رمضان حمزة محمد
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 12:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعدُ مياه العراق ثروة سيادية لا تقل أهمية عن النفط، حيث لم تعد إدارتها بحوكمة رشيدة مجرد خيار سياسي، بل أصبحت ضرورة وجودية لاستقرار الدولة وتحقيق تنميتها المستدامة. إن إنقاذ العراق من العطش ليس بطولة خارقة أو مهمة مستحيلة، بل هو سلسلة من القرارات الواعية التي يجب أن نبدأها اليوم، كي لا نضطر غداً لكتابة نهاية مأساوية لم نكن لنختارها. ومن هنا يتطلب التحول نحو "هندسة المرونة" والفهم الشامل للنظام البيئي لان الواقع المائي الجديد في العراق يتطلب تبني مفهوم "هندسة المرونة"، وهو تحول جذري في التفكير من "كيف نحافظ على سير الأمور دون خطأ؟" إلى "كيف نستمر في العمل بكفاءة رغم وقوع الخطأ؟".
إن هذا المنظور يفرض علينا إعادة تعريف حوكمة المياه لتشمل تنسيق جميع عناصر النظام البيئي الطبيعي ككائن حي متكامل، بدلاً من التركيز الضيق على المياه كمنتج منفصل. ولتحقيق ذلك، يجب على الحكومة اتباع قاعدة ذهبية في مواجهة الأزمات: "الاستعداد للأسوأ والأمل في الأفضل"، وذلك لمنع تحول المخاطر المناخية إلى كوارث لا تُحمد عقباها. فما تعلمناه من مخاطر الفيضانات الأخيرة هو أن "الأمر لم يكن مجرد مطر"، بل هو جرس إنذار للتفكير الجدي في إدارة النظام المائي بشكل متكامل، والاعتراف بأن الظواهر المناخية المتطرفة أصبحت أكثر تردداً؛ فالأعاصير أقوى، والفيضانات أوسع، والجفاف أشد قسوة. والعمل على تفعيل دبلومسية قطرة الماء لضمان حقوق الأجيال في ملف المياه العابرة للحدود، اذ تبرز الحقيقة القاسية بأن الاتفاق المائي السهل هو تفريطٌ في حق الأجيال القادمة. إن التفاوض المضني على كل قطرة هو السبيل الوحيد لضمان تدفق الحياة عبر الحدود دون انقطاع. وفي هذا السياق، يجب أن تُحسب أية إطلاقات مائية من دول المنبع كـ "تعويض عادل" عن الأضرار التي لحقت بالعراق كدولة مصب، وليس "صدقة" أو منة، وذلك لسد فجوة الثقة التاريخية. أما فيما يخص الاتفاقية الإطارية الأخيرة، فيبدو أنها كانت "صفقة كبرى" لتركيا، حيث حصدت من خلالها شرعنة مشاريعها الهيدروليكية بغطاء قانوني، وامتيازات استثمارية، مقابل وعود للعراق دون ضمانات ملموسة. وهذا الوضع يضع العراق في الطرف الخاسر من المعادلة الوطنية والإقليمية، ما لم تتحرك الحكومة المقبلة لتحويل التزامات مذكرات التفاهم إلى إجراءات واقعية تحمي السيادة المائية وان أهمية لغة الأرقام والبيانات في صناعة القرار تعتبر مهمة جداً لكي يتم تقييم المخاطر المائية بجدية وعمق من قبل صناع القرار، يجب القيام بخطوات عملية تشمل رفع السرية عن البيانات وتحويل المعلومات "المركونة على الرفوف" إلى دراسات علمية كفيلة بتقليل الخسائر البشرية والمادية. وترجمة مخاطر الفيضانات والجفاف إلى مصطلحات مالية واقتصادية يحترمها أصحاب القرار السياسي. وبالرغم من الأهمية العالمية للمياه، يجب أن يكون تركيزنا محلياً، عبر العمل الجماعي والتفكير المبتكر "خارج الصندوق" لضمان الأمن المائي. إن رسم ملامح جديدة لمستقبل موارد العراق المائية يتطلب إرادة سياسية صلبة تدرك أن المياه هي شريان الحياة الذي لا يقبل المقايضة أو الحلول الترقيعية.
#رمضان_حمزة_محمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟