أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - لا نزعَ للسلاح في دولةٍ بلا دولة ، الحشد الشعبي كدولة داخل الدولة، ومأزق النظام السياسي في العراق














المزيد.....

لا نزعَ للسلاح في دولةٍ بلا دولة ، الحشد الشعبي كدولة داخل الدولة، ومأزق النظام السياسي في العراق


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 02:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تُواصل الولايات المتحدة الأمريكية مطالبتها المتكرّرة للحكومة العراقية بحصر السلاح بيد الدولة، بوصف ذلك شرطًا جوهريًا لبناء الاستقرار وترسيخ السيادة. غير أن هذا الخطاب، على الرغم من وجاهته النظرية، ينطوي على تناقضٍ واضح مع الواقع العراقي القائم، واقعٍ لا يمكن لأي قراءة سياسية جادّة أن تتجاهله.
فالعراق اليوم لا تحكمه دولة واحدة ذات مرجعية موحّدة، بل نظام سياسي مركّب تتداخل فيه السلطات الرسمية مع قوى مسلّحة تمتلك نفوذًا سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا. وفي ظل هذا السياق، تبدو المطالبة بحصر السلاح أقرب إلى خطابٍ معياريٍّ معزول عن شروط تطبيقه، أو إلى محاولة لإدارة أزمة مزمنة بدل الاعتراف بجذورها البنيوية.
الدولة بوصفها كيانًا ناقص السيادة
منذ عام 2003، لم يتشكّل النظام السياسي العراقي على أساس مشروع دولة وطنية حديثة، بل أُسِّس على منطق المحاصصة الطائفية والإثنية، التي حوّلت الدولة إلى مساحة لتقاسم النفوذ، لا إلى إطار جامع للمواطنة. وفي هذا السياق، لم تعد الحكومة مركز القرار الوحيد، بل أصبحت واحدة من عدة مراكز، تتقاسم السلطة مع قوى تمتلك السلاح والشرعية الموازية.
إنّ مطالبة حكومة كهذه بفرض سيادة كاملة على السلاح تتجاهل حقيقة أن جزءًا من بنيتها السياسية مرتبط عضويًا بالقوى المسلحة، سواء عبر التحالفات أو الانتماءات أو التوازنات المفروضة. وهكذا، تغدو الدولة مطالَبة بما لا تملك أدواته، وتتحوّل السيادة إلى مفهومٍ نظريٍّ أكثر منه ممارسة فعلية.
الحشد الشعبي: من حالة استثنائية إلى دولة داخل الدولة
يُمثّل الحشد الشعبي النموذج الأوضح لاختلال العلاقة بين الدولة والسلاح في العراق. فقد نشأ هذا التشكيل في ظرفٍ أمني استثنائي، لكنه لم يُفكّك بانتهاء ذلك الظرف، بل جرى تثبيته وتحويله إلى كيان دائم، يحمل صفة قانونية من دون أن يخضع، في ممارساته الفعلية، لمنطق الدولة الوطنية.
ومع مرور الوقت، لم يعد الحشد مجرد قوة عسكرية رديفة، بل تحوّل إلى بنية شبه دولية داخل الدولة: يمتلك مؤسساته، وموارده، وخطابه السياسي، ونفوذه الاجتماعي، فضلًا عن حضوره المباشر في البرلمان والحكومة. وقد أدّى ذلك إلى نشوء ازدواجية واضحة في السلطة والسيادة، حيث باتت الدولة الرسمية تتعايش مع دولة موازية، تتقاطع معها أحيانًا، وتتفوق عليها أحيانًا أخرى.
الأخطر من ذلك أن جزءًا وازنًا من الحشد لا يستمد مرجعيته النهائية من بغداد، بل من مشروع إقليمي تقوده إيران، أيديولوجيًا وسياسيًا. وبهذا المعنى، لم يعد السلاح في العراق شأنًا داخليًا فحسب، بل أداة ضمن صراع إقليمي أوسع، تُستخدم فيه الساحة العراقية بوصفها مجالًا للتنافس وتبادل الرسائل.
استحالة تسليم السلاح في ظل البنية القائمة
يُطرح تسليم سلاح المليشيات إلى الجيش بوصفه حلًا تقنيًا، غير أن التجربة العراقية تُظهر أن هذه الفكرة تصطدم بجدار الواقع. فالسلاح في العراق لم يعد مجرد أداة أمنية، بل تحوّل إلى رأسمال سياسي، ومن دونه يفقد الفاعل المسلح موقعه داخل منظومة السلطة.
كما أن الجيش نفسه لم يُبنَ، في ظل نظام المحاصصة، كمؤسسة محايدة بالكامل، بل خضع لتوازنات سياسية معقّدة. وفي هذا السياق، لا يُفضي الحديث عن تسليم السلاح إلى تفكيك الظاهرة، بل إلى إعادة توزيع النفوذ داخل المنظومة نفسها، من دون معالجة أصل الأزمة.
النظام السياسي بوصفه أصل المأزق
إن التركيز على ملف السلاح، بمعزل عن البنية السياسية التي أنتجته، يعكس قراءة قاصرة للأزمة العراقية. فالمليشيات ليست سببًا مستقلًا، بل نتيجة مباشرة لنظام سياسي مشلول، عجز عن إنتاج دولة مواطنة، وربط الشرعية بالقوة، لا بالقانون.
ما دام هذا النظام قائمًا، فإن كل دعوات الإصلاح ستظل محدودة الأثر، لأن الدولة لا يمكن أن تُبنى فوق أسس صُمّمت أصلًا لإضعافها. فالسلاح سيبقى، والنفوذ الخارجي سيستمر، والسيادة ستظل منقوصة، مهما تغيّرت الوجوه والشعارات.
خاتمة: بين الدولة والدولة المضادة
يقف العراق اليوم أمام معادلة واضحة لا تقبل الالتباس:
إما دولة واحدة تحتكر القرار والسلاح،
أو استمرار دولة داخل الدولة، تتعايش معها السلطة الرسمية في حالة من العجز الدائم.
إن الإصرار على معالجة النتائج، وتجاهل البنية التي أنتجتها، لن يؤدي إلا إلى إطالة عمر الأزمة. فالعراق ليس ساحة تجارب سياسية، ولا ملفًا أمنيًا مؤجلًا، بل وطنٌ يتآكل تحت ثقل نظامٍ لم يعد قادرًا على الاستمرار من دون سلاح يحميه.
ولا يمكن الحديث عن سيادة حقيقية، ما لم تُحسم العلاقة بين الدولة والدولة المضادة، وبين الشرعية الدستورية والشرعية المسلحة. فهنا، تحديدًا، يتقرّر مصير العراق.



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عادل سليم… شهيدُ الفكر والعقيدة وضميرُ الحرية الحيّ
- الماء واستمرارية الحياة في قلعة أربيل قراءة تاريخية–عمرانية ...
- القلعة والجبل: أخلاقيات النضال وسيرة جيلٍ لم يُساوم شباب قلع ...
- منظومة سنحاريب المائية في وادي باستورة: قراءة تاريخية وأثرية
- عشتار أربيل: القلب الروحي لتاريخ المدينة الديني
- تعدّد الأحزاب التركمانية في أربيل: تعددية سياسية أم تشتت يقو ...
- الجبهة التركمانية في أربيل: من ذروة القوة إلى نكسة نوفمبر قر ...
- انتخابات بلا وعي… ووطن يكرر جراحه
- المرشح والناخب بين الوهم والحقيقة: مسرحية انتخابية متكررة
- قلعة أربيل بين الأيادي الأصيلة والأيادي الحزبية
- إشكالية تشكيل الحكومة في إقليم كردستان: قراءة تحليلية في أسب ...
- العراق على أعتاب انتخابات نوفمبر 2025: 22 سنة من الخراب والف ...
- مشروع أكاديمي مقترح بيت المؤتمرات العلمية في قلعة أربيل
- الاستفتاء الكردي: استحقاق مؤجَّل لا حلم عابر
- الماء بين الأمس واليوم: مقارنة بين مشروع سنحاريب المائي ومشر ...
- الإرهاب الأميركي المقنّع بالديمقراطية: تحليل وثائقي وسياسي خ ...
- جامع باشا في أربيل: ذاكرة دينية ومعمارية نابضة
- أسرار المئذنة المظفرية: قراءة معمارية وسياسية وعسكرية
- عقارات هوب زون… 22 عاماً من الثقة والتميّز في سوق أربيل العق ...
- تحولات مدينة أربيل الحضرية بين دوكسيادس وبول سيرفيس: من النم ...


المزيد.....




- مصر تستحضر عظمة تاريخها وتخطف أنظار العالم في 2025
- السودان.. فيديو تحية مختلفة من البرهان لرئيس استخبارات تركيا ...
- كأس أمم أفريقيا: المغرب يخوض مواجهة قوية أمام مالي ومصر تتحد ...
- مباشر: روسيا تراجع مقترح واشنطن للسلام وزيلينسكي يبحث تفاصي ...
- برنامج الجمعة في كأس الأمم الأفريقية 2025: مصر والمغرب أمام ...
- مسؤولون أميركيون: سنعلن مجلس سلام وحكومة تكنوقراط وقوة استقر ...
- محكمة ماليزية تصدر اليوم حكمها بحق نجيب رزاق في أكبر قضية فس ...
- مسؤول سوري يؤكد توقف الاتصالات مع قسد ومظلوم عبدي يجدد مطلبه ...
- مشاهد صادمة لعاصفة مدمّرة في كاليفورنيا.. منازل وسيارات تحت ...
- اليابان تقر أكبر ميزانية دفاع وسط تصاعد التوترات الإقليمية


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - لا نزعَ للسلاح في دولةٍ بلا دولة ، الحشد الشعبي كدولة داخل الدولة، ومأزق النظام السياسي في العراق