أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - القلعة والجبل: أخلاقيات النضال وسيرة جيلٍ لم يُساوم شباب قلعة أربيل في القرن العشرين















المزيد.....

القلعة والجبل: أخلاقيات النضال وسيرة جيلٍ لم يُساوم شباب قلعة أربيل في القرن العشرين


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 00:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين يصبح الجبل موقفًا أخلاقيا
لم يكن الجبل، في الوعي الجمعي لشباب أربيل، ولا سيّما أبناء قلعة أربيل، في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، مجرد تضاريس وعرة أو ملاذٍ عسكري مؤقت، بل كان فضاءً أخلاقيًا، وموقفًا وجوديًا واعيًا، واختيارًا حاسمًا بين الصمت والكرامة، وبين الخضوع والمواجهة.
وحين ضاقت المدينة بأحلامهم، واتّسعت الهوة بين السلطة والحرية، لم يبحث هؤلاء الشباب عن تسوياتٍ سهلة، بل اختاروا الطريق الأصعب: طريق الجبل، حاملين معهم ذاكرة القلعة، وصلابة الحجر، وإرادةً لم تعرف المساومة.

شهد العراق منذ أواخر خمسينيات القرن العشرين وحتى أواخر السبعينيات مرحلةً مضطربة اتسمت بتعاقب الانقلابات العسكرية، واحتكار السلطة، وتصاعد سياسات الإقصاء والقمع، ولا سيّما بحق الحركات الوطنية والقومية. وفي هذا المناخ المشحون، تآكلت المساحات المدنية للعمل السياسي، وأُغلقت قنوات التعبير السلمي، ما دفع شرائح واسعة من الشباب إلى البحث عن بدائل أخلاقية وسياسية خارج المدينة.

في هذا السياق، لم يكن خيار الجبل فعلًا طارئًا أو اندفاعًا عاطفيًا، بل نتيجة تراكم وعي سياسي واجتماعي، ونضجٍ مبكر لمعنى الوطن والحرية.

شكّلت قلعة أربيل، بتاريخها العريق وبنيتها الاجتماعية المتماسكة، فضاءً حاضنًا لتشكّل الوعي الوطني. ففي أزقّتها الضيقة، وبيوتها المتقاربة، ومساجدها، ومقاهيها الشعبية، تشكّلت أولى الأسئلة الكبرى:
- من نحن؟
- ولمن يكون الوطن؟
- وأين تقف العدالة؟

لم تكن القلعة مجرد مكان للسكن، بل مجتمعًا حيًّا، تتداخل فيه العلاقات العائلية، والروابط المهنية، والذاكرة الجمعية. ومن هذا النسيج خرج جيل حمل همّ المدينة إلى الجبل، لا طلبًا للمجد، بل دفاعًا عن كرامةٍ شعر أنها مهدَّدة.

لم يكن الانتقال من القلعة إلى الجبل قطيعةً مع المدينة، بل امتدادًا لها بوسائل أخرى.
ففي الجبل، حمل هؤلاء الشباب قيم القلعة:
- الصدق
- الالتزام
- التكافل
- واحترام الناس البسطاء.

لقد أدركوا مبكرًا أن أخطر ما يهدد أي حركة تحررية ليس الرصاص وحده، بل فقدان المعنى. لذلك حرصوا على أن يكون نضالهم مرتبطًا بالأخلاق، وبعلاقة عضوية مع المجتمع.

في الجبل، لم تكن الحياة رومانسية ولا سهلة. كانت قاسية، شحيحة، مفتوحة على الخطر الدائم. هناك تعلّم هؤلاء الشباب معنى الانضباط الصارم، والعمل الجماعي، وتحمل المسؤولية.
لم يكن السلاح هو جوهر التجربة، بل الالتزام بقضية، والإيمان بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الوطن لا يُختزل في سلطة، بل يُبنى بتضحيات أبنائه.

الابطال صنعوا تاريخ تاريخ مدينة اربيل وقلعتها هؤلاء هم :

أكرم الخياط
أحد الوجوه الوطنية التي أسهمت في دعم العمل النضالي، وتميّز بثباته وهدوئه، وبإيمانه العميق بأن الفعل الصامت أبلغ من الخطاب العالي.

عباس بوستاني (أبو سفين)
رمز من رموز الشجاعة الميدانية. عُرف بجرأته ورباطة جأشه، وبحضوره في المواقع الصعبة، حيث كان مثالًا للمناضل الذي لا يتراجع ولا يساوم.

عبدالله توفيق سعيد ( مواليد1936 )
بطل ملحمة هندرين عام 1966، وأحد أبرز رموز النضال في تاريخ أربيل الحديث. مثّل حضوره في المعارك نقطة توازن معنوي، وكان اسمه مقترنًا بالشجاعة والانضباط والتضحية. لم يكن قائدًا بالسلاح فقط، بل بالمثال.

عدنان فتاح (مواليد 1956)
أحد وجوه الجيل المناضل، تميّز بالالتزام الفكري والسياسي، وبالاستعداد الدائم لتحمّل المسؤولية في أحلك الظروف.

عدنان رشاد المفتي
من أبناء القلعة الذين حملوا وعي المدينة إلى الجبل، وأسهموا في ترسيخ أخلاقيات النضال، ورفضوا تحويل الثورة إلى وسيلة للامتياز.

الشهيد جلال عثمان الجلبي (استشهد 1976)
استُشهد رمياً بالرصاص في سجن أبو غريب، ليكون شاهدًا على وحشية القمع. تحوّل استشهاده إلى رمزٍ للصمود، ودليلٍ على أن الجبل لم يكن فقط في الجغرافيا، بل في الإرادة.

جلال عبدالكريم (شقيق سليم قاقا)
من الشخصيات النضالية التي حافظت على خط الاستقامة، وشاركت في العمل الوطني بصمت ومسؤولية.

اللواء فؤاد عمر الجلبي
جمع بين الخبرة العسكرية والانتماء الوطني، وكان حضوره عامل توازن وحكمة في مراحل دقيقة من مسيرة النضال.

شمس الدين عمر الجلبي (مواليد 1937)
شخصية تربوية ووطنية بارزة، أسهمت في تشكيل الوعي الجمعي لجيل الستينيات والسبعينيات. لم يكن التعليم لديه وظيفة، بل رسالة أخلاقية، وكان لبصمته التربوية أثر عميق في نفوس كثير من شباب القلعة.

الشهيد سربست قلاتي
استُشهد في عملية عند مفرق كوران، وخلّد اسمه بجرأته وإقدامه في الميدان.

سردار قلاتي
أحد المناضلين الذين ارتبط اسمهم بالفعل الميداني والانضباط، وكان مثالًا للالتزام والوفاء للقضية.

الشهيد سرحان محسن توفيق (مواليد 1969)

استُشهد خلال حملة الأنفال عام 1988 في جبل قنديل، وكان من أصغر شهداء هذا الجيل، وأكثرهم دلالة على وحشية تلك المرحلة.

هندرين عبدالواحد توفيق (مواليد 1957)

ارتبط اسمه بالمثابرة والاستمرارية، وبالعمل الصامت الذي لا يسعى إلى الأضواء.

الشهيد نوزاد عبدالجبار الحيدري( مواليد 1963)
أحد شهداء الغدر و الخيانة، جسّد نهاية مأساوية لمسار نضالي طويل، وبقي اسمه شاهدًا على التضحيات الكبرى.

لطيف قوجة
أحد الوجوه الوطنية التي ارتبطت بالثبات وأداء الواجب دون ضجيج.

الشهيد صباح بيربال (استشهد 1974 في منطقة كَلاله)
من شهداء الفعل الميداني، قدّم حياته مثالًا للتضحية الصامتة.

صبحي غالب محمود
كان يعمل في مديرية شرطة أربيل، وجسّد نموذج الجمع بين الموقع الوظيفي والضمير الوطني في زمن بالغ الحساسية.

اللواء صلاح بكر
شخصية عسكرية وطنية اتّسمت بالحكمة والانضباط، وأسهمت بخبرتها في مراحل دقيقة، واضعة مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

ما يميّز هذا الجيل أنه لم يتعامل مع النضال بوصفه سلّمًا للمناصب أو الامتيازات.
كثيرون عادوا دون ألقاب، وبعضهم لم يعد أصلًا، لكنهم جميعًا تركوا أثرًا أخلاقيًا عميقًا في ذاكرة أربيل وقلعتها.

إن استذكار سيرة هؤلاء اليوم ليس حنينًا إلى الماضي، بل استعادةٌ لمعنى غائب في زمن الالتباس.
هو تذكير بأن في تاريخ أربيل، وفي ذاكرة القلعة، جيلًا اختار الجبل لا هربًا، بل مواجهةً؛
واختار الصمت عن الأسماء، والنطق بالفعل.

إنهم جيل القلعة والجبل…
جيلٌ لم يُساوم



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منظومة سنحاريب المائية في وادي باستورة: قراءة تاريخية وأثرية
- عشتار أربيل: القلب الروحي لتاريخ المدينة الديني
- تعدّد الأحزاب التركمانية في أربيل: تعددية سياسية أم تشتت يقو ...
- الجبهة التركمانية في أربيل: من ذروة القوة إلى نكسة نوفمبر قر ...
- انتخابات بلا وعي… ووطن يكرر جراحه
- المرشح والناخب بين الوهم والحقيقة: مسرحية انتخابية متكررة
- قلعة أربيل بين الأيادي الأصيلة والأيادي الحزبية
- إشكالية تشكيل الحكومة في إقليم كردستان: قراءة تحليلية في أسب ...
- العراق على أعتاب انتخابات نوفمبر 2025: 22 سنة من الخراب والف ...
- مشروع أكاديمي مقترح بيت المؤتمرات العلمية في قلعة أربيل
- الاستفتاء الكردي: استحقاق مؤجَّل لا حلم عابر
- الماء بين الأمس واليوم: مقارنة بين مشروع سنحاريب المائي ومشر ...
- الإرهاب الأميركي المقنّع بالديمقراطية: تحليل وثائقي وسياسي خ ...
- جامع باشا في أربيل: ذاكرة دينية ومعمارية نابضة
- أسرار المئذنة المظفرية: قراءة معمارية وسياسية وعسكرية
- عقارات هوب زون… 22 عاماً من الثقة والتميّز في سوق أربيل العق ...
- تحولات مدينة أربيل الحضرية بين دوكسيادس وبول سيرفيس: من النم ...
- فن تخطيط المدن في فكر روبير أوزيل: من الفلسفة إلى التطبيق
- الكيان الصهيوني بين حماية الدروز وإبادة الفلسطينيين: ازدواجي ...
- خارطة طريق لإنقاذ كردستان: إصلاح من الداخل لا مغامرة نحو الم ...


المزيد.....




- -أكره ظهورها-.. شاهد أول تعليق من ترامب على أحدث الصور المنش ...
- بالتعاون مع السعودية.. شرطة سلطنة عُمان تُحبط تهريب مخدرات ل ...
- الولايات المتحدة تطارد ناقلة نفط تقترب من فنزويلا
- العثور على 12 جثة في 3 أيام قرب مدينة غواتيمالا
- هزيمة ساحقة للاشتراكيين في الانتخابات الإقليمية الإسبانية
- مصرع سائحة إيطالية في تصادم مركبين سياحيين بجنوب مصر
- اليابان تستعد لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية في العالم
- إدارة ترمب تنفي محاولة التستر على قضية إبستين
- أحكام -قياسية- بالسجن على المئات من أعضاء عصابة في السلفادور ...
- تركيا: لا يبدو أن -قسد- لديها نية للاندماج مع دمشق


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - القلعة والجبل: أخلاقيات النضال وسيرة جيلٍ لم يُساوم شباب قلعة أربيل في القرن العشرين