قراءة هادئة في خطاب متأزم والواقع البحريني

عبده حمد الدوسري

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 02:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تناول مقال منشور في إحدى مواقع المعارضة البحرينية في الخارج الأوضاع السياسية والاجتماعية في البحرين بلغة نقدية ‏حادة، وليس لها علاقة بما يجري على أرض الواقع، حيث قدّم المقال رؤية سلبية شاملة لمسار الدولة خلال السنوات الماضية. ‏ومع احترام حق إبداء الرأي، فإن من الضروري التوقف عند منهج هذا الطرح، وطريقة بنائه، وما إذا كان يعكس الصورة ‏الكاملة للواقع أم يختزلها في زاوية واحدة فقط‎.‎
من حيث الأسلوب، اعتمد المكتوب على لغة عامة مليئة بالأحكام الواسعة، دون الاستناد إلى وقائع محددة أو أرقام أو شواهد ‏موثقة، وهو ما يجعله أقرب إلى موقف سياسي تعبيري منه إلى تحليل موضوعي. وأعتقد أن هذا النوع من الخطاب قد يعبّر عن ‏شعور أو قناعة، لكنه لا يساعد القارئ على فهم تعقيدات الواقع البحريني، ولا يتيح له المقارنة بين ما يُقال وما هو قائم فعليًا ‏على الأرض‎.‎
كما أن المقال انطلق من نظرة واحدة مفادها أن البحرين كدولة، تسير في اتجاه واحد مغلق، دون الاعتراف بما شهدته من ‏تغيرات وتحولات خلال العقدين الأخيرين، فالواقع السياسي والاجتماعي بطبيعته متحرك، ويتأثر بعوامل داخلية وإقليمية ‏ودولية، ولا يمكن قراءته بمنطق ثابت لا يعترف بالتطور أو التراكم. والبرلمان البحريني، على مدى العقدين الأخرين، وبرغم ‏الانتقادات الموجّهة إليه، إلا أنه يؤكد أن قابلية تطور العمل البرلماني تسير بخطى ثابتة وممتازة، وتتطور يومًا بعد آخر، وأن ‏البرلمان البحريني أظهر قوة الشعب في تصميمه وإرادته ورغبته في التقدّم بديمقراطيته إلى الأمام، وأن التفاعلات حول ما ‏يجري داخله ُشكّل ظاهرة صحية تحظى بقبول المواطنين‎.‎
مما يجدر ذكره موضوعيًا أن المعارضين في الخارج لا يمثلون، بأي حال من الأحوال، الطائفة الجعفرية الكريمة، فأبناؤها ‏وبناتها هم اليوم يصنعون الإنجازات الوطنية في كافة مسارات التطور في البحرين. كما أن أصغر طفل يدرك أن أولئك الذين ‏يُسفِّهون من تطور وازدهار البحرين، ويستخدمون الأساس الطائفي في صناعة الأزمات، كانوا قد عوّلوا على مشروع طائفي ‏آتٍ من الخارج، وارتبطوا به لعقود من الزمان. وعندما فشلت كل أحابيل هذا المشروع، سعوا على الدوام إلى تشويه سمعة ‏مملكة البحرين. وبفضل الله تعالى، لم يُعطّل ذلك هذه المسيرة المباركة، بل إن الجميع يعرف أن البحرين مملكة متقدمة في ‏مختلف المجالات، ويشهد على ذلك زوّارها الذين يأتون إليها للمشاركة في المؤتمرات الدولية التي تُعقد في المنامة، وفي ‏المناشط الرياضية العالمية. والجميع اليوم يُثني على البحرين، وعلى حكّامها وشعبها‎.‎
وفي المقابل، شهدت البحرين خلال العقد الأخير تطورًا واضحًا وشاملًا في مختلف مجالات الحياة، فقد طالت مسيرة التطور ‏الجوانب الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية والخدمية، إلى جانب تحديث البنية التحتية وتطوير القطاعات الإنتاجية ‏والخدمية. وقد شارك المواطن البحريني، بكل تلاوينه السياسية والفكرية والمذهبية، في هذه المسيرة، سواء من خلال العمل في ‏مؤسسات الدولة، أو في القطاع الخاص، أو عبر المبادرات المجتمعية والمدنية‎.‎
ولا ننسى هنا أن تقارير التنمية البشرية التي تصدرها الأمم المتحدة سنويًا، وعلى مدى عقدين من الزمان، صنّفت مملكة ‏البحرين ضمن الدول ذات التنمية المرتفعة جدًا في جميع المجالات، الأمر الذي يؤكد حرص القيادة، ممثلة في الملك حمد بن ‏عيسى آل خليفة وولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، على الارتقاء بالإنسان البحريني في كل المجالات. وبرغم ‏الأزمات المالية العالمية بسبب انخفاض أسعار النفط، إلا أن حكومة البحرين لا تألو جهدًا في توفير احتياجات المواطنين‎.‎
وفي مجال حقوق الإنسان على وجه الخصوص، حققت البحرين خطوات مؤسسية وتشريعية مهمة لا يمكن تجاهلها. فقد ‏انضمت المملكة إلى عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وواكبت ذلك بإنشاء مؤسسات حقوقية مستقلة تُعنى بالرقابة ‏والمتابعة، من بينها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، والأمانة العامة للتظلمات، ووحدة التحقيق الخاصة، وهي مؤسسات ‏تشكل جزءًا من منظومة وطنية تهدف إلى تعزيز المساءلة وحماية الحقوق ضمن إطار القانون‎.‎
كما طورت البحرين برامج إصلاحية متقدمة في منظومة العدالة الجنائية، من أبرزها تطبيق العقوبات البديلة، وتجربة السجون ‏المفتوحة، وهي برامج تُعد من التجارب الرائدة على المستوى الإقليمي، وتهدف إلى تحقيق التوازن بين إنفاذ القانون والحفاظ ‏على البعد الإنساني وإعادة الإدماج المجتمعي. وإلى جانب ذلك، جرى تحديث عدد من التشريعات الوطنية لتتوافق مع المعايير ‏الدولية، وإنشاء مراكز متخصصة لحماية الفئات الأكثر عرضة للمخاطر، مثل مركز حماية الطفل. ويأتي انتخاب البحرين ‏لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في هذا السياق، بوصفه اعترافًا دوليًا بالمسار المؤسسي الذي تسلكه المملكة، ‏وما يرافقه من التزامات بالمراجعة والتقييم المستمر أمام المجتمع الدولي‎.‎
كما أن الخطاب الذي يسعى إلى التقليل من مظاهر التطور والازدهار، أو يربط القضايا الداخلية بمنطق طائفي، لا ينسجم مع ‏واقع المشاركة المجتمعية الواسعة، ولا مع حقيقة أن البحرين أصبحت وجهة لاستضافة المؤتمرات الدولية، والفعاليات ‏الاقتصادية، والمناشط الرياضية العالمية، التي يشارك فيها زوار من مختلف دول العالم، ويشهدون عن قرب على مستوى ‏التنظيم والبنية التحتية والاستقرار‎.‎
ولا يعني إبراز هذه الوقائع إنكار وجود تحديات أو مطالب إصلاحية، فكل مجتمع يواجه تحدياته الخاصة، لكن القراءة الأكثر ‏اتزانًا هي تلك التي تعترف بما تحقق، وتناقش ما هو مطلوب تطويره بلغة هادئة ومسؤولة، بعيدًا عن التعميم أو الخطاب ‏الأحادي الذي لا يفتح باب الحلول بقدر ما يكرّس حالة الاستقطاب‎.‎
وخلاصة القول إن البحرين اليوم تمضي في مسار تطور متواصل، يشارك فيه شعبها بمختلف انتماءاته، وتبقى الحاجة قائمة ‏إلى خطاب نقدي عقلاني يوازن بين الملاحظة والتقدير، وبين النقد والبناء، بما يخدم المصلحة الوطنية ويعزز الاستقرار ‏والتنمية، وخاصة وأن ملك البلاد دائمًا يذكر بأن البحرين تسير في طريق الإصلاح، ولم يقل إن عملية الإصلاح قد تمت، لأن ‏الإصلاح عملية مستمرة لا تتوقف أبدًا، مهما بلغت الأرقام مكانة عالية، وهذا يشير بوضوح شديد إلى مصداقية ملك البحرين ‏في تناوله للواقع‎.‎

#عبده_حمد_الدوسري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل