أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الحزب الشيوعي اللبناني - مشـروعا الموضوعات والتقرير السياسي تحضيـراً للمؤتمر الوطني التاسع للحزب - الجزء الاول















المزيد.....



مشـروعا الموضوعات والتقرير السياسي تحضيـراً للمؤتمر الوطني التاسع للحزب - الجزء الاول


الحزب الشيوعي اللبناني

الحوار المتمدن-العدد: 550 - 2003 / 8 / 1 - 05:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


مشـروعا الموضوعات والتقرير السياسي تحضيـراً للمؤتمر الوطني التاسع للحزب - الجزء الاول
    منشورات الحزب
أواخر تموز ـ 2003

الحزب الشيوعي اللبناني

 

الظروف التي ينعقد في ظلها المؤتمر الوطني التاسع
طبيعة المرحلة وسماتها العامة

 

مشروع
موضوعات ومهمات سياسية للنقاش

 

بيروت، 22 تموز 2003

 

 

تمهيد

يقف، حزبنا، الحزب الشيوعي اللبناني، عشية  مؤتمره التاسع، عند منعطف حاسم، في مرحلة تاريخية شديدة الخطورة، يؤشر إليها العدوان الأميركي-البريطاني على العراق. واحتلال هذا البلد العربي يعتبر خطوة أولى، من ضمن خطة متكاملة للسيطرة على كامل المنطقة، وكجزء من استراتيجية أميركية إمبريالية اشمل، معلنة ومستمرة لفرض نظام عالمي آحادي، هو بأهدافه الجذرية، أشبه ما يكون بعملية أمركة للعالم أجمع.

ويواجه حزبنا تحديات المرحلة هذه وهو يعاني أزمة حادة ويواجه صعوبات كبيرة، تركت تأثيرات سلبية بارزة على صورته ودوره وأدائه. لقد واجه الحزب، في مجرى مسيرته النضالية الطويلة، تحديات وأزمات كثيرة، وقد استطاع تجاوزها بفضل وعي الشيوعيين وحسهم النقدي، وحرصهم على حزبهم، وقناعتهم الراسخة بدوره الوطني. أن وجود الحزب هو حاجة وطنية موضوعية، بسبب تركيبته الوطنية الجامعة، وبسبب مساهماته السياسية والاجتماعية والوطنية والفكرية الرائدة في امتداد تاريخه الطويل،مما يؤهله للعب دور نهضوي يساهم في إخراج لبنان من أزماته المديدة.

ويقع في مقدمة شروط نهوض الحزب الى دوره ووظيفته على المستويين الوطني والقومي، تأكيد استقلالية قراره، وتميز ووضوح برنامجه السياسي والاجتماعي، من ضمن خط عام يرى الى التغيرات بعين القدرة على استيعابها وتمثلها، وتجديد أدواته ووسائله وطرائقه تبعًا لذلك.

ولا يربط الحزب في تأكيده لضرورة وجوده واستمراره؛ مشروعا"، وفكرًا متجددًا، وبرنامجًا سياسيًا متطورًا،  وأطراً تنظيمية ديمقراطية حقًا،، لا يربط ذلك بموازين القوى الراهنة، ولا بخطورة التحديات وشدة المعضلات وكبر الصعوبات الناتجة عنها، والتي قد يتذرع بها البعض من أجل التخلي وتقديم التنازلات المبدئية، بحيث يفقد الحزب هويته ودوره وتميّزه، وبالتالي مبرر وجوده. فالحزب يتطلع الى المستقبل، وهو إذا يراهن على الأجيال الجديدة، يحاول أن يضع في برنامجه وفي بنائه وفي ممارسته الأسس الضرورية لإنقاذ لبنان من أزماته الخطيرة والمتفاقمة.

إن حزبنا يتطلع الى المستقبل، مصممًا على مواصلة النضال من أجل الأهداف الكبيرة النبيلة، في لبنان والعالم العربي، والعالم؛ وهو، مع غيره من القوى الديمقراطية والتقدمية، سيتصدى للهجوم الشرس الذي تقوده أميركا للسيطرة على بلادنا وخيراتها والتحكم بحاضر ومستقبل أجيالنا الشابة وسيساهم في النضالات العالمية ضد العولمة المتوحشة، كما سيناضل دون كلل في سبيل إطلاق مشروع نهضوي عربي، حضاري ديمقراطي، وفي سبيل بناء لبنان عربي جديد، سيّد حر، تسوده المساواة والعدالة، في ظل نظام سياسي ديمقراطي، علماني مدني، يقضي على آفة الطائفية السياسية وسمومها، في الوقت نفسه الذي يغتني فيه بتنوع وتعدد معتقدات شعبه!

ويهمنا هنا إن نؤكد من جديد على تبنينا للتوجهات العامة التي أقرتها مؤتمراتنا الأخيرة، وبخاصة المؤتمر الثامن، والتي تضمنت "الركائز الأساسية لهوية الحزب الفكرية والسياسية والاجتماعية"، والهدف الاشتراكي الذي يسعى من أجل بلوغه، على هدي فكر ماركس، وبالاستفادة من كل ما حملته التجربة المحققه من دروس والتطورات من جديد في الحقول كافة. كذلك يهمنا أن نعيد التأكيد على الشعار الأساسي لذلك المؤتمر وهو النضال من أجل "بديل ديمقراطي" للنظام السياسي الطائفي الراهن والبنود الأساسية لذلك البديل التي وردت في وثيقة المؤتمر المذكور.

إن تمسكنا بتلك الأسس والتوجهات لا يعفينا من ضرورة الإدراك العميق لكل المتغيرات التي حملتها السنوات الأربع الماضية، كما لا يعفينا من ابتكار وابتداع الأشكال والأطر المناسبة لجعل برنامجنا أوضح واكثر قدرة على التعبير عن مصالح الأكثرية الساحقة من شعبنا، ولجعل وسائلنا أفعل في النشاط والتواصل والتنظيم، توصلاً الى جعل نشاطنا اكثر حضوراً وتأثيرًا في الصراع، المتعدد الأشكال والميادين والأبعاد الذي يجري في لبنان والمنطقة العربية.

 

 

 

 

 


الظروف التي ينعقد في ظلها المؤتمر التاسع
طبيعة المرحلة وسماتها العامة

I- موضوعات في الوضع الدولي:

• يتجه الحزب نحو عقد المؤتمر التاسع في مرحلة دقيقة شديدة الخطورة شهدت غزوًا أمريكيًا وبريطانيًا وحشيًا للعراق، يتجاوز في أهدافه، الخفية بل والمعلنة، العراق، قيادةً ونظامًا، كما يتجاوز في مقاصده ما تدعيه أمريكا حول القضاء على الإرهاب وتعزيز الديمقراطية في المنطقة العربية. وقد ألحقت الحرب الدائرة ويلات إنسانية بالشعب العراقي، ودمارًا واسعًا للبنى الاقتصادية والاجتماعية ومكنت الأميركيين من وضع اليد، مرة أخرى، على منابع نفط العراق مباشرة. كما تؤشر هذه المرحلة الى تطورات محتملة، عميقة الأثر وبعيدة المدى، وهي تطورات مفتوحة على متغيرات وتحولات جيو سياسية تطال العالم بأسره، وان كانت ستطال بتداعياتها العالم العربي، في مراحلها الأولى. كما تطال هذه التطورات مناحي الحياة كافة: السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، بل حتى معتقدات الناس وقيمهم وأنماط سلوكهم!

• إن الهدف الأساس للعدوان الأميركي والذي سقطت ذريعته الأساسية بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، هو إعـادة رسـم الخـارطة الجـيو سياسية في منطقة الشرق الأوسط بما يحقق مصالح أمريكا الاستراتيجية، ليس فقط في المنطقة هذه بل في العالم بأسره، ومن ضمن هذه المصالح ومن أولوياتها تأمين مصلحة إسرائيل كدولة، وكقوة إقليمية مسيطرة، وكشريك استراتيجي. كما ان من أولويات هذه الاستراتيجية استكمال السيطرة المباشرة على منابع النفط، حيث تنتج منطقة الخليج العربي حاليًا حوالي 30% من إنتاج العالم، وحيث تحتوي على حوالي 65% من الاحتياطي المحقق عالميًا، مما يجعلها المنطقة الوحيدة القادرة على تلبية الطلب العالمي المتزايد على النفط بمعدلات مرتفعة ومضطردة، خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية التي يتوقع أن يزداد اعتمادها على النفط المستورد ليصل الى نحو 70% من مجموع استهلاكها عام 2020. ولطالما كانت السيطرة على الثروة النفطية العربية، بدءًا من منابع النفط وصولاً الى أسواق استهلاكه، هدفًا استراتيجيًا أمريكيًا تقدّم، ولا زال يتقدم، على أي شعار آخر.

إن نجاح أميركا في مخططاتها سيمكنها من التحكم بمصدر الطاقة الأساسي في العالم وهو المصدر الأكثر توفرًا وأمانًا ورخصًا في المرحلة الراهنة. والنجاح هذا سيمكنها بدوره من التحكم بمسار ووجهة تطور الكثير من دول العالم وتكتلاته، وبخاصة أوروبا واليابان. وفي هذا المجال يمكن اعتبار الحرب الأمريكية بمثابة "هجوم استباقي" اقتصادية الأهداف تحاول أميركا بواسطته احتواء المتغيرات الحاصلة في العالم، لجهة تنامي قدرات دول وتكتلات منافسة لأميركا، والتحكم بوتيرة تطورها (أوروبا – الصين – جنوب شرق آسيا- روسيا- أميركا الجنوبية...). إضافة الى ردم الهوة المتسعة بين قدرات أمريكا العسكرية والتقنية وبين قدراتها الاقتصادية المتراجعة نسبيًا.
• إن اتساع الاستهدافات والأطماع الأميركية، والتي تشمل العالم برمته، ولا تستثني ايضا" مراكز رأسمالية ودولا" كبيرة وشعوبا" بأسرها، يؤسس لإعتراض عالمي متعدد الأطراف ضد هذه الاستهدافات والأطماع، ولمقاومة تتسع دون حدود حتى اسقاط هذا الجموح الخطير او تقليص مخاطره
• وتشكل العولمة خلفية التطورات الجارية، وترسم منحاها العام على المستوى العالمي. إن العولمة التي يدور جدل واسع في العالم حول تعريفها وعناصرها المحددة، هي في جوهرها الاقتصادي، عملية تدويل مكثف ومتزايد لحركة رأس المال، بدأت في التوسع مع التطورات الاقتصادية الكبيرة التي حصلت خصوصًا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وساعدت على تطور هذه العملية، وتساعد في تسريع وتائرها، الاكتشافات العلمية والتقنية خصوصًا في مجالي المعلوماتية والاتصالات. ومن مستلزمات هذه العملية، ومن تداعياتها، إزالة القيود أمام حركة راس المال والسلع، وتحقيق المزيد من التبادل والترابط بين دول العالم وبخاصة أسواقها، بما يتجاوز الحدود القومية، وصولاً الى اندماج يتسع باستمرار ليشمل قطاعات ونشاطات متزايدة تنتشر في شتى أنحاء المعمورة. ان الرأسمال المعولم، عبر مؤسساته الاحتكارية العالمية، يحول العالم بأسره الى سوق عالمي، كما يحوّل كل المواضيع الى "سلع تباع وتشرى"، حتى الإنسان يجري التعامل معه كسلعة، ويُحوّل الى "موارد بشرية" والى "أيدي عاملة"، وهي ظاهرة تكمن في أساس تكوّن الرأسمالية وتطورها! ومن الناحية السياسية والاقتصادية على الاقل، تعتبر "العولمة" في جوهرها رأسمالية المرحلة التاريخية الراهنة. وبالتالي، فإن كل نضال ضد العولمة المذكورة هو في شكل مباشر أو غير مباشر، جزئي أو كلي، نضال ضد الرأسمالية، رغم مشاركة فئات اجتماعية متنوعة الانتماءات الطبقية، وان اتسع ليشمل هذا النضال جوانب وميادين رئيسية وثانوية أخرى، وإن تباين هدف هذا النضال ومركز الاهتمام فيه من فئة مناهضة الى أخرى.

وتتعزز، نتيجة هذه العملية، اواليات التأثيرات المتبادلة فيما بين التحولات الحاصلة في جميع البلدان، بحيث اصبح من المستحيل على أي بلد أن ينأى بنفسه عن مفاعيل ما يجري وتأثيراته. طبعًا مع فارق نوعي وكمي كبير في حجم الأدوار، وفي درجات التأثر والتأثير بين الدول-المراكز والدول-الأطراف، كما بين التكتلات الإقليمية المتصارعة، بحسب قوة وفاعلية كل من هذه التكتلات.

• والسمة الطاغية لعملية العولمة في لحظتها الراهنة، هي إنها تتطور في ظل نمو وتطور متفاوتين في المراكز الرأسمالية بهيمنة أمريكية طاغية تكاد تظهر العملية بمجملها وكأنها عملية "أمركة" شاملة للعالم بأسره، وبالأولوية أمركة للميادين والجوانب والمناطق التي تعتبرها أمريكا الأكثر أهمية لمصالحها الاستراتيجية، إضافة الى محاولة "أمركة" المعايير والمفاهيم والقيم السائدة. وتكشف السمة هذه البعد "الذاتي" للعملية الموضوعية الجارية، اي الدور الأمريكي الحاسم الأهمية في تسريع هذه العملية وتحديد وجهتها بما يتوافق ومصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية البعيدة المدى. كل ذلك انطلاقًا من الموقع المهيمن لأمريكا في النظام الرأسمالي العالمي، وفي المؤسسات المالية الدولية، واستنادًا الى ميزان قوى عسكري وتقني راجح بشكل حاد لمصلحة هذه الأخيرة، والى شبكات إعلامية ودعائية واسعة، ومتفوقة، تروج لكل ما هو أمريكي؛ سياسات، ومصالح وقيمًا وأنماط حياة.

• وتحاول أمريكا، في ظل تفوقها الراهن ومنذ تفجيرات 11 أيلول وغزو أفغانستان خصوصا"، ونتيجة تراجع أدوار القوى العالمية الأخرى، تحاول ان ترسي القاعدة المادية لنظام عالمي جديد تكون هي قطبه الأوحد، تلعب فيه دور المبادر المحرّك للتطورات، والضابط لإيقاعها، والموجّه لحركتها، إضافة الى دورها كعامل توازن لهذا النظام الجديد والحافظ له. والمحاولة هذه ليست بالحدث الجديد. فقد بدأت ملامحها في الظهور مع البوادر الأولى لانهيار الاتحاد السوفياتي، وبدءِ البحث في حقبة ما بعد السوفيات، وازدادت وضوحًا وعلانية مع "حرب عاصفة الصحراء"، التي اعتبرها بوش-الأب في حينه بداية قيامة النظام العالمي الجديد، ويراد لها ان تتكامل وتحسم مع غزو العراق، بكل مفاعيل هذا الغزو وتأثيراته، إقليمياً ودوليًا. وما كان الصراع الذي دار عشية الحرب في أروقة الأمم المتحدة وخارجها، ولازال يدور بين أميركا من جهة، وفرنسا وروسيا وألمانيا والصين وغيرها من جهة أخرى، سوى تأكيد على ان المعركة تدور تحديدًا حول أي نظام عالمي جديد سيقوم، وما هي طبيعة وخريطة الأدوار فيه، الأساسي منها والثانوي. والواقع إن مسعى أميركيًا محمومًا ينشط منذ تسعينات القرن الماضي، بعد التحول الحاسم في التوازن الدولي لمصلحتها نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي، لإلغاء وقائع ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. ويطاول ذلك بشكل خاص دور المؤسسات الدولية، وعملية التقرير فيها (الأمم المتحدة ومجلس الأمن...) فواشنطن لم تعد تقبل حقوقًا متساوية لها مع الآخرين، ولا الخضوع للشرعية الدولية القائمة، او الالتزام بالقواعد التي تنظم العلاقات فيما بين الدول، وهي تسعى من اجل تهميش كتل ودول منافسة (أوروبا، الصين، اليابان، روسيا...). بينما يجهد هؤلاء لدور شريك ضعيف على الأقل في مقابل الدور الالحاقي المقترح عليهم من قبل واشنطن. كما يطاول ذلك منظومة أوسع من المواقف والعلاقات وحتى القيم التي يحاول القادة الأوروبيون جزئيا"، تأكيد طابعها الانساني، فيما يتعامل معها قادة الولايات المتحدة بوصفها تقاليد "قديمة" فقدت دورها لمصلحة نظام الحياة والقيم الاميركية.

• أما الجديد في الوضع الدولي الراهن فهو تحوّل أمريكا، في ظل الإدارة الأميركية الحالية الى "دولة مارقة عظمى" تشكل خطرًا حقيقيًا ملموسًا يهدد السلم العالمي، نتيجة اعتمادها سياسات  جامحة في غطرستها الإمبريالية ولجوئها الى القوة العسكرية، والى عمليات أمنية تآمرية والى شتى أشكال الضغوط الاقتصادية، متجاهلة حقوق الدول والشعوب الأخرى، مدعية دورًا "رسوليًا" مزعومًا تنطلق في تحديده من نظرة سطحية تصنف العالم بين قوى "شر" وقوى "خير". ومما يزيد الوضع خطورة هو استناد هذه الإدارة الى تحالف يضم قوى مغرقة في رجعيتها، توفر الخلفية الأيديولوجية لهذه الإدارة، تجمع من جهة، فئات تحمل مفاهيم وتفسيرات توراتية، مسيحية متصهينة تعتمد العهد القديم بدلاً عن العهد الجديد والرسل، ومن جهة أخرى، قوى ومصالح اقتصادية وعسكرية وسياسية هي بمثابة "مثلث حديدي" ورث "المجمع الصناعي العسكري" الذي سبق وحذّر حتى خطورته الرئيس الأميركي الأسبق ايزنهاور، والذي يوفر القاعدة المادية لهذا التحالف.

• ويكشف الكثير من الوثائق الرسمية الأميركية وبخاصة الوثيقة الصادرة في 12 أيلول 2002 عن البيت الأبيض بعنوان "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية" حقيقة التوجهات العامة لهذه الاستراتيجية وأهدافها وأدواتها...

ونتوقف عند أهم مفاصل هذه الاستراتيجية:

 استناد "استراتيجية الأمن القومي" الى ما تدعوه "أممية أمريكية متميزة" تعكس الاتحاد (الوحدة) بين القيم الأميركية ومصالح أمريكا القومية. والتماهي هذا بين القيم والمصالح الأميركية، يهدف إذا ما ترجم عمليًا الى أمركة العالم باعتبار العملية هذه هي الأداة الأفعل للسيطرة عليه وتأبيد هذه السيطرة.

 ضمان احتفاظ أمريكا بنفوق تقني حاسم وبقوى عسكرية "غير قابلة للتحدي" بحيث يثني هذا التفوق جميع القوى الأخرى، وبخاصة الأعداء، الحقيقيين منهم والمحتملين، عن تعزيز قواهم العسكرية بأمل "تجاوز او حتى مساواة القوى العسكرية الاميركية". هذا مع تعهد بالعمل على منع هذه المساواة او ذاك التجاوز بشتى الوسائل.

 التخلي عن الاستراتيجية التي حكمت السياسة الاميركية إبان "الحرب الباردة"، والتي قامت على أساسين هما "الاحتواء" و"الردع"، والتحول الى استراتيجية جديدة تقوم على "الضربات الاستباقية" (الاستباقية) و"التدخل الوقائي"، ضد اي قوة او دولة قد تشكل مصدر "خطر محتمل". واستكمالاً لذلك التخلي عن العهود الدولية التي تلزم الدول النووية بعدم استخدام السلاح النووي ضد دول غير نووية. والأخطر في هذا القرار ان اللجوء الى الضربات الوقائية لا يستلزم خطرًا داهمًا بل يكفي ان يكون خطرًا محتملاً في المستقبل.

 استخدام كل الإمكانات والوسائل لتحقيق المصالح الأميركية وتعميم القيم الأميركية، وبخاصة الليبرالية الاقتصادية واقتصاد السوق. وتدعو الوثائق هذه صراحة الى اعتماد كافة أشكال الضغط والتدخل في سبيل ذلك، مع دور خاص تنيطه بالمؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، الخاضعة للنفوذ الأمريكي. وفي مقدمة هذه المؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التي ينبغي على أميركا استخدامها لكسب معركة المستقبل، وتحديدًا ونصًا "لكسب معركة مستقبل العالم الإسلامي".

 استخدام شعار "محاربة الإرهاب" أداة أساسية في خدمة الاستراتيجية الأميركية في الخارج، وسلاحًا في يد التحالف اليميني الحاكم لتمرير سياساته "المكارثية الجديدة" في الداخل. وليس من قبيل الصدفة أن تترافق المخططات العدوانية الإمبريالية في الخارج، مع سياسات وإجراءات تتخذ داخل أميركا، ويعتبرها الكثير من الأميركيين بأنها جامحة في تحيزها لراس المال الكبير ومؤسساته الاحتكارية، كما تترافق مع سياسات معادية للديمقراطية، قامعة للحريات، عنصرية ضد الأقليات على اختلاف ألوانها ومشاربها! .
    إن استمرار التهديد بخطر الحركات الأصولية المتطرفة والمبالغة فيه، ينبغي إلاّ يطمس حقيقة ان معظم هذه الحركات كانت، ولا يزال بعضها، محل رعاية وإيواء من قبل دوائر المخابرات الغربية عمومًا. بل ان بعضها كان في مرحلة ما صنيعة هذه الدوائر، والأميركية منها بشكل خاص. ولقد جرى استخدام هذه الحركات كسلاح، من ضمن غيرها من الأسلحة والأدوات، لمحاربة الاتحاد السوفياتي وحلفائه من القوى الساعية الى التحرر والتقدم، كما استخدمت هذه الحركات كأدوات لإفشال جميع محاولات  ومشاريع التغيير والتحديث التي جرت في المنطقة تحت أي عنوان، وعلى امتداد القرن الماضي.

إن الأخطار الناجمة عن الاستراتيجية الأميركية المعلنة وسياساتها العدوانية الممارسة هي أخطار شديدة هائلة، بل هي الاشد خطورة، مما واجهته البشرية عبر التاريخ. رغم ذلك فان ثمة امكانيات حقيقية للتصدي لهذه الاخطار والإنتصار عليها.

إن سياسة تستعدي شعوب العالم بأسره، بما في ذلك قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي، وتضرب بعرض الحائط مصالح الشعوب والدول الأخرى، (بما فيها دول تجمعها مع الولايات المتحدة احلاف قديمة او جديدة) وترفض بخفّة واستعلاء ما يتوصل إليه المجتمع الدولي من اتفاقات حول البيئة، والتسلح، والجريمة، والتجارة الدولية، والأوبئة والأمراض..الخ؛ إن سياسة كهذه لا يمكن إلاّ أن تنتج تناقضات تناحرية تحتدم باستمرار، مع كل خطوة تخطوها الإدارة الأميركية على طريق فرض هيمنتها على العالم وأمركته.

إن مواجهة مخططات الدوائر الأميركية الإمبريالية الرجعية غير مستحيلة وفي المثل الأخير الذي أرادته واشنطن تعبيرا" عن القوه المطلقة والتفرد والاستئثار، عنينا غزو العراق، تواجه إدارة بوش صعوبات كبيرة ومقاومة متنوعة ومتصاعدة، وذلك مرشح إذا ما إستمر وتوسع وإحتضن كما ونوعا"، لأن يحول الإنتصار الأميركي السريع على نظام صدام الى هزيمة مبكرة على يد شعب العراق. فالعداء للسياسة الأميركية ينتشر ويعم العالم اجمع. كما تتصاعد الحركة الشعبية المعادية للعولمة، "المؤمركة" و"المعسكرة"، وتتسع لتشمل فئات وقوى متنوعة التمثيل السياسي والفكري، ومتباينة الانتماء الاجتماعي والثقافي والديني. وكما تنطلق سياسة بوش الابن من "أممية أمريكية" هجينة لا تقدم للبشرية غير المزيد من الإفقار والدمار تحت شعار تعميم قيم ومُثل النموذج الأميركي، فان شعوب العالم وقواها الحيّة، ومن بينها الشعب الأميركي، قادرة على بلورة أممية جديدة، أممية ديمقراطية حقًا، وإنسانية حقًا من شأنها ان توازن الخلل السائد في ميزان القوى المادي، وان تتفوق عليه عبر نضال طويل ومثابر ومتعدد الاشكال والقوى على امتداد العالم. فانتصار هذه الـ "أمريكا"، وهذه العولمة، ليس انتصارًا أبديًا ولا هو نهاية للتاريخ...
إن نشاطات جديدة وعديدة ومبادرة تقوم وتنتشر في شتى ارجاء العالم. وشكل المنتدى العالمي المناهض للعولمة (بورتو إليغري) أبرزها لجهة الحشد والتاثير والحركة. كذلك تزداد مقاومة النهج الاميركي في مواقف تجمعات ذات طابع دولي (دول عدم الانحياز) وفي اوسع الاوساط الأوروبية سياسيا" وشعبيا"...
وتستطيع الحركة التقدمية الديموقراطية أن تفعل الكثير للإنخراط في هذه النشاطات أو إستحداث ما هو ضروري ومفيد من أجل جعل الحصار على النهج الاميركي يضيق باستمرار لمنعه من تحقيق مخططاته او الاخطر من بينها.


II- موضوعات في الوضع العربي

II- 1 سقوط النظام العربي الرسمي وتعمق أزمة "البدائل"

• يشكل العالم العربي اليوم الميدان الرئيسي للهجوم الشامل، المتعدد الأشكال والأدوات والأهداف، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، سعيًا  الى فرض سيطرتها الآحادية على العالم، واقامة نظام عالمي جديد يوطّد لها هذه السيطرة، ويعيد تشكيل العالم وفق مصالحها الإستراتيجية، الآنية والبعيدة المدى. وكما ساهمت التطورات العاصفة على المستوى العالمي، والمتمثلة خصوصًا في انهيار الاتحاد السوفياتي وانتصار أميركا في الحرب الباردة من تمكين هذه الأخيرة من شنّ هذا الهجوم، فان الواقع العربي، وبخاصة النظام الرسمي العربي، بعجزه الفاضح وبتواطئه وفّر، ويوفّر، الفرصة لأميركا وحلفائها لتسجيل انتصارات سهلة نسبيًا، في منطقة يتعاظم الصراع فيها وعليها. هكذا كان الحال مع نظام صدام حسين الاستبدادي الذي ساهم، بحروبه المغامرة، وبسياسته الإجرامية ضد الشعب العراقي وقهره له والتنكيل به، وإبادة وتشريد مئات الألوف من خيرة أبنائه وبناته، (ساهم) في إيجاد الظروف المناسبة لأمريكا لشنّ عدوانها على العراق واحتلاله.

• ومع اكتمال احتلال العراق من قبل القوات الأميركية والبريطانية الغازية، وما رافق ويرافق هذا الاحتلال من جرائم موصوفة ضد المدنيين، ومن تدمير مبرمج لمقوّمات العراق العمرانية والحضارية، وبناه التحتية، ومؤسساته الاقتصادية والاجتماعية، مع محاولة إضعاف وحدته وتغذية الإنقسامات فيه، على أسس إثنية وطائفية وعشائرية، والسيطرة المباشرة على منابع النفط فيه والتحكم بعمليات إنتاجه وتسعيره وتسويقه... وصولاً الى محاولة تنصيب حكم عسكري مباشر عليه غير محدد المدّة، وتحويله الى حقل تجارب متعدد الأشكال وتشمل نتائجه  العراق والمنطقة عموما".

• ويستمر تنفيذ المخطط الصهيوني ـ الأميركي الهادف الى تصفية قضية فلسطين، وإنهاء انتفاضة شعبها واغتصاب كامل حقوقه، وسلبه كامل أرضه. وتستمر عمليات الإبادة والتدمير والتطهير العرقي والتوسع الاستيطاني، دون أي مساءلة دولية، بل ودون أي ردود فعل عربية مؤثرة. أما مشروع "خارطة الطريق" فبرغم إتخاذ الأطراف الفلسطينية موقفا" مرنا" منه، إلا أن هذا المشروع من شأنه، في حال اعتماده، بالشروط الإسرائيلية والأمريكية الملازمة له، تفجير صراعات فلسطينية-فلسطينية مقابل وعود خادعة، الهدف من اطلاقها ليس مكافأة النضال الفلسطيني بل إجهاض الإنتفاضة وإنهائها عبر التأمر الخارجي والاقتتال والخلاف الداخلي.
مع كل هذا، وغيره من حقائق تميز الواقع العربي، تكتمل هزيمة النظام الرسمي العربي، بما هو جمع ومحصلة لأنظمة وحكام وسياسات ومؤسسات وعلاقات، قطرية ومشتركة، كما تتساقط مفردات هذا النظام ومكوِّناته، بغض النظر عن إمكانية استمرار بعض هذه المفردات في مواقعها السلطوية، وهو استمرار تشير كل التوقعات الى ظرفيته، وفي كل الأحوال الى عدم فاعليته في مواجهة المخاطر المقبلة وما تطرحه من مهمات. ويثبت بالملموس، مرّة أخرى، هشاشة الكيانات الدولتية العربية بخصائصها الراهنة وإفتضاح قصورها على كل صعيد.

ويتجاوز الواقع العربي السائد، في عجزه ومرارته، كلّ ما عرفته الشعوب العربية من هزائم ونكبات وخيبات أمل على امتداد قرن من الزمن، وعلى امتداد حقبة من النضال المديد في سبيل الاستقلال وما بعدها. حيث يظهر الحاضر العربي وكأنه ماضٍ في زمن آخر! زمن انهيار الإمبراطورية العثمانية، وعشية الهجوم الاستعماري لوراثتها وتقسيم العالم العربي ضمن كياناته الراهنة، وتقاسم المصالح والنفوذ فيه بين الإمبراطوريتين الغابرتين البريطانية والفرنسية.

وفي مقابل هذا السقوط المدوّي للنظام العربي الرسمي، يتأكد في الوقت نفسه، فشل المشاريع البديلة لهذا النظام ومفرداته، وتعمّق الأزمة التي تعيشها هذه البدائل، بكل أطيافها وتلاوينها وعناوينها؛ وخصوصا" منها اولئك الذين إستولوا على السلطة ورفعوا شعارات عجزوا عن تحقيقها أو عملوا بعكس مضمونها ومستلزماتها.

وفيما عدا إستثناءات نادرة، لقوى لا تزال تصمد وتحاول مقاومة  الهجمة الأميركية الصهيونية، فإن صورة الواقع العربي الراهن تظهر واضحة، بكل ملامحها وتفاصيلها، في الحقائق التالية:

• أنظمة عربية عاجزة عن مواجهة المخططات الإمبريالية، الأميركية والصهيونية منها بخاصة، بل متواطئة، وفي أحيان كثيرة مشاركة فيها، بصورة مباشرة او غير مباشرة، سرًا وعلانية، حفاظًا على بقائها. وليس صدفة أن ينطلق العدوان على العراق من أرضٍ عربية، ومن سماواتٍ عربية، وبحورٍ عربية، وبتسهيلاتٍ عربية، وأن يموّل ولو جزئيًا بثرواتٍ عربية، ويروّج له بوسائل إعلامٍ عربية. كما ليس من الصدفة أن تستمر إسرائيل في قضم فلسطين، وأن يقترب مخططها من الفرات بعد أن اقترب من النيل، في ظل انكفاءٍ مريب تمارسه هذه الأنظمة، قسرًا أم طوعًا، طمعًا في رضى أميركا أو خشية من إثارة غضبها!

• دول عربية مشرذمة، على أسس إثنية وطائفية وعشائرية، فشلت في مواجهة التحديات الداخلية منها والخارجية، في مرحلة تشهد تطورات دولية وإقليمية عاصفة، تدفع نحو المزيد من التمركز والتدويل لرأس المال باتجاه العولمة والأقلمة. وتتمثل هذه التطورات في نشوء تكتلات اقتصادية وسياسية عملاقة، ركيزتها شركات متعدية الجنسيات، تخترق حدود الدول، وتقلص دورها وسلطاتها وتغيّر من وظائفها، وتفرض عليها توجهات وسياسات ليبرالية جامحة دون نظرٍ الى حاجاتها وإمكاناتها وظروفها...

• أنظمة وحكومات، ملتبسة الشرعية، وفي أحيان كثيرة، فاقدتها، حيث أنها تخالف إرادة شعوبها، وتقمع طموحاتها في كل ميدان. فقد فشلت، على امتداد حقبة الاستقلال، في تأمين الحد الأدنى من طموحات هذه الشعوب الى التحرر السياسي، والتقدم الاجتماعي، والديمقراطية. بل إنها فشلت حتى في توفير الأمن لمواطنيها، والحماية لسيادة وسلامة أراضيها، سواء تجاه الأطماع والتهديدات الخارجية، أم تجاه النزاعات الداخلية، المحلية المدمرة...

• حكام طغاة فاسدون، في معظمهم، لا يكتفون بحكم بلدانهم والسيطرة عليها، بل يسعون الى امتلاكها، ونهب ثرواتها، وكأنها إرث يتوارثونه جيلاً بعد جيل. وهم يتعاملون مع شعوبهم وكأنها قطعان من الرعايا؛ رعايا طوائف، وعشائر، وزعامات، لا مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات في ظل قوانين ومؤسسات ديمقراطية، حديثة، تمثيلية، مناسبة، كفؤة، وفاعلة. وليس غريبًا، في ظل هكذا حال، أن تشهد البلدان العربية، الى الممالك والإمارات الهزيلة، ظاهرة الجمهوريات-الملكية، حيث يرث الأبناء-الآباء، ليس فقط في مواقع السلطة الرئاسية بل في مستوياتها الأدنى، وفي مواقع النفوذ كافة!


وفي مقابل هذا الجانب من صورة الواقع العربي، وكجزء لا يتجزأ منها، تبرز الوقائع التالية:
• طبقات وفئات وشرائح اجتماعية واسعة وتجمعات سياسية وأهلية تشكل الأكثرية الساحقة من الشعوب العربية، غارقة في بؤس حياتها اليومية، تبحث عن مخارج وهمية لها: إما في انتماءات وولاءات تقليدية أو طائفية أو عشائرية، وإما في حركات عدمية، أو أصولية سلفية، أو ترتد الى حالة من اللامبالاة والغيبية او اليأس والقنوط والتقوقع... وتتعرض جميعا" للتدجين والتهميش فضلا" عما تعانيه من أزمات داخلية بفعل سلبيات العوامل الموضوعية المذكورة آنفا" او بفعل القصور الذاتي.
• بعض من المثقفين ممن يروج للتكيف ويميل الى "الامتثال" بدعوى العقلانية والواقعية...
إن الصورة القاتمة للواقع العربي الراهن، في شتى تجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية تكثف في اللحظة الراهنة، الفشل في معارك التحرير والحرية والديمقراطية والتنمية والوحدة، كما تكشف تأثير التخلف في مجالات العلوم، والتكنولوجيا والثقافة والأدب والفن وغيرها من ميادين إنتاج المعرفة. وهي تكشف، خصوصا" بعد الاحتلال الاميركي للعراق، الاخطار الكبيرة التي ولدتها التبعية والإرتهان للخارج وخصوصا" للولايات المتحدة الاميركية، هذا فضلا" عن القمع المتصاعد والتجهيل والتهميش الذي تعاني منه الشعوب العربية.

II-2 أين تكمن الأزمة وما هي أسبابها؟

إن الأزمة الشاملة والعميقة التي تعيشها المنطقة العربية تعيد طرح السؤال الجوهري، الذي طالما كان، وما يزال، في مركز الاهتمام والاختلاف:
• أين تكمن أزمة تطور العالم العربي؟ كيف، واستنادًا الى أي معايير يمكن تفسير الانهيار الحاصل على كل الصعد وفي كل الميادين، هذا رغم كل النضالات المديدة والقاسية التي خاضتها القوى والحركات السياسية، الطامحة الى التغيير، على تعدد وتباين منابتها وأطيافها، ورغم التضحيات الهائلة التي بذلتها الشعوب العربية على امتداد ما ينيف عن قرن من الزمن؟

• لقد عالج حزبنا، على امتداد مسيرته النضالية، هذه المسائل، مبينًا أن الأزمة تكمن في جملة من العوامل المتشابكة، الموضوعية والذاتية، الداخلية والخارجية. والعوامل هذه أنتجت، وما تزال تنتج، بنيات فوقية وتحتية، مأزومة، تستمر وتتجدد مع استمرار عجز "البرجوازيات" العربية، وغيرها من نظم الحكم شبه الإقطاعية، عن مواجهة التحديات التي واجهت، ولا تزال تواجه الشعوب العربية، وهي تحديات تتناول قضايا تتصل بالصراع العربي الإسرائيلي ومستلزماته، وبناء مجتمعات ديمقراطية حرة، وبالتنمية والتقدم الاجتماعي، وبالوحدة العربية.. ويمكن في هذا المجال التمييز بين نوعين من عوامل هذه الازمة، على تداخلها والتأثير المتبادل فيما بينها:

 عوامل داخلية: تركت آثارًا عميقة في مسار تطور البلدان العربية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، رغم مظاهر التباين والتمايز فيما بينها. من هذه العوامل التطور المشوه الذي شاب انتقال هذه البلدان من طور الى طور، من الإقطاع وشبه الإقطاع، الى الرأسمالية الكولونيالية التابعة، في ظل نظم حكم تسودها الأبوية والعشائرية والتوتالتارية. ومن هذه العوامل أيضًا ضعف او انتفاء الممارسات الديمقراطية، وتقاليد المشاركة الشعبية في إدارة وتوجيه الشؤون العامة، وأصول المحاسبة والمساءَلة... إضافة الى تعددية دينية وطائفية وإثنية شجعت أحيانا"، بعض الأقليات على الاستقواء بالخارج كما شجعت الخارج على توسل هذه التعددية لتحقيق مآربه.
 عوامل خارجية: جعلت، وتجعل، المنطقة العربية منطقة نزاعات وحروب لا تنتهي، حيث كانت وما تزال هدفًا لأطماع أجنبية، متصارعة، تمثلت بحملات غزو واستعمار متلاحقة، متعددة الأشكال والمصادر. وإذا كانت دوافع هذا الاستهداف ووزن كل من هذه الدوافع محل اختلاف في الرأي، إلاّ أن دافعين أساسيين اثنين يبرزان باعتبارهما الأكثر أهمية:

أ- الموقع الجيوسياسي البالغ الأهمية للمنطقة العربية، في الرؤية الاستراتيجية الغربية، كمنطقة وسط بين الشرق والغرب، بحيث يمكنها ان تشكل مجال تواصل او مجال انقطاع عدائي بينهما. كذلك لما يمكن ان توفره السيطرة على هذه المنطقة من إمكانات ومزايا استراتيجية للقوة التي تنجح في السيطرة عليها.

ب- الثروات والموارد الضخمة، وبخاصة النفط، التي تزخر بها المنطقة العربية. إن الثروة النفطية، المتاحة والكامنة، في هذه المنطقة هي ثروة هائلة، حولتها عمليًا الى هدف مباشر للصراعات الدولية منذ اكتشاف النفط.
أزمة البدائل: لقد عجزت القوى التغييرية عن تكوين بدائل حقيقية، إما بسبب طبيعتها، إما بسبب قصورها وعجزها وإنحرافها هي نفسها الى الاستبداد والتسلط، هذا رغم دور بعضها التحرري والتنويري والتقدمي...

II-3 توجهات عامة لبرنامج نضالي على الصعيد العربي:

إن طبيعة الأزمة التي يعيشها العالم العربي، وعوامل هذه الأزمة، ونتائجها الخطيرة، والمعضلات والتحديات التي تواجهها القوى الطامحة الى تغيير الواقع العربي الراهن، ترسم عمليًا مسار ومهمات ومراحل البرنامج البديل الذي يمكن لهذه القوى ان تعتمده. وهو برنامج، يستلزم تحقيقه في كل الأحوال، عملية نضالية طويلة ومعقدة، كما يستلزم تعبئة وتنظيم جهود اوسع الفئات والقوى الاجتماعية والسياسية وفي المقدمة منها الديمقراطيون والتقدميون واليساريون والشيوعيون. إن التناقض الأساس الذي تواجهه هذه القوى حاليًا، هو التناقض مع المشروع الإمبريالي الأميركي، ومع الصهيونية، ومع النظام الرسمي العربي في تركيبته وخصائصه الراهنة. والتناقض هذا، إذ يحدد الخصم الرئيس، فإنه يحدد أيضًا طبيعة البرنامج النضالي وأولوياتهّ، وقواه.

إن استنهاض القوى الشعبية والسياسية الحيّة للتصدي لمهام المرحلة العصيبة، على طريق  بناء حركة تحرر وطنية ديمقراطية عربية جديدة، يستدعي كأحد الأولويات مراجعة نقدية، صادقة وشفافة لتجارب النضال السابقة، وقراءة هذه التجارب قراءَة علمية في ضوء ظروفها التاريخية من جهة، وفي ضوء ما آلت إليه هذه التجارب من جهة أخرى. وهدف هذه المراجعة النقدية هو محاولة تحديد مواطن الخلل والقصور في المنطلقات والسياسات والبرامج والممارسات التي أدَّت الى الفشل في تجاوز عوامل أزمة تطور العالم العربي، والتي أسهمت ، بالتالي، في تفاقمها.

إن التحديات التي تواجهها الشعوب العربية، إذ تؤكد راهنية بعض المهمات القديمة المتجددة، تطرح مهمات جديدة تفرضها التطورات المستجدة على كل المستويات. وهي تحتاج الى مشروع جديد للتغيير، قادر على إحداث تحول نوعي في مسار الكفاح الذي خاضته شعوبنا على امتداد عقود عديدة. ولا يلغي ذلك ضرورة أن تتأسس المهمات المطروحة في المستوى القومي، على النضال والبرنامج الوطنيين الخاصين بكل حركة سياسية في مجالها الوطني، في عملية متداخلة ومتكاملة في بعديها الموضوعي والذاتي، والوطني والقومي على حد سواء.

وفي هذا السبيل يطرح الحزب الشيوعي اللبناني توجهات عامة لبرنامج تغيير نضالي عربي، يقوم على ركائز أربع، متزامنة ومتداخلة، تتمتع بنفس الأهمية والأولوية، وان اقتضت الظروف الملموسة، في هذه اللحظة او تلك، او في هذا القطر او ذاك، تقديم واحدة منها على أخرى!

الركيزة الأولى: المقاومة الشاملة
أن مقاومة المخططات الاميركية والصهيونية يجب أن تعتمد مقاومة الاحتلال الاميركي للعراق والصهيوني في فلسطين، بشتى الأشكال والأساليب، بحسب تطور الظروف والإمكانات، وبحسب خصوصية وملموسية كل وضع عربي كما ينبغي النضال في سبيل تحرير الدول العربية من القواعد العسكرية الأجنبية، وإلغاء جميع الاتفاقيات والروابط التي تمس سيادة هذه الدول وتخضعها لاستعمار مباشر، وتعيق تطور علاقات التعاون فيما بينها. ويُطرح في هذا الإطار السعي الى إقامة نظام أمنى عربي فاعل يكون جزءًا من حركة المقاومة الشاملة ودعمًا لها. إن أمريكا وإسرائيل تحاولان تجريد الدول العربية من قدراتها القتالية للدفاع عن أراضيها ومصالحها تحت شعار "أسلحة الدمار الشامل" مستخدمة في ذلك "أسلحة خداع شامل" تغطي بواسطتها، وتبرر، امتلاك إسرائيل لترسانة كبيرة من الأسلحة النووية والجرثومية والكيميائية. والمحاولة هذه تندرج ضمن استراتيجية إسرائيل، كما يعلنها شارون، وهي الاستمرار في توجيه الضربات الى العرب، وبخاصة الفلسطينيين، لجعلهم يشعرون بالعجز، وكسر إرادة المقاومة لديهم، وإقناعهم بأنهم مهزومون لا محالة!

الركيزة الثانية: التغيير والديمقراطية والمشاركة الشعبية  الديموقراطية مرتبطة بالنضال
لقد أثبت احتلال العراق، والظروف التي رافقت هذا الاحتلال، كما أثبتت تجارب الحروب والمجابهات السابقة، على ان أنظمة القمع لا تؤسس لمقاومة شعبية، حتى ولا لمواجهة عسكرية كلاسيكية ناجحة مع أي عدو خارجي. فضعف هذه الأنظمة وفقدانها لأي حصانة تجاه الخارج، هما نتيجة عزلتها عن جماهير شعبها واغترابها عنها، واعتمادها أساليب القمع والتزوير لإرادتها. ان مهمة بناء أنظمة ديموقراطية على أنقاض الانظمة العاجزة في كل الحقول، أنظمة تضمن قيام دول سيدة وحصينة وعصرية وديموقراطية، أنظمة تحترم حرية الانسان وحقوقه وكرامته، كما توفّر الشروط لبناء مؤسسات تمثيلية تنبثق عن انتخابات حرّة، وتشجع وتدعم الجهود الهادفة الى إقامة مجتمع مدني ديمقراطي.. ان كل ذلك وغيره يعتبر قضية أساسية في برنامج تغيير مسار تطور العالم العربي والانتقال الى مرحلة تصبح التقدم والتحرر والديمقراطية فيها أساسًا للحياة العامة. ولقد سقطت، في هذا السياق، مقولة "تقدمية" كانت تروج لمعارضة الديموقراطية السياسية بالديموقراطية الإجتماعية، كذلك آن الأوان لرفض مقولة الديمقراطية المستوردة والأخرى النابعة، بحجة خصوصية المجتمعات العربية وتقاليدها! فالديمقراطية قيمة إنسانية كونية، لا تحدّها حدود جغرافية او هويات إثنية، بل هي نتاج مميز للحضارة البشرية في مجرى حركتها وتناقضاتها وصراعاتها وبالدرجة الأولى الصراع الطبقي، تسهم وتشارك فيها أمم العالم كلها. تمامًا كما أسهمت الحضارة العربية-الإسلامية في إغنائها، في مراحلها وأشكالها الأولى، حيث تميزت هذه الحضارة باللجوء الى "الشورى" في وقت كانت بلدان الأرض، في معظمها، تُحكم من قبل طغاة يحكمون باسم حق إلهي مزعوم!
وإذا كنا نؤكد على أهمية الديمقراطية كركيزة في أي برنامج تغييري للواقع العربي، نرى من الضروري دحض مزاعم أمريكا القائلة بأن هدفها هو إعادة تشكيل العالم العربي على أسس ديمقراطية. ورهان البعض على أمريكا باعتبارها تقدم مشروعًا تغييريًا ديمقراطيًا للعالم العربي هو رهان واهم، يتجاهل، او لعله يجهل، طبيعة التحالف السلطوي، الرجعي، الذي يحكم أمريكا، في ظل الإدارة الراهنة، وأغراضه، وهو ما سبق توصيفه في الموضوعات الدولية. ان شعار الديمقراطية التي تنادي به أمريكا ما هو إلاّ سلاح خادع لجأت اليه لدفع الأنظمة التابعة والمذعورة من أجل تقديم المزيد من الخدمات والتنازلات لها، وبالتالي من أجل توفير افضل الشروط لمشروع الهيمنة الذي تقوده على مستوى المنطقة وعلى الصعيد العالمي.
الركيزة الثالثة: تنمية اقتصادية اجتماعية متكاملة
- في طليعة المهمات المطروحة عربيًا لمواجهة ما يجري تسويقه من انساق راهنة وفجة للعولمة، تبرز ضرورة إجراء تقدم فعلي وملموس على طريق لملمة شتات الاقتصاد العربي، استنادًا الى تقسيم عمل وتخصص وتعبئة للموارد المالية والبشرية وآليات للتقييم والمراقبة والمتابعة، تتيح للعالم العربي الانتقال من مجرد سوق لتنافس الآخرين وتصريف إنتاجهم من السلع والخدمات، الى محيط إنمائي متكامل يسهم في تصحيح موقع العالم العربي في شبكة المصالح السياسية والاقتصادية والدولية.

- إن تحقيق مثل هذا التقدم على طريق التكامل –الذي بات شرطًا أساسيًا لتحسين التفاعل مع ظاهرة العولمة والحدّ من الجانب السلبي من مفاعيلها- يستدعي إعادة نظر جذرية في ما أعلن وسوِّق ونفذ من مشاريع وتجارب تكامل عربية سابقة. ففي العديد من هذه التجارب، لم يكن "الخطاب الاقتصادي" العربي المؤكد لفظًا على مبادئ التكامل والوحدة، سوى الستار الذي كانت تتخفى تحته المصالح الضيقة لأجهزة رسمية وفئات اجتماعية طفيلية، بما في ذلك شرائح واسعة من القطاع الخاص، التي كانت وما تزال تستفيد من حمايات وأشكال دعم متنوعة تغريها بترسيخ انغلاقها على الواقع القطري وعرقلة كل ما يعزز انسياب التدفقات السلعية والبشرية والمالية بين البلدان العربية المختلفة. ولا تعود العراقيل في هذا المجال، الى اعتبارات اقتصادية وفنية فقط، مرتبطة بقواعد شهادات المنشأ والمقاييس والمواصفات وأسعار صرف العملات ونظم مرور وانتقال السلع واليد العاملة...، بل هي تعود، بالقدر ذاته من الأهمية، الى عدم وجود إرادة سياسية واضحة ومحددة المعالم، لتجاوز واقع التجزئة وبلورة حلول تفصيلية ومتوازنة لكل من المشكلات الأساسية التي تعترض طريق التعاون الاقتصادي العربي.

- إن توفير الحلول لمثل هذه المشكلات والانتقال السريع من مشروع إقامة منطقة التجارة الحرة العربية، في اتجاه إقامة اتحاد جمركي عربي وربط شبكات البنى التحتية وتطوير تدفق الاستثمارات المنتجة بين الدول العربية، وكذلك انتقال الأشخاص والخبرات والموارد البشرية...، ان هذه كلها تشكل مرتكزات أساسية للتنمية الاقتصادية للعالم العربي، ولتحسين فرص العمل والحياة أمام الشعوب العربية، على أنقاض المصالح الضيقة والطفيلية للتحالفات الطبقية والسياسية الهشة التي تحتكر لنفسها الجزء الأكبر من الفائض الاقتصادي راهنًا. وينطوي إرساء هذه المرتكزات على خلق فرص اكبر بالنسبة الى تطوير تقسيم العمل وبلورة السياسات القطاعية وتعزيز الارتباط بين الصناعة والزراعة وإفساح المجال أمام تطور فروع طليعية في قطاع الخدمات نفسه وتوطين رؤوس الأموال العائمة والمشدودة راهنًا الى الخارج وتحقيق أشكال أرقى من التوازن في أسواق العمل العربية.

- إن النجاح في مسيرة التنمية الاقتصادية العربية يتطلب قراءة مغايرة لموقع ووظيفة القطاع البترولي في إطار الاقتصاد العربي عمومًا. فهذا القطاع يجب ان لا يبقى محكومًا بعلاقة "برانية" مع باقي القطاعات الاقتصادية، وبالتالي خاضعًا لآليات التبعية للأسواق العالمية والشركات المتعدية الجنسيات. بل ينبغي ان يتحول الى رافعة أساسية لتشبيك الاقتصاد العربي وتعظيم تدفقاته البينية وإطلاق الطاقات الكامنة لسائر قطاعات هذا الاقتصاد. إن النفط العربي يجب أن يصبح بشكل خاص إحدى الأدوات الأساسية المؤثرة في شبكة العلاقات الاقتصادية وبالتالي السياسية بين العالم العربي والكتل الاقتصادية الدولية المختلفة. ويرتدي تعزيز المصالح الحيوية والمباشرة بين العالم العربي وكل من أوروبا واليابان والصين وروسيا والهند، أهمية استثنائية في الحد من استمرار غلبة الدور الوسيط للولايات المتحدة وشركاتها على هذا الصعيد، مع ما لذلك من أبعاد سياسية على القضايا العربية عمومًا.

- ان التنمية الاقتصادية العربية، بأبعادها المحددة أعلاه، ليست قابلة للتحقق من دون اضعاف السيطرة الاجنبية والتخفف من التبعية ومن دون إصلاحات جذرية مرافقة. وهذه الإصلاحات ينبغي ان تشمل القطاع العام وتدخلاته الاقتصادية والاجتماعية، على نحو يجعل من هذه الأخيرة أداة أساسية من أدوات حفز النشاط الاقتصادي والحد من المؤشرات القياسية لعدم المساواة الاجتماعية السائدة في عالمنا العربي. كما ينبغي أن تشمل إعادة النظر في أنظمة التأمينات الاجتماعية، في اتجاه يؤمن قدرًا اكبر من الحماية للفئات الفقيرة والمتوسطة. ويحتل موضوع إصلاح نظامي التعليم والصحة ركنًا بارزًا في مسيرة العالم العربي نحو التنمية. إن رفع مستوى التعليم وفتحه على الآفاق الرحبة للتطور التكنولوجي وتطوير التعليم المهني وتعزيز الارتباط بين التعليم وسوق العمل، وإصلاح إدارة التعليم وتشجيع البحث العلمي، وتحقيق المساواة بين الجنسين في هذا المضمار، ان هذه كلها تشكل معالم أساسية للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، خصوصًا بالنسبة للأكثرية الساحقة من الأجيال الشابة العربية المعرضة راهنًا لأشكال شتى من مظاهر التهميش والبطالة والفقر والاغتراب.

الركيزة الرابعة: إعادة الاعتبار الى شعار الوحدة العربية، بعد صياغة جديدة لمحتوى هذا الشعار ومستلزماته ومراحل وشروط تحققه. مع تحرير مفهوم العروبة من كل انحراف عرقي. فالوحدة العربية تعبير حضاري عن طموح مشروع عند الشعوب العربية لإيجاد الشكل المناسب لتوحدها خدمةً لمصالحها المشتركة في كل مجال. على أن تأخذ هذه الصياغة في الاعتبار أيضًا الخصوصيات والمصالح والأوضاع الملموسة التي نشأت وترسخت في ظل التجزئة المديدة التي عاشتها الكيانات العربية في أطرها الراهنة. ولقد دلت التجربة على أن من أهم شروط الاستقلال الحقيقي والتنمية الشاملة والتقدم الإجتماعي، قيام تعاون وتكامل عربيين، يرتقيان تدريجيًا، نحو شكل من أشكال الوحدة أو الاتحاد.على أن يستند ذلك الشكل إلى خيار طوعي حر، تسوده قوانين عصرية ومؤسسات ديمقراطية تحقق تمثيلاً حقيقيًا ومشاركة فاعلة في بنائه وتطوره. ان الظروف العالمية والإقليمية السائدة، ومنحى تطور هذه الظروف، جعلت وتجعل من كل معركة قطرية، ذات بعد قومي، معركة داخلية في كل قطر عربي. كذلك فإن الظروف هذه تجعل من الصعب الحفاظ على وحدة الكيانات الوطنية القائمة خارج إطار مشروع نهضوي عربي معاصر يشدها نحو الانتماء القومي الأرفع مستوى، على قاعدة تأكيد استيعاب الخصوصية والتنوع والتعدد الذي يميّز كلاً منها.

إن الحزب الشيوعي اللبناني سيعمل جاهدًا على تنشيط دوره العربي، وعلى توثيق علاقات التعاون والتنسيق مع كل القوى والأطراف اليسارية والديموقراطية والتي تقف في مواجهة اهداف المخطط الأميركي الصهيوني على أسس ثنائية وجماعية، بغية التوصل الى توجهات مشتركة تكون أساسًا لموقف نضالي عملي ملموس، قادر على مجابهة معضلات الواقع وتحديات المستقبل. وهو على قناعة بأن الشعوب العربية تملك من القدرات والكفاءات، المحققة والكامنة، بما يمكنها من تحقيق أهدافها، إذا ما توفرت لها الأداة الذاتية المناضلة، المناسبة لذلك. وفي هذا المجال يدعو الحزب الى إطلاق حوار، صريح وشامل، بين كافة القوى السياسية والاتجاهات الفكرية الطامحة الى التحرر الناجز والتغيير الديمقراطي، وصاحبة المصلحة فيهما، وذلك بهدف الوصول الى جبهة مقاومة عربية شاملة ضد الاحتلال والعدوان ومحاولات الإخضاع، والى حركة نضال شعبية واسعة من اجل التغيير والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن اجل التحديث والتقدم الاجتماعي، في أفق تعاون عربي حقيقي يضع الدول العربية على طريق وحدة ديمقراطية تظللها العدالة والمساواة والإخاء بين كافة المواطنين عربًا كانوا أم أقوامًا أخرى، تعيش على الأرض العربية، وتضرب جذورها عميقًا فيها!

وفي سياق العمل في سبيل هذا المشروع النهضوي العربي يدعو الحزب الى نسج ارقى علاقات التعاون مع القوى الديموقراطية في الإطار الإسلامي الأوسع، وبخاصة في إيران وتركيا، وذلك على قاعدة التميز السليم بين العروبة والإسلام، ودعم كل توجه يبعد الإسلام عن اتهامات الظلامية والإرهاب والتخلف والعداء للديمقراطية... إن مصير المنطقة بأسرها بات اكثر ترابطًا وتداخلاً، والتطورات الراهنة والمحتملة في هاتين الدولتين سيكون لها أثر كبير في مستقبل العالم العربي عامة، والمشرق العربي بخاصة.
 وينبغي التأكيد ان لا مكان لدى مناضلي حزبنا لمشاعر اليأس والقنوط والتشاؤم بسبب أزمة البدائل، و بسبب الهزائم التي لحقت بقوى التحرر العربية وبالنظام الرسمي العربي. ان تجاوز تلك الأزمة ممكن على قاعدة هذا البرنامج النضالي الذي نطرحه أو الذي يمكن أن تطرحه قوى تقدمية عربية أخرى لهذا الغرض. وتاريخ شعوبنا المعاصر لم يكن فقط تاريخ هزائم، بل  كان ايضا" تاريخ انتصارات مجيدة تحققت في الماضي، ولكن ايضا" في الحاضر القريب: بدءا" بتحقيق لبنان وسوريا لإستقلالهما الوطني وجلاء الجيوش الاجنبية لفرنسا وبريطانيا عن اراضيهما دون قيد او شرط واضعين بذلك على الصعيد العالمي نهاية لنظام الانتدابات الاستعمارية التي اتت بها عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تأميم قناة السويس وغيرها من المصالح الاحتكارية الكبرى لبلدان الامبريالية، بما فيها النفطية، وتحقيق اصلاحات زراعية في عدد من الاقطار العربية، وثورة المليون شهيد في الجزائر، واسقاط حلف بغداد، وثورة اليمن الجنوبي ضد الاحتلال البريطاني التي آلت الى قيام أول دولة عربية نادت بالاشتراكية العلمية (نعني جمهورية اليمن الدمقراطية الشعبية)،... وصولا" الى انطلاق المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال، التي لعب حزبنا دورا" بارزا" في قيامها ونضالاتها، والتي شكلت احدى الشرارات الهامة التي ساعدت على اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الباسلة التي تعبر خير تعبير عن الاستعدادات النضالية الكامنة في صفوف شعوبنا.


 



#الحزب_الشيوعي_اللبناني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب الشيوعي: تجربة ودروس التحرير مادة ثمينة لمواجهة الاسته ...
- تعليقا على قرار مجلس الأمن الأخير بشأن العراق
- لقاء بين قيادتي الشيوعي والقومي
- بدأ نقاش موضوعات المؤتمر التاسع
- كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في الذكرى الأربعين ...
- في ذكرى عيد العمال العالمي
- الحزب الشيوعي ينعي رائد الأدب الشعبي سلام الراسي مناضلاً وأد ...
- بيان
- نحو مواجهة قومية شاملة للعدوان الأميركي – الصهيوني
- رسالة من قوى الاصلاح والديمقراطية في الحزب الشيوعي اللبناني ...
- من التقرير التنظيمي للمجلس الوطني


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الحزب الشيوعي اللبناني - مشـروعا الموضوعات والتقرير السياسي تحضيـراً للمؤتمر الوطني التاسع للحزب - الجزء الاول