذي كان عليه الهرب من مصر بعد التهديدات المتزايدة على حياته، تُباع في معارض الكتاب في الرّياض، عاصمة النظام الإسلاميّ السعودي المتشدد .
إن الأفكار العلمانية غير جديدة في البلاد الإسلاميّة بالطبع. حتى بعد دعوة محمد في القرن السّابع، كان هناك متشكّكون وكتابات علمانية. بعض هؤلاء المؤلّفين موثقون في كتاب عبد الرحمن بدوي "من تاريخ الإلحاد في الاسلام"2 ، والذي ظهر لأول مرة في الخمسينيّات وأُعِيدَ طَبْعه بعدها عدة مرّات. يُسقط الكتاب الضوء على بعض النّقاشات والمؤلّفات التي رافقت فترات معيّنة في التّاريخ الإسلاميّ، وتضمّن الشّعر السّاخر لأبي العلاء المعري، الفيلسوف العربيّ الأعمى الذي عاش في شماليّ سوريا في القرن العاشر .
وفي التاريخ الأبعد زمنياً فإن حركة النهضة الإسلاميّة قد نشأت في النصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، غالبًا كدفاع عن النّفس ضدّ ثقافة الاستعماريّين الأوربّيّين. وكان الشّيخ الأفغانيّ والشّيخ محمد عبدو من بين الشّخصيّات المعروفة لهذه الحركة التي تبنّت الاتجاه العثمانيّ وأحيانًا التيار القومي العربي الجديد ضدّ الغرب. ونحو نهاية القرن التّاسع عشر ظهرت حركة مضادة للكتّاب الليبراليين على صفحات "المقتطف"، الصحيفة العلميّة الرائدة في اللغة العربيّة والتي صدرت في مصر سنوات كثيرة قبل " النشرة العلميّة الأمريكيّة"، واستمرّت حتّى خمسينيّات القرن العشرين .
كان فرح أنطون وشبلي شمّيل من بين الممثلين الأكثر شهرة للأفكار العلمانية والعلميّة. ولجرأتهم في التّعامل مع الموضوعات الدّينيّة، فان نصوص مقالاتهم ونقاشاتهم لا يمكن أن يُعَاد طَبْعها اليوم في معظم البلاد العربيّة. وقد اُنْضُمّ اليهم كتاب علميون وليبراليون آخرون من بينهم يعقوب صروف وإسماعيل مزهر الذي ترجم "أصل الأنواع" لداروين. كما استطاع إسماعيل أدهم ان يجد ناشرًا في الثّلاثينيّات لكتابه " لماذا أنا ملحد؟" 3
اما سلامة موسى فهو أحد المؤيّدين الأُوّل للإشتراكيّة في مصر في بدايات القرن الـ20، وكان بامكانه مناقشة "ظهور فكرة اللّه"4 ، كما تمكن منصور فهمي من نشر رسالةً علمية حول مكانة النّساء في الإسلام، والتي تساءل فيها عن سبب استثناء النبيّ محمد لنفسه من القواعد التي كان يضعها للآخرين، من قبيل رؤيته وهو يقبّل زوجته المفضّلة على مرأى من الناس أثناء صيام شّهر رمضان المقدس.
ظهر بين الحربين العالميّتين مؤلفان مهمان. فقد نشر طه حسين، عميد الأدب العربيّ الأعمى ووزير التّعليم في مصر لفترة، إعادة تقييم لفترة الجاهليه أثارت جدلاً واسعاً في الأدب والشّعر، مشككة في الرواية الاسلامية لتلك الفترة5. نشر علي عبد الرازق، وهو خريج الازهر، عام 1925 كتاب "الاسلام وأصول الحكم" 6، وفيه يجادل ضد الدّولة الإسلاميّة وفصل الدين عن المجتمع المدنيّ، جالباً غضب الأزهر على نفسه .
بعد الحرب العالميّة الثّانية، طغت المسائل القوميّة على المنطقة مع استقلال الكثير من البلدان عن الإستعمار الغربيّ. شاركت الحركات الإسلاميّة، مثل حركة الأخوّان المسلمين، في صراع التّحرير، فقط لتنقلب بعده على الحكام المحلّيّين الجدد. في مصر عبد الناصر والبلاد العربيّة الأخرى، أخذت الأزمة بين أنّظمة الحكم والأخوّان المسلمين وحركات أصوليّة أخرى، مثل حزب التحرير، أشكالاً أكثر دموية وتم إعدام عدد من قادتهم .
وبعد هزيمة الجيوش العربيّة في حرب حزيران 1967 مع إسرائيل، ومعها اهتزاز المعتقدات والافكار الراسخة في العالم العربيّ، ظهرت تفسيرات دينيّة كثيرة لما حدث. ظهرت قصص عن رؤى وتجسدات ونداءات للرّجوع إلى اللّه الذي جعل المسلمين يهزمون في المعركة لانحرافهم عن طريقه. نشر صادق العظم في بيروت كتاب "نقد الذات بعد الهزيمة" 7، وتبعه بـ" نقد الفكر الدّينيّ"8 ، وفيهما سخر من هذه التّفسيرات الخياليّة الدّينيّة، من مثل ادعاء رؤية مريم العذراء. لقد كان لهروب العظم لفترة من لبنان إلى سوريا لكتابته مثل هكذا كتاب وقع كبير. فقد كان العرف السائد ان الكتّاب يهربون عادة من بلدانهم إلى لبنان لتجنّب الاضطهاد الفكريّ وليس العكس. كما قام "لفيف الاخضر" بهجوم مرير على الفكرة الدّينيّة والتّاريخ الإسلاميّ الرّسميّ في المقدّمة الطّويلة التي كتبها إلى الترجمة العربية لمجموعة من نصوص " لينين حول الدّين" 9 ، انتقد فيها الأحزاب الشّيوعيّة السّتالينيّة لموقفها المداهن من الاسلام وأثار مقولة ماركس حول "ان نّقد الأرض يبدأ أوّلاً بنقد السماء".
أما الحركة الأكثر حداثة وراديكالية من الكتابات العلمانية لحد اليوم فقد بدأت أواسط الثّمانينيّات. وقد أُلهبت هذه الحركة بالصعود الناجح للسلطة من قبل الإمام الخميني في إيران من خلال دعوة دولته الإسلاميّة الى العودة إلى الأصوليّة الإسلاميّة. ان موجة الإحياء الإسلاميّ التي اجتاحت المنطقة لم تهدأ بعد. حيث لم ينجُ نظام أو حركة سّياسيّة من نفوذها وتاثيراتها. حتى المملكة العربيّة السّعوديّة المحافظة أصبحت تتظاهر بالالتزام الديني بعقائد الإسلام الأساسية بشكل أكبر. وفي سوريا التي تقوّت بظهور هذا التيار و لعوامل دّاخليّة أخرى، أعلن الإسلاميّون تمرّداً واسع النّطاق في مدينة حماة عام 1982 .وقد سُحِقَ التمرد بالقوّة الماحقة للنّظام. اما الإسلام الشّيعيّ، المدعوم من إيران، فقد أصبح أكثر تنظيمًا وقتاليةً في لبنان. فقطعات المتطوّعين المسلمين الذين حاربوا ضدّ النّظام الشّيوعيّ في أفغانستان قد تدرّبوا عسكرياً وأصبحوا يشكلون تهديداً للعديد من الانظمة العربيّة. وفي السّودان، فان تلاحماً إسلاميّاً أشد كان الحل الوحيد للنظام للتغلب في الحرب التي أنهكت الاقتصاد وأفقرته. وفي إيران نفسها، فإن الوضع الاقتصادي بما فيه مشكلة الديون قد باتت أكثر جدية وارتبطت واردات النفط بتسديد ديون الدولة ولسنوات طويلة قادمة.
ضمن هذه الأجواء، فإن إحباطاً اجتماعيّاً بما يمكن أن تقوم به الدولة الإسلاميّة في عالم اليوم بدأ بالتبلور. المثقفون وخاصةً الليبراليون، بدأوا يلاحظون هذا الاتّجاه ويجاهرون بوجهات نظرهم، رابطين الخطاب الإسلامي بالمشاكل الإجتماعية والسياسية التي تطوق بلدان المنطقة. في عام 1984، نشرالراحل سليمان بشير المحاضر في حينه في جامعة النجاح في نابلس بالضّفّة الغربيّة الفلسطينيّة " مقدمة إلى التّاريخ الآخر: نحو قراءة جديدة للتراث الإسلاميّ" 10. وقد وضع الكتاب على أساس المادّة المكتشفة لأول مرة من مكتبة الجهرية القديمة في دمشق. وتضمّن الكتاب بشكل أساسي مراجع تعود إلى قرن ونّصف بعد محمد، والتي كانت مخفيّة أو تم تجاهلها من قبل مؤرخي التأريخ الرّسميّ للإسلام. وقد كان توزيع الكتاب محصور في الدّوائر العلميّة وقلما انتشر خارج تلك الدوائر، وبخاصّة خارج الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة. سبّب الكتاب لمؤلّفه الطرد من الجامعة. إلا أن النّسخ غيرالقانونيّة للكتاب، ما زالت تنتشر رغم ذلك حتّى الآن في الأردنّ وأماكن اخرى في العالم العربيّ. وفي سوريا، فإن هادي العلوي كان ينعش الكثير من النّصوص القديمة المعروفة التي تظهر تراثًا غير تقيّ ومجازفٍ في التّاريخ الإسلاميّ. 11 . لقد وجّه العلوي بعض من نقده الى اللغة العربيّة الكلاسيكيّة، وادّعى أنّها قد تكلست بالقرآن وبالاوصياء الذين نصبوا انفسهم حماة لها، " لغة رجال الدين لأكاديميّات اللغة العربيّة"، وطالب بإصلاح قواعدها 12.
بدأ فرج فوده في مصر بنشر كتبه المثيرة للجدل في نفس الفترة. اعتنق العلمانية علانية ووجّه بعض من نقده الصّريح الى الإسلام السّياسيّ وأسسه التّاريخيّة والنّظريّة، وخاصة كتابه واسع الانتشار، "الحقيقة المفقودة" 13 . وقد اتهمه خصومه من الإسلاميّين، كعادتهم بانه يغطي إلحاده بالعلمانية، وهما مفهومان مترادفان بنظرهم. دفع فوده حياته ثمناً لموقفه على يد إسلاميّ متعصّب، بعد وقت قليل من السجال المشهور مع الشّيخ محمد الغزالي وآخرين والذي حدث أثناء معرض كتاب القاهرة سنة 1992- 14 ويرجع التحريض بالقتل إلى بعض رعاة الأزهر، حسب رواية بعض الكتّاب العلمانيين.
أما نصر حامد أبو زيد، فهو عالم مسلم مقتدر في التّاريخ والفقه الإسلامي، وخصم لدود للإسلاميّين في تفسير النصوص. تُباع كتبه على نطاق واسع في كلّ أنحاء العالم العربيّ 15. رفض أبو زيد حماية الشّرطة لأنّه كما قال في زيارة لعمّان، عليه إطعام حرّاس الحكومة ضئيلوا الأجور طوال الوقت. علاوة على ذلك فانه لم يكن من الممكن أن يحميه هؤلاء من هجوم متعصّب مصمّم على قتله على أيّة حال، وتحتم عليه الهرب إلى أوروبّا.
كرست سلسلة "قضايا فكرية" في مصر الكتاب الثامن 16 والذي ظهر في تشرين الاول 1989 إلى مسألة الإسلام السّياسيّ، والكتابين 13 و 14 المدمجة معاً 17 والذي ظهرعام 1993، إلى الأصوليّة الإسلاميّة. وقد قام محمود أمين العالم، العالم البارز والمفكّر السّياسيّ، بتجميع المقالات من مفكّرين أحرار معروفين جيّدًا لمناقشة مفاهيم الدولة والدّين في الإسلام والأصوليّة في الإسلام والدّيانات الأخرى .
اما سيّد محمود القمني فهو علماني جادّ آخر مُتحدٍ ومشككٍ بأسس الخطاب التّاريخيّ والفقهي الإسلاميّ ويرى فيه عقبة للتّقدّم والنموّ . وقد بدأ كتاباته بكتاب حول ظهور أديان التّوحيد والإيمان بالأبدية " أوزيريس" 18 . ودرس أصل الأسلام بمثابة دين لأسلاف محمد الهاشميين وتتبّعه رجوعاً إلى إبراهيم في الجزيرة العربيّة.19 . كما ان هنالك كتاب وعلماء آخرون في مصر زوّدونا بدلائل وتحليلات أكثر عن ألظّاهرة الدّينيّة باستمرار في المجلات الشهرية الثقافية مثل "القاهرة" و"أدب الناقد" و"الأهالي" جريدة الحزب التّقدّميّ الأسبوعيّة .
أخذت المواجهة أبعاداً جديدة حين تحدت المجلّة الأسبوعيّة العريقة،" روز اليوسف"، الأزهر والحكومة حديثًا بنشر النّصوص الممنوعة التي تراوحت بين القصّص الممنوعة سابقًا لــ "ألف ليلة وليلة" ومقتطفات من "آيات شّيطانيّة" لسلمان رشدي.20
وهنالك اتّجاهات أخرى عملت على كشف حقيقة القصّة الإسلاميّة قد ظهرت باستمرار في أجزاء كثيرة من العالم العربيّ . ففي سوريا، قارب أستاذ الهندسة المسلم المتفحص، الدّكتور محمد شحرور، دراسة ألقرآن من وجهة نظر لغويّة، متتبّعاً معاني الكلمات العربيّة كما سادت في ذلك الوقت، متوصلاً الى تّفسيرات جديدة فيها الكثير من الحكمة. ويعد كتابه ذو الـ 500 صفحة والذي أستغرقه 20 سنةً لاتمامه " القرآن والكتاب" 21 حدثاَ مهماً في تأريخ النشر .
فقد دخل الان في طبعته الخامسة للمرة الـ5000 في سنتين فقط وفي سوريا لوحدها، ناهيك عن طبعات لبنانيّة و مصريّة منفصلة له. عزيز العظمة، تدريسي آخر في جامعة إكستر في بريطانيا كتب عن الفكر العربيّ والإسلاميّ وإبن خلدون سابقًا، فقد أنتج مبحثاً بعنوان "العلمانية من منظور مختلف" 22 استعرض فيه نموّ الأفكار العلمانية في الفكر العربيّ الحديث .
"تاريخ اللّه" 23 لجرجي كنعان في سوريا، كتاب يحاول تتبّع فكرة الله نفسها في الدّيانات السّوريّة القديمة والأساطير. كما ان فراس السوّاح، وهو من سوريا أيضاً قام بنشر سلسلةً من الكتب التي تتعامل مع أصول المعتقدات الدّينيّة في المنطقة. بينما حلّل محمد أركون، في باريس، المسائل الأساسيّة للإسلام في سلسلة من الكتب التي تباع جيّدًا رّغم كلفتها الباهظة .
وينظر كُتّاب آخرون إلى أسس اليهوديّة والمسيحيّة، وبخاصّة المطالبة بفلسطين على أساس الخرافات اليهوديّة و العلاقات بين البروتستانتيّة اليهودية- المسيحية والحركة الصّهيونيّة الحديثة. كما ان لأفكار المؤرّخ اللّبنانيّ كمال صليبي المثيرة للجدل عن أصل اليهود والأنبياء صدى واسع أيضًا
ويتناول علماء اكثر "مادّيّة" الدّين من موقف إجتماعيّ. يرجع هذا التّقليد إلى الفلسطينيّ ذي الثقافة الرّوسيّة، بندلي جوزي و الذي نشر كتابه "من تاريخ الحركات الفكريّة في الاسلام 24 عام 1927، الى الشّيوعيّ اللّبنانيّ حسين مروه والمدرسة الماركسية المصريّة .
إن المشهد العلماني لا يقتصر على الكتابة. فلدى تجمعات كثيرة رأي بان الدين يشكل أحد العناصر الرّئيسيّة لحالة التّخلّف السائدة في البلاد العربيّة. فهنالك التجمعات العقلانية المهتمّة بنداء فرج فوده قبل اغتياله والتي تبرز الى حيّز الوجود في مصر وأماكن أخرى تحت أسماء مختلفة، دون إعلانها رسمياً. كما أصدر بعض المفكّرين العرب تصريحًا داعمًا لحق سلمان رشدي في النشر ومناهضاً لفتوى الخميني بقتله.
وفي الدول العربيةّ لا تجرى عادة أي استطلاعات للرأي بخصوص المعتقدات الدينيّة للحكم على مدى الانتشارالحقيقيّ للأفكار العلمانية. إستثناء عن هذه القاعدة هو البحث المقدم حول مسح الأوضاع المعيشيّة لــ "المجتمع الفلسطينيّ تحت الأحتلال الإسرائيليّ في غزّة، الضّفّة الغربيّة والقدس العربيّة" 25 والذي تحدّى بعض المفاهيم السائدة عن المواقف الدّينيّة. يظهر في هذا البحث أن النّسبة المئويّة للرجال العلمانيين تبلغ 20 %، وتزيد بشكل غير متوقع إلى 30 % بين النّساء وأنها كنسبة وسطية أعلى من النّسبة المئويّة للنّاشطين الإسلاميّين في الطرف الأخر من المجتمع حتى في معسكرات اللاجئين بغزّة. يُعَرَّف العلماني في هذا المسح بأنه الشخص الذي لا يُسَير الدين حياته. النسبة الأعلى كانت لمسلمين ملتزمين بشكل بسيط. وتؤكد بعض الدّراسات الجزئيّة من قبل بعض طلبة الجامعات في أماكن آخرى على هذا التّوزيع لمستوى الإيمان بين السكان .
هذه الموجة المتنامية من الكتابات العلمانية، رغم ذلك، لاينبغي ان تعطينا الانطباع بأن التيار الإسلاميّ في العالم العربيّ ُمراقَب بتفحص. يقدّم النّاشطون الإسلاميون البديل للحشود البائسة بشعارهم، "الإسلام هو الحلّ" متزامناً مع برامج للإعانة الاجتماعيّة في أماكن كثيرة، مهملة من قبل الدّولة، بالإضافة الى أنشطة مختلفة أخرى. وتشكل التّعاليم الإسلاميّة كما يُوعَظ بها في آلاف المساجد أسبوعياً في كلّ أنحاء العالم العربيّ، بالإضافة إلى التاريخ الذي يُثقل على المجتمع، التيار السائد.
لا يمكن للعلمانيين التّنافس لكسب عقول وأرواح الجماهير، دون إحداث تغييرات في الظروف الاجتماعيّة، إلا أن بلاغاتهم العلمانية تُكْتَب وتوُزِّعَْ وتصل إلى أعداد واسعة من القراء. كما أن إعادة صياغة وتقييم التّاريخ الإسلاميّ، ليتضمن الجوانب العلمانية تسير بشكل لم يسبق له مثيل في التّاريخ الحديث للبلاد العربيّة والإسلاميّة. إن على الإسلاميين اليوم التّنافس مع هذا الإتّجاه المتنامي، بالإضافة إلى مواجهة صفّ آخر من التّحدّيات: منها خيبات الأمل المتنامية من الدّول الإسلاميّة مثل المملكة العربيّة السّعوديّة، إيران والسّودان، النّزاع الإسلاميّ في أفغانستان (قبل انهيار الطالبان في افغانستان - المترجم)، الحركات النّسوية، حالات الفشل والفضائح الاقتصاديّة لبنوك الإستثمار الإسلاميّة، تصاعد العنف الإسلاميّ في الجزائر وأماكن آخرى، النّتائج العلميّة الجديدة في علم الفلك وعلم الأحياء الجُزيئيّة، والأكثر من هذا كلّه بثّ القنوات الفضائيّة والإنترنت.
يمكننا القول بشـأن النّزاع الطويل بين الدّين والعلمانية بأن القصّة لم تنته بعد . _________________________ 1. Middle East Report (MERIP) no. 183, Washington . 2. عبد الرحمن بدوي، من تأريخ الالحاد في الاسلام، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980، الطبعة الثانية 3. إسماعيل أدهم، لماذا أنا ملحد؟، الإمام، الإسكندرية، 1937 4. سلامة موسى، نشوء فكرة الله، القاهرة، 1924 5. طه حسين، في الأدب الجاهلي، دار المعارف، القاهرة، 1925 6.علي عبد الرزاق، الإسلام وأصول الحكم، مطبعة مصر، القاهرة، 1925 7. صادق جلال العظم، النقد الذاتي بعد الهزيمة، دار الطليعة، بيروت 1960 8. صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني، دار الطليعة، بيروت، 1982 9. لينين، نصوص حول الموقف من الدين، ترجمة محمد كبة، مراجعة وتقديم لطيف لخضر، دار الطليعة، بيروت، 1972 10. سليمان بشير، مقدمة في التأريخ الآخر، منشور من قبل المؤلف، القدس، 1984 11. هادي العلوي، المعجم العربي الجديد : المقدمة، دار الحوار، لاتاكيا، 1983 12. هادي العلوي، من تأريخ التعذيب في الإسلام (1987) المنتخب من اللزوميات: نقد الدولة والدين والناس (1990)، مركز الأبحاث والدراسات الإشتراكية في العالم العربي، دمشق. 13.فرج فودة، الحقيقة الغائبة، القاهرة، 1986. 14. المناظرة بين الإسلام والعلمانية، النقاش بين فرج فودة والشيخ محمد الغزالي وآخرين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1992. 15. نصر حامد ابو زيد، مفهوم الناس، دراسة في علوم القرآن، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية، بيروت، 1984 و الإتجاه العقلي في التفسير، دار التنوير، القاهرة، 1986، ونقد الخطاب الديني، سينا للنشر، القاهرة، 1992. Nasher, Cairo , 1992. 16. قضايا فكرية، الإسلام السياسي، القاهرة، 1989. 17. قضايا فكرية، الأصوليات الإسلامية، القاهرة، 1993 18. سيد محمد القمني، أوزوريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة، دار الفكر، القاهرة، 1988. 19. سيد محمد القمني، الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية، سينا للنشر، القاهرة، 1990. 20. روز اليوسف، العدد 3423، 17 كانون الثاني 1994. 21. محمد شحرور، الكتاب والقرآن، الأهلي، الطبعة الخامسة، دمشق، 1992. 22. عزيز العظمة، العلمانية من منظور مختلف، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992. 23. جرجي كنعان، تأريخ الله، الندوة الكنعانية، بيروت-حلب، 1990. 24. بندلي جوزي، من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام، إتحاد الكتاب الفلسطينيين، بيروت، الطبعة الثانية، 1981. 25. ماريان هايبرج، المجتمع الفلسطيني في غزة، الضفة الغربية، والقدس العربية: مسح للأوضاع المعيشية، أوسلو، Oslo , FAFO-report 151,، 1993.
* ترجمة عصام شكــري عن نص انكليزي منشور في الانترنيت. ** جامعة بيرزيت في فلسطين
#غسان_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عالم الكيلاني.. قراءةٌ في مقاطع من الطوفان
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|