26.7.03
الإنجليز هم الأفضل. أنظروا إلى ما يمكن أن يثير مشاعرهم !
بحق السماء - رئيس حكومتهم يكذب عليهم. والدولة مثل بركان ثائر .
يا للهول، لقد زيفت اجهزة الاستخبارات تقاريرها, لتستقطب إعجاب "السيد" السياسي! إنها لبشاعة !
لقد كان لمثل هذه الأمور في إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أغلبية دول العالم، أن تستحوذ على عنوان صحفي صغير فقط. أرئيس الحكومة يكذب؟ وهل من جديد ؟
على العكس لو حدث ان وجد رئيس الحكومة لدينا يقول الحقيقة، لكان هذا الأمر سيحدث ضجة صاخبة. ماذا؟ أيقول الحقيقة؟ رئيس الحكومة؟ غير ممكن. ماذا يحيك لنا ؟
وأجهزة الاستخبارات؟ يحكى في قصص الأطفال عن جواسيس, يخاطرون بحياتهم لكشف الأسرار وإنقاذ الوطن .
يا لها من أسطورة. خسارة ان الحقيقة ليست مثلها .
أجهزة الاستخبارات تبحث فعلا عن الحقائق، ولكنها بالأساس تبحث عن الحقائق التي تناسب أسيادها السياسيين. إنها تقدم تقاريرها للمستوى السياسي، ويا ويل رئيس شعبة الاستخبارات، إذا لم تكن التقارير تتناسب ورغبة المستوى السياسي. باختصار، ليس هناك أي تقرير استخباراتي لا ينحاز إلى الوجهة التي ترغب السلطة بها، ولا من تقرير لا يزيف الواقع أو يكذب فعلا.
هذا ما يفسر سلسلة إخفاقات اجهزة الاستخبارات في كل الدول وفي كل حالات الطوارئ.
يكفي أن نذكر أهمها :
شيوعي ألماني اسمه زورغا عمل جاسوسا في اليابان، قام بتحويل تقرير مفصل عام 1941- إلى أجهزة المخابرات السوفييتية عن الهجوم الألماني المتوقع على روسيا. وقد شمل التقرير تاريخ وساعة الهجوم. غير أن ستالين رفض التقرير، حتى أنه هدد قادة المخابرات بنفيهم إلى سيبيريا، إذا استمروا بتقديم مثل هذه التقارير إليه. نتيجة لذلك، قتل وأسر آلاف الجنود السوفييت في الهجوم الألماني المفاجئ ، الذي عُرف باسم "حملة برباروسا". لا يمكن أن يعقل بأن أحد المؤرخين الروس أوجد مؤخرا تعليلا مثيرا لمثل هذا التصرف. ستالين هو الذي خطط للهجوم على هتلر، ولكن الزعيم النازي قد سبقه.
أو حادثة برل هاربر في كانون الأول من عام 1941. كان بحوزة المخابرات الأمريكية معلومات استخباراتية كثيرة عن نية اليابان في الهجوم على الأسطول الأمريكي وتدميره. ولكن عندما جاء الهجوم، لم يكن سلاح البحرية الأمريكي مستعدا أبدا. ولا يمكن فهم النظرية التي تم نسجها لتقول وكأن الرئيس روزفلت هو الذي طلب الهجوم الياباني لكي يجر بلاده إلى الحرب.
قبل هجوم أسامة بن لادن على مركز التجارة العالمي، كان هناك العديد من الإنذارات. ولكن جميعها تعرقلت في دهاليز المخابرات. هذه الحادثة أيضا ولّدت نظرية وجود المؤامرة السياسية: الموساد هو الذي نظم الهجوم وحتى أنه حذر اليهود من التواجد في العمل في مركز التجارة العالمي.
تنضم إخفاقات أجهزة المخابرات الإسرائيلية إلى قائمة تدعو إلى العجب. فعشية إقامة الدولة، لم تتوقع أجهزة المخابرات اجتياح الجيوش العربية للبلاد. في شهر أيار من عام 1967, عشية حرب الأيام الستة, ذهلت أجهزة المخابرات تماما عندما قام جمال عبد الناصر بتركيز قواته في سيناء. لقد فاجأت الثورة المصرية عام 1952 أجهزة المخابرات لدينا، مثلما المفاجئة التي أحدثتها الثورة العراقية عام 1958, وثورة الخميني في إيران، وذلك رغم سيطرة المخابرات الإسرائيلية على إيران تماما في فترة حكم الشاه .
أما المثال الأكثر تعبيرا عن ذلك فقد كان عشية حرب أكتوبر. لقد علمت الاستخبارات الإسرائيلية بكل ما يحدث: الخطط الحربية المصرية ونقطة انطلاق كل وحدة من وحدات الجيش المصري. لقد شاهدة الوحدات العسكرية عندما وصلت إلى هذه المواقع. فقد استقبلت، عن طريق التصنت إلى العدو عشرات أمواج البث التي لم تترك مكانا للشك حول الهجوم المنتظر. قبل يوم من الهجوم، ابلغ جاسوس كبير بأن المصريين على أهبة الاستعداد للهجوم. رغم ذلك، تفاجأ الجيش الإسرائيلي تماما، وعبر المصريون قناة السويس بسهولة .
في التحقيق حول الحادث ولد مصطلح "المؤامرة السياسية" - أي أن الاستخبارات تغافلت تماما كل الحقائق لأنها كانت أسيرة الاعتقاد بأنه للمصريين قدرة على الهجوم
إنها ظاهرة طبيعية. وفق نظرية "القالب" في علم النفس، يلتقط الشخص المعلومات المناسبة للقالب المحدد في مخه، ويرفض كل ما هو غير مناسب. لدى افراد أجهزة المخابرات، كما هو الحال لدى كل إنسان آخر. معتقدات ثابتة وأفكارا مسبقة . المعلومات"غير المناسبة" لا تمر عبر القنوات. فهي تُستنكر وتخرج.
إلا ان هناك تفسيرا آخر أكثر بساطة. لكل قائد من قادة أجهزة المخابرات هناك "سيد" سياسي- رئيس الحكومة، وزير الدفاع ووزير الداخلية. ومستقبله المهني متعلق بهذا السيد، وكذلك الأمر تقدم كل مساعديه في العمل. عندما يعين السيد قادة الأجهزة، فهو يختار المقربين من مواقفه السياسية. مع مرور الوقت، تتحول أجهزة المخابرات كلها إلى نظام يزود السيد بالمعلومات التي يريد أن يسمعها، ويرفض المعلومات التي تغضبه. هذا ما يحدث لدى الطغاة مثل هتلر،ستالين وصدام حسين، وهذا ما يحدث أيضا في كل الدول الديموقراطية. رجل المخابرات الناجح هو بهلوان، يعرف كيف يسير بين قطرات المطر، وكيف يلائم استنتاجات الاستخبارات للمصالح السياسية الخاصة بالزعامة السياسية .
على سبيل المثال: في معظم السنوات بين حرب الأيام الستة وحرب أكتوبر، سيطرت على الدولة غولدا مئير، وهي امرأة صعبة المراس جدا، وليست ذكية أبدا. فهي لم تحلم بإعادة المناطق التي احتلت لتوها. أما وزير الدفاع موشيه ديان الذي كان آنذاك معبود الجماهير، فقد أعلن أن شرم الشيخ أهم من القدس. بهدف بيع هذه السلعة للجمهور في إسرائيل، كان من المهم وصف الجيوش العربية على أنها تهديد لا خوف منه. إنهم مجموعة من الناس غير المعتبرين، الذين سيقذفون بأحذيتهم ويفرون هاربين عند رؤيتهم للشعار الموجود على الزي العسكري الإسرائيلي. شعبة الاستخبارات قالت بأن هناك "احتمال ضئيل" لقيام مصر بالهجوم. ألفان من الجنود الإسرائيليين- وعدد غير معروف من الجنود المصريين- دفعوا حياتهم مقابل ذلك .
القفزة من غولدا إلى جورج- قصيرة جدا. بوش يريد محاربة العراق. إنه لا يستطيع ان يكشف عن الهدف الحقيقي أمام الجمهور: وضع اليد على الموارد النفطية الهائلة في العراق، والسيطرة على سوق النفط العالمي وإمساك أوروبا من خناقها. لقد كان يحتاج إلى سبب مثير وبسيط: لدى صدام أسلحة دمار شامل، وهي مرتبط بمنظمة بن لادن, وها هو صدام في طريقه للقضاء على أمريكا .
بهدف الإقناع هناك حاجة إلى مواد استخباراتية موثوقة. لا توجد أية مشكلة. اخرج السي آي إي مستندات (كانت معروفة بأنها مزيفة) تقضي بأن صدام حاول شراء اليورانيوم من نيجيريا. يتم إدخال هذه المعلومات إلى أهم خطاب يلقيه الرئيس أمام الكونغرس و"هوب"- تبدأ الحرب.
هل تأثر الأمريكيون عند اكتشاف الخدعة؟ لا، بتاتا. إذن فقد كذب الرئيس. "بغ ديل". والسي آي إي ساعده على الكذب. "بيغ ديل" آخر. المهم أن ابني صدام قد قتلا في "تصفية موجهه"، حسب النمط الإسرائيلي. يا للجمال !
ولكن الأمور في إنجلترا تجري بشكل آخر. توجد في إنجلترا تيارات سياسية هناك معايير واضحة حول ما هو مسموح وما هو ممنوع. لقد خاطت المخابرات البريطانية التقارير حسب متطلبات طوني بلير. لم يكن على طوني أن يطلب ذلك. فكما في كل مرة، يعرف رجالات المخابرات ما يريد طوني، وقد قدموا له البضاعة التي يريدها. فضخموا الحقائق، وأضافوا عليها نصوص تبعث الشهوة(SEXED UP, بالإنجليزية). وقد كشف أحد الخبراء ذلك لشبكة البي بي سي-وغداة ذلك اليوم، هل تعرفون ما حدث؟ لقد تم العثور على جثته. ربما انتحر. وربما لا .
أنجلترا تغلي كالبركان، ولربما ينال طوني بلير ورجاله عقابهم. أما لدينا، فلا توجد مشكلة من هذا القبيل والحمد لله. قادة الاستخبارات لدينا يثرثرون على مدى 24 ساعة يوميا، وكلامهم يتناسب دوما مع احتياجات رئيس الحكومة. عندما يتبدل رؤساء الحكومة،تتغير ثرثرة رئيس شعبة المخابرات وفقا لذلك .
وذلك لأن للاستخبارات وظائف متعددة. إلا أن أهم وظيفة لها، هي أن تكون صوتا لأسيادها .