|
|
طوفان الأقصى 812 - في بغداد، القلق لا ينتهي: نظرة على إرث الإحتلال والإنتخابات الجديدة
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 12:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
27 ديسمبر 2025
في زمن يشهد فيه الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية سريعة، يعود الإهتمام إلى العراق كواحد من أكثر البلدان تعقيداً وألماً في التاريخ الحديث. مقالة نشرت في صحيفة "زافترا" الروسية، بتاريخ 25 ديسمبر 2025، تحت عنوان "في بغداد كل شيء غير هادئ..."، كتبها الصحفي ألكسندر كوزنيتسوف، تقدم تحليلاً عميقاً للوضع السياسي في العراق، مستعرضاً جذور الصراعات الطائفية والتدخلات الخارجية التي شكلت مصير هذا البلد منذ الغزو الأمريكي عام 2003. كوزنيتسوف، المعروف بأسلوبه الناقد تجاه السياسات الغربية، يرسم صورة قاتمة لإرث الإحتلال، مستنداً إلى أحداث تاريخية ونتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 13 نوفمبر 2025، محذراً من تأثيرها على الإقتصاد الروسي في المنطقة. هذا المقال، الذي يعكس منظوراً روسياً ينتقد الهيمنة الأمريكية، يدعونا إلى التأمل في كيفية تحول دولة نفطية غنية إلى مسرح للكوارث الإنسانية والفساد المستشري. يبدأ كوزنيتسوف مقاله بإستذكار العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين، حيث كان العراق محوراً للأخبار العالمية. يقول: "في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، لم تغادر معلومات عن العراق صفحات الجرائد العالمية الأولى". ويصف كيف أدى الغزو الأمريكي عام 2003 إلى إسقاط نظام صدام حسين، مغرقاً البلاد في "فوضى ومعاناة". تحت إشراف الإحتلال الأمريكي، تم إعتماد دستور جديد عام 2005 وإجراء إنتخابات برلمانية، لكن الأمريكيين، كما يؤكد كوزنيتسوف، سعوا إلى منع عودة البعثيين من خلال تمكين الأحزاب الشيعية. هنا، يبرز التناقض التاريخي: "ثلثا سكان العراق شيعة، لكن منذ عصر الإمبراطورية العثمانية، كان السنة في وضع متميز في هذا البلد". ويضيف أن هذا الوضع إستمر في العهد الجمهوري وحكم حزب البعث (1968-2003)، لكنه ينفي الرواية الأمريكية بأن الشيعة كانوا مضطهدين كاليهود في الرايخ الثالث، مشيراً إلى أن "كان هناك الكثير منهم في قيادة الحزب والحكومة، على الرغم من سيطرة الضباط السنة على الجيش والأجهزة الأمنية". منذ إنتخابات 2005، سيطرت الأحزاب الشيعية على الحياة السياسية، لكن كوزنيتسوف يركز على دوافعها السلبية: "كثير من السياسيين الشيعة الذين وصلوا إلى السلطة في 2005 كانوا ينتمون إلى حركات إسلامية مطاردة في عهد صدام، وقضوا سنوات طويلة في المنفى في طهران. في السياسة، كان لديهم دافعان فقط: الإنتقام من جلاديهم وملء جيوبهم بالمال بعد حياة المنفى الفقيرة". نتيجة لذلك، نشأ تمييز ضد الأقلية السنية الآن، إلى جانب فساد هائل. يذكر الكاتب إقالة حوالي 150 ألف موظف حكومي بعثي (معظمهم سنة)، مما إستغله مقاتلو "القاعدة" لإشعال الإرهاب ضد الشيعة. هذا أدى إلى حرب أهلية كاملة بلغت ذروتها في 2006-2007، حيث دارت معارك بين المقاومة السنية والقاعدة والتشكيلات الشيعية المسلحة. يروي كوزنيتسوف حادثة مأساوية لتوضيح الوحشية: "في 31 أغسطس 2005، تجمع حوالي مليون حاج شيعي حول ضريح الكاظمية في بغداد لتكريم ذكرى الإمام السابع للشيعة موسى الكاظم. سار موكب المؤمنين عبر جسر على نهر دجلة إلى مدينة الصدر. نتيجة لهجوم بقذائف الهاون، الذي تبنته منظمة القاعدة في بلاد الرافدين ، قتل 16 شخصاً وجرح عشرات. إنتشرت شائعة في الحشد بأن هناك إرهابياً إنتحارياً بين الشيعة. نتيجة لذلك، نشبت حالة من الذعر والإزدحام، مما أدى إلى مقتل حوالي ألف شخص. نجا بعض من كانوا على الجسر بالقفز في الماء، بينما سحق الآخرون". يقدر كوزنيتسوف عدد الضحايا خلال الاحتلال الأمريكي (2003-2013) بنحو 1.5 مليون قتيل، نصفهم في 2006-2007. ويضيف: "في 2006-2008، كان يتم العثور يومياً في شوارع بغداد على جثث 80 إلى 100 قتيل تحمل آثار تعذيب". إستقرت الأوضاع قليلاً بحلول 2010، لكن الإضطهاد السني إستمر، مما أدى إلى إنتفاضة في المحافظات السنية الشمالية مطلع 2014، بدأها بعثيون سابقون بقيادة عزت إبراهيم الدوري، قبل أن يسيطر عليها إرهابيو "الدولة الإسلامية" (داعش). هنا، يثير كوزنيتسوف تساؤلات حول طبيعة داعش: "سيحتاج مؤرخو المستقبل إلى فهم نشاط داعش، الذي كان أشبه بعصابة إجرامية منظمة يقودها أشخاص بدون سير ذاتية. يبدو أن أصحاب داعش الحقيقيين لم يكونوا في العراق على الإطلاق. هدفهم كان إضعاف نفوذ إيران في المنطقة وإسقاط حكومة بشار الأسد في سوريا". ومع ذلك، دفعت وحشية داعش القبائل السنية إلى الإبتعاد عنها. خلال الحرب ضد داعش (2014-2017)، لعبت تشكيلات "الحشد الشعبي" الشيعية دوراً رئيسياً في تحرير البلاد، مدعومة بالجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي وصفه كوزنيتسوف بـ"الأسطوري"، مضيفاً: "ساعد في إنشائها الجنرال الإيراني الأسطوري قاسم سليماني، الذي قتله الأمريكيون بشكل خسيس في يناير 2020". يشرح كوزنيتسوف أن هذه الأحداث كانت لتذكير القارئ بـ"التوتر الذي يعيشه الشعب العراقي منذ عشرين عاماً: الإحتلال الأجنبي، الحرب الأهلية، الإرهاب – كل ذلك لا يساعد على صحة المجتمع". رغم ذلك، تستمر الإجراءات الديمقراطية، مع إنتخابات منتظمة. يركز على نتائج إنتخابات 13 نوفمبر 2025، حيث تنافست الأحزاب الشيعية بشكل منفصل: "حصل تحالف البناء والتنمية الشيعي بقيادة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني على أكبر عدد من المقاعد (48). بدأ كسياسي مؤيد لإيران، لكنه في الآونة الأخيرة يميل أكثر إلى التسوية مع الولايات المتحدة". تلاه حزب "تقدم" السني بقيادة محمد الحلبوسي (33 مقعداً)، ثم "دولة القانون" لنوري المالكي (28 مقعداً)، الذي يصف كوزنيتسوف شخصيته بـ"المعقدة": "أمضى فترته كرئيس وزراء (2006-2014) مشاركاً في عمليات فساد (حسب بعض البيانات، ثروته تتجاوز 14 مليار دولار) وقمع السنة. مع ذلك، ساعد في إنشاء الحشد الشعبي، وبكونه شعبوياً، يحظى بدعم جزء من الفقراء الشيعة". يستمر في سرد الأحزاب: "حصل قيس الخزعلي، أحد قادة الحشد المرتبط بطهران، على 27 مقعداً مع تحالف صدقون ؛ هادي العامري مع بدر على 18؛ وحزب الحكمة بقيادة آية الله عمار الحكيم على 18 أيضاً". يبرز العنصر العائلي في السياسة العراقية، مشيراً إلى أن "الحكمة" أسسها في إيران عام 1981 آية الله عبد العزيز الحكيم بعد إعدام إخوته الستة على يد البعثيين، ثم تولى إبنه عمار القيادة بعد وفاته عام 2009، وصفه بـ"السياسي الماكر الذي يتكيف بسرعة مع الظروف ويجد لغة مشتركة مع أي زميل". بالنسبة للكرد، يذكر أن "حزب الديمقراطي الكردستاني" ( بقيادة عشيرة بارزاني حصل على 26 مقعداً، بينما "الإتحاد الوطني الكردستاني" على 17. يشير إلى تاريخ بارزاني: "مؤسسها مصطفى بارزاني عاش في المنفى في موسكو 1953-1959 وتعاون مع كي جي بي السوفياتي"، لكن العشيرة اليوم "مؤيدة تماماً لأمريكا". تشكيل الحكومة الجديدة، كما يتوقع كوزنيتسوف، سيستغرق أشهراً ويشبه "تجارة كبرى"، إذ يجب أن يكون الرئيس كردياً، رئيس الوزراء شيعياً، ورئيس البرلمان سنياً. "تحالف الأحزاب الشيعية (خاصة أنها غير موحدة) لا يمكنه تشكيل الحكومة وحدها. سيتعين عليها البحث عن شركاء بين الكرد والسنة". وستحاول الأحزاب الوفاء بتعهداتها تجاه الرعاة الداخليين والخارجيين. أخيراً، يربط كوزنيتسوف هذا بالمصالح الروسية: "من إتجاه الحكومة المقبلة – مؤيد لإيران أم لأمريكا أم محايد – سيعتمد موقعنا الإقتصادي في الشرق الأوسط". يشير إلى عقوبات أمريكية على "لوك أويل" الروسية، التي تمتلك 75% من حقل "غرب القرنة-2" (480 ألف برميل يومياً)، مضيفاً: "بسبب خوف الحكومة العراقية من عقوبات أمريكية ثانوية، توقفت المدفوعات المالية للوك أويل". ويظهر إهتمام شركات أمريكية مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون" بشراء الحصة. كذلك، في سوق الأسلحة، تفضل بغداد الآن الشركات الكورية الجنوبية بسبب العقوبات على "روس أوبورون إكسبورت"، مع صفقة بقيمة 2.5 مليار دولار لصواريخ أرض-جو. يختم: "إختراق الأعمال الروسية في الشرق الأوسط بدأ عام 2015، ونجحت شركات النفط والأسلحة أكثر. الآن، يتقلص وجودها، بينما تفعل الولايات المتحدة كل شيء لمنع الروس من العمل في العالم العربي وإستيلاء شركاتها على حصتهم في قطاع النفط والغاز". هذا التحليل من كوزنيتسوف، المنشور في 25 ديسمبر 2025 بجريدة "زافترا"، ليس مجرد سرد تاريخي، بل تحذير من مخاطر الإعتماد على قوى خارجية في دول مثل العراق، التي تمتلك سيادة شكلية فقط. في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، يدعونا إلى التفكير: هل يمكن للعراق أن يجد طريقاً نحو الإستقرار، أم أن شبح الفوضى سيظل يطارد بغداد إلى الأبد؟
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 811 - النفط كقدر جيوسياسي: روسيا وترامب وممالك
...
-
طوفان الأقصى 810 - المتاهة السورية: بين وهم التسوية وشبح الح
...
-
طوفان الأقصى 809 - «ما هي الكلمة المسيحية في مواجهة الإبادة؟
...
-
في ذكرى عيد ميلاده - ستالين بين ذروة القوة وثمنها الفادح
-
طوفان الأقصى 808 - إسرائيل على حافة الهاوية - قراءة في أطروح
...
-
طوفان الأقصى 807 - الإمارات في مواجهة السعودية: تفكك معسكر “
...
-
طوفان الأقصى 806 - كيف وضعت إسرائيل والولايات المتحدة نفسيهم
...
-
ألكسندر دوغين - يجب تدمير الإتحاد الأوروبي (برنامج إيسكالاتس
...
-
طوفان الأقصى 805 - المستوطنون لن يرحلوا: تفكيك الإستعمار لا
...
-
طوفان الأقصى 804 - إيران بين تلقي الضربة والرد - كيف أعادت ط
...
-
ألكسندر دوغين - الاتحاد الأوروبي إلى مزبلة التاريخ: كيف سيقس
...
-
طوفان الأقصى 803 - نهاية «الإستثناء الإسرائيلي»: حين تتحوّل
...
-
جيفري ساكس - عداء روسيا: كارثة لأوروبا
-
طوفان الأقصى 802 - إسرائيل والشرق الأوسط بعد الزلزال: من وهم
...
-
ألكسندر دوغين - ترامب يدهش العالم مجددًا
-
الأقصى 801 - إستغلال هجوم أستراليا: بين الإدانة الأخلاقية وت
...
-
ألكسندر دوغين - ضباب كثيف يلف الدبلوماسية - برنامج إيسكالاتس
...
-
طوفان الأقصى 800 - يائير لابيد: إسرائيل عند مفترق تاريخي
-
حرب أوكرانيا - وجهة نظر تاريخية سياسية دينية
-
طوفان الأقصى 799 - مراجعة كتاب - بيتر بينارت: -أن تكون يهودي
...
المزيد.....
-
انفجار حوض حراري في منتزه يلوستون الوطني يفاجئ السيّاح وكامي
...
-
هجمات روسية كثيفة عشية اجتماع مرتقب بين زيلينسكي وترامب
-
تايلاند وكمبوديا تتفقان على وقف -فوري- لإطلاق النار
-
كيف تجعل الكلاب أصحابها أكثر تعاطفا وانفتاحا على الآخرين؟
-
قيادي في حماس: لهذه الأسباب فشلت إسرائيل في اختراق الحركة
-
-سنوات من نشاط الموساد في القرن الإفريقي-: ماذا وراء إعلان إ
...
-
-سنرد بشكل مباشر-.. الرياض تحذر المجلس الانتقالي الجنوبي في
...
-
تعثر خطة ترامب لقطاع غزة .. قراءة في السيناريوهات المحتملة
-
حفل تأبين المناضل سيون أسيدون
-
تململ جديد في قطاع الصحة: كيف نتفادى مصير النضالات السابقة؟
...
المزيد.....
-
الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح
...
/ علي طبله
-
الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد
...
/ علي طبله
-
الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل
...
/ علي طبله
-
قراءة في تاريخ الاسلام المبكر
/ محمد جعفر ال عيسى
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|