أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عامر عبد رسن - الثورة الهادئة في مفهوم الشرعية: قراءة دستورية معمّقة في قرار المحكمة الاتحادية العليا* بالعدد (213/اتحادية/2025)















المزيد.....

الثورة الهادئة في مفهوم الشرعية: قراءة دستورية معمّقة في قرار المحكمة الاتحادية العليا* بالعدد (213/اتحادية/2025)


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 21:51
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


لم يكن القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 17/11/2025 مجرد اجتهاد تقني في تفسير المادة (56) من الدستور، ولا مجرد بيان مدة الدورة الانتخابية أو ضوابط انتهاء الولاية التشريعية، بل كان – في جوهره – إعادة تأسيس هادئة لمفهوم الشرعية داخل النظام الدستوري العراقي. لقد رسم القرار، دون ضجيج سياسي، حدوداً جديدة للعلاقة بين السلطات، وأعاد ترتيب المركز القانوني للسلطة التنفيذية في مرحلة ما بعد الانتخابات، وملأ فراغاً ظلّ قائماً منذ 2005 بشأن طبيعة السلطة بعد يوم الاقتراع العام.

إن ما فعله القرار هو نقل الشرعية من مفهوم “المدة الزمنية” إلى مفهوم “الإرادة الشعبية المباشرة”، وهو تطور نوعي لم تتجرأ عليه أي سلطة دستورية منذ إقرار الدستور. هنا، تكمن الثورة الحقيقية – ثورة هادئة، لكنها عميقة ومتعددة المستويات.

أولاً: الشرعية بوصفها فعلاً انتخابياً لا امتداداً زمنياً
أحد أهم ما استقرّت عليه المحكمة هو أن الشرعية السياسية للمؤسسات المنتخبة لا تُقاس بطول بقائها، وإنما بقدرتها على تمثيل الإرادة الشعبية المتجددة.
وهذا يعني:
   •   أن يوم الاقتراع العام ليس مجرد موعد إجرائي،
بل هو الحدّ الفاصل بين مشروعية متحققة ومشروعية زائلة؛
   •   وأن السلطة التي جاءت من صناديق اقتراع الأمس لا يمكنها أن تتشبث بشرعية لا يضمنها الشعب اليوم.

بهذا التفسير، لم تعد المدة الدستورية – أربع سنوات – إطاراً يسمح بالتمدد، بل أصبحت سقفاً نهائياً لا يتجاوزه أي مجلس نواب أو حكومة.
وتحوّل يوم الانتخابات من خطوة إجرائية إلى لحظة دستورية منشِئة لشرعية جديدة ومنهية لشرعية قديمة.

هذه المقاربة تقطع مع ثقافة “الفراغ الدستوري” التي عاشها العراق بعد انتخابات 2010 و2014 و2018 و2021، وتضع حداً لدورات طويلة من الحكومات غير المنتخبة فعلياً.

ثانياً: الحكومة بين الامتداد الإداري والقيود السياسية – تفكيك مفهوم “تصريف الأعمال”

أوضحت المحكمة أن الحكومة بعد يوم الاقتراع تفقد كامل صلاحياتها السياسية، وتتحول إلى حكومة “تصريف الأمور اليومية” فقط، وأن هذا التصريف ليس حالة رمادية أو مساحة تقديرية واسعة كما حاولت الحكومات السابقة توظيفه، بل هو إطار ضيق ومحدد، لا يشمل:
   •   توقيع الاتفاقيات الدولية
   •   إبرام العقود الكبرى
   •   الاقتراض
   •   التعيينات والإعفاءات
   •   تقديم مشاريع القوانين
   •   اتخاذ قرارات ذات أثر سياسي أو استراتيجي

وهذا التحديد لم يكن موجوداً من قبل، إذ كان مفهوم “تصريف الأعمال” يُستخدم بصورة مرنة إلى حدّ التحلل من الضوابط، مما سمح بتمرير قرارات سياسية واقتصادية في فترات ما بعد الانتخابات.
اليوم، وضعت المحكمة سدّاً دستورياً أمام هذا الاستخدام، وأعادت تعريف العلاقة بين “الشرعية الزمنية” و”الشرعية السياسية”.

ثالثاً: المحكمة الاتحادية كضابط لانتقال السلطة – من التفسير إلى إعادة ترتيب المشهد

لأول مرة، تبني المحكمة اجتهاداً يقوم على فكرة أن:
   •   الشرعية لا تُستمد من استمرار المؤسسات،
بل من استمرار تمثيل الإرادة الشعبية؛
   •   وأن السلطات الانتقالية لا تملك إلا ما يسمح به الدستور، ولا تستطيع تعويض غياب المجلس الجديد بممارسة أعمال سياسية مكثفة.

وبهذا، تصبح المحكمة الاتحادية بمثابة الحارس الحاسم لآليات التداول السلمي للسلطة، لا مجرد جهة تتلقى الطعون.
فالقرار يحدّ عملياً من قدرة أي سلطة تنفيذية على التمسك بالحكم بذريعة “عدم انعقاد البرلمان الجديد”، ويمنع أي محاولة لاختلاق “شرعية بديلة” أو تمديد سياسي تحت أي مسمى.

رابعاً: نهاية نظرية “السلطات الممتدة” في العراق

قبل هذا القرار، كان هناك اعتقاد ضمني بأن الحكومة ومجلس النواب يواصلان ممارسة كامل الصلاحيات إلى حين انعقاد الجلسة الأولى للمجلس الجديد. لكن المحكمة وضعت حداً لهذه النظرية، عندما أكدت:
1. انتهاء الولاية السياسية بمجرد إجراء الانتخابات
2. عدم جواز ممارسة الصلاحيات الكاملة بعد يوم الاقتراع
3. اعتبار الفترة اللاحقة للانتخابات مرحلة “إدارية مقيدة” لا “سياسية موسّعة”

وهذا يشكل انقلاباً دستورياً هادئاً على الممارسات السابقة.

خامساً: والذي يثير الانتباه في
القرار عناصر أساسية يجب إبرازها لفهم التحول الدستوري كاملاً. ومن أبرزها :
1) تأسيس المحكمة لمبدأ “الشرعية الانتخابية المباشرة”

وهذا مبدأ لم يكن موجوداً في الدستور، بل استنبطته المحكمة عبر تفسيرها للنصوص.
المحكمة هنا لا تفسّر فقط، بل تصنع عرفاً دستورياً جديداً سيصبح قاعدة آمرة لكل السلطات.

2) القرار يعيد تعريف دور البرلمان الجديد كسلطة مؤسسة لا مجرد سلطة لاحقة

القرار يضع مجلس النواب الجديد في موقع مركزي:
فهو يبدأ شرعيته قبل 45 يوماً من انتهاء الدورة السابقة، ما يعني أن:
   •   الإرادة الجديدة لها أسبقية دستورية
   •   البرلمان القديم لا يمكنه منافسة شرعية لم تعد ملكه
   •   الانقطاع بين الولايتين أصبح انقطاعاً دستورياً لا وظيفياً فقط

3) القرار يضع قيوداً على السلطة التنفيذية تتجاوز حدود “فترة ما بعد الانتخابات”

المحكمة لم تمنع القرارات السياسية فقط، بل:
   •   قيدت السلطة التنفيذية في إدارة الدولة
   •   منعتها من اتخاذ إجراءات ذات أثر بعيد
   •   حرمتها من ملء المناصب العليا
   •   منعتها من الدخول في التزامات مالية أو دولية

هذه القيود هي أضيق تعريف لتصريف الأعمال في أي نظام برلماني في المنطقة.

4) القرار أعاد موقع المحكمة الاتحادية كسلطة دستورية حاكمة لا مجرد فاصل نزاع

المحكمة رسّخت دورها كـ سلطة مؤسسة (Constituent Judicial Authority) لا مجرد سلطة تفسير، من خلال:
   •   إعادة هندسة مراحل الانتقال السياسي
   •   ضبط حدود السلطة التنفيذية
   •   حماية الإرادة الشعبية من التأويلات السياسية
   •   اعتماد اجتهاد يقيّد الحكومة والبرلمان معاً

هذا التطور يجعل المحكمة تقف في موقع مماثل للمحاكم الدستورية في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، لا كمفسّر بسيط للنصوص.

5) القرار يضع نهاية دستورية لفكرة “الحكومة الكاملة الصلاحيات في الفراغ السياسي”

وهي مشكلة عانت منها الدولة العراقية لأكثر من 15 سنة، إذ كانت الحكومات تبقى فعلياً صاحبة القرار حتى بعد انتهاء ولاية البرلمان.
القرار سحب هذه الشرعية بالكامل.


سادساً: ملامح الثورة الهادئة

يمكن تلخيص هذه الثورة الدستورية في ثلاث معالم رئيسية:

1) نقل مركز الشرعية من المؤسسات إلى الشعب
فالشرعية لم تعد مرتبطة بمدة ولاية السلطة، بل بيوم تجديد الثقة الشعبية.

2) ضبط السلطة التنفيذية وربطها بقيود صارمة بعد الانتخابات

وهو ما يمنع استمرار الحكومات في اتخاذ قرارات استراتيجية دون رقابة.

3) تمكين البرلمان الجديد بوصفه مصدر الشرعية الآنية

حتى قبل انعقاده في جلسة فعلية، لأن الشرعية “تُنشأ” يوم الاقتراع لا يوم القسم.

ختاما ؛ قرار المحكمة الاتحادية رقم (213/اتحادية/2025) ليس تفسيراً عادياً، بل يمثل:
   •   لحظة إعادة تأسيس للنظام السياسي،
   •   انتقالاً من شرعية زمنية إلى شرعية انتخابية،
   •   نهاية التمدد غير المنضبط للسلطة،
   •   تثبيتاً لدور المحكمة كجهة حامية للدستور،
   •   وخلق أعراف دستورية جديدة ستعيد رسم حدود العلاقة بين السلطات لسنوات قادمة.

إنه فعلاً ثورة هادئة في مفهوم الشرعية، لا تُرى من الخارج، لكنها ستغيّر شكل الدولة من الداخل.



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هيمنة البنوك الحكومية على الائتمان المالي في العراق: حقيقة ا ...
- الكاش يبتلع السياسة: كيف غذّى اكتنازُ 90 تريليون دينار فوضى ...
- خطر التصعيد الموجَّه: محاولات جرّ العراق إلى مواجهة مع إسرائ ...
- هل من الممكن رفع الكفاءة التشغيلية في وزارة النفط ؟
- العراق بين التفاؤل الدولي والواقع الهيكلي: قراءة نقدية في أر ...
- أهمية عودة Exxon Mobil إلى العراق — تحليل اقتصادي
- تحوُّط اقتصادي استراتيجي للعراق في ظلّ بيئة عالمية متقلّبة
- عراق 2035: مدن تبتلع حقولها الخضراء
- حقل إريدو النفطي الواعد بين الإمكان الاقتصادي والمأزق التنفي ...
- العراق في قلب التحوّلات الإقليمية: من تجنّب الصدام إلى صناعة ...
- بين الصدمة والنزيف: قراءة عراقية في رؤيتين لطوفان الأقصى
- إيران بين التصعيد والدبلوماسية: قراءة أمنية في احتمالات الحر ...
- مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ضوء محددات التوازن الاستر ...
- ابدأوا من حيث انتهى الآخرون
- القرار الأممي وإعادة تفعيل آلية الزناد: تحديات وفرص للعراق ف ...
- التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط: قراءة استراتيجية في ضوء ا ...
- العراق أمام مرحلة جديدة من الفرص النفطية والاستثمارية
- الناتو يعلن التزاماً طويل الأمد تجاه العراق: من الأمن السيبر ...
- اتفاق إيران مع الترويكا الأوروبية وتداعياته على العراق
- درع الطفل الأميركي وابتسامة الطفل العراقي: صورة متناقضة لعال ...


المزيد.....




- فصائل فلسطينية تندد بقرار السلطة قطع رواتب عائلات الشهداء وا ...
- فصائل فلسطينية تدين قرار السلطة قطع رواتب الشهداء والأسرى
- حياة معلقة للاجئين أفغان على الحدود الإيرانية في انتظار العب ...
- الداخلية: اعتقال 4 مطلوبين دوليين وضبط 200 ألف حبة كبتاجون ب ...
- نطاق المجاعة ينحسر في غزة لكن شبح الجوع يهدد مستقبل القطاع
- ترامب يطارد المهاجرين بتمويل ضخم ومداهمات مثيرة للجدل
- 10 إصابات في الضفة والقدس.. والاحتلال يدشن -سياسة الإعدام ال ...
- مكتب إعلام الأسرى: الأسيرات في سجن الدامون يتعرضن لانتهاكات ...
- استمرار تدفق النازحين من منطقة هجليج إلى مدينة كوستي في السو ...
- الأونروا تكشف عن حملة تضليل غير مسبوقة تستهدف تفكيكها


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عامر عبد رسن - الثورة الهادئة في مفهوم الشرعية: قراءة دستورية معمّقة في قرار المحكمة الاتحادية العليا* بالعدد (213/اتحادية/2025)