|
معان ..ومثلث الحزن
بلال العقايلة
الحوار المتمدن-العدد: 1837 - 2007 / 2 / 25 - 06:41
المحور:
الادارة و الاقتصاد
نتحدث في هذا المقال حول مثلث الحزن الذي قد يتبادر للقارئ من خلال العنوان ، ان ثمة ربطاً بين ما يعرف بمثلث الموت ( برمودا ) في المحيط الأطلسي ، ومثلث الموت في العراق وفي اليابان ، وهناك مثلثات أخرى للموت في هذا العالم المتلاطم الامواج والمسكون بالفواجع و الالام .
وكان اختياري هذا العنوان لهذا المقال ، ذلك ان الحزن غالباً ما يأتي بعد الموت مباشرة ، وهذا هو حال المشاريع المزعومة في مدينة معان التي في معظمها ولد ميتاً و منها ما يستعد للرحيل ، فعندما نتحدث عن مدينة معان ، لابد من التسليم لذاك الحزن الذي يملك هذه المدينة الجريحة منذ ثلاثة عقود مضت ، وجعلها تدفع ضريبة توجهاتها وخياراتها الوطنية التي ما تزال قيد المحاسبة و الحساب ، من قبل الحكومات المتعاقبة التي كثيراً ما اجزلت الوعود وأصدرت القرارات والتصريحات حول انعاش الأوضاع في المدينة ، لكننا غالباً ما نفاجأ بعدم جديه تلك التصريحات و فقدانها للمصداقية وهي تحمل في ظاهرها الرحمة و في باطنها الخدعة و العذاب .
وللحديث عن مثلث الحزن هذا نقف حيارى أمام الطريقة التي تطرح من خلالها مشاكل المدينة برمتها ، ولاسيما المشكلة الأساسية منها ، وهي المشكلة الاقتصادية التي أخذت بالتنامي مما جعل الأوضاع أكثر غرابة وتعقيداً ، فالزائر لمدينة معان أو المار منها باتجاه طريق المملكة العربية السعودية يقدر له أن يرى ذالك المثلث الحزين الذي يشتكي ظلم الإنسان لأخيه الأنسان . فمن هناك يبدأ أول أضلاع هذا المثلث الذي يمثل أطلال مصنع الزجاج الغابر الذي تعثر في وقت سابق لأسباب أبرزها سوء تصرف إداراته المتعاقبة وفسادها الواضح و الفاضح و تجاهل الحكومة أنذاك .
فأول مؤشرات التعثر في هذا المصنع بدأت منذ ولادته عام 1980 عندما تم استخدام تكنولوجيا قديمة في تشغيل المصنع ، رغم وجود ما هو أحدث منها في السوق العالمية ، لكنها استجابة للعقود المبرمة ما بين القطاع الخاص المستثمر آنذاك و الشركة الفرنسية (BSN )لتي تعتبر رائده في العالم الصناعات الزجاجية .
اكن الانتاج قد تأخر إلى عام 1984 لقلة رأس المال المطروح انذاك ، وتدخلت الحكومة ممثلة بصندوق التقاعد الذي أصبح لاحقاً المؤسسة الأردنية للأستثمار ، ورفعت رأس المال من مليونين إلى خمسة ملايين دينار . ولم يمنع وجود مثل هذا المصنع الحكومات المتعاقبة من السماح للمتنفذين من كبار التجار و المستثمرين من استيراد الزجاج من دول أجنبية كبلجيكا وتركيا وغيرها ، مما أدى إلى اغراق أسواق المحلية من المنتج الأجنبي ، الأمر الذي أثر بالسلب على الإنتاج المحلي من الزجاج المصنع ، كما تبوأ إدارة المصنع شخصيات حكومية غير متفرغة ، وبعيد عن الموقع مما ساهم بشكل كبير باستشراء الفساد المالي و الإداري ، وأخذت الخسائر تتفاقم وتظهر للعيان ، وخرجت حينها أصوات مستفيدة للتدافع عن تلك الأدارات الفاسدة ، لكن شاءت قدرة الله تعالى أن يتكشف جانبٌ من جوانب هذا الفساد عندما انقلبت شاحنة كبيرة على بوابة المصنع محملة بعشرات الأطنان من الزجاج المصنع وذاهبة إلى مكان مجهول بطريقة غير مشروعة ، عندها ظهرت أول خيوط الفساد لتلك الأدارات ، ولم تدم بعدها الأوضاع طويلاً حتى أغلق المصنع .
و الغريب ان هناك جهات متنفذة وجدت في خطوة اغلاق المصنع فرصة ذهبية لتكريس نفسها للاجهاز على مادة الزجاج الخام و ذلك بمساعدة الجهات الحكومية التي أبرمت معها اتفاقيات لتصدير الزجاج الخام من محافظة معان الى دول اجنبية من بينها دولة العدو الصهيوني ، الامر الذي احاط الموضوع بالشك الذي بدأ يساور اهالي معان الذين تأكدوا فيما بعد ان من ساهم بإفشال هذا المصنع هو نفسه الذي سارع بالاستيلاء على تلك المواد من الزجاج الخام ، فمصائب قوم عند قوم . أما ثاني اضلاع هذا المثلث الحزين ، فهي مؤسسة سكة حديد العقبة ، هذه المؤسسة التي تعتبر وقفاً لا يجوز المساس به اطلاقاً ، ولا سيما أنها شيدت بسواعد أهالي المدينة و تعاقب على العمل فيها اجيال و اجيال ، حتى بات و جودها من وجود الانسان المعاني الذي يرتبط بها رباطا تاريخياً وروحياً و اقتصادياً. وللوقوف على مقدرات هذه المؤسسة فإننا نجد ان موجوداتها قد قدرت بـ ((150)) مليون دينار ، لكن المؤسف ان لجانا حكومية قدرت موجودتها بـ ( 15 ) مليون دينار تمهيداً لخصخصتها ، وشرعت الحكومة في وقت سابق باتخاذ اجراءات البيع ، إلا أن الشريك الأستراتيجي الذي يمثل رأسمال الأجنبي آنذاك قد حاول الأستفادة من تسهيلات البنوك المحلية ليتسنى له المضي بموضوع الخصخصة، لكن السخط الشعبي الذي اظهره أبناء المدينة المتابعين لهذه الخطوة الخطيرة التي تنذر بتسريح المئات من العمال آنذاك ولا سيما لوجود شريك استراتيجي ليس نزيهاً ولا موثوقاً ، فأدى ذلك إلى نكوص الحكومة وتراجعها عن المضي بموضوع الخصخصة في ذلك الحين ، لكن الحكومة عاودت من جديد هذا العام طرح مشروع الخصخصة بعدما تخبطت الأدارة الجديدة للمؤسسة واتبعت آليات صرف مالية غير مبررة وأنفقت في خضمها على مشاريع شكلية خارج نطاق المؤسسة مما أرهق كاهلها ، وزاد الأمر سوءاً ما واجهته السكة من حوادث متكررة للقطارات ، بسبب أفتقار الخطوط الحديدية للصيانة الدائمة وأفتقار القطارات لشروط السلامة العامة ، الأمر الذي جعل الحكومة تسكت ازاءه من أجل إقناع الرأي العام المحلي بجدوى الخصخصة للتخلص من هذا الوضع المترهل لتنفيذ سياساتها الإقتصادية التابعة . هذا ويستعد أهالي معان هذا الأوان مكرهين لودائع و تشييع أخر معقل من معاقل الأجداد الأوائل وهي مؤسسة سكة حديد العقبة . أما الركن الثالث من هذه الأضلاع فهو مصنع السيارات ( اللاندروفر ) الذي أخذ نصيبه من الأعلانات و التصريحات الرسمية للحكومة في كل لقاءتها مع الأهالي وما تم الحديث عنه في مؤتمرات دولية كمؤتمر ( دافوس ) حتى أعتقد البعض أنهم سيحتفلون قريباً بأول سيارة من إنتاج هذا المصنع .
اكن المؤسف حقاً أننا وقعنا ضحية ( لأكذوبة ) جديدة أسمها مصنع ( اللاندروفر ) . ذالك أن المستثمر المحلي الذي تطوع بزرع جميله في صحراء معان ، قد حاز من الحكومة على تسهيلات بنكية كبيرة أنفق جزءاً يسيراً منها على بناء ركام من كتل أسمنتية تلعب بها الرياح الهوجاء ، لتعلن بعدها الحكومة فشل هذا المشروع ، ولتبدأ بالتفتيش عن خدعة جديدة في واقع لا يتسع لإثنين الأستغفال و الأستثمار . واخيراً ... فإننا في معان لا ننكر أننا توسلنا كثيراً لتلك الحكومات من أجل إنصاف هذه المدينة المظلومة و المحاطة بالحزن من كل جانب لكننا لا ولن نتسول عند باب أحد مهما بلغت التهميش مبلغه ، لأننا مواطنون أردنيون ونعي جيداً ما لنا وما علينا .
#بلال_العقايلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطبيع)) المناهج التربوية في الدول العربية
-
الحكومة الأردنية تلحس وعودها لأبناء معان
-
ارفعوا ايديكم عن عمال شركة الفوسفات الاردنية
-
لماذا يحاسبون معان على وطنيتها؟؟؟
-
في ذكرى احتلال معان
المزيد.....
-
وزير الاستثمار السعودي: الجنوب العالمي يستقطب نصف التدفقات ا
...
-
انخفاض أسعار الذهب بعد سلسلة مكاسب
-
أهمية مؤشرات الأداء الرئيسية لتحقيق النجاح في الأعمال
-
-فينيسيوس استحقها-.. بيريز يطالب بتغيير آلية التصويت بالكرة
...
-
ألمانيا.. حزب شولتس يرشحه رسميا للمنافسة على منصب المستشار
-
انخفاض أسعار الذهب الأسود بعد موجة ارتفاع
-
في البحرين.. سياحة فن الطهي تعزَّز التنوع الاقتصادي
-
توقف صادرات الغاز الإيراني الى العراق بالكامل
-
عالم روسي: الغرب يطرح مشكلات علمية زائفة من أجل الربح
-
مسؤول إسرائيلي: وضع اقتصادي -صعب- في حيفا جراء صواريخ حزب ال
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|