|
!!بئس الكرسي لما يصير هو العقيدة والقضية
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1839 - 2007 / 2 / 27 - 12:58
المحور:
القضية الفلسطينية
تكشف مجريات الأحداث وتسارع الوقائع في أرض فلسطين عن حقائق لم يكن بالحسبان تخيلها فأحرى توقعها . ذلك أن حالة الاقتتال التي عمت قطاع غزة وروعت أمن المواطنين وسكينتهم لم تترك خطا أحمر إلا وعبثت به وبكل الدلالات التي يوحي إليها وكذا بالقيم السامية التي أشاعها النضال ضد الاحتلال الصهيوني وكرستها روح المقاومة التي فجرتها انتفاضة 87 المجيدة . حينها بلغ التضامن والتكافل مراقي أصبح معها الشعب الفلسطيني أسرة واحدة يتنافس أعضاؤها في حب الوطن والتضحية في سبيل استقلاله . وصرنا نقرأ ونسمع عن أن شرف الأسر بات يقاس بأعداد الشهداء الذين قدمتهم من أبنائها فداء للوطن . وكذلك الحال في مجالات اجتماعية أخرى ، يأتي الزواج في مقدمتها ، حيث توارت أعراف التكافؤ الأسري وارتفاع المهور والأعراس الباذخة . كان هاجس الشعب الفلسطيني ، وهو يبدع أشكال وطرق النضال ، تقوية اللحمة الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية ؛ لأنها هي سنده الرئيسي ومصدر قوته وصموده الأسطوري . كما ظلت وحدة الصف الفلسطيني تنعش آمال الجماهير العربية في الوحدة والديمقراطية والحرية . وفي كل الحالات كانت القضية الفلسطينية تمنح ما يكفي من الفرص للجماهير الشعبية للتظاهر خارج الألوان الحزبية ، وللقادة العرب ما يضمن التآم قممهم وتجاوزهم لكل الخلافات البينية . هذا الإرث النضالي الهام والمشترك نراه اليوم وقد صار مجالا لعبث العابثين الذين حولوا بنادقهم إلى نحور بعضهم البعض ، ليس دفاعا عن الوطن وشرف وكرامة المواطنين ، بل رغبة في الكرسي و"تضحية" من أجل الحفاظ عليه . وحين يكون الذاتي هو المحرك والباعث تكون حتما الشراسة والفظاعة ، فتختفي كل القيم النبيلة والأخلاق النضالية الرفيعة . وقد عكس الصحافيون حقيقة الدرك الأسفل من الوضاعة التي انتهى إليها الاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين حين اضطر المراسلون لارتداء الخوذات والسترات الواقية من الرصاص وهم يغطون جولات الاقتتال وشراسته في شوارع غزة وأزقتها ، وكأن الأمر يتعلق فعلا بساحة حرب . إنه لأمر خطير ومؤسف أن ينتهي النضال الفلسطيني إلى اقتتال داخلي لا ينجو منه الأطفال ولا النساء . والأخطر من ذلك ما كشف عنه مدير عام الإسعاف في وزارة الصحة الدكتور معاوية حسنين من " أن عددا من المصابين نزفوا حتى الموت في المكان دون أن تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول إليهم بسبب الاشتباكات العنيفة الدائرة في مناطق مختلفة في مدينة غزة وشمال القطاع ". هذا المشهد المروع لم لا يحدث إلا في ظل الاجتياح الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية . بل إن تقارير صحفية تحدثت عن إطلاق الرصاص على سيارات الإسعاف ذاتها . إن شراسة الاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين فاقت بشاعة الهمجية الإسرائيلية . إذ في ظرف 24 ساعة سقط من القتلى مالا يقل عن 26 قتيل . وحسب إحصائية لمركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة أن إجمالي القتلى منذ بداية يناير 2007 أكثر من مائة. إذن فالوضع الفلسطيني الداخلي ، بسبب ما انتهى إليه من فلتان أمني خطير واقتتال فصائلي ، أصبح ينذر بفقدان تماسك المجتمع الفلسطيني . وهذا أخطر من فقدان تماسك السلطة . على اعتبار أن السلطة لها مؤسسات ونظم وتشريعات يمكن تفعيلها لاسترجاع التماسك ، بينما تماسك المجتمع لا يمكن استرجاعه أو ضمانه مهما بلغت صرامة القوانين ودقة التشريعات . والمؤشرات المتوفرة تفيد أن المجتمع الفلسطيني بات مهددا ، أكثر من أي وقت مضى ، بفقدان تماسكه . من ذلك ارتفاع معدلات الإجرام والسطو المسلح ؛ إذ عوض أن يوفر السلاح أمن الفلسطينيين ويحمي ممتلكاتهم ، غدا مصدر تهديد مباشر فاق ما هي عليه التهديدات الإسرائيلية ، كما أكدت هذا الحاجة أم أيوب (64 عاما) بقولها: "لم نشعر خلال سنوات الاحتلال الطوال بالخوف على أولادنا كما نشعر بالخوف عليهم اليوم خلال الصراعات الدائرة بين الأخوة من فتح وحماس، فما يجري لم نكن نتوقعه، وعلى الجميع وقف نزيف الدم الفلسطيني ". إن هذا الاقتتال ، إن لم يتدارك الفلسطينيون أمرهم ، سيزيد المجتمع تفككا ويضعه على شفير الحرب الأهلية . ذلك أن القتل سيولد بالضرورة الثأر . إذ بعد أن كانت أرواح الشهداء توحد الفلسطينيين في مراسيم التشييع ومجالس العزاء حيث تتعالى زغاريد النساء رفعا للهمم وتحديا للهمجية الإسرائيلية ، صارت أرواح القتلى تؤجج مشاعر الحقد وميولات الثأر . بسبب ذلك فشلت كل المحاولات من أجل وقف الاقتتال رغم تعدد النداءات والاتفاقات الموقعة بين الطرفين المتصارعين ــ فتح وحماس ــ اللتان ما أن تنتهيا قيادتهما من تلاوة قرار التهدئة حتى يتجدد الاقتتال بشكل أكثر حدة من سابقه . كل هذا يضعنا أمام أسئلة محرجة منها : كيف يطلب الفلسطينيون من إسرائيل الالتزام بتعهداتها وهم لا يفعلون ذلك فيما بينهم ؟ هل الكرسي هو مبلغ المقاومة أم الوطن ؟ هل السلاح دفاع عن الشعب والوطن أم تهديد لهما وتفريط فيهما؟ عموما ، ومهما كانت فرص النجاح كبيرة أمام لقاء مكة المكرمة برعاية خادم الحرمين الشريفين ، فإنها لن تصمد طويلا بسبب الأسس العقائدية التي قامت عليها حركة حماس والتي تجعلها بديلا عن منظمة التحرير وضمنها حركة فتح ، سواء على مستوى طبيعة الدولة المنشودة كما تنص المادة السابعة والعشرون من ميثاقها الأساسي: ( تبنت المنظمة فكرة الدولة العلمانية وهكذا نحسبها. والفكرة العلمانية مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة، وعلى الأفكار تُبنى المواقف والتصرفات، وتتخذ القرارات. ومن هنا.. لا يمكننا أن نستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتبنى الفكرة العلمانية). أو على مستوى الموقف من إسرائيل ومن مبادرات السلام . وهذا ما نقرأه في أحد النصوص المنشورة في موقع المركز الفلسطيني للإعلام تحت بند النشأة والتطور ، حيث جاء فيه " برنامج الثورة الفلسطينية الذي تجمع وتبلور في منظمة التحرير الفلسطينية تعرض في الثمانينات إلى سلسلة انتكاسات داخلية وخارجية عملت على إضعافه وخلخلة رؤيته. وكانت سنوات السبعينات قد شهدت مؤشرات كثيرة حول إمكانية قبول م.ت.ف بحلول وسط على حساب الحقوق الثابتة لشعبنا وأمتنا وخلافاً لما نص عليه الميثاق الوطني الفلسطيني ، وتحولت تلك المؤشرات إلى طروحات فلسطينية واضحة تزايدت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد .. الأمر الذي عزز الاتجاهات الداعية للتوصل إلى تسوية مع العدو داخل المنظمة وتضمنت طروحات التسوية التنازل عن قواعد أساسية في الصراع مع المشروع الصهيوني" . ودون مراجعة هذه الأسس العقائدية ، ستظل احتمالات التطاحن أقوى من فرص التصالح .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جماعة العدل والإحسان بين بهتان الرؤى وارتباك القيادة .
-
بهتان رؤى جماعة العدل والإحسان
-
مناصرة الإرهابيين قاعدة توحد بين مواقف الإسلاميين
-
حَمَاس أبَاد أو إمارة -غزنستان- الإسلامية
-
غزة بين الفتنة والطلبنة- 1
-
أيها السياسيون اتعظوا
-
الإسلاميون إذا ما هاجوا وماجوا
-
هل نادية ياسين تجهل أن أباها يريد موالين لا محاورين ؟
-
ندية ياسين تروج لبضاعة أصابها البوار 1
-
الإدارة الأمريكية لا تجلب السلام ولا تنشر الديمقراطية
-
زواج المسيار امتهان للمرأة وتقويض لصرح الأسرة
-
...الذين يسعون لتخريب الأسرة وهدم كيانها
-
هل أصبح المغرب مشتلا للتطرف ووكرا للإرهاب ؟
-
رسالة إلى وزير المالية والخوصصة
-
تخليق الحياة العامة المدخل الرئيسي لكل تنمية حقيقية
-
الذين يجرون المغرب إلى مستنقع فتن المشرق
-
معاداة النظام لا تبرر مناصرة الإرهاب
-
محامو الشيطان والاتجار بحقوق الإنسان
-
الإرهاب والفساد وجهان لخطر واحد يهدد المغرب
-
أحداث 11سبتمبر وإستراتيجية نشر الإرهاب
المزيد.....
-
بيان من مجلس سوريا الديمقراطية بعد الإعلان الدستوري
-
لأول مرة.. السعودية تتفوق على مصر وإسرائيل في المقاتلات العس
...
-
اجتماع بين إيران وروسيا والصين في بكين لمناقشة البرنامج النو
...
-
بي بي سي تدخل قاعدة حميميم في سوريا التي تؤوي عائلات علوية
...
-
متى يعتبر نقص الحديد في الجسم مشكلة؟ وما أفضل طرق العلاج؟
-
الصين وروسيا تدعمان إيران مع ضغط ترامب لإجراء محادثات نووية
...
-
البرتغال تشكك في شرائها مقاتلات -إف-35- خشية من موقف ترامب
-
اكتشاف ينهي جدلا علميا واسعا حول المومياء المصرية -الحامل-
-
أوربان يعارض القرض المشترك للاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا وي
...
-
لوكاشينكو: منظومة صواريخ -أوريشنيك- الروسية ستدخل في الخدمة
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|