أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيمن زهري - الخروج الآمن من منظومة السيطرة الإقليمية: الإمارات، قِبلة الشباب العربي














المزيد.....

الخروج الآمن من منظومة السيطرة الإقليمية: الإمارات، قِبلة الشباب العربي


أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة


الحوار المتمدن-العدد: 8573 - 2025 / 12 / 31 - 14:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن الإمارات العربية المتحدة، خلال العقود الثلاثة الماضية، مجرد دولة خليجية صاعدة اقتصادياً، بل تحولت تدريجياً إلى نموذج إقليمي للنجاح الفردي والجماعي، وإلى “قِبلة” حقيقية لملايين الشباب العرب الباحثين عن فرصة عمل، أو أفق حياة أوسع، أو نموذج مختلف للدولة الحديثة في محيط مضطرب. هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة مسار طويل من السياسات الاقتصادية المنفتحة، والاستثمار في البنية التحتية، والقدرة على قراءة التحولات العالمية والإقليمية مبكراً. غير أن هذا الدور، بكل ما يحمله من رمزية وجاذبية، بات اليوم على مفترق طرق، في ظل انخراط الإمارات المتزايد في منظومة سيطرة إقليمية معقدة، تفرض إعادة التفكير في معنى “الخروج الآمن” من هذه المنظومة، ليس فقط سياسياً، بل اجتماعياً وديموغرافياً وثقافياً أيضاً.

لقد تأسست صورة الإمارات في المخيال العربي بوصفها فضاءً للجدية والانضباط والعمل، ومكاناً يُكافأ فيه الإبداع بغضّ النظر عن الخلفية السياسية أو الأيديولوجية. هذا التصور، الذي غذّته قصص النجاح الفردي وحكايات الصعود السريع، جعل من الإمارات نموذجاً بديلاً عن الدولة العربية التقليدية المثقلة بالبيروقراطية والفساد وضعف الفرص، فبالنسبة للشاب العربي في القاهرة أو الخرطوم أو تونس أو صنعاء، لم تكن الإمارات مجرد وجهة عمل، بل كانت وعداً ضمنياً بالخروج من دائرة الانسداد المحلي إلى أفق إقليمي أكثر رحابة.

غير أن هذا “الوعد” يرتبط عضوياً بصورة الإمارات كدولة مستقرة، محايدة نسبياً، تضع الاقتصاد والتنمية قبل الاصطفافات الحادة، لكن مع تعاظم دورها الإقليمي، ودخولها في شبكات نفوذ وتحالفات وصراعات غير مباشرة، بدأت هذه الصورة تتآكل تدريجياً، فالدولة التي كانت تُقدَّم بوصفها مساحة آمنة ومحايدة للعمل والعيش، باتت، في نظر كثيرين، جزءاً من منظومة سيطرة إقليمية أوسع، تتداخل فيها المصالح الأمنية مع الطموحات السياسية، وتُعاد فيها هندسة المجال العام العربي بوسائل ناعمة وخشنة في آن واحد.

الخروج الآمن من هذه المنظومة لا يعني انسحاباً فجائياً أو انكفاءً انعزالياً، بل يعني أولاً إعادة تعريف الدور الإقليمي للإمارات على أسس أقل صدامية وأكثر اتزاناً، فالقوة الناعمة التي بنتها الإمارات عبر العمل والاستثمار واستقطاب العقول والمهارات مهددة اليوم بأن تتحول إلى عبء إذا ما ارتبط اسمها في الوعي الجمعي العربي بالاستقطاب أو بالتدخل أو بإعادة إنتاج أنماط الهيمنة نفسها التي هرب منها الشباب العربي أصلاً. عند هذه النقطة، يصبح فقدان جاذبيتها للشباب نتيجة شبه حتمية، لا بسبب تراجع الفرص الاقتصادية، بل بسبب تآكل المعنى الرمزي للنموذج نفسه.

إن ملايين العرب الذين اختاروا الإمارات لم يفعلوا ذلك فقط لأن الرواتب أعلى أو أن الخدمات أفضل، بل لأنهم وجدوا فيها صيغةً ما للحياد العملي: دولة لا تسألهم كثيراً عن مواقفهم، ولا تطلب منهم الانخراط في صراعات الهوية والسياسة بقدر ما تطلب منهم العمل والالتزام بالقانون، فإذا اختل هذا التوازن، وتحولت الإمارات – ولو جزئياً – إلى فضاء يُقرأ من خلال موقعه في صراعات المنطقة، فإن قدرتها على استقطاب الكفاءات ستتراجع، حتى وإن ظلت مؤشرات النمو الاقتصادي مرتفعة.

من زاوية ديموغرافية، تمثل الإمارات حالة فريدة في العالم العربي، إذ يقوم نموذجها التنموي على استقطاب واسع للعمالة الوافدة، العربية وغير العربية، ما جعلها مختبراً حياً للتعايش العابر للحدود والهويات، هذا المختبر لا يمكن أن يستمر في أداء وظيفته ما لم يشعر من بداخله بأن الدولة ليست طرفاً مباشراً في إعادة تشكيل أو قمع المجال السياسي والاجتماعي في بلدانهم الأصلية، فالشباب العربي شديد الحساسية تجاه الرمزية السياسية، حتى وإن بدا منشغلاً بلقمة العيش؛ وهو قادر على التمييز بين دولة توفر فرصة عمل، ودولة تسهم – بشكل مباشر أو غير مباشر – في إعادة إنتاج أسباب هجرته.

إن ما قصدته بالخروج الآمن، هنا، هو خروج من منطق السيطرة إلى منطق الشراكة ومن هندسة الإقليم إلى التفاعل معه، وهو أيضاً خروج من وهم أن القوة الاقتصادية وحدها كافية للحفاظ على الجاذبية طويلة الأمد، فالتجارب التاريخية تُظهر أن مراكز الجذب الكبرى تاريخيّاً لم تفقد مكانتها فقط حين تراجعت اقتصادياً، بل حين تآكلت صورتها كفضاءات مفتوحة نسبياً للتعدد والاختلاف.

إذا أرادت الإمارات الحفاظ على موقعها كقبلة للشباب العربي، وكنموذج للعمل الجاد والطموح عليها أن تعيد ترميم المسافة بينها وبين منظومة السيطرة الإقليمية وأن تؤكد، بالفعل لا بالخطاب فقط، أن أولويتها هي الإنسان المنتج، لا الإنسان المُسيَّس أو المُوظَّف في صراعات أكبر منه، فالشباب العربي لا يبحث عن مدينة فحسب، بل عن معنى؛ ولا عن وظيفة فقط، بل عن أفق، وحين يغيب هذا المعنى، تصبح الهجرة – حتى إلى أنجح النماذج – مجرد محطة مؤقتة، لا تجربة مُلهمة.

في المحصلة، لا يكمن التحدي أمام الإمارات في قدرتها على الاستمرار اقتصادياً، بل في قدرتها على الحفاظ على سرديتها الخاصة: سردية الدولة التي اختارت التنمية قبل الهيمنة والعمل قبل الاصطفاف والفرص قبل السيطرة. إن الخروج الآمن من منظومة السيطرة الإقليمية هو، في جوهره، خروج لحماية هذا الإرث، وضمان ألا تتحول الإمارات من حلم عربي مشترك إلى مجرد دولة قوية أخرى في إقليم مثقل بالقوى.

#أيمن_زهري



#أيمن_زهري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم الدولي للمهاجرين: احتفال سنوي وأسئلة مؤجّلة
- الجمعة السوداء … نسخة مصرية لقيطة
- العمل المرن والأزمنة السائلة
- قنبر بونابرتة وهويّة المحروسة
- المصريون القدماء: روحانية أسيء فهمها
- لماذا يكره المصريون الجولاني
- اللاجئون في العالم: بوادر تراجع بعد عقد من الارتفاع المستمر
- البناء على زخم افتتاح المتحف المصري الكبير: إعادة بعث الهوية ...
- افتتاح المتحف المصري الكبير: لحظة فرح وطنية في زمن الأزمات
- العالم العصري والنزعة الفردانية
- بين النبوءة والواقع: قراءة نقدية لأحداث نهاية الزمان
- متى ينقرض البشر؟
- الهجرة النظامية: هل توقف الهجرة غير النظامية؟
- جيل ألفا: جيل المستقبل الذي سيحمل عبء شيخوخة العالم
- بين الماضي والحاضر: هل يصلح حاضر المجتمعات بما صلح به ماضيها ...
- الذكاء الاصطناعي: أداة قديمة في ثوب جديد
- فقه الفضاء وفقه الفقراء: صراع الأولويات في الفكر الإسلامي ال ...
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- التجليات الإجرائية للنص القرآني في المجال العام المصري
- نهاية النمو؟ ملامح التحول السكاني في القرن الحادي والعشرين


المزيد.....




- وتيرة غير مسبوقة.. إسرائيل خطّطت لبناء 28 ألف وحدة استيطانية ...
- -جاسوس- .. خبراء يكتشفون ثغرات أمنية في ساعة ذكية للأطفال
- كأس الأمم الأفريقية: ساحل العاج تفوز بصدارة المجموعة السادسة ...
- روبوتات وحصار شامل.. هكذا تستعد بكين لغزو تايوان
- مقتل عنصر أمن وإصابة آخرين في تفجير وسط حلب
- 243 مستوطنا يقتحمون الأقصى وإبعاد أسير محرر عنه
- أسامة حمدان: إسرائيل تخطط لتهجير الفلسطينيين إلى أرض الصومال ...
- فنلندا تحتجز سفينة قادمة من روسيا للاشتباه بتخريب كابل اتصال ...
- وزير الدفاع التركي: لن نسمح لقسد بفرض أمر واقع بالمنطقة
- الجيش السوداني والدعم السريع يعلنان السيطرة على مناطق بشمال ...


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيمن زهري - الخروج الآمن من منظومة السيطرة الإقليمية: الإمارات، قِبلة الشباب العربي