أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد مدار - خاتم الانبياء تبتلعه صحراء العرب















المزيد.....


خاتم الانبياء تبتلعه صحراء العرب


وليد مدار

الحوار المتمدن-العدد: 1838 - 2007 / 2 / 26 - 08:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما ننظر اليوم إلى واقع الإسلام السياسي المعاصر من جبهة الحاضر إلى الماضي، نرى تراكُم القتلى والحروب والنزاعات المتواصلة، من تكفير وتهجير وتدمير، فندرك أننا لم نرث من هذا الواقع غير تراكمات التوحش على المستويات كلِّها. وعندما ننظر إليه من جبهة الماضي إلى المستقبل، نرى الكم الهائل من الأبطال والشهداء والقرابين الذين ستبتلعهم الجنة والنار في آنٍ واحد! لهذا يشعر معظم الجيل المسلم، المولود من رحم هذه التناقضات والصراعات كلِّها، بالفجيعة: فجيعة الأجيال التي ترضع من هذا التاريخ السياسي المتورم بالأوهام، المولع بصناعة الحرب وبإنتاج أنواع القتلى من أجل مجهول يعشق اللغة والكلام.

هل ينتمي الجيل المعاصر كليًّا إلى هذا التاريخ ويعتمده كمبدأ وجوديٍّ يمنحه الهوية ويحافظ عليها؟ هل يفني ذاته كليًّا في الانتماء إلى هذا الكم الهائل من الاستلاب الديني والتكرار التاريخي لأرباب الحرب؟ أم أنه يتخلَّى عن أرباب الحرب والجهاد إلى الأبد؟

أين اختفى التراث الروحي والممارسة السلوكية المبنية على القيم الأخلاقية والإنسانية في بناء الإنسان وربطه بعوالم أوسع ومدارات من المعرفة والفكر وفي إنجاز إنسانيته المؤجلة، في مقابل تجارة أرباب الحرب الذين استثمروا هذا التراث كلَّه في إنتاج وسائل الموت، معتمدين على التراث اللغوي المنزوع من أصله؟

رب الحرب المتلبس كليًّا في ذاكرة المسلمين غير منفك عنها. ولا تنتج هذه الذاكرة غير المآسي والأخطاء المتكررة لولائهم المطلق لسراب الصحراء – صحراء العرب المخيفة، الضاربة في العمق تاريخيًّا وإنسانيًّا، تلك الصحراء التي احتوت العربي، بكلِّ ما يحمل من مدارات نفسية وعقلية وروحية، وكوَّنتْ العربي كذاكرة صمدية لا يخرج منها شي ولا يدخل إليها غريب غير الصحراء، بكلِّ مناخاتها وثقافتها وعبوديتها المطلقة لصحراويتها ليس غير.

عندما نتفكر في الدين الإسلامي اليوم، نشاهد بلا أدنى شك تجلِّياتِ صحراء العرب واضحةً جلية، بكلِّ فراغها السلوكي والمعرفي: العرب أوفياء جدًّا لصحرائهم، يحفظون المواثيق والعهود لانتمائهم الصحراوي إلى الأبد، بارعين في اشتغالهم في ما مضى من السنين في السهر والكدِّ والعمل على انتصار صحرائهم واعتلاء عرشها المستقبلي واحتواء الدين الإسلامي المنزوع من معناه، الوفي كذلك لصحرائه الأولى في الظهور الزمني الأول.

فهل من الممكن لكلِّ إنسان، عربيًّا كان أو غير عربي، متلبِّس بهذا الإسلام المعاصر الافتخار نصرةً لثقافة الصحراء ومناخاتها ورجالاتها وتجارها و"علومها" البارعة في السلب والنهب وقطع الطرق والأخذ بالثأر ودفن الخزي وتمجيد فرسان السطو وأبطال الذبح المعجون بالشرف والغيرة وغسل العار؟!

تغيرت الصحراء في بلاد العرب، أصبحت مدنًا كبيرة، ودخلت مظاهرُ الحياة المعاصرة في أجزائها، فأنجزت خدماتِ طرق الموصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة. أجل، تغيرت الصحراء! لكن الوفاء لها مازال متواصلاً من صحراء الأرض إلى صحراء الذاكرة، المنعكسة في النفوس والقلوب والعقول. لكن الفاجعة في هذا الوفاء كلِّه أن يتذكر العربي صحراءه، بتفاصيلها وبكلِّ ما تحمل من تراث مخيف، متمثلةً تمامًا في دينه الإسلامي، منعكسةً فيه. أصبح الدين الإسلامي، في شكله المعاصر، هو الذاكرة الصحراوية الكبرى لسلوك العربي ومعرفته ونظامه ومناخه وثقافته. الدين الإسلامي هو الصحراء التي يتعشقها العربي، لا لأنه دين سماوي يرسم خرائط الغيب وينقذ الإنسان من التيه، بل لأن هذا الدين يذكِّر العربي بتراثه وبعمق تقاليد الأجداد الكبار المولودين من الصحراء والأوفياء لها إلى الأبد!

ما هي البراعة الفائقة لعدم نسيان العربي صحراءه وإيجاده ضالته في هذا الدين؟ كيف تحول هذا النبي المتأمل، الذي جلب للعرب لغةَ السماء، إلى رجل حرب، مشرِّع لبنود الحرب وقتل الآخر، إلى رجل متهالك على سلطة الصحراء، بكلِّ معاني الرجولة والذكورية المفرطة في القوة والشهوة؟!

كيف استطاع العرب، بكلِّ ما يحملون من قوة الصحراء القاحلة، أن يلتهموا خاتم الأنبياء ويحولوه من عارف إلهيٍّ وسائح كبير متأمل في الطبيعة والحياة، من ساعٍ إلى التغيير والفتح المعرفي وناقل لأخبار الغيب المجهولة، إلى متسلط وسيد مطلق بلا منازع، إلى مقاتل من أجل السلطة والاستحواذ والأخذ بالثأر، حاملاً سيفه أبدًا لقطع رؤوس المخالفين والناكرين لصحراء العرب الكبرى، صحراء العقول والنفوس والأرواح العربية المتميزة عن غيرها والمتكونة في معامل الغيب كـ"خير أمة أُخرِجَتْ للناس"؟!

مَن الذي احتوى مَن: الصحراء أم الدين؟ محمد أم الأعراب؟ كيف تحول الدين الإسلامي إلى ذاكرة العربي الصحراوية؟ أم أن هناك انحيازًا للدين إلى الصحراء، متخلقًا بأنفاسها خِفية؟

أصبح من واجب العربي الحفاظ على الدين الإسلامي، ليس من أجل ربط العباد برب الأرباب، بل من أجل الوفاء التام والمطلق للصحراء، بكلِّ ما تحمل من تراث هائل من الفراغ القابل دومًا لإنتاج نماذج من البشر لهم قوة وكبرياء ربِّ الصحراء المتمرس بالعنف والتوحش والإزاحة والتباهي.

أصبح من واجب المسلم العربي الحفاظ على الدين الإسلامي والذود عنه والموت في سبيله، ليس حبًّا وعشقًا وهيامًا وتوحيدًا لله وذوبانًا في الذات الإلهية، ولا التزامًا بنظام الدين وتطبيقًا لكتابه المقدس، ولا انتماءً لرسوله الكريم – بل إن هذه المفردات المقدسة كلها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من قدسية ذاكرة العربي وحنينه إلى الصحراء ووفائه لهذه الأرض التي أنجبتْه صحراويًّا في كلِّ شي – إلى الأبد.

الدين الإسلامي اليوم صحراء العربي الذي لا يتخلى عنها. لذلك يجب أن يعمل بكلِّ قوانين الصحراء العربية وأخلاقها وطبيعتها وتراثها، أن يطبقها، وأن يستلهم وحيه من خلالها. ويمكن لنا أن نذكر بعض مظاهر الصحراء وضروبها وأن نستوحي منها انعكاسها على الدين الإسلامي:

- الصحراء التي تزيح كل مكوِّن غريب عن وجودها، متحركةً في تكرار رمليٍّ غريب: التكرار صفة الصحراء الأبدية، لا يأتي إليها ولا يخرج منها غير التكرار المنساق من وحي رمالها المتحركة.

- الصحراء الموحشة الغريبة التي تلتحف السماء وحرارة الأرض تأكل بيوتَها باستمرار كي تثبت خواءها الأبدي على الأرض.

- الصحراء التي تبتلع الماء بمجرد نزوله، فلا يرتوي به العطاش أبدًا.

- الإنسان الصحراوي لا يترك أثرًا يدل عليه، وفاءً لصحرائه القاتلة، لأنه من الصحراء وإليها.

- شجرة الصحراء وحيدة ومتقزمة، تتمنى الموت والجفاف لأية شجرة أخرى تُنافِسها في الحياة: حياتها مرهونة دائمًا بموت المنافس وانطمار آثاره إلى الأبد.

- القوة والسيف هما منطق أهل الصحراء وسلاحها الأبدي وكبريائها الدائمة: يتمنطق ابن الصحراء بحلَّة الحرب الدائمة والاقتتال على كلِّ شيء.

- لم يفكر الصحراوي بأن يبني مدينة لأنها تقتل روح الخواء والفراغ الشاسع في عقله ونفسه.

- ثلاثية الصحراء الجمالية القديمة والباقية إلى الأبد – السيف والمرأة والفرس – التي تُستلَب عادةً وتؤخذ بسلطة السيف وشجاعة الإجرام والإقدام والجراءة المتهورة.

- قسوة الصحراء تنعكس على أبنائها في كلِّ شي: في مأكلهم ومشربهم ولباسهم وأشعارهم وحكايات البطولة والشجاعة والسبي والعار والقبيلة والنكاح بلذة القتل والاستيلاء والذكورة المفرطة والاستخفاف بالعقل والمعرفة وابتلاع كلِّ مَن يدعون إلى المدنية كثقافة، وليس كبناء شاهق. يبقى الصحراوي متقزمًا أمام كلِّ ما لحق بصحرائه من تقدم عمراني.

- الوهم والسراب رب الصحراء الأول بلا منازع: تلك الصفات الغريبة والمخيفة والبالية كلها، التي يزهو العربي بها في صحرائه، فيتقلد فروسيةً زائفة من الغدر والخيانة والدسيسة والاغتيال.

ألا نرى تجلي هذه الصفات الصحراوية في الدين الإسلامي المعاصر اليوم؟ لماذا اختفى المفكرون والعلماء تحت عباءة تجار الحرب الذين يسخِّرون الدين لهذه التجارة؟ لماذا، حين نفكر في إقامة الدين على الأرض، يكون أول نموذج يظهر جليًّا لشكل الحياة والدولة والإنسان، بكلِّ فخر، هو "الشكل الصحراوي"، بكلِّ أبعاده ومناخاته وثقافته؟ إن اختيارنا لهذا الشكل يمثل عمق انتمائنا إلى الخواء والفراغ الهائل في العقل العربي، وكأن شكل الصحراء يتطابق تمامًا مع الدين الإسلامي، يتطابق، بكلِّ وضوح، مع مناخ العربي الأصيل ومزاجه.

ما هو الترابط الحقيقي بين الصحراء والدين الإسلامي؟ وهل هي علاقة مصير وجودي أو وحي جغرافي إلهي أو نموذج أقرب إلى مناخ الإسلام الواقعي، أمس واليوم؟ هل أصبح كل هذا التراكم من صفات الصحراء التي لا تنتهي في نفوس العرب والمسلمين واقعًا معيشًا وحقيقيًّا في التعبير عن هذه الديانة في حقولها كافة؟

هل ابتلعت هذه الصحراء المدفونة في الذاكرة العربية خاتم الأنبياء؟ سؤال لحقيقة متجلِّية في وضوح في حال الواقع الإسلامي المعاصر.



#وليد_مدار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا
- بالصور.. الزاوية الرفاعية في المسجد الأقصى
- جماعة -الإخوان المسلمون- تنعى الداعية يوسف ندا
- قائد الثورة الاسلامية: اثارة الشبهات من نشاطات الاعداء الاسا ...
- قائد الثورة الاسلامية يلتقي منشدي المنبر الحسيني وشعراء اهل ...
- هجوم ماغدبورغ: دوافع غامضة بين معاداة الإسلام والاستياء من س ...
- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد مدار - خاتم الانبياء تبتلعه صحراء العرب