يمر النظام الرأسمالي في العراق باحلك مراحله واصعب أيامه. وتتزايد باطراد الصعوبات التي تضعها أزمة هذا النظام على كاهل الطبقة العاملة والطبقات المسحوقة الأخرى وتحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
ان انقسام المجتمع الرأسمالي الى طبقتين رئيسيتين (أي الطبقة البرجوازية والرأسمالية المستحوذة على كل ثروات المجتمع والمالكة لوسائل الإنتاج والتبادل، والطبقة العاملة عديمة الأملاك والمحرومة من نتاج عملها وكدحها) والصراع المستمر بينهما، وانعكاس ذلك الانقسام والصراع على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإفرازاته الكارثية كالبطالة والجوع والفقر وانعدام السكن والضمان والحرب وغيره يمكن لمسه بوضوح لدى كل تناول جدي للمشاكل والصعوبات التي تواجه الطبقة العاملة في العراق والشعب العراقي برمته.
فالبطالة مثلا لا يمكن تناولها أو فصلها عن الأزمة التي يمر بها النظام الرأسمالي في العراق. ان تغلغل وفيما بعد سيادة اسلوب الإنتاج الرأسمالي في العراق مع بداية عقد ستينات القرن المنصرم وتجريد غالبية الشعب العراقي من أملاكهم ( مثل تجريد الفلاحين من أرضهم، والحرفيين من وسائل عملهم البائدة وإفلاسهم بسب عدم قدرتهم على البقاء في حلبة المزاحمة الحرة) وتحويلهم إلى عمال لا يملكون سوى قوة عملهم التي ينبغي عليهم بيعها للرأسمالي او للدولة الممثلة لهم للحصول على مصدر للرزق وكسب رمق العيش، واستحواذ وسيطرة الرأسماليين والدولة على وسائل الإنتاج والتبادل وعلى جميع الموارد الطبيعية وتراكم الثروة لديهم وتركزها واللجوء الى استخدام قوة العمل او بتعبير اصح شراء قوة عمل من العمال فقط في الحالات التي تحقق وتضمن لهم أرباحهم.... ان ذلك خلق الأساس المادي لظهور البطالة واستمرارها وديمومتها المرتبطة بديمومة النظام الرأسمالي كمجتمع طبقي سائد.
والازدهار الذي شهده النظام الرأسمالي العراقي خلال عقد السبعينات وتوفر فرص العمل وتوسع دائرة الضمان الاجتماعي عدا عن كونه لم يقضي على البطالة بل قلص من رقعتها فان فترة الركود الذي خلفه قد اصبح كابوس البطالة يخيم من جديد على الطبقة العاملة وتنيح بكلكها عليها. ولاشك بان دخول المجتمع العراقي في دوامة الحرب العراقية – الإيرانية وامتصاص الجبهات العسكرية للعاطلين عن العمل والاسوء من ذلك إزهاق او حصاد أرواحهم فيها، واستمرار تلك السياسات العسكرتارية حتى نهاية تلك الحرب وما آل إليه من تدمير للبنى التحتية وخراب للصناعات المدنية وهدر للثروات العامة وتراجع حاد في تطور القوة المنتجة في العراق وهلاك للطبقة العاملة وسحق للطبقة المتوسطة و...الخ قد ضخم من حجم البطالة في العراق ووسع من رقعتها وتجذرها. وعجز النظام البعثي عن تقديم ابسط الحلول لهذه الظاهرة أسوة بالظواهر الاجتماعية السلبية الأخرى للنظام الرأسمالي قد بدا واضح للعيان حينما قام النظام بخطوته المغامرة أي غزو الكويت واحتلالها والامتناع التام عن الانسحاب منها.
وقد كان فرض الحصار الاقتصادي الجائر عقب غزو الكويت من قبل أمريكا والأمم المتحدة كارثة على الطبقة العاملة والشعب العراقي برمته. فاستمرار الحصار لاكثر من 12سنة في العراق وازدياد وتيرة تراجع بل توقف القوة المنتجة وتدمير وخراب الصناعة والزراعة والحرفة والاضمحلال التدريجي للطبقة المتوسطة واعتمادها التام على موارد الدولة والاعتياش عليها من جهة واستغلال ظروف الحصار من قبل الرأسماليين البعثيين واضرابهم وجعله ذريعة لتجريد المزيد من المواطنين من أملاكهم ودفعهم نحو الهاوية والتركز الشديد للثروة في أيدي قلة من ازلام النظام البعثي وحرمان الغالبية الساحقة منها من جهة أخرى، قد جعل من البطالة وحشا ضارا يفترس غالبية العمال والكادحين ويمزق حياتهم. فحتى التصريحات الرسمية للنظام لم تخفي بان ما يقارب 60% من القوة العاملة في العراق عاطلة عن العمل !
والصورة عقب زوال النظام البعثي في 9 نيسان ورفع الحصار الاقتصادي بموجب قرار 1483 لاتزال كما هي لا ويمكن اضافة المزيد من القتامة عليها. حيث ان الإدارة الأمريكية تمتنع لحد الآن عن تقديم ضمانات للعاطلين عن العمل وتخصيص رواتب لهم من الاموال العراقية او من عائدات النفط العراقي. وهي كذلك منشغلة باعمار ! المؤسسات القمعية كالامن والجيش والمؤسسات البيروقراطية الأخرى ولم تبذل جهدا لإيجاد فرص عمل لهم وتوفيرها. عدا ذلك فان الإدارة تريد ان تأخذ الشركات الأمريكية حصة الأسد في اعمار العراق والفوز بعقوده المغرية وتفويت الفرص على منافسيهم الدوليين. وهي بغية البقاء في العراق لاطول أمد ممكن تتمسك بذريعة الامن ومقاومة فلول البعثيين ولا تريد إعطاء الفرصة للشعب العراقي للبدء بالحوار والجدل بشان تقرير مصيرهم وتحديد شكل ومضمون الحكومة التي يرغبون في تشكيلها عبر استفتاء شعبي شامل.
والاسوء من كل ذلك هو السياسات الليبرالية التي تنوي الإدارة الأمريكية اتباعها في العراق وتطبيق وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين السيئة الصيت أي السياسات الهيكلية ورفع الحواجز الكمركية والتجارية وفتح الابواب على مصراعيه لدخول البضائع الأجنبية المستوردة والقيام بخصخصة مؤسسات الدولة المرافق العامة والحديث عن خصخصة القطاع النفطي وغير ذلك. ان تلك السياسات التي بدا الادارة الامريكية باتخاذها وان كانت منسجمة مع مصالح الراسماليين والطبقة البرجوازية في العراق وخطوة صوب اللحاق بالسوق العالمي الراسمالي وربط عجلة الاقتصاد العراقي بمصالح الشركات المتعددة الجنسيات الا ان نتائجها كارثي على الطبقة العاملة والطبقات المسحوقة الاخرى وتتركها عرضة للاستغلال البشع وعرضة للفوضى وتقلبات قوى السوق العمياء.
امام هذه التحديات الجسام فلا مجال للطبقة العاملة وللعاطلين عن العمل الا القيام بخوض نضال بلا هوادة بغية نيل حقوقهم وفرض مصالحهم التي تتعارض بالطبع مع مصالح الرأسماليين والبرجوازيين ودولتهم الذين لاهم لهم سوى جني الأرباح وشراء قوة العمل الرخيصة في السوق وشد قبضة نظام العبودية الماجورة.
عليهم اولا: تبني الرؤية الماركسية التي تقول بان البطالة هي افراز من افرازات النظام الراسمالي ولاتزول الا بزواله. ان اقتلاع جذور البطالة بصورة تامة لن يتم الا عبر القضاء على الملكية الخاصة البرجوازية والقضاء على نظام عبودية العمل الماجور.
ثانيا: الاستمرار في تنظيم الاحتجاجات التي يقوم بها العاطلين عن العمل بغية توفير فرص العمل لهم او إعطاء رواتب شهرية لهم على شكل ضمان للبطالة. ان الادارة الامريكية عليها ان تخصص جزءا من عائدات النفط للعاطلين عن العمل وتؤسس صندوق للضمان للبطالة على غرار الصندوق الذي أسسه للتنمية والأعمار في العراق، وتدفع من هذا الصندوق رواتب شهرية للعاطلين عن العمل وتعمل بجد وعزم على توفير فرص العمل.
ثالثا: فما دام قوة الطبقة العاملة في تنظيم صفوفها فان قوة العاطلين عن العمل تكمن في بناء تنظيمات جماهيرية باستطاعتها تنظيم وحشد قوة الطبقة العاملة برمتها أي الشاغلين والعاطلين على السواء. ان بناء او تأسيس تنظيمات للعاطلين عن العمل بصورة مستقلة عن الشاغلين أمر قد يضر بالتكاتف النضالي بين الشاغلين والعاطلين من ابناء الطبقة العاملة والفئات الاخرى، ومن شانه ابعاد دور الشاغلين في حركة مناهضة البطالة بغية ايجاد علاج جذري لها. ان الشاغلين وبحكم دورهم في تسير عجلة الإنتاج وتوفير الخدمات باستطاعتهم ممارسة الضغط على الدولة والراسماليين وفي حال مشاركتهم في المسيرات والاحتجاجات التي تنظم لمناهضة البطالة فانهم سيعطون زخما اكبر لتلك الحركة.
لقد اثبت تجربة كردستان العراق عقب سنة 1991 وتشكيل اتحاد العاطلين عن العمل واستمرار تلك الاتحاد لعدة سنوات بان بناء تنظيمات للعاطلين بصورة مستقلة عن بقية أبناء الطبقة العاملة وخاصة بناء تنظيم للعمال على أساس صفة عرضية (كون العامل عاطل عن العمل وبحصوله على فرصة عمل يفقد صفة العضوية فيه) لايخدم قضية الطبقة العاملة أي مجابهة البطالة على المدى البعيد. ومن الأصح تكوين تنظيمات خاصة بمناهضة البطالة تضم العمال العاطلين عن العمل وممثلون للنقابات والاتحادات العمالية والجماهيرية الأخرى.
رابعا: مناهضة السياسات الليبرالية التي بدات الادارة الامريكية بانتهاجها والتي تؤدي الى خصخصة جميع القطاعات الرئيسية في العراق بصورة تدريجية والاعداد لحشد قوى الطبقة العاملة والفئات المسحوقة والمتضررة الاخرى بغية خلق جبهة نضالية عريضة لإفشالها.
الاستفادة من الخبرات والتجارب النضالية العمالية والدولية في هذا المجال والاستعانة بالنقابات والاتحادات الدولية للعمال وبخاصة المشاركين في حركة مناهضة العولمة الرأسمالية.
------------
مقال منشور في العدد (10) من جريدة بلاغ الشيوعية