|
|
الحرب على فنزويلا : قراءة وتأملات
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 13:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
("إذا حاربنا اسرائيل فإنها تنتصر علينا وتفتك بنا وتحيل حياتنا جحيما ثم تأخذ أرضنا، وإذا سالمناها وقبلنا بما تريد طهرتنا على مهل واستولت على أرضنا". العقلانيون بداهة يفضلون الاستسلام الذي يخفف المعاناة ما دامت الهزيمة مؤكدة في الحالتين. ترى ماذا نقول لفنزويلا؟) بدأت الحرب على فنزويلا منذ اختيار ماتشادو بطلة للسلام من قبل مؤسسة نوبل. الزعيمة اليمينية أهدت الجائزة بدورها لبطلها دونالد ترامب داعية إياه بحرارة إلى إسقاط نظام مادورو بالقوة. وهو ما يذكر بدعوة الراحل يوسف القرضاوي الموجهة إلى باراك أوباما ليقوم بمهاجمة سوريا و"تحريرها" من الدكتاتور الكافر بشار الأسد. كان منح جائزة نوبل لسيدة تدعو إلى الحرب ضد بلادها فضيحة كبرى تجسد هيمنة الولايات المتحدة على قرار اللجنة. وقد عبر عن ذلك أدولفو بيريث إسكيفيل الحائز على الجائزة سابقاً بالقول: "إن منح الجائزة لشخص يدعو إلى غزو أجنبي هو سخرية من وصية ألفريد نوبل". يذكرنا موقف هيئة نوبل بموقف مراقبي الأمم المتحدة للبرامج النووية الذين وضعوا الأساس للهجوم الإسرائيلي ضد إيران. لقد حاولت إيران عبثاً أن تتجنب الحرب على الرغم من غليان المنطقة منذ السابع من تشرين، ولكن الحلف الصهيوأمريكي أثبت أن قراره مستقل عما تفعله أي دولة مهما يكن كنهه المباشر. كان لا بد من ضرب إيران مهما فعلت أو لم تفعل، باختصار كان لا بد من تقويض البرنامج النووي، وكسر هيبة إيران في المنطقة والإجهاز على ما تبقى من أسطورة "محور المقاومة". ما المطلوب من فنزويلا كي تنجو من الضربة الأمريكية التي تتقدم كأنها قدر لا راد له؟ ما الذي كان مطلوباً من سوريا لكي تنجو؟ ما الذي كان مطلوباً من صدام حسين لكي ينجو؟ وما الذي كان مطلوباً من إيران لكي تنجو؟ لا بد من الإقرار بأن الانصياع للإرادة الأمريكية هو السبيل الأوضح للنجاة في عالمنا القائم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. هناك احتياطات هائلة من النفط والغاز في فنزويلا يجب أن تدار وتستثمر مثلما تدار الموارد الأحفورية في جزيرة العرب كلها بما في ذلك السعودية وقطر والإمارات. لا بد للولايات المتحدة أن تستفيد مباشرة أثناء استخراج النفط والغاز وبيعهما، ولا بد لها أن تستفيد أيضا من العوائد بالطرق التي شاهدنا في الخليج: ابتياع السلع والخدمات من أمريكا، والاستثمار غير المشروط بمئات المليارات على الأقل في الاقتصاد الأمريكي الداخلي على نحو مباشر. لكن إذا فعل مادورو ذلك فإنه يكون قد انتحر سياسياً، وتخلى بالكامل عن المشروع البوليفاري الذي أسسه الراحل تشافيز. هناك قياس إحراج قاس لا مناص من مواجهته: التخلي عن الثورة واللحاق بركب زبائن أمريكا، أو مواجهة الحرب التي لا يمكن كسبها والتي قد تعني الاحتلال المباشر لفنزويلا مثلما تم احتلال العراق. ما العمل؟؟؟ تتقدم زعيمة المعارضة المتوجة بجائزة نوبل لتفنيد الرأي الذي يقول إن فنزويلا قد تتعرض للاحتلال:"فنزويلا خاضعة للاحتلال أصلاً منذ وقت طويل، وهناك جماعات حزب الله وحماس وعصابات المخدرات والعملاء الأيرانيون والروس الذين يحتلون البلاد وينهبونها". هكذا تستعاد التهم القديمة الموجهة لهوجوتشافيز والتي كان على رأسها التعاون مع إيران وتزويدها باليوراينوم لتصنع قنبلة نووية. ومثلما تم تلفيق الأدلة للعراق بالتعاون مع عملاء عراقيين يعيشون في أمريكا وأوروبا، هكذا يتم الان إعداد المسرح لعملية غزو شبيهة من نواح كثيرة يقف على رأسها الغاية الرئيسة التي يجسدها احتياط نفطي هائل. لقد تم وضع العراق ونفطه تحت الوصاية الأمريكية لتقوم بنهبه كما يحلو لها. ترى هل يذكر أحد اليوم في العراق أو خارجه أن الموازنة العراقية تدار من واشنطون مثل ميزانية تونس أيام الداي وسيطرة الفرنسيين عليه؟ لكن كيف تسوغ الولايات المتحدة غضبها المستعر الذي يصل حد التهديد بإعلان الحرب؟ يقول ترامب: "فنزويلا محاطة تماماً بأكبر أسطول تم إعداده في تاريخ أمريكا الجنوبية. وسيزداد حجمه باضطراد، وسوف تكون صدمتهم لا مثيل لها من قبل. أما حبل نجاتهم فهو أن يعيدوا للولايات المتحدة الأميركية النفط والأراضي والأصول الأخرى التي سرقوها منا سابقًا". (الرئيس دونالد ترامب، 17 كانون الأول 2025). إذن لقد سرقت فنزويلا الأرض الأمريكية، كما سرقت الموارد من نفط وغاز وما إلى ذلك، وعليها أن تعيد المسروقات. باختصار "حكاية المخدرات" ليست جوهرية بالنظر إلى العدوان الذي قامت به فنزويلا بحق أمريكا. بالقفز عن دعابة السرقة يتضح لنا أن ترامب يطالب الحكومة الفنزويلية بالتراجع عن قرار تأميم أصولها الوطنية وتسليم صناعة النفط إلى واشنطن. قامت فنزويلا بتأميم صناعة النفط في العام 1976، وأنشأت شركة بتروليوس دي فنزويلا S.A. المملوكة للدولة للسيطرة على الموارد النفطية التي كانت تخضع لشركات مثل إكسون وشل وموبيل. واستكملت المرحلة الثانية من التأميم تحت حكم هوغو تشافيز في العام 2007 بالسيطرة على مشاريع حزام أورينوكو النفطي واضعة النفط كله تحت سيطرة الفنزويليين. هكذا سرقت فنزويلا النفط الأميركي، ببساطة لأنها أمّمت الموارد التي كانت الولايات المتحدة قد سلبتها منها سابقًا. وقد تساهلت أمريكا شيئاً مع ذلك فيما مضى، ولكنها اليوم لا تستطيع الصمود في المنافسة مع الصين إلا عن طريق وضع الموارد الهامة في افريقيا وأمريكا اللاتينية و"الشرق الأوسط" تحت سيطرتها لتغرف منها كما تحب وتشتهي. خلاف ذلك تسقط الهيمنة الأمريكية بأسرع من المتوقع بكثير. ومن أجل تحقيق أهدافه المعلنة، أعلن ترامب فنزويلا، الدولة المستقلة، منظمة إرهابية أجنبية وفرض حصاراً شاملاً عليها. لكن أوباما كان قد سبق ذلك بكثير منذ العام 2015 عندما فرض عقوبات على كاراكاس بسبب أنشطتها التخريبية المعادية للولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً. بسبب ما قلناه أعلاه يمكن تخيل أن يتم غزو فنزويلا في ظل ثابت سياسي دولي لا يمكن إغفاله يتصل بعدم قدرة الصين وروسيا على تقديم أي دعم مؤثر لكاراكاس. وقد لمسنا ذلك الضعف في العدوان على إيران الأقرب جغرافياً إلى الصين في الوقت الذي تقع فيه فنزويلا على بعد دقائق معدودة من الطائرات والمقذوفات الأمريكية. يمكن لعملية الغزو المحتملة أن تتم بالطرق غير المباشرة "المعتادة"، ومنها: 1. حملة محدودة، لا تهدف إلى الاحتلال، بل إلى شل الدفاعات الفنزويلية، وتصفية القيادة السياسية والعسكرية للدولة البوليفارية، بما في ذلك الرئيس نيكولاس مادورو نفسه، عبر ضربة "قطع الرأس". ولن يكون الهدف احتلال الأرض، بل تعطيل قدرة فنزويلا على إسقاط الطائرات المعادية أو الدفاع عن مجالها الجوي. هذه النوع من العملية هو ما نفذته اسرائيل ضد إيران دون أن يحقق النجاح التام، وهنا لا بد من إدراك الفروق بين قوة اسرائيل وأمريكا وبين قوة إيران وفنزويلا التي تعني أن فنزويلا قد تكون أقل قدرة على النجاة من أثر الضربة. وقد تكون النتيجة انهيار النظام البوليفاري بسرعة. 2. حملة جوية وبحرية لإضعاف القوة العسكرية الفنزويلية تمهيدًا لأي تحرك بري، سواء عبر إنزال برمائي أو عبر إرسال التعليمات إلى مجموعات تخريبية وقوى موالية للولايات المتحدة موجودة أصلًا داخل فنزويلا أو على حدودها. وقد يشمل ذلك عمليات سرية وخاصة، إذ يُرجّح أن تتجنب الاستراتيجية الأميركية غزوًا تقليديًا واسع النطاق، وتعتمد بدلًا من ذلك على تمكين انقلاب داخلي بمساعدة خلايا موالية للولايات المتحدة داخل فنزويلا تتحرك عند تلقي الأوامر. ليس بالضرورة أن يكون هذا "السيناريو" مستقلاً عن الأول، وقد لاحظنا أن اسرائيل في هجومها على إيران استخدمت الأسلوبين بشكل متزامن. 3. فرض منطقة حظر جوي ضد الحكومة الفنزويلية، مع تقديم الدعم لقوات متمردة أو مرتزقة تأتي عبر الحدود إن لم تكن متواجدة داخل البلاد أصلاً. ويمكن لقوة معارضة مسلحة جيداً مع غطاء جوي مناسب أن تسيطر على أجزاء من البلاد لتتلقى بداهة اعترافاً سريعاً بها بوصفها الحكومة الشرعية. وهذا يذكر بما حدث في العراق بعد حرب الخليج الأولى وما حدث في سوريا وحالات أخرى.
للأسف لا تستطيع فنزويلا مجاراة الولايات المتحدة عسكريًا، ولذلك تقوم استراتيجيتها الدفاعية على المقاومة غير المتكافئة، المصممة على أساس رفع كلفة الغزو إلى مستوى غير مقبول سياسيًا للولايات المتحدة. وستدمج الدولة الفنزويلية جيشها النظامي مع الميليشيات الشعبية الواسعة، الميليشيات البوليفارية، استعدادًا لحرب دفاعية شعبية شاملة. ويعتمد أسلوب الدفاع بأسلوب حرب العصابات — الذي تصفه الحكومة بـالمقاومة المطوّلة — على وحدات عسكرية صغيرة منتشرة في أكثر من 280 موقعًا. وذلك بداهة ما يمكن أن تلجأ إليه القيادة البوليفارية من أجل عدم الرضوخ لخيار الاستسلام. ولكن أحداً بالطبع لا يضمن النتائج التي ستترتب على المواجهة، وقد يكون "الدمار" و"الهزيمة" هو الثمرة التي تأتي بها المواجهة مرحلياً على الأقل، وهو ما سيرفع الصوت عندهم مثلما في لبنان وفلسطين وبلاد العرب من جانب "العقلانيين" الذين ينصحون بفكرة الرضوخ للأمر الواقع وتجنب المآسي الإنسانية.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عطا الله حنا وزيارة البابا للبنان
-
قرار مجلس الأمن والعودة إلى دولة غزة
-
بين الفساد البنيوي والفساد العارض
-
أيان لستك والعقلانية السياسية الفلسطينية
-
أوسلو والحالة الفلسطينية الراهنة
-
الدولة وخطايا المقاومة
-
محور المقاومة يخسر المعركة الايديولوجية والإعلامية
-
المقاومة بين بؤس الواقع وبؤس التحليل
-
كيف أمكن لإسرائيل أن تمارس الإبادة وتجهر بالترانسفير؟
-
معالجة البانيز للقضية الفلسطينية
-
قراءة في العدوان الصهيوأمريكي على إيران
-
المواجهة الإيرانية مع الحلف الصهيوأطلسي: المحددات والآفاق
-
الإنسان السوي، الذي لا يفكر، وضرورة الحزب والقائد الكاريزمي
-
العيوب الاستراتيجية للنظام الأسدي
-
أوسلو، كورونا، سوريا والتلاعب بالوعي الشعبي
-
الفساد وقمع الحريات في سوريا البعث
-
مصر السيسي ونمط الإنتاج الكولونيالي
-
ترامب والدولة العميقة
-
نقد مغامرة حماس
-
ترامب والاستراتيجية الأمريكية الجديدة في مواجهة الصين
المزيد.....
-
أطباء بلا حدود تحذّر.. هل ستُترك غزة بلا رعاية طبية عام 2026
...
-
حلب تحت القصف وتركيا تضغط لدمج -الأكراد- قبل انفجار الأزمة
-
سوريا: قتلى جراء اشتباكات بين القوات الحكومية وقوات سوريا ال
...
-
كأس أمم أفريقيا 2025: فوستر يقود جنوب أفريقيا إلى انتزاع فوز
...
-
مصير ملف غزة في الجنائية الدولية بعد معاقبة واشنطن بعض قضاته
...
-
الداخلية السورية: قسد تحاول جرنا لصدام عسكري وملتزمون بضبط ا
...
-
اشتباكات بين قسد والقوات الحكومية في مدينة حلب
-
تفاهمات بشأن المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار في غزة
-
سلطات الاحتلال تهدم بناية سكنية في بلدة سلوان
-
الناجون من مجازر الفاشر يروون لنيويورك تايمز مآسي الفرار من
...
المزيد.....
-
الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد
...
/ علي طبله
-
الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل
...
/ علي طبله
-
قراءة في تاريخ الاسلام المبكر
/ محمد جعفر ال عيسى
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|