أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الاعتراف الاسرائيلي بصومالي لاند: إعادة هندسة لمفهوم الأمن القومي العربي قد تضع فلسطين خارج المعادلة















المزيد.....

الاعتراف الاسرائيلي بصومالي لاند: إعادة هندسة لمفهوم الأمن القومي العربي قد تضع فلسطين خارج المعادلة


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 20:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاعتراف الاسرائيلي بصومالي لاند: إعادة هندسة
لا يمكن فهم الاعتراف الإسرائيلي بإقليم صومالي لاند بوصفه خطوة دبلوماسية بين بلدين أو مناورة ظرفية فرضتها احدى تداعيات الحرب على غزة أو بتطورات الوضع الملاحي في البحر الأحمر، بل يجب وضعه في سياق أوسع يتصل بإعادة هندسة المجالين العربي والأفريقي، وبالتحولات العميقة التي ستطال مفهوم الأمن القومي العربي نفسه، وحدود ارتباطه التاريخي بالقضية الفلسطينية، الذي اهتز اكثر من مرة منذ عام 1979. فالتوقيت الذي جاء به، والجهة التي قامت به، وجغرافية المكان، جميعها عناصر تكشف أن الأمر يتجاوز الاعتراف الرمزي إلى محاولة تأسيس وقائع جيوسياسية جديدة تُدار بمنطق التوسع بالنفوذ لا بمنطق الحق او القانون الدولي.
فهذا الاعتراف يأتي في لحظة إقليمية بالغة السيولة، تتقاطع فيها الحرب على غزة مع أزمة الملاحة في باب المندب، ومع صعود فاعلين غير دوليين قادرين على تعطيل أحد أهم شرايين التجارة العالمية، فضلا عن دخول محاولات الاقتسام الروسي الامريكي لمناطق النفوذ العالمية الى ذروة الانصياع لاكراهات الواقع القائم. وفي هذا السياق الذي يحاول فيه نتنياهو المحافظة على ائتلافه الحاكم، تأتي هذه الخطوة للانتقال باسرائيل من الموقع السالب او العاجز امام التهديدات البحرية إلى موقع المقرر الساعي لإعادة تشكيل البيئة الأمنية المحيطة بها، عبر التمركز غير المباشر في الضفة الأفريقية للبحر الأحمر. فاختيار صومالي لاند تحديدًا ليس اعتباطيًا، فهو كيان يعمل منذ عام ،1991بحكم الأمر الواقع خارج منظومة الاعتراف الدولي، ما يجعله قابلًا للتوظيف كمنطقة رمادية، تصلح لاحتضان قواعد عسكرية أو ترتيبات أمنية دون كلفة سياسية مباشرة، على نحو يشبه استخدام إسرائيل لمناطق النزاع أو الكيانات الهشة في تجارب سابقة، كما حدث في جنوب لبنان قبل عام 2000 او في شمال العراق وبعض مناطق القرن الافريقي.
غير أن خطورة هذه الخطوة لا تنبع فقط من بعدها الإسرائيلي، بل من تلاقيها مع تحولات في بنية الموقف العربي. فالعلاقات المتقدمة التي نسجتها الإمارات العربية مع صومالي لاند، سواء عبر القاعدة العسكرية في بربرة أو عبر الاستثمار في الموانئ والبنى التحتية، لم تكن معزولة عن تصور أمني إقليمي جديد، يقوم على اعتبار البحر الأحمر وباب المندب ساحة مباشرة للصراع مع النفوذ الإيراني، وتحديدًا مع الحوثيين. هذا التصور، الذي يقدّم أولوية “تحييد التهديد الإيراني” على أي اعتبارات اخرى، شكّل الأرضية التي جعلت هذا الاعتراف يبدو، في نظر بعض العواصم، امتدادًا طبيعيًا لترتيبات أمنية قائمة، لا خرقًا جوهريًا لامن النظام الإقليمي.
فالاعتراف هنا لا يُفهم بوصفه تعبيرًا عن دعم حق في تقرير المصير، بل كأداة صراع جيوسياسي، حيث ان إسرائيل، التي ترفض أي اعتراف دولي بحقوق سيادية فلسطينية في اراضي الدولة الفلسطينية التي تعترف بها 160 دولة، تستخدم هذا الاعتراف في أفريقيا كوسيلة لإعادة رسم خرائط النفوذ، وخلق سوابق يمكن تعميمها لاحقًا، وهذا التناقض يكشف الطابع الأداتي للخطوة الاسرائيلية، ويضعها في خانة الرغبة لتفكيك الدول الهشة لا دعم استقرارها، كما قد يحدث في سوريا، وان ما يمنح هذه الأداة فعاليتها هو أنها تعمل في بيئة عربية منقسمة على نفسها، حيث لم يعد مفهوم الأمن القومي يُعرَّف بوصفه منظومة جماعية، بل كمحصلة حسابات وطنية متباينة، بل ومتعارضة أحيانًا.
وفي هذا الإطار، يصبح الانقسام العربي حول صومالي لاند مؤشرًا على تحوّل أخطر. فبينما تنظر دول مثل مصر إلى أي وجود إسرائيلي في باب المندب باعتباره تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي وللاقتصاد الإقليمي، ترى أطراف عربية أخرى أن الخطر الأول هو في التمدد الإيراني، وأن أي ترتيبات تساهم في تطويقه، حتى لو بالتنسيق غير المباشر مع إسرائيل، يمكن تبريرها أمنيًا. هذا التباين لا يعكس اختلافًا في التقدير فحسب، بل اختلافًا في تعريف العدو، وفي ترتيب الأولويات، وفي تصور المجال الحيوي العربي ذاته.
وهنا تحديدًا يبدأ إعادة تعريف الأمن القومي العربي، لا بوصفه منظومة مشتركة، بل كمساحة تفاوض بين مشاريع متنافسة. فالأمن لم يعد يُفهم باعتباره حماية جماعية للسيادة العربية ووحدة دولها وممراتها الاستراتيجية، بل كشبكة تحالفات مرنة، عابرة للانتماء، تُبنى حول تهديدات محددة آنية، حتى لو أدت على المدى البعيد إلى شرعنة اختراقات بنيوية في الجغرافيا السياسية العربية. وفي هذا السياق، لا تبدو صومالي لاند مجرد كيان أفريقي هامشي، بل نقطة ارتكاز محتملة لإعادة صياغة مفهوم الأمن الاقليمي، بحيث يصبح أمن بعض الدول العربية منفصلًا، بل ومتناقضًا، مع أمن دول عربية أخرى.
والأخطر أن هذا المسار مرشح للاتساع، في ظل التقاطع بين الرياض وأبوظبي في ملف مواجهة الحوثيين والنفوذ الإيراني. فمع أن السعودية ما تزال حذرة في مقاربة صومالي لاند، إلا أن منطق الحرب في اليمن، وضغط أمن الحدود والملاحة، قد يدفعها، في مرحلة ما، إلى تبني مقاربة أقرب إلى الرؤية الإماراتية، ما يعني عمليًا انتقال هذا التعريف المجزأ للأمن القومي من مستوى وطني إلى مستوى شبه إقليمي، كما حدث خلال حربي الخليج الاولى والثانية.
وفي قلب هذا المشهد تقف القضية الفلسطينية، لا بوصفها سببًا مباشرًا للتحرك الإسرائيلي، بل كمتغير يُعاد توظيفه، فغزة التي شكّلت في الأشهر الأخيرة نقطة انطلاق لاضطراب الملاحة في البحر الأحمر، تُستعمل أمنيًا لتبرير التمدد الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه تُطرح ديمغرافيًا كعبء يجب تفريغه أو تحييده عبر سيناريوهات التهجير أو إعادة التوطين. ومع انتقال بوصلة الأمن القومي العربي من فلسطين إلى ملفات أخرى تُعدّ أكثر إلحاحًا في نظر بعض الأنظمة، يتآكل الموقع المركزي للقضية الفلسطينية، وتُفصل تدريجيًا عن المنظومة الأمنية العربية التي شكّلت تاريخيًا أحد مصادر قوتها.
إن أخطر ما في هذا المسار لا يكمن فقط في تهديد وحدة الصومال أو في عسكرة البحر الأحمر، بل في تكريس واقع عربي جديد يُعاد فيه تعريف الأمن القومي من خلال تحالفات انتقائية، لا من خلال رؤية جماعية، وفي هذا الواقع، تصبح إسرائيل طرفًا فاعلًا في معادلات أمنية عربية–أفريقية، بينما تتحول فلسطين إلى ملف يُدار على الهامش، أو يُستخدم كورقة تفاوض ضمن صراعات أوسع لا يكون الفلسطينيون طرفًا فاعلًا فيها.
ان ما يفرضه هذا التحول هو إدراك أن الاعتراف الإسرائيلي بارض الصومال ليس سوى حلقة في مسار أطول، يُعاد فيه إنتاج النظام الإقليمي على أسس جديدة. وإذا استمر هذا المسار دون موقف عربي صريح حول معنى الأمن القومي وحدوده وأولوياته، فإن المنطقة مقبلة على مرحلة لا يُعاد فيها تعريف الأمن فحسب، بل يُعاد فيها تحديد من هو الداخل في نطاق هذا الأمن ومن يُترك خارجه، وفي مقدمتهم القضية الفلسطينية نفسها التي قد لا تعود نقطة ارتكاز لمفهوم هذا الامن القومي.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأكاديمي والبحث عن السلطة: صراع الضمير مع انتهازية الهوى
- الرهان الاوروبي على الصبر الاوكراني قد لا يجني الا السراب
- المناصفة الاستراتيجية: كيف تصوغ القوى الإقليمية النظام الدول ...
- معادلة التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية: الاحتواء النشط و ...
- استمرار الانكشاف الأمني ل -حزب الله ودلالاته على جاهزيته الق ...
- قمة بن سلمان ترامب الاحتمالات الاكثر ترجيحا
- عندما تتغيّر سوريا... هل يتغيّر الشرق الأوسط
- الدور التركي في الترتيبات الامريكية لما بعد الحرب على غزة
- السلام الامريكي للشرق الاوسط في معادلة الصراع على الهيمنة
- بعد مرور عامين على حرب الابادة في غزة: ماذا بقي من النظام ال ...
- اذا رغبت السعودية استطاعت
- الفيتو الامريكي السادس: واقعية القوة واعادة انتاج الهيمنة
- بيان قمة الدوحة: الادانة الشديدة وانعدام الاليات
- قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم
- صدقية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رهين بحماية السلطة ووقف حر ...
- نفس الاهداف ونفس النتائج: منع تأشيرة الرئيس ابو مازن يعيد لل ...
- اسرائيل ابنة الكذبة لا تستمر في البقاء الا بقتل الحقيقة
- هل يكفي التسويق الكلامي التركي للعب دور اقليمي؟؟
- ضرورات ما بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية
- اسرائيل لن توقف الحرب على غزة التي تدحرجت من انتقامية الى تأ ...


المزيد.....




- لماذا جعلتنا الموضة غاضبين إلى هذا الحد خلال العام 2025؟
- روسيا تُقيم حفل إعادة افتتاح باهر في موقع جريمة بشعة بدونيتس ...
- حادث سير.. سيارة -كورفيت- خارجة عن السيطرة تقتحم فناء منزل و ...
- بينهم حمد بن جاسم وناصف ساويرس..كم بلغت خسائر ومكاسب 4 من أك ...
- الأردن يشيد بحكمة قيادتي السعودية والإمارات في معالجة أوضاع ...
- إسرائيل تطالب ترامب باستبعاد أردوغان من -مجلس السلام- وترفض ...
- الديمقراطيون يتحركون ضد ترامب بسبب -تغريدات عنصرية-
- إدارة ترامب تعتزم تقييد الهجرة.. ما تأثير ذلك على مواطني الد ...
- مثلها مثل البشر.. الفئران -تلجأ- إلى القنب لتخفيف التوتر
- إدارة ترامب تسعى لتجريد ذوي أصول صومالية من الجنسية الأمريكي ...


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الاعتراف الاسرائيلي بصومالي لاند: إعادة هندسة لمفهوم الأمن القومي العربي قد تضع فلسطين خارج المعادلة