|
إنقاذ المصريين من الهيافة
هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 1836 - 2007 / 2 / 24 - 12:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في برنامج العاشرة مساء كان هناك تقرير عن شجرة على طريق القاهرة- الإسماعيلية.. ظهر لفظ الجلالة محفورا على جذعها، ليس هذا هو الخبر.. فقد شاهد بعضنا مثلا أجزاء من جبال حفرت عليها عوامل التعرية المناخية ما يشبه وجه إنسان أو قط أو أياً مما يعرف الناس في حياتهم اليومية.. بشكل فني جميل، وعلى كل حال يمكنك استخراج عشرات الصور التي حفرتها العواصف الرملية على مر آلاف السنين على أجزاء من سلسلة الجبال المحاذية للبحر الأحمر مثلا.. سواء في الطرف المصري أو ناحية الجزيرة العربية، وهذا المثال بالذات أسوقه لأنني عرفته وعاينته.. فهناك جبل على الطريق إلى مكة إحدى زواياه تبدو وكأنها وجه فيلسوف يوناني يفكر ويتأمل.. وهو نحت طبيعي بديع، الخبر إذن ليس وجود تلك الشجرة على طريق الإسماعيلية.. الخبر.. بل الخبر المحزن.. هو تدافع المصريين حول الشجرة لتقبيلها والتبرك بها والتسبيح بمعجزة الله التي تجلت فيها.. وبالمرة.. التضرع لها لعلها تساعد فيما لم تستجب له السيدات عائشة ونفيسة وزينب.. من تضرعات بسطاء المصريين لهن بالتدخل من قبورهن.. لحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية الميئوس من حلها! ولم يفت الأمر طبعا على تجار (التسبيح بحمد الله)، فقد جاء في تقرير البرنامج أنهم راحوا يصورون الشجرة بالموبايل لبيع كل صورتين بخمسة جنيهات! وفي ذات اليوم كان هناك في جريدة "المصري اليوم" مقال مؤلم حقا.. كتبه الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة.. وهو محلل سياسي ووجه معروف في معظم البرامج الحوارية الجادة على الفضائيات.. في مقاله قال إنه تنقل في أسبوع واحد بين عواصم عربية للمشاركة في ندوات ومؤتمرات منها عمّان وبيروت ثم عاد إلى القاهرة.. ليتساءل بحزن (عما جرى للمصريين) فجعل الفرق شاسعا بين اهتماماتهم واهتمامات مواطن تلك العواصم التي زارها.. رغم أن المسافة بالطائرة لا تزيد عن ثلاث ساعات بينها.. لكنه وجد في بيروت وعمّان وغيرهما اهتماما- ولو نسبيا ولو عاجزا ولو متباينا – بقضايا مصيرية، بينما تنشغل مصر وتغرق حتى أذنيها في الاهتمام بفتيات هالة شو والتوربيني! هكذا تألم الدكتور نافعة لحال مصر.. أن تصبح على هذه الدرجة من التسطح والغياب أو الغيبوبة، تذكرت المقال بينما كنت أحاول تأمل وجوه المصريين المتزاحمين حول الشجرة.. في لقطات سريعة تمكن فريق برنامج العاشرة مساء من التقاطها بعناء- كما قالت مقدمته منى الشاذلي- يسبب الزحام، لابد من وجود أسباب لهذه الغيبوبة التي أوصلت مجتمعنا إلى تلك الدرجة من (الهيافة)! هيافة لا تعبر إلا عن يأس شعب بأكمله من (قيمته الإنسانية ذاتها)، فراح يبحث عن حلول مشاكله.. لا عند دولة تنظم بلده.. فقد تفككت تلك الدولة، ولا عند نخبة من مثقفيه.. فقد غيبهم عنه ذهول العجز، ولا حتى عند وسائل العلم التي تراكمت لدى البشرية.. فالخرافة المتمكنة منه- باسم الدين تارة وباسم القيم المحافظة تارة أخرى- تقف بينه وبين العلم واستخدام العقل سدا منيعا، وإنما يبحث ذلك الشعب عن حلول مشاكله عند جذوع الأشجار وقبور الموتى وأذيال الحمير! لابد من وجود حل لمشكلة التفاهة والسطحية تلك، صحيح البحث عن هذا الحل يصيب الجميع بالإعياء.. بل ويرتد في هجمات يأس جديدة متكررة.. حتى أن كاتبا مصريا مشاكسا هو عبد الحليم قنديل قال في مقال له عن بشاعة انتشار الزبالة في كل أرجاء البلد:"إنني لست يائسا إنما يأكلني اليأس"! لكن الصحيح أيضا ورغم معاناة البحث عن حل.. أننا جميعا نعرفه! كلنا نعرف أن للهيافة رأسا ً! خربت البلد والبشر وقبعت هناك.. على تلها! الدولة المصرية التي تفككت ولم يبق منها إلا البوليس.. لا يمكن أن تأخذ بيد شعب ينكل به يوميا تحالف خفي وعلني بين عدة قوى وجهات خبيثة..خرافة تعشش في مكامن الجهل.. وفقر يصيب الناس بالذهول.. وعصا بوليسية تسلب الكرامة والأمل من المواطنين.. وإعلام بوليسي متخلف يقيل العقل ويرفع وتيرة الجهل والتسطيح والغباء.. وفساد سياسي وصل إلى حد العفن.. يستفيد لتجميل وجهه القبيح من دعاة دين لم يأخذوا من الدين إلا (مكر القدماء)!.. لا يمكن لدولة هذه أركانها أن يعي شعب تحت سيادتها (قيمته الإنسانية).. بل دولة هذه أركانها من المحتم أن يغرق شعبها في (ثقافة البعير) التي تلهمه بأن حلول مشاكله ليست عند العلماء والمتخصصين وليست في مجلس شعب حقيقي ونظام حر وشفافية ومسائلة وسيادة للقانون.. وإنما عند الشجر والنوق والبعير والأضرحة والقبور! الهدف إذن..(بناء دولة مصرية جديدة) أعمدتها الأساسية هي سيادة القانون والمسائلة والشفافية والحرية الحقيقية.. حرية يعبر الإبداع عن نفسه في ظلها.. الإبداع الفني والأدبي والإعلامي والفكري والثقافي.. فتموت تلقائيا ظواهر العفن.. فلا يعود فيها شعبولا أو شجرة حلالة مشاكل أو صكوك للغفران أو تذاكر منتجعات العالم الآخر! لكن تلك (الدولة الجديدة) من يبني لبناتها وكيف؟! البحث المضني إذن عن(شكل الدولة الجديدة) ليس هو المشكلة.. وإنما المشكلة هي ذلك السؤال الأخير.. كيف؟! هيافة التزاحم حول شجرة على أمل أن تساهم في زيادة المرتبات وحل مشكلة المواصلات والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي.. هي هيافة تبدو للوهلة الأولى كمشكلة ثقافية.. لكنها بمعطيات الواقع.. مشكلة سياسية حلها سياسي.. الحل السياسي الذي يهدف إلى (بناء دولة جديدة) لا يأتي بطرق عادية.. هناك في تاريخ البشرية فعل اسمه الثورة! والثورة لا يقوم بها الشجر إنما تندلع على يد البشر.. وهؤلاء البشر لا يثورون تلقائيا وإنما يحتاجون إلى تنظيم.. تتجمع إذن عناصر مشكلة (الشجرة المباركة) لتقول في نهاية الأمر أننا في حاجة إلى (تنظيم)! هذا التنظيم ليس كمثل (دكاكين الأحزاب المصرية البلهاء) وإنما.. وإنما في بلد مثل مصر (خربتها الهيافة وقعدت على تلها).. فإن هذا التنظيم هو الحل لقيادة التدافع الشعبي لا نحو شجرة بلدنا.. وإنما نحو تلها!
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فتيات هالة وفساتين هيفاء
-
يا فرحة العادلي برجالته في الشرطة وفي التليفزيون
-
برلمانيون لكن ظرفاء
-
القصة الكاملة لما أثير حول فيلم الجزيرة الوثائقي عن التعذيب
...
-
إقالة مبارك بخمسين قرشا
-
الفضائيات تتحول إلى أحزاب سياسية، وجريمة تبديد أموال النفط
-
معارك إعلامية بسبب الحجاب تخفي السبب الحقيقي للصراع
-
موريتانيا مرة أخرى: الغضب من الحقيقة هو سر التخلف الحضاري في
...
-
العصيان الفكري ورقة أخيرة مع عائلة مبارك
-
قنوات الأغاني وقنوات الإعلانات
-
جمال النووي
-
الأندلس حلم الحرية التائه
-
زيارة إلى موريتانيا:الأولى.. والأخيرة
-
يا لبؤس البشر بين التيجان والعمائم
-
دلائل علمية في دراسة رؤساء الدول العربية
-
المغرب بعيون مصرية
-
رحيل نجيب محفوظ ليس صدمة: الصدمة أن مبدعين يرحلون ولا يولد غ
...
-
الطبقة الوسطى المصرية وأحلامها المبتورة
-
بين نوعين من النضال ضد أمركة العالم
-
لماذا أحبه المصريون: بين نصر الله وغيره هناك فرق
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|