أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد بوكاس - المغرب و الكرم المفقود: الدولة تُكرم الزائر وتُهمل المواطن














المزيد.....

المغرب و الكرم المفقود: الدولة تُكرم الزائر وتُهمل المواطن


فريد بوكاس
(Farid Boukas)


الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 08:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ألمانيا: فريد بوكاس، صحفي باحث و ناشط سياسي


في كل مناسبة رياضية أو ثقافية، يظهر المغرب للعالم كبلدٍ كريم، مضياف، يفتح ذراعيه للزائر، ويقدم له ما لا يقدمه لمواطنيه. صور ومقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد دليل على الضيافة المغربية، بل صارت تعبيرًا صارخًا عن السياسات العمومية المنحازة للواجهة على حساب الواقع.

المطاعم والمقاهي تقدم وجبات مجانية للزوار من الجزائر وتونس ومصر، تحت شعارات تلمع الصورة الخارجية، وتثير إعجابًا واسعًا على الإنترنت. الجمهور يشيد بالكريم المغربي، والوسائل الإعلامية تصوّر المشهد وكأنه نموذج أخلاقي عالمي. والمفارقة الأكثر إيلامًا هي أن هؤلاء الزوار يمتلكون المال الكافي لتغطية تكاليف إقامتهم، لكن يُقدّم لهم الكرم كأمر مفترض، وكأن وجودهم يحتاج إلى تبرير.

في المقابل، ملايين المغاربة—أبناء هذا الوطن—يعيشون يوميًا بلا ضمان وجبة واحدة. أطفال لا يعرفون متى ستكون وجبتهم التالية، أسر لا تملك القدرة على توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، شباب محاصر بالبطالة والفقر، وأحياء كاملة محرومة من أبسط الخدمات الأساسية. هذا الواقع لا يظهر في الفيديوهات ولا يثير ضجة إعلامية، لأن النظام السياسي في المغرب يهمه أكثر ما يُعرض على الخارج من صورة جميلة، لا ما يحدث خلف الكواليس.

هذا هو جوهر النفاق السياسي والاجتماعي: كرم استعراضي موجه للكاميرا، وتجويع ممنهج لمواطني الوطن. الدولة تتباهى أمام العالم بمشهدية الضيافة، بينما أبناؤها يعانون الظلم الاجتماعي، وتظل السياسات العمومية عاجزة أو متواطئة عن معالجة الفوارق.

الكرم الحقيقي، يا من تتغنى به الشعارات، لا يقاس بعدد الوجبات المجانية التي تُقدّم للزائر، بل بقدرتك على توفير الحياة الكريمة لمواطنيك، وضمان العدالة الاجتماعية، والتقليل من الفوارق بين الأغنياء والفقراء. أي شعب يكرم الأجنبي أكثر من أبناءه يكشف هشاشة أخلاقية وسياسية لا يمكن تبريرها.

السياسات العمومية في المغرب تركز على التجميل الإعلامي بدل معالجة الواقع:

• الموارد تُوجَّه لتلميع الصورة أمام الخارج، لا لتوفير الأمن الغذائي والحق في التعليم والصحة للمواطنين.
• الحملات الاجتماعية والإعلامية تظهر الفرح والكرم، بينما الواقع المؤلم للغالبية يُخفى أو يُتجاهل.
• الدعم والمساعدات الموسمية للزائر تُقدَّم على حساب أولويات المواطنين المحليين.

وهنا تكمن المأساة الكبرى: النظام نفسه يربّي مجتمعًا يتعامل مع الكرم كعرض ترفيهي، لا كمسؤولية أخلاقية واجتماعية. يصبح الكرم مشروعًا إعلاميًا، لا فعلًا حقيقيًا، ويصبح المواطن مجرد رقم في الإحصاءات، أو مشهد جانبي في الفيديوهات الرائجة.
هذا النفاق المجتمعي والسياسي له عواقب مباشرة:

• المواطن يفقد ثقته في الدولة وفي أخلاق المجتمع نفسه.
• الفوارق الاجتماعية تتسع، ويستشري شعور الظلم والإقصاء.
• الصورة المشرقة الموجهة للزائر لا تعكس حقيقة المجتمع، ولا تحل أزمة الفقر والجوع.

إن كانت الدولة قادرة على تقديم وجبة للزائر، وتجاهل أبناء الوطن، فهي ليست دولة تحمي مواطنيها، بل آلة لتلميع صورتها على حساب حياتهم. أي خطاب عن الكرم المغربي يصبح حينها مجرد واجهة، خدعة اجتماعية وسياسية، تُسخَّر لإرضاء الخارج على حساب الداخل.

في النهاية، يجب أن يُفهم درس واضح: كرم المواطن يبدأ من داخله ومن الدولة التي تحميه، قبل أن يمتد إلى أي زائر أو ضيف. أي دولة تُظهر الكرم للأجنبي وتترك شعبها يعاني الجوع والفقر، هي دولة عاجزة، وسياساتها فاشلة، ومجتمعها مجروح. أي شعب يُكرم الغريب أكثر من أبنائه، يُعلن بفعل السياسة والاقتصاد أنه لم يعد يعرف قيمه، وأن العدالة الاجتماعية مجرد شعار فارغ على ورق الإعلانات.

الكرم الحقيقي، أيها المسؤولون، ليس مؤقتًا، ولا موسميًا، ولا لصورة على وسائل التواصل الاجتماعي. الكرم الحقيقي هو حماية المواطن، تأمين قوته، وتأمين مستقبله. أما أي كرم آخر فهو مجرد دعاية، واحتفال وهمي بصورتنا أمام العالم، بينما الواقع يصرخ بالعكس.



#فريد_بوكاس (هاشتاغ)       Farid_Boukas#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإشادة بالملاعب المغربية: شهادات عابرة للحدود أم محتوى موجه ...
- اتهام بلا تقادم: المغرب ومحاكمة الرأي في زمن الواجهة الحقوقي ...
- بين الفيضانات والملاعب البراقة: المغرب يدفن شعبه في صمت
- المغرب: صرخة الشعب بين الظلم والانكسار
- قصيدة سياسية مغربية : بياعوني أبيعكم
- كأس إفريقيا في المغرب بين الفرجة والمعاناة: الملك المسؤول ال ...
- المغرب: حين تُدار الدولة بمنطق الامتياز… ويُترك المواطن خارج ...
- ملحمة كأس العرب والمواطن المغربي المغلوب
- الهوية العربية بين اللغة والسياسة والدين: قراءة تحليلية في ش ...
- ذهب المغرب… ثروة تُستخرج من تحت الأرض لتدفن فوقها: من يجرؤ ع ...
- تقرير أكاديمي: توظيف خطاب الإرهاب في المغرب سياسياً
- الحكم الذاتي في الصحراء الغربية: مناورة سياسية أم إصلاح حقيق ...
- الحكم الذاتي في الصحراء الغربية بين الشرعية الدولية وموازين ...
- التحول المفاهيمي في مقاربة مجلس الأمن لقضية الصحراء الغربية: ...
- المغرب بين الديكتاتورية والاعتقالات السياسية
- تجريم انتقاد الانتخابات في المغرب: خصوصية قانونية أم انتكاسة ...
- الملكية في المغرب بين الاعتقالات السياسية والاستحواذ على الح ...
- الحق في الحكم الذاتي بين جمهورية الريف (1921) والجمهورية الص ...
- الشركات الملكية في المغرب تحصد الأرباح.. والمشاريع العمومية ...
- المغرب: كرة القدم أولاً أم الصحة والتعليم والشغل؟


المزيد.....




- الصين تطلق -مناورات عسكرية واسعة النطاق- تحذيرًا من استقلال ...
- وزير الخارجية المصري يطالب بانعقاد مجلس الأمن الأفريقي بسبب ...
- حماس تؤكد مقتل قائدها محمد السنوار بعد أشهر من إعلان إسرائيل ...
- حركة حماس تؤكد مقتل الناطق باسم جناحها العسكري أبو عبيدة
- فريق صيني ينجح في التحكم بآلاف الطائرات المسيّرة في وقت واحد ...
- الثلوج الكثيفة تغلق المدارس في 14 ولاية تركية والأطفال يستمت ...
- من رمز الحرية إلى متهم بالكراهية - ماذا حدث لعلاء عبد الفتاح ...
- منظمة إسبانية: أزيد من 3 آلاف مهاجر ماتوا غرقاً في 2025
- زهران ممداني أبرز معارضي ترامب يتسلم رئاسة بلدية نيويورك الخ ...
- ما هي التحديات التي تواجهها مصر في العام الجديد؟


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد بوكاس - المغرب و الكرم المفقود: الدولة تُكرم الزائر وتُهمل المواطن