|
ا لمشروع الطائفي في العراق ... والمجتمع المدني المعاصر
هادي فريد التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 1841 - 2007 / 3 / 1 - 12:15
المحور:
الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2007 شباط : مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق
..!! سمات المجتمع المدني في العراق ، من أحزاب ومنظمات سياسية ، وهيئات وجمعيات ، مختلفة الأغراض والإتجاهات ، بدأت بالظهور والتشكل ، منذ بداية الإنتداب البريطاني ، وطيلة مسار ما سمي بالحكم الأهلي ، أغلب هذه الأحزاب والجمعيات ذات مرجعيات فكرية وسياسية وطنية ، أهدافها بالأعم الأغلب اصطبغت بالهم الوطني المتمحور حول الخلاص من الانتداب ، ورغبتها في تأسيس دولة مؤسسات ديموقراطية ودستورية فاعلة ومؤثرة في حياة المجتمع ، ينبثق عنها نظام حكم ينهج نهجا دستوريا وديموقراطيا ، تتعاون معه في بناء مجتمع تسوده مبادئ حقوق الإنسان ، وحرية هذا الإنسان في عيش كريم ، في مجتمع مدني يوفر له الحرية والعدالة والأمن ، وتكافؤ الفرص في إشغاله للوظائف العامة ، إلا أن الرغبة والطموح لتحقيق هذه المثل كانت تصطدم في بداية المشوار من تأسيس الدولة العراقية ، بكثير من العوائق ، الإجتماعية _ الطبقية والسياسية ، ورغبة الحكم في التفرد وفرض سياسات لا مصلحة للعراقيين فيها ، نزولا عند رغبة المحتل ، رغم وجود مجلس نيابي منتخب ، ودستور دولة يقر حقوقا لمواطنيه لا تقل عما تقره أكثر الدول الديموقراطية آنذاك ، وبرغم جهود الحكومة يومئذ ، في تعطيل مسار الحياة الديموقراطية ونصوص الدستور لفترات ليست قليلة من عمر الدولة الوليدة ، إلا أن مؤسسات المجتمع المدني كانت تمارس نشاطها الديموقراطي وفقا للظرف السياسي ، والإمكانيات المتاحة أمام القوى السياسية الوطنية ، ومنظمات المجتمع المدني رغم محدوديتها ، في ممارسة نشاطاتها المختلفة ، ورغم كل تعقيدات الوضع السياسي ، خلال الحكم الوطني ، لم يعدم العراق نشاطا لمنظمات المجتمع المدني ، فنقابات العمال والمحامين والصحفيين ، ومنظمات الطلبة والمعلمين ، والأحزاب السياسية ، العلنية والسرية ، كانت تمارس نشاطا معترف به جماهيريا ووطنيا ، وتساهم فيه الكثير من الطبقات والجماعات العرقية والأثنية ، عن طريق منظماتها ، إلا أن هذه الأنشطة كانت تتسم بطابع وطني وقومي ديموقراطي ، ولم يكن هناك ما يدلل على بروز اتجاهات ذات منحى طائفي ، لا على مستوى الدولة ولا بين المواطنين ، طيلة فترة الحكم الوطني ، وحتى سقوط جمهورية 14 تموز في العام 1963 ، بتعاون قومي عنصري مع دول أجنبية . وحتى حكم البعث ومسيرته منذ العام 1968 لم يكن هناك إجماع وطني ـ سياسي على وصمه بالطائفية ، إنما انفردت بهذه التسمية له ، أحزاب دينية ذات نهج طائفي ،تحكم العراق وتقوده حاليا، وهي نفسها اليوم تنهج المنهج الذي كانت تدينه وتعيبه على نظام البعث المقبور، ، ولا تمتلك هذه الأحزاب سوى مشروعا طائفيا ـ تقسيميا يتيح لها الإنفراد بالشعب وتضليله بأن حقها المغدور في السلطة ، منذ الف وأربعمائة عام ، قد عاد إليهم ، على الرغم من تعدد المرجعيات واختلافها وتناحرها. ما كانت هناك قدرة للأحزاب الإسلامية ـ الطائفية ، بكل فصائلها ، على تصدر السلطة بعد سقوط النظام البعثي الصدامي وفرض مشروعها الطائفي ، كما هو حاصل اليوم ، لولا دعم ومساندة إدارة قوات الاحتلال لها في مشروعها الطائفي ، بالضد مما أعلنته هذه القوات من أن هدفها إقامة حكم ديموقراطي بدلا من الحكم القومي الفاشي والديكتاتوري ، فنظام المحاصصة الطائفي الذي شرعته إدارة الإحتلال يتناقض كليا مع أهدافها المعلنة عند البدء في غزو العراق واحتلاله وسقوط النظام ، وهذا ما ساعد وًدعم توجهات القوى الطائفية والقومية العنصرية ، نحو حكم ديني ـ طائفي ـ عنصري يخل بالمعادلة الوطنية والتعددية العراقية ، التي ترسخت منذ بداية الحكم الوطني . المشروع الطائفي عمليا بدأ ُيجهز على كل القيم الوطنية والإنسانية والحضارية التي ترسخت في المجتمع العراقي منذ عقود طويلة من السنين، والدستور النافذ حاليا ، صنع في المطبخ الطائفي ، بنوده تحد من الحريات العامة والخاصة للمواطن العراقي ، وتخضعها لأحكام الدين ، ونصوص القرآن ، وهي حمالة أوجه متعددة في النص الواحد ، باعتراف جميع المراجع، وتقف حجر عثرة أمام أية حقوق مدنية ، أو حريات ديموقراطية ، حقيقية للمواطن ، كما يحد من كل الممارسات الحضارية التي يمثلها عصرنا الراهن في الفكر والأعتقاد والرأي المخالف ، وتحول دون إطلاق حرية العمل لمؤسسات المجتمع المدني ، التي لا تخضع للمنهج الطائفي ، أو تدين بدينه وبمذهبه ، فالموقف المتدني من المرأة والمناهض لها ، ولحريتها و مساواتها بالرجل ، خطوط حمر ، يغلق كل نقاش أو جدل في هذا المحور ، كما انه ُيؤجج المشاعر العاطفية والدينية الطائفية ، ليس ضد الأديان والطوائف غير المسلمة ، وإنما بالدرجة الأولى بين الطوائف الإسلامية نفسها ، وهذا ما نلمسه ونعيشه في العراق منذ سيطرة هذه الطوائف الدينية ، بكل تنوعها ، على الدولة والحكومة ، فالواقع لا يكذب من يدعي أن العراق منذ أن سيطرة الدين على التشريع والسلطة ، أدخل الوطن والشعب العراقي في دوامة العنف والقتل والإرهاب ، والعراقيون بكل طوائفهم واثنياتهم العرقية يعيشون حالة خوف ورعب ، على النفس والمال والعرض والوطن ، فالجثث البشرية ، التي يحترم الدين قدسيتها ، مقطوعة الرؤوس ومشوهة الأبدان ، تنهشها الكلاب في شوارع العاصمة وغيرها من المدن ، على الرغم من كل مشاريع المصالحة ، الكاذبة ، وعلى الرغم من كثرة الخطط الأمنية الزائفة ، والشروع بتنفيذ و تطبيق خطة " سلطة القانون " ، على المواطنين الغلابة ، وليس على المليشيات التي هربت السلطة قادتها وكوادرها ، وهي المعتمدة والمسؤولة عن كل ما يعانية العراقيون ، فلا زال الأمر كما هو عليه سابقا ، إن لم يكن في إزدياد ، ليس في الشوارع والأسواق فقط ، إنما التفجيرات والسيارات المفخخة طالت المؤسسات حتى التعليمية والوزارات والمقرات الأمنية ، فماذا سيحمل لنا المشروع الطائفي غير المحن والفتن ، والتقسيم هو الهدف المطلوب الذي تنفذه أجندة هذا المشروع الطائفي ، بدعم ومشورة من قوات الإحتلال . العراق لوضعه الجغرافي وتعدد قومياته وأديانه وطوائفه ، بحاجة لمؤسسات وقوانين مجتمع مدني معاصر يمثل الحداثة والتطور ، يوفر للمواطن الحرية الكاملة ، للمرأة وللرجل على حد سواء ، والأمن والسلم والعمل للجميع دون تمييز، وبناء مؤسسات مجتمع مدني ، بعيدا عن تدخل الدولة وسلطتها التنفيذية ، تدافع عن حرية الرأي والفكر والمعتقد ، وتعمل على تعميقها وتنشيطها وتطورها وفق ما يستجد في العالم ويتماشى مع ما تقره المنظمات الدولية والعالمية ، وهذا لم ولن يكون عن طريق دولة يقر دستورها المحاصصة الطائفية والقومية ، ويجعل من الدين رقيبا وسيفا مصلتا على رقاب المواطنين ، ويعطي الكلمة الفصل لمراجع الدين في كل ما يهم المواطن من أمور عيشه وحياته . لا يصلح أمر العراق والعراقيين دون العمل موحدين ، على اختلاف آرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم ، وبكل تنوع قومياتهم وأديانهم وطوائفهم ، للنضال من أجل تحرير العراق من الأجنبي ومن الطائفية والعرقية ، وإقامة مجتمع مدني علماني وديموقراطي معاصر، مرجعيته وحدة الوطن واحترام المواطن .
28 شباط 2007
#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوش والمالكي ..فرسا رهان خاسران ..!
-
مصداقية حق المواطنة في الدستور العراقي ..!
-
نمر من ورق ..!
-
وثائق مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي ..جرأة وحياء / الفسم الثان
...
-
وثاءق مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي..جرأة وحياء ..!
-
العلم العراقي ..والسيد مسعود البزاني ..!
-
الصابئة المندائيون ..ومسؤولية الدولة ..!!
-
- معا إلى الأمام -...إلى أين ..؟!!
-
الأنفال مجزرة الحقد العنصري ..!
-
نقد الذات ..وصراحة المسؤول..!
-
عشتار وتموز ..وقصة الخلق العراقية ..!
-
أمريكا عدوة الشعوب ..!
-
الكورد الفيلية ..والمحكمة الجنائية العراقية العليا ..!
-
من الذي شبك سيار الجميل ..؟؟
-
في الذكرى الثامنة والأربعين لثورة 14 تموز ..!
-
الكورد الفيلية ضحية حكم عنصري وفاشي ..!
-
!...خاطرة / عن حسن سريع ..وقطار الموت
-
ثورة العشرين ..وواقعنا الراهن ..!
-
علمانية الدولة ضمانة للديموقراطية..!
-
لحية العنزة ..والسروال الشرعي ..!
المزيد.....
-
مسئول بحماس: إسرائيل تريد اتفاقا بدون توقيع.. ولم توافق على
...
-
دراسة: إعادة اللاجئين السوريين قد يؤثر سلبا على اقتصاد ألمان
...
-
إيران تُسرع تخصيب اليورانيوم والأمم المتحدة تدعو لإحياء الات
...
-
اعتقال أوزبكستاني يشتبه بتورطه في -اغتيال جنرال روسي بتعليما
...
-
مسئول أمريكي سابق: 100 ألف شخص تعرضوا للإخفاء والتعذيب حتى ا
...
-
تواصل عمليات الإغاثة في مايوت التي دمرها الإعصار -شيدو- وماك
...
-
تسنيم: اعتقال ايرانيين اثنين في اميركا وايطاليا بتهمة نقل تق
...
-
زاخاروفا: رد فعل الأمم المتحدة على مقتل كيريلوف دليل على الف
...
-
بالأرقام.. حجم خسارة ألمانيا حال إعادة اللاجئين السوريين لبل
...
-
الدفاع الأمريكية تعلن إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانا
...
المزيد.....
|