|
قراءة في كتاب:رسائل حب بالأزرق الفاتح للدكتور محمد صابر عبيد
أديب حسن محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1839 - 2007 / 2 / 27 - 08:59
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لم يكن كتاب د.محمد صابر عبيد "رسائل حب بالأزرق الفاتح" في حاجة إلى تقديم الشاعر الراحل نزار قباني حتى يفصح عن تميز كلماته،وعلو قامة رسائله... ربما الشيء الجوهري ..أو القاسم المشترك بين محتوى الكتاب وبين تقديم الشاعر قباني هو ذلك العنوان العريض (رسائل حب بالأزرق الفاتح) هذا العنوان الذي يشي بتقاطع روحي بين القاموس النزاري وبين محتوى رسائل د.محمد صابر عبيد.. لكن وبعد قراءة متأنية للكتاب نلمح وراء الكلمات شخصية رهيفة تمزج بين الروائي والقاص والشاعر وصائد اللحظات والخواطر الجميلة..فالرسائل بهذا المعنى فن من الصعوبة بمكان خلق نموذج متفرد منه يفترق عن التقريرية والمباشرة اللتان لا تكاد تنجو منهما كتابة الرسائل. استطاع المؤلف تقديم فن نبيل..زاخر باللحظات الموحية دون الوقوع في فخاخ السردية والمباشرة، وما كان له أن يفعل ذلك لولا إخلاصه لموضوع الرسالة التي هو في صددها،إضافة إلى تسلحه بموهبة أدبية لا غبار عليها تمكّنه من العبور إلى موضوع الرسالة بشيء من سحر المفردات التي تتميز بموسيقاها،وبفضائها الحساس الذي يتجاوز القاموس الأحادي إلى فضاءات أكثر رحابة وسحراً.. نقرأ مثلاً في الرسالة السابعة المعنونة"بيان أبيض بقامة النهار":
"شكراً لأصدقائي الأدباء الكرد الذين أتوهج بهم الآن،وآمل أن يتوهجوا بي...شكراً لهم من أقصى نرجسة في كردستان إلى أقصى نرجسة في أقصاها... شكراً لعروبة الكرد وكردية العروبة.."....ص60
ويقول في الرسالة الثانية عشرة المعنونة"ثلج ناعم وأفكار لا تحسن الرقص":
"لا تنشغل بالتفكير حين تعمل الأحاسيس،واقطع أصابع المنطق حين يفور الحليب وتمتلئ فقاعاته بالأنوثة والبياض..إنما خلقت الحياة للرقص وليس لأذرع الكمبيوتر وسيقان الرياضيات الحديثة".....ص82
إن لغة الرسائل التي نحن بصددها لغة متوثبة تستفز المعاني ولا تطمح إلى مغامرات الإلغاز وفي نفس الوقت لا تقع في الاستسهال والكلام المياوم،إنها لغة قادرة على تقديم فضاء أو حقل دلالي تتنفس فيه المعاني بشيء من سحر البيان الذي يضفي على الصور مسحة من روح الكاتب بحيث تدخل المشاهد والصور في مزيج ساحر مع الوجدان وتمتزج بنفثات الروح الإنسانية التي تطلق الأمكنة والمواقف من عقالها الرتيب الاعتيادي،وتخرجها في صور أكثر إشعاعاً،وأشد تأثيراً وخلباً لذائقة القارئ،ومن الملاحظ أن كل مفردات اللغة وتراكيبها يجندها الكاتب لخدمة الموضوع..موضوع الرسالة ونادراً ما تخرج المفردات ساهية عن خلق فضاء المعنى إلى شأن آخر،وهذا يعني أن الكاتب يمسك بخيوط الموضوع من أول حرف في رسالته إلى نقطة النهاية،دون أن يخرج اللغة إلى مهمات أخرى لا تزيد فنية النص شيئاً،ودون أن يستعرض مواهبه في الإطالة السمجة،أو الاستعراض الكمي الفارغ لمفردات لغوية خارجة عن قياس الموضوع. ولأن الأسلوب في رأيي لا ينفصل عن التكوين الشخصي الداخلي للكاتب فإن رسائل الدكتور محمد صابر عبيد تعتبر انعكاساً صادقاً لشخصيته البسيطة البعيدة عن التكلف والصنعة ومن هنا فإن الانعكاس الأهم يجيء على صعيدي اللغة والمواضيع،فمواضيع الرسائل بعيدة عن التفلسف والتعقيد،وهي موضوعات بسيطة يتناولها الكاتب بكاميرا داخلية تلتقط أدق التفاصيل،وتضعها في سياقها المكمل للبناء الجمالي العام،واللغة من الجهة الثانية تساير الموضوع فلا تسرف في التقوقع والمعجمية بل تنساب انسياباً كما لو أنها نفثة أو تنهيدة عميقة صادقة لا تبتغي شيئاً سوى كينونتها العفوية،يقول في الرسالة الثامنة المعنونة:ليس للحب طريق مختصر
"الطريق إلى بغداد قصيرٌ جداً لا يتسع حتى لهمسة،فسرعان ما قفلت راجعاً أمسح الحروف وألغي النقاط وأمحو آثار الأقدام،وأطلق سراح جياد الوقت وأحرر الأرصفة،وألون الأشجار الهاربة بالأخضر الغامق الضارب إلى السواد..وأمشط شعر جموحي وأربت على كتفه،وأعزي أشيائي التي أتنفّسها وتتنفّسني.."..ص67
لكن الاقتراب من المواضيع الحياتية المياومة لا يعني إغفال الكاتب لنقد الواقع العربي،لكنه يشخص هذا الواقع المريض بعدسته الخاصة التي لا ترى الأشياء كما يراها الآخرون..فنقرأ في الرسالة التاسعة عشرة"هواء مضبب لدم الزرقة":
(لقطار العرب الذي ما زالت طفولتنا تغني له،وهو يطوف من الشام لبغدان،ومن نجد إلى يمن،إلى مصر فتطوان...على الورق لا على الأرض....،لأن لعبته ليست سوى لعبة حلم تنتظر ديكتاتورية النهار لكي تجهز عليها،وتعلّقها إلى ليل قادم..في حلم قادم..)......ص132
في الرسائل الكثير من التأريخ لأشخاص تقاطعوا في حياتهم العجولة مع وجدان الشاعر الذي حفظ الكثير من اللحظات الحميمة وسطرها بالأزرق الفاتح بكلمات تفوح منها رائحة الوفاء،وفي الرسائل إخراج لبعض المناسبات الأدبية من إطارها الشكلاني الرتيب،بحيث تتحول إلى إشراقات متاحة للذاكرة المتوثبة للكاتب الذي يحوّل كل تلك الموجودات في مستودعات الذاكرة إلى كنوز تسبح على بياض الورق،وبحيث تغدو مادة هذا الكتاب أرشيفاً أدبياً رفيع المستوى يستحق القراءة لأكثر من مرة،ويستحق مبدعها أن ترفع له قبعات الحبر،وهو الذي يقول عن نفسه في إحدى الرسائل: (أعترف أنني لست كائناً خارقاً أو أسطورياً،ولا أحمل في طيات قمصاني،ولا تحت إبطي خرزاً أو زعفراناً أو مسكاً يجلب الحظ،صحيح أن أصابعي أرفع قليلاً مما يجب،وقلبي أرهف،وجسدي أكثر اتقداً وحزناً،وحبي بالدرجة الأولى مسألة عطش،إلا أنني خلاف ذلك لا أتميز بشيء واضح يجعلني عرضة للانتباه ومركزاً للاستقطاب..)...ص143 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رسائل حب بالأزرق الفاتح أ.د.محمد صابر عبيد الطبعة الأولى 2006-12-22 دار كلمات سورية حلب 168 صفحة من القطع المتوسط لوحة الغلاف للفنانة سارة شما سيرة ذاتية مختصرة للأستاذ الدكتور محمد صابر عبيد أ.د.محمد صابر عبيد ـ دكتوراة في الأدب العربي الحديث والنقد عام1991/جامعة الموصل/العراق ـ حصل على درجة الأستاذية عام2000 ـ أستاذ النقد الأدبي الحديث في الدراسات الأولية ـ أستاذ المناهج النقدية الحديثة والنقد التطبيقي في الدراسات العليا ـ عضو هيئة استشارية في بعض المجلات الأدبية ـ عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ـ عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ـ عضو مؤسس في جماعة المشروع النقدي الجديد في العراق ـ حظي بالتكريم لعدة سنوات بوصفه أفضل أستاذ متميز في الجامعة في النشر والتأليف. ـ فاز بالعديد من الجوائز وصدرت له العديد من الكتب في الشعر والنقد.
#أديب_حسن_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في مجموعة ياسر مراد-شذرات من ذاكرة مفقودة-
-
شمس وبوش و...حسين خليفة
-
العودة إلى الحوار المتمدن
-
وزير الأمل
-
مقاربة أولية لتجربة جيل التسعينيات الشعري في سورية
-
تمهّلْ صديقي
-
حجر في زرقة الأبد
-
قصيدة ماغي
-
حوار مع الشاعر الكردي أديب حسن محمد أجراه نضال بشارة
-
ماجدة الرومي..فقط لو كنتُ لبنانياً..!!
-
أنا هؤلاء
-
هل حقاً كان الماغوط شاعراً كبيراً الجزء الثاني
-
هل كان الماغوط حقاً شاعراً كبيراً
-
قفا نضحك
-
ويسألونك عن الأنفال
-
المشهد الشعري السوري 12 قصائد بحجم ابتساماتنا لثلاثة شعراء
-
مأساة نادي الجهاد ومهزلة الدوري السوري
-
تأبط أرضاً
-
وقائع برنامج خاص عن سليم بركات في الإذاعة السورية
-
المشهد الشعري السوري11 خدعة الغامض لفرات إسبر
المزيد.....
-
مشتبه به بقتل فتاة يجتاز اختبار الكذب بقضية باردة.. والحمض ا
...
-
في ظل استمرار الحرب والحصار، الشتاء يضاعف معاناة نازحي غزة و
...
-
قصف إسرائيلي عنيف يزلزل الضاحية الجنوبية لبيروت
-
صدمة في رومانيا.. مؤيد لروسيا ومنتقد للناتو يتصدر الانتخابات
...
-
البيت الابيض: لا تطور يمكن الحديث عنه في اتصالات وقف النار ب
...
-
نائب رئيس البرلمان اللبناني: لا توجد عقبات جدية تحول دون بدء
...
-
استخدمت -القرود- للتعبير عن السود.. حملة توعوية تثير جدلا في
...
-
-بيروت تقابلها تل أبيب-.. مغردون يتفاعلون مع معادلة حزب الله
...
-
مشاهد للجيش الإسرائيلي تظهر ضراوة القتال مع المقاومة بجباليا
...
-
ماذا وراء المعارك الضارية في الخيام بين حزب الله وإسرائيل؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|