أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (54)














المزيد.....

عن الطوفان وأشياء أخرى (54)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 04:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فلسطين وإسرائيل: الدولة الاستيطانية والمقاومة كخيار وجودي
لا تعد المقاومة المسلحة في سياق الاستعمار الاستيطاني انحرافاً عن المسار السياسي، بل تجسيداً للحق المشروع في مقاومة الاستعمار، كما يكفله القانون الدولي، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 37/43 (1982)، والمادة 1 من الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللذين يكفلان للشعوب حق تقرير مصيرها.
الأصل في القول إن الاستعمار الاستيطاني لا ينتهي بالتفاوض، بل باستعادة السيادة على الأرض. فهذا الشكل من الاستعمار لا يعيد توزيع الموارد أو تطوير البنية التحتية، بل يعيد توزيع السكان أنفسهم، عبر التطهير العرقي والمصادرة والفصل المؤسسي. وتشير تقارير مؤسسات حقوقية دولية، منها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، إلى أن إسرائيل تمارس سياسات تمييز عنصري منهجي ضد الفلسطينيين، وهو ما يعزز مشروعية المقاومة كوسيلة دفاع مشروع. في هذا السياق، تصبح المقاومة، بما فيها المسلحة، استجابة وجودية لمشروع يهدد بمحو الشعب الأصلي من جذوره.
من العسف تقدير قيمة وأهمية ومشروعية المقاومة المسلحة وفق معايير التفوق التكتيكي أو الانتصار العسكري المباشر، وإنما يجري ذلك وفق قدرتها على إفشال مشروع الاستبدال الديموغرافي، الذي يشكل جوهر الاستعمار الاستيطاني. أي فعل مقاومة، مدنياً كان أو مسلحاً، يعيد الشعب الأصلي إلى المعادلة السياسية، ويمنع محوه من المشهد التاريخي والجغرافي. وتُقاس "جدوى" المقاومة ليس بقدرتها على إلحاق الخسائر بالمحتل، بل بقدرتها على الحفاظ على الوجود وإعادة تأكيد السيادة على الأرض كمجال سياسي لا يمكن التنازل عنه.
يعيد فعل المقاومة إلى الواجهة حقيقة أساسية: أن الفلسطينيين ليسوا طرفاً في نزاع حدودي، بل شعب أصيل يقاوم مشروعاً يهدف إلى استبداله. ومن هذا المنظور، لا يمكن تقويم "جدوى" المقاومة بمعيار التفوق العسكري، بل بمعيار استمرار الوجود. حتى لو فشلت المقاومة المسلحة تكتيكياً في لحظة معينة، فإنها تنجح استراتيجياً حين تفشل مشروع النسيان، وتذكر العالم بأن القضية ليست صراعاً دينياً، بل مواجهة لاستعمار استيطاني متواصل.
في هذا السياق، لا يمكن فهم "عملية طوفان الأقصى" (7 تشرين الأول 2023) كحدث معزول، بل كتعبير ميداني عن مقاومة متراكمة ضد نظام استعماري مستمر منذ أكثر من سبعة عقود، وضمن بنية استعمارية عميقة. فالمقاومة الفلسطينية، بما فيها العمليات المسلحة، لا توجه ضد اليهود كديانة أو هوية، بل ضد الدولة الصهيونية كجهاز استعماري يمارس العنف الهيكلي منذ النكبة وحتى الحصار المفروض على غزة.
ومن هذا المنطلق، تكسب عملية "طوفان الأقصى" شرعيتها ليس كفعل انتقامي، بل كفعل مقاومة ضد احتلال استيطاني متجذر يرفض أي حل سياسي عادل، ويواصل تفكيك البنية الوجودية للشعب الفلسطيني عبر الاستيطان والحصار وتجريد الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية.
الفلسطينيون لا يدافعون في مقاومتهم عن "أرض مقدسة" أو "هُوية دينية"، بل عن حقهم كأصحاب الأرض في البقاء على أرضهم في مواجهة مشروع استعماري يعيد إنتاج نفسه عبر الدولة الحديثة، وممارسة العنف البنيوي منذ النكبة وحتى العدوان الأخير على غزة.. وبهذا المعنى، تؤكد "عملية طوفان الأقصى" أن الصراع لا يمكن حله باتفاقات تُهمش حق الشعب الأصلي في تقرير مصيره.
تستمد المقاومة المسلحة مشروعيتها من طبيعة النظام الذي تقاومه، وليس من نتائجها الفورية. وفي ظل غياب آليات دولية فعالة لإنهاء الاحتلال، واستمرار الدولة الاستعمارية في رفض أي حل عادل، تصبح المقاومة، بما فيها المسلحة، استجابة عقلانية لمنطق القوة الذي يحكم العلاقة بين المستعمِر والمستعمِر. وهذا-بطبيعة الحال- لا يبرر كل فعل عسكري، لكنه يضعه في سياقه البنيوي، بعيداً عن التجريم الأخلاقي المجرد. فالعنف في سياق الاستعمار ليس رجوعاً إلى البدائية، بل فعل إعادة تأكيد للذات بعيداً عن التجريم والتشويه.
ضمن هذا الإطار، يمكن قراءة "طوفان الأقصى" كفعل سياسي وعسكري أعاد كسر وهم الاستقرار الذي بنته (وراكمته) إسرائيل عبر إدارة الصراع.
لم يكن الطوفان حدثاً منفصلاً عن سياق طويل من الحصار وتجريد الحقوق وتحويل غزة إلى فضاء مغلق يُدار كمسألة أمنية بحتة، وتطبيق آليات متوحشة لإدامة العنف ضد الفلسطينيين
إن إدانة الفعل المقاوم بمعزل عن البنية التي أنتجته تعيد إنتاج منطق الاستثناء، حيث يطلب من المستعمَر التصرف بحكمة وعقلانية، بينما يُعفى النظام الاستعماري القائم من مساءلة شروط وجوده.
ولكي يكون للكلام معنى؛ الإقرار بشرعية المقاومة لا يعني تبني قراءة رومانسية لها، ولا إنكار الكلفة البشرية الهائلة، بل وضعها في سياقها التاريخي والسياسي. وكما أشار فانون، لا يولد العنف في المجتمعات المستعمرة من فراغ، بل يتكثف حيث تُسد أفق السياسة وتُفرغ القنوات القانونية من معناها، ليصبح العنف لغة مفروضة، قد لا تكون هي اللغة المفضلة، ولكنها ، والحال هذا، هي اللغة الوحيدة المتاحة.
وإلى جانب ذلك، يبقى السؤال المركزي الذي على الفلسطينيين الإجابة عليه عاجلاً أم آجلاً: كيف يمكن مقاومة استعمار استيطاني على شاكلة إسرائيل مع الاحتفاظ بالتفكير في مستقبل الشعب الفلسطيني؟
كيف يمكن تفكيك منطق الاستعمار الاستيطاني في عالم تغيّرت فيه شروط السياسة، وتراجعت فيه مركزية الدولة القومية الكلاسيكية.
أحد البدائل المطروحة هو إعادة تسييس القضية الفلسطينية كقضية تحرر من بنية استعمارية، بدل من محاولات اختزالها في قضية نزاع "حدودي إشكالي" قابل للتسوية التقنية.
مثل هذا التحول يعيد ربط فلسطين بتجارب عالمية في مقاومة الاستعمار والعنصرية البنيوية، ويفتح آفاقاً لتحالفات تتجاوز منطق الوساطة الدولية التقليدية.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الطوفان وأشياء أخرى (53)
- عن الطوفان واشياء أخرى (52)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(51)
- انتفاضة الحجارة في زمن الإبادة والتطبيع والتنسيق
- قراءة في كتاب ستانلي ميلغرام. الطاعة للسلطة: وجهة نظر تجريبي ...
- انتفاضة الحجارة :بين العفوية و القصدية
- سوريا اليوم... نحو لغة سياسية جديدة
- زمن الضفادع: مجازات الطغيان في التجربة السورية
- جدل الصمت، الحضور الخفي وانكسار الإيمان
- دونالد ترامب وعصر ما بعد الحقيقة في الخطاب السياسي
- عن الطوفان وأشياء أخرى (50)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (48)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (49)
- قراءات في كتاب عصور الرأسمالية الأمريكية : تاريخ الولايات ال ...
- في معنى أن تكون فلسطينياً: -باراديم- الفعل السياسي والمعنى
- كيف يصبح الخوف مصنعاً لحكايات -الغولة-
- أنطولوجيا الخوف في ظل الدولة الأسدية
- من -الكيانية- إلى -الفلسطينيزم-: تحولات الوعي الفلسطيني بين ...
- المثقف السمسار والمستعمِر: التبعية والهيمنة
- ما بعد إيران: صعود نموذج -القوة الوظيفية- وانحسار استراتيجية ...


المزيد.....




- هل تتبع الأسلوب الأمريكي أم القاري عند تناول الطعام؟ خبراء آ ...
- جدل واتهامات بشأن وثائق إبستين: وزارة العدل الأميركية تنفي - ...
- مقتل جنرال روسي رفيع في تفجير سيارة مفخخة في موسكو
- هل تستطيع المنظومة الروسية -إس-500- تحييد مقاتلات -إف-35-؟
- إدارة ترامب تنشر صورة له في ملفات إبستين وتنفي محاولة التستر ...
- صحف عالمية: لقاء ترامب ونتنياهو مرهون بمحادثات الوسطاء في مي ...
- فيديو.. إسرائيل تخنق بيت لحم في أعياد الميلاد
- -يحتجزون الشباب ويطلبون الفدية-.. نازح من الفاشر يروي قصة نج ...
- ليبراسيون: أوكرانيا تتعقب الأسطول الشبح الروسي حتى البحر الم ...
- الجزيرة ترصد تدهور القطاع الصحي في غزة مع تحذيرات من انهياره ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (54)