أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - المشانق والذاكرة














المزيد.....

المشانق والذاكرة


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 00:48
المحور: الادب والفن
    


المشانق والذاكرة: قراءة في نص كاظم حسن سعيد (لوحات لمشانق)
✒️د. عادل جوده /العراق/ كركوك

✨ يُعَدّ نص الشاعر كاظم حسن سعيد (لوحات لمشانق) شهادة أدبية مُكثّفة ومُؤلمة، تتجاوز حدود الواقعة السياسية لتلامس الجوهر الإنساني في مواجهة العنف والعدم. هو ليس مجرد قصيدة أو نص نثري، بل مجموعة من "اللوحات" السردية المتتابعة، تفصل بينها سنوات من الذاكرة والترقب، لتشكل سيرة ذاتية مُضنية تبدأ ببراءة الشاهد وتنتهي بمصير الضحية. النص، بجزئياته الست المُرقمة، يشتغل على تيمة الموت السياسي باعتباره نقطة ارتكاز تُعيد تشكيل وعي الفرد ومصيره.
١ الصبي الشاهد: براءة مُنتَهكة
تبدأ السردية من لحظة الولادة البصرية للوعي؛ "مبكراً وصل الصبي الساحة". هذا التبكير ليس زمنياً فحسب، بل هو تبكير في مواجهة الحقيقة القاسية. المشهد الأول (اللوحة الأولى) يتميز بالضبابية الحسية، حيث يغلب الصوت المجهول على الرؤيا الواضحة. "الموج البشري الهادر يمنع عنه الرؤيا"، والصبي "لا يفقه شيئاً". الموت هنا ليس حدثاً، بل ضجيج مُبهم يُغرِق الأسفلت بالعرق، ليصبح الجسد المتألم هو السطح الذي تُرسَم عليه الفاجعة.
حين يعثر الصبي على مكان مرتفع، يتحول المشهد من الهتاف إلى الصمت القاتل، حيث الجثث "الخامدة" تُرجّحها الريح. اللحظة المحورية هي السؤال الوجودي البريء: "لكن لماذا؟!!" إنه سؤال البراءة الذي يفتقر إلى التفسير أو التبرير، وتلك هي الفجوة التي سيحاول النص أن يملأها، أو بالأحرى، يُعاني في سبيل فهمها على مدى ثلاثين عاماً. وفي اللوحة الثانية، تتأكد الصدمة البصرية، حيث تختزل غرفة السجين وحبل المشنقة المُعفّر بالغبار، كل فظاعة التجربة في أيقونة مكانية مرعبة، ما يُفضي إلى "أقسى انقباض شَهِده".
٢ مفارقة الدورة السيزيفية (اللوحة الثالثة)
تُمثّل اللوحة الثالثة قفزة زمنية مريرة هي ثلاثون سنة من "يعيش.. يسقط"؛ تلك الهتافات التي شكّلت خلفية طفولة الصبي. هنا، يقدّم الشاعر المفارقة المأساوية التي تُلخّص تاريخاً كاملاً من النضال والصراع: "أخيراً لم تسقط الا الحناجر وعاش الأعداء الخناجر". هذا التكثيف اللغوي الفذ يحوّل الحدث السياسي إلى قدر كوني لا مفر منه، حيث يفنى الصوت ويبقى السلاح، وتصبح المعركة عبثية سيزيفية لا يُجنى منها سوى الهلاك. لقد سقط رمز التعبير، وبقي رمز القمع حيّاً ومُتجذراً.
٣ - الإيمان بين الالتماس والشهادة (اللوحة الرابعة)
يبلغ النص ذروته المأساوية حين يتحول الشاهد إلى ضحية؛ "حينما نضج زجّوه في غرف الإعدام". تتجسد الرؤية الأولى في مشهد الرعب الإيماني: المساجين يقتربون من قضبان الزنزانة، ويرفعون أيديهم إلى السماء، طالبين الغوث من الله "كأن الله لا يراهم إلا من فسحة قضبانية". هذه الصورة تعبّر عن أقصى درجات اليأس، حيث يتحول الإيمان إلى أداة لحظية لدفع الفزع، ليصبح وجود الخالق مشروطاً بفتحة صغيرة في سجن بشري.
في المقابل، يظهر نموذج "الفتى المصفّر النحيل من الأهوار" الذي يمثل حالة "الشهادة" المتسامية على الألم. هذا الفتى لم ينسَ الإيمان فحسب، بل نسي "التبرّم والجزع"، مُستبدلاً الهلع بشيء بسيط وعميق: علبة سمك فارغة يشمّها جوعاً للحياة والوطن. كلمته الأخيرة: "أنا سعيد، كنت في ضلال حتى أفهموني معنى الشهادة"، تحوّل المشنقة من أداة إعدام إلى بوابة خلاص ووعي، مقدّماً النقيض المطلق للحالة السابقة، ومؤكداً أن الإيمان الحقيقي يكمن في التصالح مع المصير لا في التوسل من أجل تأجيله.
٤ - وصية البسالة ونهاية الرعب (اللوحتان الخامسة والسادسة)
تأتي اللوحة الخامسة بصيغة الأمر المباشر، وكأنها وصية أخيرة من السارد الذي عاين التجربتين: الشاهد والضحية. "حاول أن تتحاشى المجزرة وان أكرهت فيها فتقدم إلى حبل مشنقتك ببسالة". هذه الدعوة ليست تهوّراً، بل هي خلاصة الفهم العميق لضرورة حفظ الكرامة الإنسانية في آخر لحظات العمر، واختيار الموقف النبيل بدلاً من التراخي والانهيار.
أما اللوحة السادسة فتُقدّم أشدّ صور النص تأثيراً، حيث يتم تفكيك الرعب ذاته: "عيونهم قبل حبالهم أشد اللحظات رعباً في الكون." يُصعّد النص مستوى الرعب من الأداة المادية (الحبل) إلى الأداة البشرية (العيون). إن النظرة، أو التجرّد من الإنسانية في عين الجلّاد، هي ما يُفزع الضحية أكثر من حبل الموت. إنه اعتراف بأن القتل السياسي يكمن في فاعله البشري الذي تجرّد من التعاطف، قبل أن يكمن في آلة الإعدام الصمّاء.

🌟 خاتمة
يُشكل نص كاظم حسن سعيد (لوحات لمشانق) صرخة أدبية عالية في وجه التاريخ المُلطّخ بالدم. إنه عمل يتميّز بتكثيفه المذهل، حيث يتم اختصار سيرة جيل كامل في ست لقطات حادة. النص ليس مجرد رثاء للضحايا، بل هو تشريح عميق لمراحل الوعي بالظلم، من البراءة المصدومة إلى الفهم المتسامي. لقد نجح الشاعر في تحويل المشنقة، وهي رمز النهاية، إلى أيقونة للذاكرة المُثقلة والبسالة الأخيرة، ليظل صدى السؤال البريء: "لكن لماذا؟!"، هو المحرّك الدائم للبحث عن العدالة في تاريخ الشعوب



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطوات الى المدرسة قصيدة
- لوحات لمشانق قصيدة
- في محل الحلاقة قصيدة
- قراءة نقدية للدكتور عادل جودة
- ابو مسلم الخرساني قصيدة
- ازهار فوق تل جماجم كتاب كامل
- صانع الاختام قصيدة
- الفلاح
- انسحاقات قصيدة
- قراءتان لنص مشاهد
- جنازة قصيدة
- هل تستطيع قصيدة
- ما وراء الجمال قصيدة
- هواية الجرافات قصيدة
- مقامة الشاهد في زمن الوجع
- مشاهد قبل عصر الكهوف قصيدة
- الاسطورة في العزلة قراءة في اكتشاف السعادة
- اكتشاف السعادة قصيدة
- بيت الاثرياء مادة لفلم سينمائي
- بيت الاثرياء قناع


المزيد.....




- مهرجان الدوحة السينمائي ينطلق بتكريم جمال سليمان ورسائل هند ...
- 200 شخصية سينمائية أجنبية تحضر فعاليات مهرجان فجر الدولي
- كتابة الذات وشعرية النثر في تجربة أمجد ناصر
- الكلمة بين الإنسان والآلة
- الفنان الأمريكي الراحل تشادويك بوسمان ينال نجمة على ممشى الم ...
- مصر.. الأفلام الفائزة بجوائز مهرجان -القاهرة السينمائي- الـ4 ...
- فولتير: الفيلسوف الساخر الذي فضح الاستبداد
- دموع هند رجب تُضيء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ46
- توقيع الكتاب تسوّل فاضح!
- فيثاغورس… حين يصغي العقل إلى الموسيقى السرّية للكون


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - المشانق والذاكرة