أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وسيم وني - سجون الاحتلال بين السياسة والجريمة: حين يتحوّل الإذلال إلى إرهاب دولة منظم محمي بالقانون…بقلم د. وسيم وني














المزيد.....

سجون الاحتلال بين السياسة والجريمة: حين يتحوّل الإذلال إلى إرهاب دولة منظم محمي بالقانون…بقلم د. وسيم وني


وسيم وني
كاتب

(Wassim Wanni)


الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 20:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سجون الاحتلال بين السياسة والجريمة: حين يتحوّل الإذلال إلى إرهاب دولة منظم محمي بالقانون…بقلم د. وسيم وني


بقلم د. وسيم وني - عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين

لم يعد ممكنًا توصيف ما يجري داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي بلغة ملتبسة أو حيادية فالروايات التي خرجت إلى العلن، مدعومة بتقارير حقوقية وشهادات متقاطعة، تُظهر بوضوح أن منظومة الاحتجاز لم تُنشأ فقط لضبط “الأمن” كما تدّعي سلطات الاحتلال، بل لتكون أداة سياسية فاعلة في مشروع السيطرة والإخضاع وكسر إرادة أسرانا البواسل.

إن السجن، في التجربة الفلسطينية، لم يعد فضاءً قانونيًا تحكمه قواعد العدالة، بل تحوّل إلى ساحة تُمارس فيها سلطات الاحتلال سلطتها العارية على الجسد والكرامة، في غياب أي مساءلة حقيقية.
في السياق الفلسطيني، لا يمكن فصل منظومة السجون عن بنية الاحتلال ذاتها ، فالاعتقال ليس إجراءً استثنائيًا، بل سياسة دائمة تُستخدم لضرب النسيج الاجتماعي، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي تحت ضغط الخوف ، الاعتقال الإداري، الذي يُنفَّذ دون تهمة أو محاكمة، يُعدّ المثال الأوضح على هذا الاستخدام السياسي للقانون، حيث تتحول النصوص القانونية إلى أدوات قمع بدلًا من كونها ضمانات حماية.

كما أن ما يتعرض له أسرانا البواسل داخل سجون الاحتلال ، وفق الشهادات المتكررة، يعكس فلسفة عقابية تقوم بها سلطات الاحتلال وتعتمد على الإذلال المنهجي، لا على المساءلة القانونية ، فالسجن هنا لا يُدار بوصفه مكانًا لتنفيذ حكم قضائي، بل كوسيلة لكسر إرادة الأسرى وإرسال رسالة ردع جماعي تتجاوز حدود الزنزانة لتطال شعبنا الفلسطيني برمته .

ومن أخطر ما تكشفه شهادات الأسرى المحررين هو الطابع المتكرر والمتشابه للانتهاكات ، فحين تتكرر الممارسات نفسها، وبالأساليب ذاتها، وفي مواقع احتجاز متعددة، يصبح من غير الممكن توصيف ما يجري كأخطاء فردية أو تصرفات معزولة، نحن أمام نمط ثابت، يُدار بعقل مؤسسي وبإرهاب دولة منظم، ويُنفَّذ بثقة نابعة من غياب المحاسبة، كون هذا التكرار المنهجي لا يفضح فقط طبيعة الممارسات، بل يكشف أيضًا عن وجود تعليمات ضمنية أو صريحة تسمح بحدوثها، أو على الأقل تتغاضى عنها. وهنا تتجلى مسؤولية الدولة ككيان سياسي وقانوني، لا كطرف عاجز عن ضبط سلوك أفراده.

فمن منظور القانون الدولي الإنساني، فإن ما يجري داخل سجون الاحتلال يشكّل خرقًا واضحًا لاتفاقيات جنيف، ولا سيما الاتفاقية الرابعة التي تُلزم القوة القائمة بالاحتلال بحماية السكان الواقعين تحت سيطرتها، وتحظر تعريضهم لأي معاملة قاسية أو مهينة ، كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يجرّم الاعتقال التعسفي، ويكفل حق المحتجز في محاكمة عادلة وضمانات قانونية واضحة.

لكن الأخطر من مجرد الانتهاك، هو الطابع المنهجي لهذه الممارسات ضد أسرانا ، فوفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الأفعال التي تُرتكب في إطار سياسة عامة، أو هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة سكانية محددة، قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية ، وهذا الوصف لا ينطبق فقط على طبيعة الأفعال، بل على السياق الذي تُرتكب فيه، وهو سياق احتلال طويل الأمد قائم على التمييز والسيطرة.

وهنا لا يمكن فهم استمرار هذه الانتهاكات دون التوقف عند مسألة الإفلات من العقاب،فغياب التحقيقات الجدية، أو الاكتفاء بإجراءات شكلية، يعكس إرادة سياسية واضحة بعدم محاسبة المسؤولين ، وحين تُغلق الملفات، أو تُبرّأ المؤسسات الأمنية تلقائيًا، تتحول العدالة إلى واجهة شكلية، ويُمنح الجلاد شعورًا مطلقًا بالحصانة.

في المقابل، يواصل المجتمع الدولي سياسة الكيل بمكيالين، مكتفيًا بإصدار بيانات قلق لا تترجم إلى إجراءات قانونية أو سياسية فاعلة ، هذا الصمت لا يمكن اعتباره حيادًا، بل هو مساهمة غير مباشرة في تكريس منظومة الانتهاك، وتقويض لمبدأ عالمية حقوق الإنسان.

وما يزيد المشهد قتامة هو أن ما كُشف حتى الآن لا يمثل الصورة الكاملة ، فثقافة الخوف، والضغوط النفسية، والوصمة الاجتماعية، تجعل كثيرًا من أسرانا عاجزين عن الحديث عمّا تعرضوا له ، وهذا الصمت القسري يعني أن حجم الجرائم الحقيقي أكبر بكثير مما هو موثق، وأن ما نعرفه اليوم ليس سوى الجزء الظاهر من واقع أعمق وأكثر اتساعًا ، ويُعد تجاهل هذا البعد لا يقل خطورة عن الجريمة نفسها، لأنه يسمح باستمرارها بعيدًا عن الضوء، ويمنح مرتكبيها وقتًا إضافيًا لترسيخها كأمر واقع.

ولذلك إن استمرار هذه الممارسات يضع المنظومة الدولية أمام اختبار حقيقي فإما أن تكون القوانين الدولية أدوات فاعلة لحماية الإنسان، أو تتحول إلى نصوص انتقائية تُطبّق على الضعفاء فقط ، وإن غياب المساءلة لا يهدد حقوق أبناء شعبنا الفلسطيني وحدهم، بل يقوّض أسس العدالة الدولية برمتها، ويفتح الباب أمام تطبيع الجريمة بوصفها “ضرورة أمنية”.

وفي النهاية إن ما يجري داخل سجون الاحتلال ليس تفصيلًا هامشيًا في مشهد الصراع، بل أحد تعبيراته الأكثر فجاجة. فحين تستخدم الدولة السجن كأداة إذلال ممنهجة، وتُحصّن نفسها من المحاسبة، فإنها تعلن صراحة أن القانون خادم للسلطة لا رقيب عليها. إن الصمت الدولي لم يعد موقفًا محايدًا، والتأجيل لم يعد خيارًا أخلاقيًا ، ففي مواجهة سياسة تقوم على كسر الإنسان، تصبح الحقيقة فعل مقاومة، وتغدو المحاسبة واجبًا لا يقبل المساومة.



#وسيم_وني (هاشتاغ)       Wassim_Wanni#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأقصى على أبواب اختبار خطير: ماذا تُخبّئ أيام “الحانوكاه” ل ...
- تآكل الشرعية وتصدع القيادة: إسرائيل تدخل مرحلة الخطر الوجودي ...
- استهداف القيادة الفلسطينية: قراءة في خطورة التحريض الممنهج ض ...
- واحد وعشرون عاماً… ولا يزال أبو عمار حالة من النهوض الوطني ا ...
- أسرانا خلف جدران العزلة.. جريمة صامتة تفضح سقوط الإنسانية …ب ...
- الدبلوماسية الفلسطينية تُربك إسرائيل وتعيد تموضع القضية دولي ...
- فلسطين تُعترف بها دوليًا : نجاح سياسي وإنساني يعزز مكانة فلس ...
- حين يصبح الموت أهون من النزوح ..غزة بين الإبادة والتهجير الق ...
- الإعلام الفلسطيني في لبنان.. معركة الوعي وحماية الهوية...بقل ...
- غزة… الجوع كقنبلة صامتة في وجه الإنسانية...بقلم د. وسيم وني
- الأقصى بعد نصف قرن من إحراقه: من ألسنة اللهب إلى مخطط الإحلا ...
- في غزة المُجوَّعة.. حوامل يواجهن الموت، وأجنّة يُحاصَرون في ...
- المساعدات الإنسانية بين القانون الدولي وممارسات الاحتلال غزة ...
- في يوم الأسير الفلسطيني لابد للقيد أن ينكسر مهما طال أمد الا ...
- اسرائيل الكيان الخارج عن القانون
- إنهاء الأونروا تمهيد لتصفية القضية والعمل بصفقة القرن مع عود ...
- هل تشهد المنطقة بداية النهاية للحرب؟..
- عداد الموت والدمار في غزة لا يتوقف مع استمرار المجازر اليومي ...
- الفلسطيني يتحدى آلة الموت الإسرائيلية ويتمسك بأرضه..
- أطفال فلسطين ضحية آلة القتل الإسرائيلية ...


المزيد.....




- افتتاح مبهر لكأس أفريقيا والمغرب يبدأ بانتصار على جزر القمر ...
- محادثات إنهاء الحرب الأوكرانية.. إشارات إيجابية من واشنطن
- حذف صور من أرشيف إبستين.. ووزارة العدل: لا علاقة لها بترامب ...
- قبل لقائه ترامب.. نتنياهو يجري مشاورات أمنية بشأن إيران
- نجاة مسؤول يمني من محاولة اغتيال في شبوة
- مرتبطة بـ-بعقوبات النفط الإيراني-.. مسؤول أمريكي: خفر السواح ...
- لماذا يكثف ترامب هجماته على فنزويلا؟
- رغم الجدل.. ويكيبيديا تُبقي توصيف -الإبادة- لأفعال إسرائيل ف ...
- بايرن -بطل الخريف- ويبتعد عن دورتموند قبل العطلة بتسع نقاط
- كأس الأمم الأفريقية 2025: المغرب يسجل أول انتصار في الدورة ب ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وسيم وني - سجون الاحتلال بين السياسة والجريمة: حين يتحوّل الإذلال إلى إرهاب دولة منظم محمي بالقانون…بقلم د. وسيم وني