أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عائد زقوت - غزة بين الإعمار والهيمنة: كيف تُدار الطاقة بعد الحرب؟














المزيد.....

غزة بين الإعمار والهيمنة: كيف تُدار الطاقة بعد الحرب؟


عائد زقوت

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 11:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تَعُد غزة أولوية استراتيجية للأطراف الإقليمية والدولية بقدر ما تمثل عبئًا تفاوضيًا، في مقابل تركيز الأطراف الرئيسة في معركتها على تثبيت مكاسبها الأمنية والسياسية والاقتصادية لا سيما البنية الطاقوِيّة كأحد مرتكزات الموارد السيادية في منظومة الإمدادات الإقليمية بمنطق المقايضة الصامتة.

منذ دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ وفق الخطة الأميركية وقرار مجلس الأمن 2803، انتقل النقاش الدولي من ساحة المعركة إلى فضاء "إعادة الإعمار". غير أنّ هذا الانتقال يُخفي تحوّلًا أعمق: من إدارة الصراع بالسلاح إلى إدارة غزة عبر الموارد والطاقة، بما يحدّد شكل القطاع وموقعه في المعادلة الفلسطينية والإقليمية في مرحلة ما بعد الحرب.

في هذا السياق، لم يَعد الغاز الطبيعي مسألة اقتصادية، بل أداة سياسية مركزية. وتتجسد هذه الأداة في مفارقة واضحة بين حقلين متجاورين في شرق المتوسط: حقل "لفيتان" قبالة ميناء حيفا الإسرائيلي الفاعل والمتوسع، وحقل "غزة مارين" الفلسطيني المُعطّل منذ أكثر من عقدين.

لم يَعد الاحتلال يُمارَس بالقوة العسكرية وحدها، بل عبر التحكم بشروط الحياة الأساسية: الكهرباء، الوقود، وشبكات الطاقة. هذا هو جوهر ما يمكن تسميته بـ"الهيمنة الطاقيَّة"، حيث تُدار المجتمعات عبر ضبط مقومات بقائها اليومية. وفي حالة غزة، يجري تأطير المسألة بعد الحرب بوصفها أزمة إنسانية تتطلب إدارة تقنية، لا قضية سيادة وحقوق سياسية. وهنا تكمن الخطورة: تحويل الصراع من مسألة تحرر إلى مسألة إدارة.

في المقابل، يمثل حقل "لفيتان" أحد أهم التحوّلات الاستراتيجية لإسرائيل خلال العقد الأخير. فهو لا يوفر مصدر طاقة فحسب، بل يُنتِج فائض قوة اقتصاديًا وأداة اندماج إقليمي، إذ تُصَدِّر إسرائيل الغاز إلى مصر والأردن وتطمح لتعزيز حضورها في السوق الأوروبية خصوصًا بعد التراجع الملحوظ في اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. وبهذا المعنى، يتحول الغاز إلى أداة هيمنة ناعمة، تُطَبَّع من خلالها مركزية إسرائيل في منظومة الطاقة الإقليمية، بحيث يبدو تجاوزها مُكْلفًا أو مستحيلًا.

أمّا على الضفة الأخرى من البحر، فيرقد حقل "غزة مارين" منذ اكتشافه عام 2000 دون استغلال. وتُقَدَّر احتياطاته بنحو تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهي كمية كافية لتلبية احتياجات غزة لعقود، وتوليد فائض اقتصادي مهم. ومع ذلك، لم يُشَغَّل الحقل يومًا، ليس بسبب عجز تقني أو غياب استثمار، بل نتيجة قرار سياسي واضح. فتشغيله يعني استقلالًا طاقيًا يحرّر القطاع من التحكم الإسرائيلي في إمدادات الكهرباء والوقود، ويوفّر دخلًا سياديًا يُقلّص الارتهان للمساعدات الدولية، ويُؤسس لاعتراف عملي بالحقوق الفلسطينية في البحر.

وتوسعت القضية لتشمل مفاوضات ثلاثية بين إسرائيل وأميركا ودول نفطية وازنة ومؤثرة حول إدارة أي عائدات محتملة من حقل "غزة مارين" في عملية إعادة إعمار القطاع.
وفق تقارير دبلوماسية تهدف هذه المفاوضات، إلى ضمان إبقاء غزة مرتبطة بالتمويل الخارجي، كما تسعى إلى ضمان أنْ تظل السيطرة النهائية على الموارد والقرارات الاقتصادية بيد الأطراف الثلاثة، وليس الفلسطينيين أنفسهم.

بعد الحرب، يُعاد إنتاج هذا المنطق ذاته. فخطط "الإعمار" المطروحة تُصَمَّم على أساس إبقاء غزة مرتبطة بمصادر طاقة خارجية، وإعادة بنائها كمستهلك دائم لا كمنُتِج. هكذا تتحول الطاقة من حق طبيعي إلى أداة ضبط سياسية، وتُدار الحياة اليومية في القطاع عبر صمامات الإمداد والتصاريح السياسية، لا عبر قرار ذاتي.

تأكيدًا على ذلك، يرى خبراء اقتصاديون وقانونيون أنّ منع الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية، مثل احتياطيات الغاز في حقل "غزة مارين"، يُعيق استقلالية القطاع الطاقيِّة والسيادية. فقد أشار تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى أنّ الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك السواحل البحرية قبالة غزة، تزخر بخزانات من النفط والغاز الطبيعي، غير أنّ الفلسطينيين لم يتمكنوا من تطويرها واستغلالها لصالح تنمية اقتصادية واجتماعية، ما يعني حرمانهم من موارد كان يمكن أنْ تُموِّل طموحهم الطاقي والاقتصادي وتقلص اعتمادهم على التمويل الخارجي. وفق التقرير، إنّ استمرار منع الفلسطينيين من تطوير هذه الموارد يزيد من التكاليف الاقتصادية ويفرض اعتمادًا على الخارج بدلًا من بناء اقتصاد مستقل، ويُعيد إنتاج الهشاشة نفسها ويُعطّل فرص الاستقرار بأدوات أكثر حداثة.

في ذات السياق تتقاطع الاتصالات الهاتفية والتحركات العسكرية وحسابات المصالح الكبرى، في لحظة تؤكد أنّ قواعد اللعبة تغيَّرت: أمام الانصياع لتوازنات القوة أو السقوط تحت ضغطها، فيما تُرسم النهايات بشأن غزة ومصير القضية الفلسطينية بُرمّتها خلف الأبواب المغلقة أكثر مما تُحسم في أرض المعركة.

السؤال الجوهري إذن:
هل ستبقى غزة تحت الحصار عبر وصاية دولية متجددة، تُمارَس مرة أُخرى عبر حرمانها من مواردها؟، وإلى متى سيبقى القادة الفلسطينيون متمسكين بنظرية البقاء، خشية الإقصاء عن المشهد السياسي؟
الإجابة لن تحدد مستقبل القطاع وحده. بل ستحدّد نموذج الصراع العربي–الإسرائيلي كله في عصر ما بعد النفط، حيث لم تَعُد الأرض وحدها ميدان النزاع، بل ما تحتها من موارد طاقيَّة ومعادن نادرة، والتسابق على سطحها نحو الطاقة الخضراء، وما قِبالتها في البحر.
ولكي تتمكن الأطراف الرئيسة في المنطقة من كسر دائرة الهيمنة الطاقيَّة وارتداداتها السياسية لا بد أولًا من بناء استراتيجية تكاملية بين دول الترويكا العربية " السعودية ومصر والإمارات"، وثانيًا يتطلب الأمر اعتراف حركة حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني بلا مواربة ودون اشتراطات، تعضيدًا ودعمًا لدور الترويكا العربية، ولمنظمة التحرير في مواجهة تصفية القضية الفلسطينية والهيمنة السياسية والاقتصادية.



#عائد_زقوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى رحيل أمي
- حين يُصبح الألم وقودًا... ويحيا نهج الشيطان
- تركيا أُنموذجًا لاختبار واشنطن نظامًا جيوسياسيًا شرق أوسطيًا ...
- حِينَ يَنهضُ القَلبُ من حُطامِهِ
- العلاقات المصرية الإسرائيلية.. بين الأمن والسيادة-- إدارة ما ...
- بين الصهيونيّة الدينيّة والصهيونيّة الليبراليّة: إسرائيل إلى ...
- من وعد بلفور إلى الاعتراف الأوروبي: قرن من التحوّلات بين الو ...
- حين يتكلم التاريخ بلسان مصر
- أولوية الشّعب: بين الحُكم والسّلاح
- الإعلان الدستوري : بين إدارة الضرورة ومعضلة الشرعيّة
- إلغاء القمة ورسائل توماهوك: السياسة الأميركية بين القوة والح ...
- بين التّحديات والمسؤوليّة: نحو تحويل وقف الحرب إلى فرصة وطني ...
- بين السلطة والضمير: استراحة على شاطئ التاريخ
- الطموح الفلسطيني: بين الوصاية والدولة
- مصر.. سند فلسطين ودرع العروبة
- ناصر القدوة.. في قلب الحسابات الفلسطينية المُقبِلة
- غزة.. بوابة النظام الإقليمي الجديد
- مصر في قلب عاصفة غزة.. ضغوط متجددة ومعادلة إقليمية معقدة
- ورقة التوت الأخيرة: هل تُخفي خطة ترامب نهاية المشروع الوطني ...
- خطة ترامب لغزة.. وقفٌ ممكنٌ للحرب أم سرابٌ سياسيٌّ؟


المزيد.....




- هل تتبع الأسلوب الأمريكي أم القاري عند تناول الطعام؟ خبراء آ ...
- جدل واتهامات بشأن وثائق إبستين: وزارة العدل الأميركية تنفي - ...
- مقتل جنرال روسي رفيع في تفجير سيارة مفخخة في موسكو
- هل تستطيع المنظومة الروسية -إس-500- تحييد مقاتلات -إف-35-؟
- إدارة ترامب تنشر صورة له في ملفات إبستين وتنفي محاولة التستر ...
- صحف عالمية: لقاء ترامب ونتنياهو مرهون بمحادثات الوسطاء في مي ...
- فيديو.. إسرائيل تخنق بيت لحم في أعياد الميلاد
- -يحتجزون الشباب ويطلبون الفدية-.. نازح من الفاشر يروي قصة نج ...
- ليبراسيون: أوكرانيا تتعقب الأسطول الشبح الروسي حتى البحر الم ...
- الجزيرة ترصد تدهور القطاع الصحي في غزة مع تحذيرات من انهياره ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عائد زقوت - غزة بين الإعمار والهيمنة: كيف تُدار الطاقة بعد الحرب؟