|
شعوب جائعة وكرامة ضائعة
بلال العقايلة
الحوار المتمدن-العدد: 1838 - 2007 / 2 / 26 - 07:50
المحور:
المجتمع المدني
في ظل التطوير الإداري و التنمية السياسية التي تنادي بها الحكومة الاردنية هذا الأوان ، و في الوقت الذي تتسابق فيه الحكومات العربية لتنفيذ املاءات خارجية و سياسات داخلية تطال كافة مناحي الحياة المختلفة ، فإن معظم الحكومات العربية قد اسقطت من حساباتها ما تعانيه امتنا من ويلات اقتصادية واجتماعية ونفسية ، إضافة إلى الروح الانهزامية التي تولدت لدى الجماهير العربية بسبب النكسات التي تمر بها الأمة ، مما افقدها الثقة بقرارات القمم المتعاقبة التي أثبتت فشلها الذريع وعدم جدواها للتصدي للقضايا المصيرية و الخطيرة التي تحدق بالأمة من كل جانب ، وكذلك القرارات المتلاحقة التي تصوغها تلك الحكومات ، و المتمثلة بالتضييق على الحريات العامة و الرقابة المسبقة على الصحف ، وتقويض دورالنقابات المهنية التي تشكل أصوتا وطنية صادقة تعبرعن مشاعر و مكنونات الجماهير . في مثل هذه الأجواء المتخمة بالاحباطات ، تشرع الحكومات العربية و بشكل مباشر بانتاج مجالس تشريعية هزيلة و عليلة و فاقدة للدور و المضمون كونها افرازات لنتائج الغش و التزوير كما هو المجلس النيابي الاردني الحالي الذي سماه الشعب مجلس ( المكوى ) حيث فعل فعلته هذا الاخير في تزوير البطاقات الشخصية و حسم نتائج الانتخابات النيابية .
كل هذه المعطيات ادت إلى تكريس الهوة ما بين القمة و القاعدة ، و خلقت حالة من المباعدة بين الحاكم و المحكوم ، الأمر الذي جعل الجماهير عاجزة عن ممارسة حقها و ابداء رأيها و المساهمة في تقرير مصيرها و مراقبة افعال حكامها .
ففي تلك الاجواء المفعمة بيأس الفقراء و جشع البرجوازية كان من الطبيعي أن تتنازع طبقات مسيطرة و مستغلة تستحوذ على خيرات البلاد و العباد ، و المؤسف حقاً أن يتم ذلك بغطاء و شرعية مستمدة من تلك المجالس التشريعية التي خرجت من رحم الشعب بالتزوير ،فكان من الطبيعي ان تتنكر له وتدير له الظهر وتنقلب عليه عندما صادقت على حزمة التشريعات و القرارات التي تمس قوته و رزقه ، وشرعت بتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة الوطنية و السير ضمن اطر ضيقة لا تعتمد المنظور البعيد .
ولعل اكثر ما يمتعض منه المرء محلياً هو تهافت بعض النواب على صناديق المعونات و الصدقات و الجهات المتبرعة في الدولة ، وأعداد قوائم بأسماء زمرة من المحسوبين عليهم بغية الأستفادة من تلك الدوائر ، غير آبهين بتلك الجيوش من الفقراء ممن أغرقتهم ظروفهم الصعبة في غائلة العوز و الحاجة ، الأمر الذي يضطرهم إلى الإلتحاق بطوابير المصطفين أمام أبواب هذه المؤسسات على أمل الحصول على قليل من النقود و الغذاء الذي لا يكفيهم لبضعة أيام .
وهنا تسوقني العجالة لأورد موقفاً حدث لأحد الزملاء الصحفيين ، عندما أقحم نفسه ذات يوم في أحد الطوابير المصطفة على أبواب الحكومة لتلقي بعض الفتات ، فما كان من هؤلاء المتبرعين أن شملوه بكرمهم السخي ورعايتهم الكريمة عندما فاز منهم بمبلغ ضخم قيمته خمسة دنانير ، بعد عذاب وطول عناء ، دون تنبههم بوجوده كصحفي في مهمة صحفية ، وهذا أبلغ دليل على الآليات المتخلفة و السياسات الترقيعية القاصرة التي تنتجها الحكومة للقضاء على جيوب الفقر عند ملايين المسحوقين أو كما حصل قبل نحو أسابيع عندما اصطف المئات من أبناء محافظة معان المعدميين في العراء تحت و طأة العاصفة الثلجية لتلقي بعضا من فتات الفتات . في حين أن ثمة طغمة فاسدة قد اتخمت من مال الشعب وثرواته ، وصعدت على اكتافه ما زالت تقبع في بروجها العاجية غارقة في الملذات و الشهوات ولا يحلو لها الرقص إلاّ على جراحات الشعب وفقره و الطرب لسماع توسلات الأرامل و بكائهن و عويل الثكالى في وطن ينعم فيه الفاسدون ويجوع فيه المخلصون .
هكذا أصبح الإنسان في بلادنا مرغم ومجبراً على التسول و التكسب على حساب ماء وجهه وكرامته التي صانها له رب العزة حينما قال جل وعلا : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر و البحر ورزقناه من الطيبات وفضلناه على كثير ممن خلقنا تفضيلا } صدق الله العظيم . هذه الآية نزلت بحق الإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه و مركزه ، فكيف به أن كان عربياَ مسلماً صاحب رسالة خالدة ، فلا يجوز أن تهدر كرامته بهذه الصور المبتذلة ، وأن يتمعر وجهه من الإلحاح و السؤال بهذه الطريقة المحرجة و المبتذلة التي يسلب خلالها الشعب مما بقي لديه من كرامة على ايدي أولئك المجرمين .
لقد كان من الأولى أن تضع الحكومة الاردنية إستراتيجية وطنية ثابتة لمعالجة تلك الحالات من الفقر و البطالة وقبل ذلك وذاك عليها ان تشرع سريعاً باسترجاع الأموال التي نهبها دهانقة السياسة و مصاصي الدماء من وزراء و مسؤولين سابقين بدلاً من الحلول الترقيعية الانية التي سرعان ما تفقد جدواها وفعاليتها وتعرض المواطن للضيق و الحرج ولاسيما ونحن نعلم أن هناك الكثير من الفقراء الذين يتعففون ولا يسألون الناس الحافاً ، وتأبي نفوسهم طرق أبواب خلق الله لنيل الفتات ولسان حالهم دائماً ، يقول : ( لا تسقني كأس الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل )
#بلال_العقايلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معان ..ومثلث الحزن
-
تطبيع)) المناهج التربوية في الدول العربية
-
الحكومة الأردنية تلحس وعودها لأبناء معان
-
ارفعوا ايديكم عن عمال شركة الفوسفات الاردنية
-
لماذا يحاسبون معان على وطنيتها؟؟؟
-
في ذكرى احتلال معان
المزيد.....
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|