|
كركوك ....بحثا في الحلول العصية
شاكر الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1838 - 2007 / 2 / 26 - 11:45
المحور:
المجتمع المدني
على الرغم من أن كركوك، هذه المدينة التي تشكل عراقا مصغراً لتنوعها وتجانسها وتعدد لهجاتها ولغاتها، قد تكررت كثيراً في خطب وأحاديث الساسة العراقيين أو قادة الاحزاب القومية والكردية والتركمانية والعربية أو عبر أبحاث وكتابات العديد من المختصين بالشأن العراقي مثلما أخذت تتكرر على صعيد دولي وأستعداد الكثير من القوى للمساهمة في تعقيد مشكلتها لا تسهيل حلها، الا أنها وخلال الاونة الاخيرة بدأت تتردد كمفردة مثيرة للقلق والخوف وتبرز ملامح مصير مجهول لسكانها على الاقل، بحكم تزايد حدة النزاعات السياسية حولها هذه النزاعات التي أخذت شكلا وبعدا قوميا صرفاً وينذر بالكثير من الازمات وكأن ما لحق بهذه المدينة وأهلها طوال عقود لايكفي. الصراع القائم الان حول هذه المدينة هو صراع لاثبات هوية هذه المدينة وتأطيرها بأطار قومي وختمها بختم قومية معينة دون القوميات او المكونات الاخرى القاطنة فيها. وفي نفس الوقت فأن تشديد الصراع حول كركوك من قبل الاحزاب القومية الكردية قد أخذ ابعاد أخرى كونها ستكون قضية يمكن أشغال سكان كردستان العراق بها وعدم مطالبتهم بأيجاد حلول للمشاكل الحياتية والمعيشية الصعبة التي يواجهونها وأستفراد الاحزاب القومية الكردية ورموزها وقادتها بمقدرات وثروات الاقليم . الصراعات والمزايدات السياسية وعمليات البيع والشراء والمحاصصات البشعة كلها تجري بعيدا عن مشاركة أبناء مدينة كركوك ودون علمهم ، فالاحزاب المتصارعة في كركوك وبمختلف انتمائاتها القومية قد تمكنت من مصادرة حق هؤلاء السكان واصبحت تتحدث بأسمهم وترسم لهم مصيرا يجهلون تفاصيله. الاستقرار والهدوء بعيدا عن جحيم مساومات الساسة وقادة الاحزاب ، الخلاص من شبح الترحيل والتشرد والحروب وسلطة المليشيات هي المطالب الاساسية والانسانية لسكان مدينة كركوك بمختلف هوياتهم وانتمائاتهم وتوجهاتهم ، فالسنوات الاربع كانت كافية لكي يعرف سكان هذه المدينة ما يريدون وأي سياسة تضمن لهم أمنهم وأستقرارهم وتصون علاقاتهم وتلاحمهم الاجتماعي الحميم. أن سياسة التعريب التي مارسها نظام البعث القومي الفاشي في العراق ضد مدينة كركوك ومساعيه لتغيير تركيبتها السكانية بشكل شوفيني بشع ، سياسة حَملت المجتمع العراقي نكبات متواصلة لن نصحوا منها جميعا حتى بعد عقود طويلة من الزمان. لكن العراق الان ومنذ اربع سنوات وازيد قد تحرر من سلطة نظام القمع والاستبداد المذكور وأصبح الحديث عن عراق ديمقراطي يقر بحقوق الانسان كاملة حديثا متواصلا للجميع فيما تشكل النصوص والتشريعات الدستورية والقانونية سندا قويا لتعزيز ارادة الانسان وحريته، لذلك فأن حديث الساسة وقادة الاحزاب والتجمعات السياسية عن أعادة ترحيل مواطنين عراقيين من مدينة كركوك الى مناطق أخرى من أجل تثبيت كردية هذه المدينة يصبح خرقا فاضحا وتجاوزا متعمدا لدستور ساهم في كتابته وتثبيته وأقراره ذات القوى التي تطالب اليوم بترحيل العرب العراقيين من كركوك بدعوى ان وجودهم يشكل تهديدا لكردية المدينة وبنيتها السكانية !!!!!!. مشكلة أنسانية أن سياسة التعريب التي مارسها نظام البعث الفاشي ضد مدينة كركوك قد مضى عليها وقت طويل، ان كان المراد ترحيلهم هم هؤلاء الذين أستقدمهم نظام صدام حسين الى مدينة كركوك، فقط ، بمغريات وامتيازات معروفة، لكن تواجد هؤلاء قد خلق جيل او جيلين من البشر الذين فتحوا عيونهم وتربوا في هذه المدينة، درسوا وتعلموا، صادقوا وأحبوا وتزوجوا وانجبوا، اقاموا علاقات أنسانية واجتماعية مع سكان هذه المدينة وأنصهروا بنسيجها الاجتماعي، أصبحت لهم بيوت غير التي منحها لهم نظام صدام حسين، لكنهم في نهاية المطاف مواطنون عراقيون ويعيشون في أرض عراقية ويخضعون لسلطة الدولة العراقية. أنه سؤال يطرح أمام من شرع وأقر وفرض الدستور العراقي الذي يقال انه يحترم حقوق الانسان ويريد الان افراغ مدينة كركوك من سكانها العرب لعله يحقق مطامحه القومية الشوفينية التي لم ولن تختلف عن سياسة التعريب او الترحيل القسري التي مارسها صدام حسين ونظامه الاسود، ما ذنب من ولد في مدينة كركوك وأحب وتزوج وربما حبيبته او زوجته فتاة كردية او تركمانية... درس وأنجب وعمل ...ما ذنبه أن يرحل الان؟؟؟؟ هل ذنبه أن أباه قد خدع او انطلت عليه خدعة وسياسة صدام حسين وحزبه الفاشي وجاء الى كركوك ؟ كيف ستكون حياة هذا الانسان بعيدا عن مدينته ومحيطه الاجتماعي وعمله وصداقاته ؟ . لقد جرب الاكراد العراقيون وفي مرات عديدة كيف تكون الحياة قاسية بعيدا عن بيوتهم ومدنهم وأعمالهم عندما أقتلعوا بالقوة او أرغموا على تركها هربا من جحيم الحروب وهجمات الدكتاتورية البعثية ولعلي كنت شريكهم في مسيرة طويلة على الاقدام خلال احداث 2 آب 1996 وما أعقبها. ان قراءة هذه التجارب واستذكارها يجب ان تفرز حلولا أنسانية تبعد الجميع عن مخاطر الحرب والتشرد والترحيل. حلول لاأنسانية كثيرة هي الحلول التي طرحت لحل مشكلة مدينة كركوك وكأنها قضية عصية على الحل، ستكون عصية حتما عندما تكون نوايا الساسة غير ما يعلنون وعندما يكون السعي للحل عبر تهميش وأبعاد أناس كونهم من قوميات آخرى، ستكون عصية على الحل عندما تكون العصبية والتطرف القومي الاهوج هو الطاغي او عندما تضيق كل سبل الحل ولايبقى الا خيار الحل القومي وان يكون مصير سكان هذه المدينة رهن للمساومات ما بين قوى سياسية كل ما يهمها تغليب المصلحة الحزبية او القومية على مصالح وامال ومشتركات الجميع. الايام الماضية حملت لنا حلول مثيرة للقلق والخوف مثلما هي حلول مثيرة للشفقة والرأفة اذا ما عرفت نوايا من طرحها ودفعته للاقدام على طرح حلوله اللاأنسانية ، ذلك ان من طرحها كان حتى اللحظة يعلن عن تمسكه بقضايا حقوق الانسان ولايتردد في الاستناد الى الدستور العراقي الذي أقر حق المواطن العراقي في السكن والتملك في اي مكان من العراق. الميزة الاساسية لكل ما طرح من حلول أنها تتعجل حل المشكلة أستنادا الى ما أقره الدستور من جدول زمني لتطبيق فقراته المتعلقة بكركوك. لعل ما طرحه حميد مجيد موسى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي من حل لقضية كركوك خلاصته ان من يرفض الترحيل من كركوك ويرغب بالبقاء فيها (فان عليه ان يتخلى عن كل ما حصل عليه بصورة غير شرعية وسيعيش في المدينة كأي مواطن آخر)، لايختلف عن الحل الذي طرحه التجمع العربي لنصرة القضية الكردية والذي يختتم بـ ( كما يمكن لمن يريد البقاء في المنطقة ومن المرحلين إليها أن لا يُدخل اسمه في سجل الإحصاء السكاني لسكان المحافظة الأصليين, وبالتالي يتم تجنب منح حق التصويت لمن لا يحق له ذلك). وهذا الحل سيكون فاتحة لأيجاد فئة البدون المهينة والسيئة الصيت بأختلاف بسيط اننا امام مواطنين عراقيين يحملون الجنسية العراقية ولكن لايحق لهم المشاركة في الانتخابات اي كان نوعها كونهم لايرغبون بترك المدينة التي يعيشون فيها !!! وهذا يعني مصادرة حقهم في المشاركة السياسية التي كفلها لهم الدستور والتشريعات في العراق الجديد جدا !!!! . ولعل الحلول السابقة الذكر لاتشكل شيئا امام حل آخر هو التجسيد العملي للتعصب القومي في أكثر لحضاته وضوحا، حل يفوح عدائية وكراهية تصل حد القسر والحرب واعلان التحرير على الرغم من انه كتب بلغة تقترب من لغة الادب أكثر منها للغة السياسة وأقصد هنا دعوة خالد يونس لتحرير كركوك...!!!! ودعوته كذلك أبناء جلدته لعدم القول انهم اكراد مالم يتم تحرير كركوك...!!! أن حلا كهذا وعلى الرغم من انه يصدر بحس قومي اعتدنا عليه لكن الجديد فيه انه يتضمن دعوة صريحة للحرب والقتل والتهجير . دعوة لان يكون ضحايا التعريب والتهجير خلال حكم الطاغية صدام حسين ضحايا والى الابد ولكن بأيادي كردية هذه المرة. ثمة حلول أخرى طرحت لكنها جاءت أسيرة الترهيب والترغيب ومتناسية الكثير من الادعائات والتشريعات القانونية والدستورية الملزمة التي لاترغم العراقي على ترك مدينته ومسكنه لان في ذلك تجاوز وسحق لحريته وارادته. في ختام كل هذا فمن المؤكد أن ثمة سؤال لابد وان يطرح على البعض من اصحاب الحلول لقضية كركوك واقصد هنا التجمع العربي لنصرة القضية الكردية والذين يعيش اغلبهم في بلدان العالم المختلفة، الكثير منهم قضى سنوات طويلة في المانيا والسويد والدنمارك وامريكا وبريطانيا......الخ وربما هذه السنوات تزيد على عدد سنوات من جلبهم صدام حسين من اجل تغيير البنية السكانية لمدينة كركوك، هم مثلهم، ربما ، احبوا وتزوجوا ودرسوا وانجبوا وعملوا واقاموا علاقات اجتماعية وانسانية حميمة وحصل الكثير منهم على جنسية البلد الذي يعيش فيه ومارس حقوقه كاملة ، لو ان حكومات البلدان التي يعيشون فيها قد طالبتهم بالرحيل والعودة الى مدنهم، اقصد العراقيين منهم، طالبتهم بترك مساكنهم وذكرياتهم وعملهم وعلاقاتهم وأصدقائهم وان يعودوا من حيث اتوا مقابل الحصول على مبالغ بالتأكيد ستكون أكثر من ال 20 مليون دينار عراقي التي سيتم منحها لمن يرغب بالرحيل عن كركوك. لو ان حكومات المانيا والسويد وامريكا وفلندة ...الخ قد طرحت حلولا كالتي يطرحها حميد مجيد موسى وخالد يونس والتجمع العربي لنصرة القضية الكردية وهي حلول أبسط ما يقال عنها أنها فاقدة للشرط الانساني في التعامل مع قضايا الترحيل والتهجير والاعادة القسرية... ترى كيف ستكون مواقفهم جميعا ، كيف سينظرون لحقوق الانسان او كيف سينظرون الى قرارات حكومات الدول المذكورة عندما تجرد ابناء بلدها من حق المشاركة في الانتخابات؟.... هو مجرد سؤال!!!. و ما تبقى فاذا كان جميع الساسة والاحزاب والتجمعات السياسية والمدنية يعزفون على نغم المواطنة والشراكة في الوطن والديمقراطية وحقوق الانسان والتسامح والحوار في العراق الجديد الخالي من الدكتاتورية والاستبداد والقسر ، فأن عليهم جميعا أن يقلعوا عن اطلاق نغمات التهديد والوعيد والحلول اللاانسانية التي وبقدر ما تكذب كل ادعاءاتهم فانها ستجر العراق الى كوارث اخرى تزيد من تعقيد الاوضاع فيه. كما سيبقى ان الحل الانساني لقضية مدينة كركوك يتمثل في اقرار الجميع بانها مدينة قادرة على استيعاب جميع ابنائها وليست حكرا على قومية واحدة. الحلول القومية هي اكثر الحلول بعدا عن الأنسانية لكونها تنطلق من حس متعال وتتحمل درجة كبيرة من الكراهية والتمييز العنصري.
#شاكر_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار التقريب ...حوار الكراهية
-
عادل عبد المهدي وقرار الاحتلال الاحمق
-
هزائم التيار القومي العروبي ما بين عواء الذيب وردح البكري
-
عن الأعدام وصدام حسين وذاكرتي
-
معنا رغم الغياب
-
العراق ...من- نعال أبو تحسين- الى - قندرة المشهداني ....
-
حين يستاء (ابو الغيط) من محاكمة صدام حسين
-
الصمت هو ما يريدونه منك ياوجيهة ..إإإ
-
رسالة شديدة الوضوح في رفض الفدرالية الطائفية
-
حروب المرجعية
-
الحادي عشر من أيلول... الذاكرة الاليمة
-
عن الشيوعية وبوش وبن لادن
-
ياسيد مسعود..(31 آب 1996 ) يوم أسود أيضاً
-
الاعترافات الخطرة لقادة الحروب
-
قانا 2 عار ..الأنسانية
-
عن الحرب والدمار والالهام الالهي
-
دمار لبنان يثمر شرق أوسط جديد
-
حروب لبنان المتواصلة
المزيد.....
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
-
جدل في لبنان حول منشورات تنتقد قناة محلية وتساؤلات عن حرية ا
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|