منشورات الحزب
أواخر تموز ـ 2003
الحزب الشيوعي اللبناني
ـ الانتخابات النيابية:
كانت الوعود المقطوعة في "خطاب القسم" وفي تعهدات البيان الوزاري ومواقف كل من الرئيسين اميل لحود وسليم الحص، ان تكون الانتخابات النيابية في صيف عام 2000 مختلفة عن سابقتيها في عامي 1992 و1996. وجرى التأكيد بشكل خاص على ان يساوي قانون الانتخاب ما بين الدوائر من دون تنافر ولا استثناءات. وطلبت اللجنة الوزارية المكلفة آنذاك بوضع مشروع قانون انتخاب، اقتراحات ومشاريع من القوى السياسية والشخصيات، تمهيداً لوضع هذا القانون. وفي خلال ذلك ادلى الرئيس الحص مباشرة وعبر "ندوة العمل الوطني"، بمواقف مؤيدة لشكل من اشكال النسبية في دوائر المحافظات. كذلك تم انجاز البطاقة الانتخابية وتقدمت الحكومة بمشروع من اجل تحديد حصر النفقات ومن اجل تقنين دور الاعلام العام و الخاص.
غير ان التداعيات والصراعات السياسية المحمومة، فضلاً عن "ثوابت" العملية الانتخابية التي تكرست في الدورتين الماضيتين، عادت واطاحت بكل ما لوح به من ايجابيات. ثم ما لبثت الأمور ان انحدرت الى الحضيض مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، وخصوصاً في اداء السلطة.
فعلى صعيد قانون الانتخاب تم اقرار صيغة هي اسوأ من سابقيتها لجهة التمييز بين الدوائر توسيعاً وتفتيتاً... واستشرت العصبيات الطائفية الى اقصى الحدود. ولعب المال دوراً يفوق ما سبقه في معظم الدوائر. وجرى الزج بالاعلام الرسمي والخاص بشكل لم يسبق له مثيل. وتميز الاعلام الرسمي بالانحياز والابتذال مما اثار سخطاً واستياء وجعله يؤدي عكس التأثير المطلوب منه. كذلك مارست الأجهزة دوراً بارزاً في التدخل والضغوط والانحياز.
في لوحة المعركة الانتخابية كنا نشاهد في جانب، سلطة تسعى لتكوين كتلة نيابية كبيرة، تشكل سنداً للعهد، لتمرير سياساته وتحجيم خصومه ومنعهم من العودة الى الحكم. وهي استخدمت في سبيل نفوذ اجهزة الدولة الخدماتية والأمنية ومؤسساتها الاعلامية. وفي الجانب الآخر من تلك اللوحة، كانت المعارضة التقليدية قد تجمعت في تكتلات طائفية ذات مغزى مؤثر في خارطة التوازنات الداخلية. وتقدم تلك التكتلات وحركها وحرضها واعطاها املاً محور الرئيس رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الاستاذ وليد جنبلاط.
ولقد اسفرت الانتخابات عن نجاح كاسح لهذه المعارضة في دوائر بيروت والجبل والشمال. كما حققت نجاحات في دوائر اخرى. ونتيجة ذلك وبسبب الموقف السوري والموقف الوسطي نسبياً لرئيس حركة "امل" ورئيس المجلس النيابي (مع ميل لمحور الحريري- جنبلاط)، فتحت الطريق عنوة للرئيس رفيق الحريري للعودة الى رئاسة الحكومة باكثرية كبيرة. اما العهد وحلفاؤه فقد منيوا بخسارة صريحة وفادحة كانت ابرزها في بيروت، حيث لم يحالف الحظ حتى رئيس الحكومة سليم الحص، وبفارق كبير من الأصوات لمصلحة لوائح الحريري.
ـ موقفنا:
استناداً الى مقررات مؤتمرنا الثامن والظروف الملموسة للمعركة الانتخابية، خضنا الانتخابات من موقع المعارضة الديمقراطية لقانون الانتخاب (كنا قد تقدمنا من اللجنة الوزارية بمشروع دوائر مركبة تعتمد احداها الدائرة الوطنية علىاساس النسبية وخارج القيد الطائفي وبشكل تدريجي وصولاً الى اعتمادها كشكل وحيد)، وللإتجاه العام للوائح السلطة في صيغة المحادل والجرافات والمداخلات والضغوط والعصبيات الطائفية والاغراءات المالية...
ولقد انخرطت هيئاتنا المعنية في المناطق والمركز بنقاش الخطة والترشيحات. واجرينا الاتصالات الضرورية لتشكيل نواة لوائح معارضة حيثما توفر ذلك.
لكن، وبرغم ان هيئاتنا الحزبية قد اتخذت قرارات واضحة ومبكرة، الا ان الواقع الموضوعي والذاتي، كان يذهب في عكس وجهة وضع هذه القرارات موضع التنفيذ. اذ بعد قرار الهيئات باعلان مرشحي الحزب جرى اعلان ترشيح رفاق آخرين. وقد ادى الخلاف الداخلي المستمر من جهة، والتباس القرار بشأن الترشيحات الفردية من جهة اخرى، الى جعل ترشيحهم تعبيراً عن مرحلة اعلى من الخلاف: اي نقله الى المستوى الشعبي والعلني، في معركة تتطلب توحيد الجهود وحشد الحلفاء والأصدقاء وليس العكس، كما حصل اثناء المعركة الانتخابية في كل من الجنوب والشمال والجبل جزئياً...
في البقاع فقد ترشح الأمين العام منفرداً. وتدل نسبة الأصوات العالية التي حصل عليها، رغم الضغوط والمداخلات السياسية والمالية والتحريض الطائفي الكريه، تدل كلها، على ان هذا الترشيح كان يحظى بتأيد كاف لتأمين الفوز لولا عوامل الضغط المذكورة.
وفي الجنوب حصل انقسام مؤسف ضاعف من سلبياته انخراط قوى حليفة وصديقة تقليدياً، في الخلاف الداخلي، والاصرار على تظهيره في العملية الانتخابية اتفاقاً أو خلافاً. وقد زاد في هذا التعقيد بعض التشنج في التعامل مع هذا الواقع من قبل بعض الهيئات الحزبية التي استدرجت الى توقيت مضر للتعامل مع الخلافات ولمعالجتها.
ورغم ان الترشيح في الجنوب قد حصل في هذا المناخ من الخلاف وكان شبه منفرد وخارج اللوائح، الا ان مرشح الحزب قد حصل على اكثر بقليل من 10% من اصوات الناخبين. وقد كانت هذه النسبة 13% في إنتخابات عام 1996، حين كانت المواقف موحدة والترشيح من ضمن شبه لائحة متفق عليها.
أما في الشمال فقد اخذت المعركة الانتخابية طابعاً حاداً بين استقطابين: كرامي ونايلة معوض من جهة، وفرنجية والجماعة الاسلامية وعصام فارس من جهة أخرى. حاولنا من موقعنا المستقل ومن خلال اعلان نواة لائحة ان نقيم تحالفاً انتخابياً مع لائحة كرامي – معوض. وقد اعلن ذلك في الصحف. الا اننا لم نستطيع تثمير هذا التفاهم مع كرامي بشكل جيد، بسبب الترشيح الحزبي الآخر غير الرسمي الذي حاول الرفاق المعارضون تسويقه من خلال صلات وعلاقات سياسية مع اطراف مختلفة رافقها جمع اموال وتبرعات انفقت لاضعاف خطة الحزب وليس في خدمتها. وقد اثر ذلك سلباً على النتائج وعلى الأرقام.
ولم يكن الوضع افضل بكثير في الجبل حيث تضافرت العوامل الموضوعية والذاتية على جعل المعركة محصورة الأهمية بالنسبة لنا ببعض العلاقات السياسية والشعبية.
ومن مظاهر تعثر التيار الديمقراطي في الانتخابات ايضاً، إنسحاب المرشح نجاح واكيم ورفاقه من المنافسة في بيروت بعد احتجاجه على قانون الانتخابات وعلى مجريات العملية الانتخابية بشكل عام.
لقد إنطوت المعركة الإنتخابية على حجم وافر من السلبيات. والهيئات الحزبية المركزية تتحمل المسؤولية الاساسية في عدم منعها او تفاديها أو إحتوائها. وعلى الهيئات المنتخبة العتيدة ان تقر وتعتمد خطة متكاملة لخوض الانتخابات ولبرنامجها ولاختيار المرشحين وللتحالفات في الوقت الضروري.
ـ الإنتخابات البلدية
في نطاق طرحنا العام لإعادة دمج المناطق المحررة ببقية البلاد، طالبنا بضرورة حضور الدولة المرجعي سياسيا" وأمنيا"، وطالبنا بتوفير الأموال الضرورية والخطط التنموية المناسبة. وقد شددنا على ضرورة تقديم مساعدات عاجلة للأهالي المتضررين وقد إنتقدنا سياسة "التلزيم" المعتمدة في مجالي الأمن والخدمات. كذلك رفضنا ما باشرت السلطات والجهات المحلية بالدعوة إليه، وهو تعيين "لجان قرى" تتولى شؤونها الخدماتية والمحلية. وقد أجرت منظمتنا في الجنوب إتصالات مع عدد من القوى والشخصيات لهذا الغرض، وتوج ذلك بعقد مؤتمر في بلدة "إبل السقي" الحدودية للمطالبة بإجراء إنتخابات بلدية واختيارية تمكن المواطنين من اختيار ممثليهم. وقد كان لنشاطنا الضاغط دور اساسي في العودة عن سياسة التعيين بديلاً للانتخاب.
وبالفعل أُجريت الإنتخابات البلدية في التاسع من ايلول 2001. وقد إعتمدنا خطة مرنة و بذلنا جهودا" أثمرت تشكيل لوائح موحدة حققت نتائج طيبة، وحملت الى مواقع المسؤولية عددا" من رفاقنا واصدقائنا، وخصوصا" في قضاءي مرجعيون وحاصبيا.
وتؤشر نتائج ومجريات هذه المعركة الى بداية تحولات إيجابية لمصلحة توجهاتنا، يجب متابعتها بعد تدارك نواقص عديدة في المجالات السياسية والإجتماعية وخصوصا"، الإدارية.
ـ نتائج وانعكاسات المعركة الانتخابية
أدى تعاون الرابحين مع الرئيس بري، وبالاستناد الى دور سوري مواكب، الى تشكيل حكومة غلب عليها "الطابع الحريري" من خلال اكثرية طالما جرى لاحقاً التلويح بها لحسم امور خلافية او لمواجهة مشكلة الصلاحيات وسواها وقد جرى تقليص هذه الأكثرية في حكومة الحريري الحالية.
حقق الحريري جل ما يريده من خلال عودته ظافراً الى سدة رئاسة الحكومة، وانفصل عن شركاء الأمس الذين واصلوا حملتهم السياسية، وتجلى ذلك بشكل خاص، في جلسة مناقشة البيان الوزاري التي حفلت بالكثير من المواقف وردود الأفعال...
فقد استلهت تلك الجلسة بهجوم عنيف على الوجود السوري والدور السوري باشره النائب المعارض المرحوم البير مخيبر. وانتقد معارضون ابرزهم النائب وليد جنبلاط الدور السوري والعهد. وتواصل ذلك من قبل آخرين، من بينهم نواب مؤيدون للحريري، هاجموا بعنف العهد والأجهزة... كذلك فعل نواب منتخبون عن أقضية في الجبل وفي الشمال...
ان التعاون بين معارضين للعهد ومعارضين للدور السوري في لبنان ولصيغة "الطائف" المطبقة، قد طبع كامل المرحلة الممتدة حتى ربيع سنة 2002 حين اثمرت الاتصالات تطبيعاً للعلاقات بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والرئيس اميل لحود. وقد ارتكز ذلك الى معالجة التباين في علاقة الأول مع المسؤولين السوريين والتي كان سببها الأساسي حسم الرئاسة لمصلحة العماد اميل لحود خصم جنبلاط وخصم المحور الحليف له، آنذاك.
وفي خلال هذه المرحلة التي شهدت "تعايشاً متوتراً" على مستوى رئيسي الجمهورية والحكومة، تبلورت صيغ وتحالفات ونظمت نشاطات وعلاقات كان أهمها علاقة التعاون والود بين "بكركي" و"المختارة"... وفي مجرى هذه العملية جرى ترتيب "الوضع المسيحي" بحيث يعبر المسيحيون "من خلال كنيستهم" وتحت عباءة البطريرك الماروني تحديداً.
ففي أواخر عام 2000 تم اصدار بيان المطارنة الموارنة الذي ركز على استعادة السيادة وتطبيق اتفاق الطائف لجهة اعادة انتشار القوات السورية وتشكيل حكومة وفاق وطني... ثم اعلن قيام "لقاء قرنة شهوان" في ربيع عام 2001 برعاية البطريرك الماروني وبرئاسة المطران يوسف بشارة. وقد انحصرت عضوية اللقاء باحزاب وشخصيات ذات انتماء مسيحي كما ذكرنا. واستبعدت عنه الأحزاب والشخصيات المسيحية الموالية أو المهادنة نسبياً للسلطة وللسوريين.
وفي امتداد علاقة التعاون التي اشرنا اليها بين بكركي والمختارة، جرى تنظيم زيارة رعائية – سياسية حافلة للبطريرك الماروني الى الجبل. وقد اعقبتها سلسلة من التوترات التصعيدية في الاعتراض وفي القمع من قبل اجهزة السلطة. واستمر الأمر كذلك الى ان تصدع حلف المعارضة المذكور بخروج جنبلاط منه.
وخلال ذلك برز تصميم من قبل السلطة ومن قبل داعميها السوريين، على المجابهة بكل السبل المتاحة. فبعد القمع المفرط في عنفه حتى الوحشية كما حصل امام قصر العدل، تم استخدام سلسلة ضغوط، ونظمت اختبارات قوة لتغيير المواقف والموازين، على غرار ما حصل بالنسبة لقانون العقوبات الجزائية الذي اقر في المجلس، ثم عدل سريعاً في عملية فرز لعب فيها التأثير السوري على كتلتي بري والحريري دوراً حاسماً.
اما رئيس "اللقاء الديمقراطي" فقد كان ينأى بنفسه تدريجياً عن حلفاء الأمس، الى ان بلور انقلابه الكامل عليهم بعد محطة 11 أيلول التي اعتبرها منعطفاً حاسماً في الخيارات والعلاقات والتحالفات.
وفي مجرى هذه العلاقة بين النائب وليد جنبلاط "والمعارضة المسيحية"، نشط أيضا" في الترويج لها ولآولوية اهدافها انذاك (اعادة نشر القوات السورية كعنوان لانهاء الدور السوري في لبنان) عناصر من ذوي الأصول اليسارية والديمقراطية بينهم عدد من اعضاء المعارضة في الحزب. وفي هذا السياق نفسه تم انشاء "المنبر الديمقراطي".
ولقد تميزت هذه المرحلة بإرتفاع وتيرة الاعتراض. وكانت لها إيجابياتها في إبراز سلبيات السلطة وضرورة التغيير، كما كانت لها بعض السلبيات بسبب الطابع الطائفي لبعض الصيغ والممارسات التي خفضت من حدتها السياسية النبرة المعتدلة والمرنة للبطريرك الماروني راعي التكتل المسيحي الأبرز، عنينا "قرنة شهوان".
كانت الأمور على هذا النحو حين توفي النائب البير مخيبر في 12 نيسان من العام الماضي، وتمت الدعوة الى انتخابات فرعية في دائرة المتن لملء المقعد الشاغر.
ـ انتخابات المتن
استشعر كل من الرئيس أمين الجميل والنائب نسيب لحود قدرة على خوض معركة ناجحة في المتن ضد العهد ومن يدعمه. وهما إختارا السيد غبريال المر ليكون مرشح المعركة هذه. ومن اسباب هذا الإختيار إحراج شقيقه النائب ميشال المر حليف الرئيس لحود، كذلك الاستفادة من الدور الاعلامي الكبير الذي تستطيع أن تواصله محطة M.T.V في معركة المتن بعد ان تحولت منبرا" مكرسا" لمعارك المعارضة و "قرنة شهوان" والتيار العوني. إن إعلان ترشيح غبريال المر من قبل الجميل ونسيب لحود، قد قطع الطريق على مساعي التوافق التي شجعها ميشال المر، والتي كان السيد جبران التويني يعمل لكي تصب في مصلحة اختياره مرشح تزكية، بتشجيع ضمني من البطريرك صفير آملاً منه في تفادي معركة حادة هناك.
وتحسبا" لنتائج كانت تشير الى ترجيح فوز غبريال المر على إبنة شقيقه "ميرنا المر"، إنخرطت السلطة بكل امكانياتها في المعركة، ووفق اسلوب ميشال المر المعروف في ممارسة الانحياز والضغط والترهيب وتسخير أجهزة السلطة، والذي نفذه نجله وزير الداخلية، السيد الياس المر.
ولقد تحولت المعركة مناسبة صاخبة ومتوترة لطرح الكثير من عناصر الملف السياسي في البلاد بالإرتباط مع الدور السوري منذ الطائف حتى لحظتها، مع تسعير للمناخ الطائفي أضعف الكثير من العناصر الديمقراطية في تلك المعركة. ومع إتخاذها طابع التحدي والتوتر الشديد هذا، كان يتصاعد الاستنفار بين الطرفين وخصوصا" من قبل السلطة التي بدت مرة جديدة موكلة كامل امورها للسيد ميشال المر وإبنه في وزارة الداخلية. ومع اقتراب موعد الانتخابات ازدادت عمليات التحدي والتصعيد، بين أفرقاء معادلة المتن، وهم أطراف نافذون جدا" في السلطة وفي المعارضة.
وجاءت النتائج رغم كل تدخل وضغوط السلطة، في مصلحة المرشح غبريال المر. وشكل التأخير في إعلان النتائج أزمة كبيرة هو الأخر، تجاوزها مؤقتا" بإعلان فوز السيد غبريال. الا أن السلطة (وفريقها) التي كانت قد إنتقلت الى الهجوم قبل معركة المتن، عادت وإستأنفته فورا" بعد إعلان النتائج. ومجددا" جرى تسخير المؤسسات الرسمية (الزج بالقضاء)، مما أدى الى الغاء نيابة المرشح غبريال المر واغلاق محطة M.T.V ، وذلك بطريقة هي غاية في التعسف والقمع والاعتداء على الحريات السياسية والإعلامية.
من جهتنا بكرنا في إعلان تأييد المرشح غبريال المر محاولين تعزيز الجوانب الديمقراطية في المعركة. وسعينا لكي ينسحب المرشح غسان مخيبر لمصلحته، وذلك لعدم تشتيت الاصوات. وقد انخرطت منظماتنا، وإنخرط رفاقنا بنشاط في هذه المعركة إلا أعداد قليلة ظل موقفها محكوما" بالموقف السلبي التقليدي من بعض أقطاب المعارضة في بكفيا. وفي مرحلة احتدام المعركة عملت هيئات الحزب على تمييز موقفنا الرسمي بسبب انطباعات مغايرة اثارتها مواقف أخرى.
ولقد منيت سمعة السلطة بضرر كبير بسبب إجراءاتها أثناء الإنتخابات المتنية وخصوصا" بعدها (الغاء نيابة المر وإقفال M.T.V). غير ان عجز المعارضة عن تنظيم حركة مواجهة سياسية وشعبية جدية جعل السلطة تسجل نقاطاً إضافية، على المعارضة. وقد إستمر ذلك الى درجة بدت فيها معارضة فريق "قرنة شهوان" عاجزة عن المبادرة في أي إتجاه، خصوصا" بعد قرار "الكتلة الوطنية" الإنسحاب من "القرنة"، وبعد عدة اخطاء إرتكبت في علاقات ونشاطات شارك فيها أعضاء في "القرنة" ("المؤتمر الماروني العالمي" في لوس أنجلس ومهرجان إنطلياس).
ـ دورنا في معركة الحريات
ولقد كان دورنا حاضراً في كل هذه المرحلة، حيث شاركنا في كل النشاطات المنظمة تحت عنوان الدفاع عن الحريات. واتخذنا كل المواقف الضرورية الممكنة لرفض سياسة السلطة ولدعم ضحايا القمع السياسي والاعلامي. وكان الحزب قد بادر الى الدعوة لتنظيم تظاهرة رفضاً للقرارا التعسفي باغلاق محطة M.T.V. وبالفعل اجرينا الاتصالات مع بعض القوى ذات التوجه الديمقراطي لكي تشارك، فلم تتجاوب او أثرت التريث. وقد تقدمنا بطلب الترخيص منفردين ومضينا في التحضير، الى ان فوجئنا في اليوم التالي بمصادرة الدعوة للتظاهرة من قبل بعض فريق "قرنة شهوان". وحيث ان الاعلان عن ذلك في صحيفة "النهار" خصوصاً، قد نسب التظاهرة المقررة الى "القرنة" وغيب الطرف الداعي (نحن)، فقد استغلت السلطة هذا الأمر على نحوٍ كريه. ولمنع التظاهرة اصلاً جرى مرة جديدة من قبل السلطة، اللجوء الى إستدراج تظاهرة مضادة في المكان والزمان نفسه وعبر جهة ذات موقع طائفي متباين... وأدى ذلك الى الغاء تظاهرتنا و"التظاهرة" المضادة. وقد عقدنا مؤتمرنا صحفياً آنذاك بينا فيه خطأ الفئوية كما أدنا التصعيد القمعي من قبل السلطة وقواها الاحتياطية. وقد ذكر موقف السلطة هذا بدعمها او سكوتها عن تظاهرة "السواطير" ضد تحرك سابق لنا ولحلفائنا وآخرين بمناسبة ذكرى اندلاع الحرب الأهلية.
وقد حاولنا خلال كل ذلك، التأكيد على ان الرد على التسعير والتحيز الطائفي لا يكون بمثيله، بل ان الرد السليم هو في اشهار الخيار الديمقراطي في وجه كل الخيارات الطائفية، وخصوصاً تلك الناشطة في مواقع السلطة والمستخدمة لنفوذها ومؤسساتها وأجهزتها.
وقبل ذلك يجب ان نشير الى دورنا المبادر والمبكر عبر رفاقنا في القطاع التعليمي بإعادة الاعتبار للتحرك، والتظاهرة ... ومنذ بداية عهد الرئيس لحود... وهو دور قد تطور في السياق القطاعي والسياسي العام الى تشكيل لجنة التنسيق والدور الكبير الذي لعبته في القطاع التعليمي خصوصاً والمطلبي والديمقراطي عموماً.
ـ توجهاتنا وتحالفاتنا والتباينات المتواصلة
لم يمنع الاستقطاب العام الذي ساد البلاد، من حضور تعبيرات اخرى مميزه او متمايزة، ومنها التعبير الوطني الديموقراطي الذي نسعى لكي يصبح فاعلا" ومؤثرا" في حياة البلاد. كما أنه الى جانب ذلك نشأت صيغ متطرفة تفاعل في بلورتها العاملان الخارجي والداخلي. ولئن جرت محاصرتها أمنيا" في بعض الأمكنة (المخيمات الفلسطينية)، ووجهت لبعضها ضربات قاسية في أمكنة أخرى، إلا أن وجودها لا يزال قائما"، وإحياء هذا الوجود مرهون بتحريض خارجي أو بحاجات تكتيكية من القوى النافذة في هذا الظرف أو ذاك. هذا فضلاً عن ان هذه الصيغ قد وجدت دائما" في ثغرات الوضع الداخلي اللبناني، وحتى في تناقضاته الطائفية والمذهبية، اساسا" لكي تنوجد وتستمر وتمارس دورها بهذه القدر من التأثير أو ذاك.
وبالنسبة لنا فقد إجتهدنا منذ إقرار البنود التي حملت عنوان "برنامجنا" في المؤتمر الثامن خصوصا"، من أجل تظهيرها بوصفها، مجتمعة، خيارا" ثالثا" مستقلا" عن الاستقطابين العامين اللذين يتنازعان الحياة السياسية في البلاد. وقد حاولنا ان نشدد على صفتها الإنقاذية، على خلاف البرامج والمشاريع الطائفية التي رسخت وعززت أشكالا" من الخلل دفع اللبنانيون ثمنها غاليا": ضعفا" وانقسامات وحروبا" وإرتهانات..
ولقد حاولنا أن نبرز، حيثما استطعنا الى ذلك سبيلا"، عناوين الأزمة ـ القضية الوطنية اللبنانية، في طورها التاريخي الراهن إرتباطا" بصراعات المنطقة، وخصوصا" الصراع مع العدو الصهيوني المدعوم دائما" من الولايات المتحدة الامريكية.
ولقد جعلنا ذلك نرفض التناول الجزئي والوحيد الجانب اذا كان الأمر يتعلق بوجهة النظر الوطنية او بوجهة نظر الوطنيين اللبنانيين، من المسائل الأساسية لبلدهم. والواقع أن مشاكل البلاد، من وجهة نظر موضوعية، هي مشاكل مترابطة في تعددها، فكيف اذا كان يدور الحديث عن برنامج قوة جذرية كالحزب الشيوعي. فعلى الحزب أن يضع في رأس أولوياته وصلب برنامجه مسائل التحرير، وهوية لبنان العربية، وموقعه الى جانب أشقائه العرب في الصراع ضد العدو الصهيوني وحماته، وقضية تطوير نظامه السياسي وتوطيد سيادته ووحدته الوطنية، وتنمية إقتصاده وإشاعة العدالة الإجتماعية لمصلحة الاكثرية الساحقة من ابنائه...، في ظروف العولمة المتوحشة والتبعية المفرطة والقاتلة، ومؤخرا" الاحتلال الاميركي للعراق كجزء من مشروع اشمل للسيطرة المباشرة على المنطقة وثرواتها بالتعاون مع المشروع الصهيوني.
والواقع انه منذ بلورة خيارات المؤتمر الثامن وشعاره "من أجل بديل ديمقراطي للنظام الطائفي اللبناني"، ثم من خلال الممارسة التي استندت الى ذلك الشعار، فقد واصلنا اقامة علاقات وصلات خارج الاستقطابين التقليدين اللذين اشرنا اليهما آنفاً. وبالتعاون مع عدد من القوى والشخصيات ثم تأسيس "التجمع الوطني للانقاذ والتغيير" في ربيع عام 2001. وقد شارك في المؤتمر التأسيسي حوالي 300 شخصية بينهم ممثلون لحزبنا و"حركة الشعب" و"التنظيم الشعبي الناصري" و"الحزب الديمقراطي الشعبي"... كما حضر ممثلون عن نقابات في عدد من القطاعات بينهما القطاع التعليمي. وقد ركزت وثيقة المؤتمر التي صدرت اثر نقاش الخيارات الاساسية لهذا اللقاء الوطني، على الأمور الأتية: بناء موقع سياسي – شعبي للتيار الديمقراطي، واقرار توجه برنامجي معارض للنظام الطائفي، وتأسيس ممارسة سياسية مستندة الى استنهاض الكتلة الشعبية – الاجتماعية – السياسية لكسر الحلقة المفرغة في انبناء الحياة السياسية اللبنانية على كتل طائفية تتنازع الأدوار والنفوذ والحصص، وتدفع بالبلاد الى الشرذمة والارتهان والحروب الأهلية في سبيل تحقيق اهدافها الفئوية كما ركزت على ضرورة تصحيح العلاقات اللبنانية ـ السورية، ومعالجة الأزمة الإقتصادية والمعيشية…
وهكذا فقد رفضنا الغرق في الحلقة المفرغة للتركيبة التقليدية اللبنانية. ولقد اعتبرنا ان المطلوب هو إعتماد برنامج تغيير النظام السياسي الطائفي، او على الاقل، احداث اختراق في بنيته وليس مجرد تعديل توازناته. ولهذا الغرض اعتبرنا ان دور اليسار يجب ان يكون مستقلاً وليس تابعاً، ويجب ان يتشكل في نطاق كتلة سياسية شعبية لها برنامجها الخاص البديل، لا ان يكون مجرد امتداد لهذا الاستقطاب الطائفي والمذهبي او ذاك. ومن السهل للتدليل على هذا التوجه في ممارستنا، التذكير بموقفنا المقاطع لصيغة تحالف "البريستول" و"خلية حمد"، كذلك انتقادنا للتجمعات المنافسة والمشابهة، وكذلك للحضور في عضويتها: سواء بشكل مباشر أو بصيغة افراد مستشارين. ويبقى ان التخفيف من التوتر الطائفي هو امر مطلوب وضروري شرط ان لا يتحول الى نهج التحاقي يضيع الوجهة الاساسية لبرنامجنا الديمقراطي.
والواقع ان انشاء "التجمع" من جهة و"المنبر الديمقراطي" من جهة أخرى، قد أشار الى تباين بشأن الوجهة والتحالفت. وعدم التوصل الى معالجة ازمة العلاقة بينهما يعود الىالخلاف الآخذ في التعمق في الوجهة والممارسة من جهة، ولرصيد سلبي من العلاقات على مستوى الأفراد من جهة أخرى. وقد ضاعف من اسباب الخلاف ان تمثيل الحزب لم يكن مطروحاً اطلاقاً في عضوية "المنبر". وحضور رفاق هناك كان تعبيراً عن غياب الحزب، وهو ما لم ينفه هؤلاء الرفاق بل أكدته الممارسة على الدوام.
والواقع، انه قد تبلورت تباعاً في صفوف بعض المعارضة اليسارية وبعض المعارضة الحزبية بشكل خاص، توجهات ذات طابع يميني أو على الأقل، متعارض مع التوجهات العام للحزب، وفي مسائل عديدة. وكان تبلور ذلك يسهم في تعقيد المسائل الخلافية في الحزب. وهو ايضا" ما القى بظلاله على "لجنة الحوار" التي أنشأها "المجلس الوطني" في مطلع عام 2002. وقد تناول بيان المكتب السياسي الصادر بتاريخ 29/12/2002، عمل "لجنة الحوار"، ورد على التشويهات والاتهامات، وكشف حقيقة المسؤوليات عن عرقلة إمكانية التوصل الى تدعيم روح المؤسسة في الحزب عبر مؤتمراته وهيئاته وبرنامجه. وقد أتت التطورات الأخيرة لتأكيد صحة استنتاج المكتب السياسي، من ان البعض كان يعمل بالفعل من أجل الانشقاق عن الحزب، ولهذا الغرض واصل افشال كل فرص نجاح الحوار، وخصوصا" في مراحله الأخيرة.
إن الهيئات الحزبية القادمة مطالبة، كما نعتقد، بمواصلة النهج المذكور، مع تحسين في الأداء، وتفعيل في النشاطات، وتوسيع في قاعدة العمل والصلة والعلاقات، وذلك للمضي في بناء القاعدة السياسة والشعبية لمشروع "البديل الديموقراطي للنظام الطائفي اللبناني"، الخطوة التاريخية الممهدة لمشروعنا التغييري الاشتراكي. ولا يتعارض ذلك بالطبع، مع إقامة علاقات تعاون، حول بعض المواضيع، مع قوى تقليدية عندما يكون ذلك مفيدا" وضروريا".
ـ الوفاق والمصالحة وتحصين الوضع الداخلي
لقد كنا أول الداعين الى مواصلة وتعميق الحوار بين اللبنانيين بعد إتفاق الطائف. وطالبنا بتوسيع الحوار وتعميقه بحيث يطاول جوهر المشاكل، ويساعد في تركيز اسس مواطنيه قوامها الحد الأدنى من الثوابت في التوجهات، ومن الأصول في عمل المؤسسات، ومن الأساليب الصحيحة في الممارسات والعلاقات.
وقد نبهنا مبكرا" من مخاطر الجنوح بتنفيذ إتفاق الطائف نحو الصيغ السلبية التي تعمق الإنقسامات، وتستبدل إمتيازات بإمتيازات، وتجدد الرهانات الخاطئة...
ولطالما أكدنا بأن شرط ذلك هو تطوير العناصر الايجابية في إتفاق الطائف، وأهمها إضعاف المرتكزات الطائفية في النظام علىقاعدة التوازن والتفاهم... ولقد ثابرنا على دعوتنا تلك في كل المراحل اللاحقة. ومعروف ان ذلك لم يلق إرتياحا" من الجانب السوري ولا لقي اذانا" صاغية من الأطراف المنخرطة في اللعبة الطائفية: من موقع تكريس إمتيازات جديدة أو محاولة إستعادة إمتيازات سابقة.
إن الوفاق والمصالحة التي كنا ولا نزال ندعو لبلوغهما، ليسا مجرد إعادة ترتيب وتصحيح للتوازنات والحصص داخل النظام الطائفي، بل نحن، بالدرجة الاولى دعاة إضعاف العناصر السلبية في هذا النظام لمصلحة توجهات ديموقراطية تشكل وحدها عنوان الاصلاح الحقيقي. فالحوار يجب أن يشارك فيه ممثلون عن القوى الديموقراطية اللاطائفية، العلمانية... وونتيجته يجب أن تسفر عن إختراق ولو محدود للصيغة للطائفية. وهذا ما يمكن أن يكرسه قانون إنتخاب ينسجم، بالتأكيد، مع الدستور نفسه الذي نص صراحة في المادة 95 على ضرورة التوصل الى إنتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي، ضمن آليات تقرها الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية"...
وهكذا فقد شددنا في مواقفنا وعلاقتنا وتحالفاتنا، على أن الحوار يجب أن يشمل الجميع دون استبعاد، ونعني بشكل خاص القوى المعارضة غير الطائفية والقوى التقليدية المعارضة للسلطة. ويجب أن تطرح فيه كل المواضيع دون استثناء، ونعني بذلك العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية والعلاقات اللبنانية السورية، فضلا" عن المواضيع الوطنية والقومية الاساسية الأخرى... ومثل ذلك يتطلب تعزيز العامل الديموقراطي في الحياة السياسية: الحزب، قوى أخرى، شخصيات، المجتمع المدني، تحالفات وجبهات ... كما يستدعي تظهير البرنامج الديموقراطي لا طمسه أو الحاقه بأحد طرفي اللعبة الطائفية التقليدية.
ولقد رحبنا بكل خطوة من شانها تخفيف التوتر بين ممثلي الطوائف والمذاهب (جزء من نشاط "قرنة شهوان")، الا أننا رفضنا حصر دورنا او مبادراتنا بهذه المهمة، على إعتبار أن الحل الانقاذي هو في التخلص التدريجي من النظام الطائفي لا الاكتفاء بتعديل وتحسين توازناته.
وقد جسدت مبادرة "التجمع الوطني للإنقاذ والتغيير" التي أقرت بتاريخ 19/9/2002 وعرضت ونوقشت مع العديد من القوى السياسية، الأساسي من عناصر توجهنا. ورغم أنها لم تتطور الى دينامية سياسية لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، الا أنها ما زالت تنطوي على العناصر الأسياسية لحوار وطني إنقاذي مسؤول.
III ـ الأزمة الإقتصادية ـ الإجتماعية
استحوذت الأزمة الإقتصادية على قسم كبير من إهتمام اللبنانيين، بسبب ما بلغته من تفاقم، وما ترتب عليها من نتائج كوارثية في المدى القريب والبعيد، وما يدور بشأنها من صراعاتبين اركان السلطة بسبب الخلاف على الحصص أو سواها.
ورغم أهمية الجوانب الإقتصادية في تلك الأزمة (سيتناولها التقرير القطاعي)، إلا أنها ايضا" ذات بعد سياسي في الخيارات والأولويات والرهانات الداخلية والخارجية. وقد توقف المؤتمر الثامن عند ذلك وإقترح عناوين أساسية للحلول وللمعالجات. واليوم ما زالت هذه الأزمة ماثلة أمام اللبنانيين، تهدد نتائجها المدمرة أكثريتهم بالفقر وبالهجرة وبالبطالة وتهدد الوطن بالارتهان وسيادته بالضياع. اما مؤتمر "باريس" فمفعوله حتى بالنسبة للمتحمسين له، محدود ومؤقت ومشروط. وأسوأ شروطه، حسب رأينا، بيع القطاع العام بأبخس الاثمان،وتبديد الملكية العامه في حلقة مفرغة من الانفاق غير المجدي والهدر والسرقات والمديونية الضخمة والمكلفة.
ولذلك فإن المعالجة الإقتصادية الصحيحة شديدة الإرتباط بتصحيح الخيارات السياسية، وبالإصلاح الإداري، وبسلامة وإستقلالية القضاء، وبإعتماد خطة تنمية نشيطة تلتفت كثيرا" الى دعم القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والسياحية (راجع الموضوعات)، وبنظام ضرائبي عادل… وبسياسة تكامل اقتصادي مع المحيط العربي...
ويتطلب ذلك سياسة مكملة في الحفاظ على ثروة البلاد البشرية وتطويرها وتوجيهها لكي تبقى وتنتج وتبدع، او لكي تلبي حاجات وضرورات مطلوبة في سوق العمل العربية عندما يستدعي الأمر.
وتحتل التربية في كل مراحلها، وتطوير التعليم الرسمي الكلاسيكي والتقني في مستوياته كافة، موقعا" مهما" في ذلك. وكذلك الإلتفات الجدي والعميق الى الفروع المتطورة في بعض الحقول التكنولوجية او الخدماتية.
ويجب أن يواكب ذلك ايضا" جهد كبير، نوعي ومواظب، لإعادة إطلاق العمل النقابي باعتباره ركنا" جوهريا" في العملية الديمقراطية. ومعروف أن ذلك يتطلب إهتماما" واسعا" ومتعدد الحلقات والحقول، لمواجهة كل اشكال الضرر التي نجمت عن القمع والتدخل الرسميين عبر الاجهزة وعبر التشريعات، ولمعالجة اشكال من الاضرار التي نجمت عن مخلفات الحرب في المؤسسات وفي الاستقطابات، وأيضا" في التراجعات الناجمة عن عوامل ذاتية في الحركة الحزبية والديمقراطية والنقابية....
إن معاناة الاكثرية الشعبية هائلة. بينما الأدوات النقابية وفي المقدمة الاتحاد العمالي العام، شبه معطلة أو مرتهنة أو ضعيفة، وقد فرغت من أكثرية منتسبيها. وباستثناء روابط المعلمين وخصوصا" في التعليم الرسمي (الابتدائي والثانوي والجامعي) التي تقوم بدور فعّال ومتصاعد في التعبير عن مصالحهم ورفع مطالبهم، فإن الواقع النقابي في البلاد يمر بازمة شديدة الخطورة. يحصل ذلك في وقت تزداد التحديات التي تتعرض لها الطبقة العاملة والفئات المتوسطة في المدينة والريف من حيث زيادة الضرائب وضمود الأجور وتوسع البطالة وغلاء المعيشة.ويجب ان نتوقف، نحن، مليا" عند ثغرات نشاطنا واساليبنا وأدائنا. ولعل الكشف بجرأة عن ذلك وتحديد المسؤوليات وتلمس الحلول، هو ما ينبغي مباشرته لتصحيح الخلل الذاتي الذي يترك بدوره إنعكاسا" سلبيا" كبيرا" على دورنا وعلى واقع الحركة النقابية.
ويجعل هذا الواقع المتردي الصراعات تدور تقريباً، بين أطراف السلطة، والمحصلات تنتهي غالبا" على صيغة صفقات ومحاصصة على حساب المواطنين والخزينة ومصلحة البلاد معا".
إننا مطالبون بالعمل لتغيير هذا الواقع، من خلال البرامج الملموسة والمبادرات، وبعث اساليب عمل جديدة، واطلاق طاقات شابة... ويستدعي ذلك علاقة من نوع جديد لإستعادة البعد، بل العمق، الشعبي لعملنا السياس والديموقراطي والنقابي. وقد اثبتت تظاهرة 28 شباط من العام الماضي إمكانيات تجاوب شعبية وعمالية ضخمة، يجب الارتقاء الى مستواها في الاستعدادات الذاتية وفي طرح البرامج والمطالب الملموسة.
IV- عمل القطاعات والعمل القطاعي بشكل عام:
تزداد اهمية العمل القطاعي، وتزداد ضرورة اعتماد الخطط والأساليب المناسبة لممارسة النشاط الهادف فيه، بوسائل المشاركة، وعبر تنشيط الأدوات النقابية واعتماد البرامج ذات البعدين: المطلبي المباشر، والديمقراطي العام.
ولم يكن دورنا ونشاطنا في القطاعات واحداً ومتجانساً، لجهة التأثير والمبادرة واعتماد البرامج والانخراط في القضايا والمطالب ذات الصلة بالقطاع المعني.
ففي القطاع التعليمي – التربوي، بمختلف مراحله، سجلت نجاحات مرموقة من قبل رفاقنا وحلفائنا. وقد تم ذلك عبر تعزيز الحياة والأدوات النقابية، وعبر اعتماد البرامج والمطالب الملحة والسعي لتحقيقها، وعبر التصدي للهجمات المتواصلة على بعض مكتسبات العاملين من ضمن سياسة اضعاف هذا القطاع تمهيداً لتصفية التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية. وقد تم استخدام كل وسائل الضغط الديمقراطية في التحركات: اضراب، مظاهرة، اعتصام، مهرجان، اتصالات...
وقد تم فرض تراجعات فعلية علىالسلطة في مجال طي مشروع التعاقد الوظيفي، وفي مجال النيل من بعض المكتسبات المتصلة بالتعويضات اثناء الخدمة وفي مرحلة التقاعد. كما ادى هذا القطاع دوراً مهماً في الدفاع عن الديمقراطية وفرض ممارستها في العديد من المناسبات.
كذلك حققت القطاعات التعليمية بعض المطالب التي تحسن شروط ممارسة مهنة التعليم للمعلمين في القطاعينى العام والخاص...
ويبقى امام هذا القطاع الكثير للعمل وللمبادرة دفاعاً عن التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية، ومن اجل صد الهجمات التي تستهدفهما في وجودهما نفسه من جهة أخرى!
وفي قطاعات المهن الحرة كان لنا حضور ثابت ومتنام في هيئاتها النقابية بفضل نشاط وعلاقات رفاقنا هناك. الا ان فعاليتنا كانت محدودة لجهة احداث تحول نوعي في عملها وفق برامج وخطط تتصل بمصالح اعضائها، وكذلك بدور هذه القطاعات الاجتماعي والسياسي والتخطيطي في حقول شديدة الأهمية: الصحة – البيئة – الحريات والديمقراطية والتنمية والاعمار...
ولعله بات من الضروري استحداث اطار تنسيقي بين قطاعات المهن الحرة لتنسيق النشاط والحركة والتوجه والعلاقات، ولحسن تنفيذ المهمات المشتركة... كذلك يجب معالجة بعض ما شاب العمل هناك من انعكاسات الخلافات الحزبية السياسية والتنظيمية.
اما القطاعات الأخرى ومنها القطاع العمالي، الذي سبق ذكره فقد عانينا فيها من ضعف وشبه غياب ونقص في المبادرة. وهي امور من النوع الذي يجب معالجته عبر تحديد المسؤوليات وصياغة البرامج والخطط وتعبئة الامكانيات المتوفرة...
V - قطاعات العمل الجماهيري
لقد عانت هذه القطاعات كثيراً من نتائج الخلافات والتوتر في الحزب، ومن التباين بشأن التوجهات والبرامج.
ويجب ايلاء اهتمام كبير لهذه القطاعات وخصوصاً قطاع الشباب والطلاب، وكذلك القطاع النسائي...
والهيئات القيادية الجديدة معنية بتحسين شروط العمل والنشاط هناك، وبالمساعدة على صياغة افضل للبرامج وبتنظيم للصلة وللعلاقات.
وقد تحققت بعض الخطوات الايجابية لجهة تنظيم الصلة مه الهيئات الحزبية، ولجهة النشاط والحركة، الا ان ثمة الكثير مما يتطلب المعالجة والمتابعة ومن ذلك:
1 – التأكيد على الطابع الديمقراطي العام لنشاط وبرامج هذه القطاعات الجماهيرية.
2 – تنظيم الصلة الحزبية وخلق اجواء عمل سليمة تتيح اوسع مشاركة ممكنة للاصدقاء والمهتمين من ذوي الكفاءة والاختصاص، بمعزل عن العامل التنظيمي والسياسي بصورته الضيقة.
- ربط برامج ومبادرات هذه القطاعات بأوسع الاهتمامات الشعبية والجماهيرية ذات الصلة.
- ممارسة اشراف مرن يمنع نزعات التفلت والانتهازية، ولا يحول أيضاً، دون المبادرة وتحمل المسؤولية.
- ايلاء اهتمام خاص في هذا الوسط للحقول الفنية والابداعية، وايجاد السبل لدعمها وتشجيعها وتمكينها من التفاعل في حقلها الطبيعي: مع الناس عموماً والشباب خصوصاً...
VI - العلاقات اللبنانية – السورية
تشكل هذه العلاقة عقدة رئيسية في لوحة الصراع الداخلي، كما انها ذات اثر كبير في لوحة الصراع الأشمل على الصعيد الاقليمي.
وبالنسبة لنا فقد اعتبرنا دائماً ان البحث المسؤول من وجهة نظر وطنية وقومية، في العلاقات اللبنانية – السورية، يحيل الى ثلاث مرجعيات اساسية هي: اتفاق الطائف، الصراع مع العدو الصهيوني، ثنائية العلاقات المحكومة بالأخوة وبالتعاون.
وعلى اساس هذا التقدير فقد انتقدنا، بل رفضنا، التناول الجزئي، من اي جهة أتى. ولطالما لخصنا الموقف العملي المبسط من هذه المسألة برفض منطقي العداء من قبل فريق، والالحاق أو الالتحاق من قبل فريق آخر. والواقع ان البندين الأولين (عنينا اتفاق الطائف والصراع العربي الاسرائيلي) يحددان، الى حد كبير مضمون الموقف. اما البند الثالث (علاقات الأخوة القومية) فيملي بشكل رئيسي، الوسائل المناسبة للتعامل. فالسعي من اجل ان تكون العلاقات اللبنانية – السورية علاقات اخوة وتعاون مميزة، يملي ان تكون قائمة على التكافؤ والتعاون، وان تكون الأساليب المعتمدة في التعبير عن التباين بشأنها، اساليب سياسية تتوسل الضغط الايجابي عندما يقتضي الأمر، وليس اساليب أخرى (عنيفة مثلاً) كما هو الأمر بالنسبة للعلاقة مع العدو الصهيوني.
وبالارتباط بهذا التقدير فقد حرصنا على امرين: الأول استقلالية موقفنا حيال الخطة السورية في لبنان. وقد حرصنا تبعاً لذلك، ان لا يؤثر النفوذ السوري الحاسم بشأن قضايا السلطة الرئيسية، على هذا الموقف، وخصوصاً في الشؤون المتصلة بالمواقع وبالانتخابات... والأمر الثاني هو السعي لاستمرار الحوار مع القيادة السورية، رغم التباين في المواقف، وذلك من اجل اضفاء طابع موضوعي على هذا التباين وطبيعي على شؤون الخلاف. والواقع ان فتور الحوار او انقطاعه مسؤولية لا نتحملها نحن بالدرجة الأولى، فهي ثمرة تجربة سلبية في علاقات ومواقف الأنظمة التي اعتادت منطق الاملاء والإلحاق والاستتباع. ولقد واجهنا، كما تشير عشرات الأمثلة، محاولات دفعنا الىالتخلي عن موقفنا والانتقال الى الموقعين اللذين اشرنا اليهما سابقاً، واشرنا الى انتقادنا ورفضنا لهما.
وقد وفر لنا الموقف المذكور، ان نحاكم الأمور بشكل سليم ومتوازن. فنحن لم ننكر الايجابيات الناجمة عن المهمة السورية في لبنان، والمتصلة بالشأن الداخلي (المساعدة في وقف الحرب، واعادة بناء هياكل الدولة، والمساهمة في التحرير...) وكذلك الايجابيات المتصلة بالشأن الخارجي (المساعدة في تصليب الموقف اللبناني ضد العدو الاسرائيلي، التنسيق بين البلدين في شؤون الموقف والمفاوضات وعدم التفرد ومواجهة الاستفراد...) الى ذلك فقد انتقدنا عناصر اساسية في السياسة السورية في لبنان: جمود العلاقات في حدود مرحلة ما بعد الطائف. عدم تطور العلاقات بين البلدين باتجاه التكافؤ التدريجي. الاعتماد على العامل الطائفي بمعادلة معكوسة عما كان عليه الأمر قبل الحرب الأهلية. دعم طاقم سياسي، هو غالباً، تقليدي محاصص، متخلف وفاسد عدم توازن بعض الاتفاقيات والعلاقات الإقتصادية، وشؤون العمالة والتهريب...
وفي امتداد ذلك كنا اول من شدد على ضرورة تعزيز الجانب السياسي في العلاقة بين البلدين على الجانب الأمني. وكنا كذلك، اول من طالب بجعل انتشار القوات السورية في لبنان انتشاراً مرتبطاً بحاجات الصراع مع العدو الصهيوني، بعد ان باتت القوى الأمنية اللبنانية قادرة على ممارسة دورها على كل الأراضي اللبنانية.
ان الانفراج الجزئي الأخير في العلاقات اللبنانية – السورية والمستند الى الانسحابات السورية الجزئية من جهة، وموقف الاشادة بالدور السوري "الحكيم" من قبل بيان الأساقفة الموارنة في اواسط آذار الماضي من جهة اخرى، هو تعبير في السياق الذي كنا قد اقترحناه قبل سوانا وحتى دون سوانا! ونحن نرحب، هنا ايضاً، بالمواقف العامة التي أعلنتها البطريركية المارونية بشأن رفض الرهان على الدور الاميركي، وبشأن الموقف من مواضيع وعناوين أخرى في النزاع الداخلي وفي الشروط الاميركية ـ الإسرائيلية، دون فصلها عن سياقها العام المطالب بتصحيح العلاقات اللبنانية السورية، كما يفعل بعض الأطراف السياسية.
ويريحنا ان السياق المذكور قد كسب قوى عديدة في مجرى العلاقة والصراعات بشأنها. وتتردد دعوات تصحيح العلاقات على اساس الحرص على اقامتها على اساس التعاون الراسخ والسليم، في مواقف شخصيات وقوى واسعة على الصعيد اللبناني. وقد كان ذلك بنداً رئيسياً في مبادرة "التجمع الوطني للانقاذ والتغيير" التي اشرنا اليها سابقاً، كذلك في مواقف اتجاهات وشخصيات ديموقراطية في لقاء "قرنة شهوان" وسواه... كما ان هذا البند سيظل بنداً اساسياً في كل حوار وكل مبادرة، بهدف تنظيم العلاقات بين البلدين الشقيقين واقامتها على افضل الأسس التكاملية، وبما يؤدي فيما يؤدي، الى تمكين لبنان من استعادة عافية كاملة وتمكين مؤسساته من ان تكون صاحبة القرار في كل الشؤون اللبنانية. ونشدد تكراراً، علىعدم رفض أو معارضة هذا البند بالبند الوطني والوفاقي الآخر والذي هو العمل المثابر من اجل تجاوز الحالة الطائفية.
وبشأن تحمل المسؤولية عن الأخطاء، فقد اشرنا دائماً، الى مسؤولية مزدوجة: سورية ولبنانية. ونحن نرى اليوم وخصوصاً بعد الاحتلال الأميركي للعراق ونتائجه الخطيرة على المنطقة عموماً ولبنان وسوريا وفلسطين خصوصاً، بان معالجة الخلل في العلاقات باتت مسألة لا تتحمل التأجيل. ونحن مطالبون تبعاً لذلك، بتقديم اقتراحات وتنظيم مبادرات فعالة لهذا الغرض. وبديهي ان هذه الاقتراحات والمبادرات ستؤدي الى توسيع الحوار حول بند العلاقات اللبنانية – السورية او ستنجم عنه. ويزيد من الحاحية ذلك ان السلطتين المقررتين بهذا الشأن، لا تقومان بما ينبغي عليهما القيام به في هذا الصدد، خصوصاً كما برز في تشكيل الحكومة الحالية (اواخر نيسان الماضي).
ان احداث تقدم بشأن العلاقات اللبنانية – السورية هو مسألة في غاية الأهمية من اجل مصلحة البلدين، ومن اجل مواجهة الخطة الأميركية – الصهيونية في المنطقة. وسيكون على الهيئات المنبثقة عن المؤتمر التاسع فعل الكثير في هذا الاتجاه والتقدم من حيث قصَّرت الهيئات الراهنة.
VII - النشاط العربي
لقد طبع الإنكفاء "القطري" والتراجع مجمل نشاط حركة التحرر العربية منذ أواسط الستينات حتى اليوم. ورغم علامات مضيئة برزت في المقاومة اللبنانية والإنتفاضة الفلسطينية، فإن عملية التعبئة والنهوض القوميين مازالت تتراجع على نحو مضطرد.
وتندمج في مجرى تحديات متعاظمة نواجهها اليوم وخصوصا" بعد إحتلال أميركا للعراق، قضايا الهيمنة الخارجية مع مشاكل متعددة، على صعيد كل بلد عربي وما بين هذه الدولة العربية أو تلك. ويطرح اليوم على شكل ملح موضوع الديموقراطية التي يشكل تغييبها الأداة الفضلى لأنظمة تتجه أكثر فأكثر نحو القمع والتعسف والوراثة والتبعية للخارج.
ويشكل العدوان على شعب فلسطين وحقوقه مثلا" صارخا" لظلم مقيم، فيما يشكل احتلال العراق تموذجا" خطيرا" للعودة الى عهود الاستعمار التقليدي مزودا" هذه المرة، بأخطر أسلحة الموت والدمار، وساعيا" الى أوسع عملية الحاق وتهديد حضاري وإنساني.. ويشكل تحالفهما الوثيق مشروعا" يستهدف مجمل المصير والثروات والارض والسيادة والحضارة العربية.
ويطرح كل ذلك مهمات كبيرة وخطيرة يجب ان تحفز قيام حركة ثورية ديموقراطية عربية من نوع جديد حقا". حركة مستقلة قد تتقاطع مع هذا النظام او ذاك في شأن أو موقف أو مناسبة، لكنها لا ترتهن للأنظمة أو تهادن او تتخلى.. وفي سجل علاقات القوى التحررية الكثير مما ينبغي مراجعته والإستفادة من دروسه، بغرض تأمين جمع مناسب ما بين الاستقلالية والفعالية. ويكون الفيصل في ذلك إمتلاك القدرة الضرورية على ممارسة الحيز الضروري من النقد، وخصوصا" بشأن الخيارات الأساسية للأنظمة، وفي المسائل المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الانسان..
ويطرح على الحركة الجديدة، بنفس المقدار، النظر في أساليب النضال الضرورية في ظروف الاحتلال والغزو والاغتصاب والتعدي على المقدسات والثروات والأرض جميعا"...
ولقد مارسنا في هذا الحقل ما هو دون المطلوب من الصلات والعلاقات والمبادرات. ولقد تركز مجمل النشاط على أشكال من العمل التضامني مع إنتفاضة شعب فلسطين البطل... مسيرات ومهرجانات واعتصامات... وكذلك الأمر بالنسبة لحصار العراق وتهديده ومن ثم غزوه، حيث كنا نبادر او نشارك في معظم النشاطات التي حصلت في كل المناطق اللبنانية.
ولقد شكل المؤتمر الاول لمناهضة العولمة الذي عقد في بيروت محاولة في الاتجاه الصحيح، وعملية حوار وتفاعل بين قوى عربية متعددة. وكذلك كانت محاولة شاركنا فيها لإطلاق نواة حركة عربية مستقلة... وتحتاج هاتان المحاولتان للمتابعة رغم ضآلة الامكانيات ومن اجل تعويضها وتداركها.
ولقد تابعنا المشاركة في نشاط عدد من الأطر التي تراجع بعظها او تقطعت اجتماعاته، أو زال من الوجود، تبعا" لمصالح قوى أو انظمة كانت في أساس حركته: مؤتمر الأحزاب العربية – ملتقى الحوار – التضامن الآسيوي الأفريقي...
ولقد كانت مساهماتنا غير منسقة عبر قسم مخصص لهذا الغرض، وجاءت بالنتجية أقرب الى المتابعة الفردية، ولا يجوز أن يستمر ذلك كما وعدنا في المؤتمر الثامن ولم نفِ بوعدنا!
VIII - النشاط الدولي
في مناخ دولي متوتر بسبب الجموح الأميركي نحو الهيمنة وزيادة النهب وتوسل الوسائل العسكرية لفرض وقائع ومتغيرات جيوسياسية وخصوصا" بعد أحداث 11 ايلول، يصبح حيز الحركة والنشاط والصلة والمبادرة اوسع وأعمق.
إلا ان الحركة الثورية والتحررية والديموقراطية في العالم لم تهتد بعد، الى صيغة واضحة للتعاون والعمل المشترك او التضامن الفعّال...
وقد برزت في السنوات الأخيرة عدة صيغ من العمل اهمها المنتدى العالمي المناهض للعولمة (في بورتو أليغري) الذي ينظم لقاءاته الجماهيرية والسياسية بالارتباط مع قمة الدول الغنية الكبرى وإجتماعات البنك الدولي...والذي سيكون لقاؤه المقبل في الهند.
ونحن مطالبون بالاهتمام بالعلاقة مع القوى التي تنشط في حقل مقاومة الأثار السلبية للعولمة المتوحشة، وتلك التي تدعم نضال الشعب الفلسطيني، والتي تحركت ضد العدوان على العراق... هذا فضلا" عن ضرورة متابعة علاقاتنا وتعزيزها مع عدد من الأحزاب الشيوعية في آسيا (الصين خصوصاً)، والأوروبية وفي البلدان الاشتراكية السابقة... ويجب ايلاء اهتمام أكبر لصلتنا بمنظماتنا في الخارج ولدور هذه المنظمات... ولتأمين تواصل سياسي وإعلامي وتنظيمي معها.
ومن الضروري ايلاء اهتمام فكري وسياسي اكبر لمفاهيم وموضوعات اساسية في عصرنا الراهن، كالصراع الطبقي وتجلياته، والاشتراكية وصيغها والثورة وبرنامجها، والحركة التحررية والثورية وصيغها وعلاقاتها...
IX - عمل المكتب السياسي
منذ لحظة انتهاء جلسة المؤتمر الثامن وانتخاب المجلس الوطني. تفجر خلاف مرير على نتيجة التصويت لانتخاب المكتب السياسي. ورغم محاولة معالجة ردود الفعل على انتخابات لا يمكن حصر المسؤولية عنها ترشيحاً وتصويتا بجهة دون سواها، الا ان "المضاعفات" التي تركتها لم ينفع في معالجتها توسيع المكتب السياسي واعادة انتخاب الرفاق الذين لم يفوزوا قبل ذلك.
وقد كشف ذلك عدة امور:
1 – النقص في نضج الاستعداد لممارسة العملية الديمقراطية رغم الرغبة المعلنة في الأخذ بها، بل واعتماد اكثر صيغها ليبرالية.
2 – تأثر الاختيار والتصويت بعوامل ذاتية واستقطابات غير موضوعية لجهة القبول او الرفض.
3 – الموافقة على المحصلات السياسية والتنظيمية للمؤتمر كان تكتيكياً بالنسبة للبعض، وسرعان ما جرى كشف هذا الأمر بشكل حاد ومتوتر.
4 - المسارعة من قبل البعض للتصرف وكأن المؤتمر لم يعقد، ولم تصدر عنه قرارات وتنتخب فيه هيئات، اذ لم يمض وقت طويل حتى جرت المطالبة بعقد مؤتمر استثنائي... ثم باستقالة المكتب السياسي. وقد كانت الانتخابات النيابية لعام 2000 محطة مفصلية في تظهير الخلافات توجهاً وترشيحاً...
وبسبب ذلك لم يعمل المكتب السياسي والمجلس الوطني بشكل طبيعي، واستغرق نقاش المشاكل الداخلية الكثير من الوقت. وكانت ذروة التأزم حين دفع بعض الرفاق مواقفهم الى ذروة الاتهامات والشتائم بعد الانتخابات النيابية مما اضطر المجلس الوطني الى فصل احد اعضائه...
والواقع ان ذلك المناخ السلبي والخلافي والمعيق لتطبيق قرارات المؤتمر، قد انتقل الى القطاعات والى مجالات نشاط عديدة وخلف المزيد من العرقلة او الارباك او التعطيل...
ان تعثر عملية انتخاب مكتب سياسي بالشكل الذي حصل، قد ترك تأثيراً سلبياً مستمراً على عمل هذه الهيئة وكل الحزب بشكل عام. وقد ضاعف من ذلك بروز لخيارات ومواقف وعلاقات اعطت الانطباع بان في الحزب اكثر من استقطاب ومن موقف، واكثر من توجه... على تناقض في العلاقات والتحالفات والصلات...
وقد ساهم ذلك، بشكل موضوعي، في استهلاك الكثير من الوقت والجهد على حساب العمل لوضع مقررات المؤتمر موضع التنفيذ ولاختبار المقررات والقيادة جميعاً.
غير ان ذلك، على خطورته، لا يبرر كل التقصيرات في عمل الهيئات القيادية، وبشكل خاص المكتب السياسي: فلقد كان هناك نقص في المبادرة وعدم متابعة للقرارات المتخذة في المؤتمر، وكذلك اهمال وسؤ توزيع للمهام... وعدم متابعة لأمور عديدة سياسية وإجتماعية وتنظيمة.
ويشمل ذلك الكثير، بل معظم مجالات الحركة والصلات والنشاط. ولعل نقطة الخلل الأساسية قد تجلت في المجال الاعلامي وعلى مستويين:
الأول، عدم تنفيذ قرارات المؤتمر الثامن باصدار مجلة (رغم صدور ثمانية اعداد من نشرة حياة الحزب)... ذات وظيفة سياسية وفكرية وتعبوية... والثاني عدم تنظيم الصلة بوسائل الاعلام لتغطية نشاطاتنا ولتعميم مواقفنا وللمشاركة الكافية في السجال السياسي – الاعلامي الدائر في البلاد في اوسع وسائل الاعلام انتشاراً...
ويمكن ان نتوقف عند الكثير من مجالات القصور والتقصير، في كل القطاعات والميادين (بعضها كنا تناولناه بشكل مفصل في تقارير ومقررات المؤتمر الثامن)، دون ان نلغي اثر العوامل الموضوعية غير المؤاتية التي ذكرنا جزءاً منها فيما تقدم، وكذلك اثر صعوباتنا المالية المتفاقمة والتي حالت، بالفعل، دون تنفيذ الكثير من المبادرات والمهام وأثرت على الأداء والمشاركة... الا ان نشاطاً مبادراً ومثابراً، كان يستطيع، مع ذلك، تقليل اثر العوامل الموضوعية، وهو امر لم يحصل في الكثير من المجالات.
و - في نطاق تقييم أشمل مما جرى حتى الأن، بشكل مباشر أو ضمني، من الضروري أن ينظم المجلس الوطني العتيد ورشة نقاش يشارك فيها رفاق وأصدقاء معنيون، حول تجربة عمل الحزب السابقة أثناء الحرب الاهلية وفي مرحلة ما بعد الطائف.
X - عمل المجلس الوطني
بذلت جهود غير منسقة غالباً من اجل تمكين المجلس الوطني من لعب دور فعال في حياة ونشاط الحزب، انسجاماً مع نصوص النظام الداخلي التي اناطت به التخطيط والتوجيه العام من جهة والرقابة والمحاسبة من جهة ثانية.
وآخذاً بعين الاعتبار ان المجلس قد عانى من تأثير الأزمة العامة في الحزب ومن استقالة رئيسه بعد حوالي سنة من انتخابه، الا انه نجح مع ذلك في تنظيم عدد من النشاطات والمسائل الادارية نذكر منها:
- عقد سيمينار الشباب والطلاب.
- تنظيم لقاءين حول الشان الاقتصادي والاجتماعي.
- لجنة اعدت مادة عن عمل الحزب في المدن، وأخرى عن العمل النقابي.
وكان قد جرى اعداد واقرار لائحة داخلية لعمل المجلس الوطني.
وكانت هذه النشاطات التي نظمها المجلس تجسيداً لقرارات وتوصيات اتخذت في المؤتمر الثامن، فيما حصل تقصير في تنفيذ ومتابعة قرارات وتوصيات أخرى بشأن القطاع النسائي والزراعي والاعلام والمعتقلين والمقاومة.
اما بشأن وضع نشيد وشعار للحزب، فلم يحصل اي بحث. وبخصوص تمثال الشهيد فرج الله فقد تم انجاز التمثال، ومسألة اعادة تثبيته تتطلب متابعة من الهيئات الجديدة ومن هيئة المنطقة.
ولقد كان المجلس الوطني نفسه حقلاً غنياً للنقاش والحوار في الأمور السياسية والتنظيم وتعددت دوراته وجلساته لهذا الغرض. وهو قد شكل لجنة للحوار في الحزب في اوائل عام 2002، وقد تابع اجتماعاتها حتى نهايات هذه الاجتماعات التي دامت حوالي 11 شهراً، كذلك اتخذ الاجراءات الضرورية لتوفير موجبات قيامها بمهمتها: قرارات تنظيمية، تمديد مهل الحوار وتجديد البطاقة وسواها...
ولقد برز نقص في ممارسة المجلس لدور الرقابة والمحاسبة والمبادرة عبر تنظيم دورات حول قضايا ومواضيع وملفات في نشاط الحزب العام وفي نشاط المكتب السياسي بشكل خاص.
كذلك تأثر عمل المجلس الوطني باستمرار غياب عدد من اعضائه عن جلساته، أو حضور بعضهم الآخر بشكل متقطع وجزئي.
ان دور المجلس الوطني كهيئة قيادية للتشريع وللرقابة، وكذلك تنظيم عمله بشكل فعال ونشيط، يتطلب متابعة من اجل تعميق هذه التجربة والاستفادة من كل ايجابياتها في عملية فصل السلطات وتعاونها.
XI - خاتمة: الآمال المعقودة على المؤتمر
ليس هناك أدنى شك في ان اعضاء الحزب ومعهم قطاع واسع من القوى الوطنية والديمقراطية، يتطلعون بامل كبير الى المؤتمر التاسع، بحيث تؤدي نتائجه الى تمكين الحزب من الخروج من ازمته، بعد ان تركت اثارها السلبية وتماديها في الزمن الكثير من الانعكاسات السلبية على الحزب وعلى العمل الوطني عموماً. ولا نبالغ ايضاً اذا قلنا بأن العديدين في الأوساط السياسية ممن يحرصون على تطوير وعصرنة البلاد ونظامها السياسي واقامة وحدتهما على اسس سليمة وراسخة، يعبرون حتى بشكل مباشر، عن حرصهم على استمرار الحزب الشيوعي وتجاوز كل مخاطر ضعفه او انقسامه.
ان مهمة استثنائية اذاً، تنتظر المؤتمر التاسع، هي مهمة تجاوز الأزمة في الحزب، ولو بشكل تدريجي. ولقد بذلت جهود كبيرة في هذا الاتجاه عبر الحوار والنقاشات واقرار مشروعي الموضوعات والتقرير السياسي من قبل المجلس الوطني. والأمل في ان يجري تعميق وتدقيق هذين، عبر النقاش الواسع في المنظمات الحزبية، ومن قبل الأصدقاء والمهتمين ايضاً.
ان اقرار توجه برنامجي سياسي واضح وخطط تطبيقية مرافقة هو الخطوة الأولى الضرورية لتوحيد عمل الحزب وتوحيد نشاط هيئاته.
ويجب ان يستكمل ذلك بتحديد اصول العمل في الحزب، واصول العلاقات من كل نوع قدر الامكان، وترجمة ذلك في النظام الداخلي، وهذا ما يجري تحضيره الآن ليعرض للنقاش تباعاً... ولا يؤتي ذلك ثماره دون توفير مناخ من الثقة والتعاون والديمقراطية، بديلاً من التوتر والاتهامات، اللذين ينبغي نبذهما بلا هوادة.
كذلك فان الالتزام بمضمون وبنصوص الأصول، هي امور في صلب الشروط الضرورية للعمل وللانتاج، ولممارسة المسؤولية والمحاسبة في آن.
وعلى الهيئات الجديدة المنتخبة ان تحرص على تعميم مقررات والترويج لها والدفاع عنها. وفي هذا النطاق عليها، من جهتها، ان تلتزم اصول العمل، وخصوصاً اضفاء الطابع السليم على القرارات المتخذة، لجهة آلية التوصل اليها بالحوار وبالمشاركة وبالديمقراطية، ولجهة ارتكازها على برنامج وخطة المؤتمر في الروحية وفي النصوص. كما على هذه الهيئات ان تحول دون اي محاولة للتشويش على هذه القرارات وعلى عدم الالتزام بها بما يتعارض والأصول، وبما يسيء الى سلامة التنفيذ الجماعي.
وبديهي ان ذلك هو جزء من عملية اوسع في ممارسة الديمقراطية وفي تكامل عناصرها. فكلما اتسعت ممارسة الديمقراطية كلما برزت الحاجة الى الضوابط الناظمة لحسن سير الأمور فيما يتصل بجانبي المعادلة الديمقراطية: حق الحوار والنقاش والاختلاف، وواجب التنفيذ الجماعي للقرارات المتخذة ضمن الآليات المقرة.
ان اختبار اي خطة او اي هيئة مسؤولة لا يمكن ان يتم بمعزل عن وضع هذه الخطة موضع التنفيذ، وتمكين تلك الهيئة من ممارسة مسؤولياتها. والرقابة والمحاسبة تأتي في هذه السياق، وهي تصبح متعذرة من دون ذلك.
قدمه المكتب السياسي واجازه المجلس الوطني
ـ أواخر تموز 2003 ـ