|
آراء الخبراء والمختصين:الحركات الاسلامية في المغرب العربي: نقاط التشابه والاختلاف
محمد مصدق يوسفي
الحوار المتمدن-العدد: 1834 - 2007 / 2 / 22 - 07:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
* الجورشي: الجماعة السلفية غيرت اسمها لإخفاء انحسارها. * الغارديان: جبهة القاعدة الجديدة في شمال افريقيا قد تكون علامة على تنامي قوتها ومن يشاركها اديولوجيتها. * سي ان ان: الجماعة السلفية خفضت من هدفها الأصلي وهو الإطاحة بالحكومة لصالح استهداف الغربيين والبعد الكوني.
* أوليفييه روي: قرب الجماعة السلفية من أوروبا ومغاربية نشاطها والخبرة التي أحرزتها تجعل منها خطيرة في كل الأوقات. مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا خطة إنشاء قيادة عسكرية موحدة لأفريقيا قبل نهاية 2008 ستكون مكافحة الإرهاب، من دون شكّ، إحدى أبرز مهماتها، ومع تقارير غير مؤكدة وغير دقيقة عن تهديد لفرنسا أثناء فترة الانتخابات، تكون الجماعات المسلحة في المغرب العربي وما لها من علاقات جنوب الصحراء الأفريقية، قد طفت إلى صدارة الاهتمامات لاسيما بعد خمس سنوات، كانت فيها على الأقل جغرافيا، بمنأى عن أشدّ العمليات العسكرية التي تستهدف تنظيم القاعدة في آسيا، وبينما يستبعد بعض الخبراء يكون للجماعات الإسلامية المتطرفة مستقبلا أو نجاحا في الساحة المغاربية، يرى آخرون أن إستهداف عمليات هذه الجماعات في كل من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا وموريتانيا، قد تكون علامة على تنامي قوة القاعدة ومن يشاركها اديولوجيتها.
الجورشي: الجماعة السلفية غيرت اسمها لإخفاء انحسارها
استبعد صلاح الدين الجورشي المتخصص في القضايا الإسلامية أن يكون للجماعات الإسلامية المتطرفة مستقبلا أو نجاحا في الساحة المغاربية لان المنطقة حسبه اقترنت بالبعد الإصلاحي والنضال السلمي.
وأكد الجورشي في مقابلة مع موقع "مغاربية" على شبكة الانترنت، ـ وهو موقع ترعاه وزارة الدفاع الأمريكية ـ القيادة الأمريكية الأوروبية، وهي القيادة العسكرية المشتركة المسؤولة عن إدارة العمليات الأمريكية في أوروبا وأفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، المعروفة اختصارا بـ "يوإسكوم" ـ أن الجماعة الجزائرية الإرهابية غيرت إسمها إلى القاعدة لإخفاء انحسارها.
وقال صلاح الدين الجورشي المتخصص في القضايا الإسلامية ورئيس مؤسسة الجاحظ للفكر في تونس، أن أنه لا يتصور أن تكون لقيام ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أي حظوظا مستقبلية لهذه المجموعات في منطقة المغرب العربي وذلك لثلاث اعتبارات أولها رفض قطاعات واسعة من سكان المنطقة للعنف المسلح الموجه ضد الأنظمة مهما كانت الانتقادات الموجهة لهذه الأنظمة، فالعمل السياسي المعارض في معظم الدول المغاربية اقترن بالبعد الإصلاحي والنضال السلمي وبالتالي يمكن القول بأنه رغم الأزمات الحادة في هذه المنطقة إلا انه لا توجد ثقافة عنف راسخة. أما الاعتبار الثاني فيعود إلى كون تجربة العنف بقيت محدودة بل يمكن القول بأن هناك تراجع وإعلان فشل خاصة إذا استحضرنا التجربة الجزائرية ففي الجزائر تراجع العنف المسلح بشكل واضح ومؤكد وما تحاوله الآن الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي غيرت اسمها إلى "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ليست إلا دليلا على هذا الانحسار.
وبخصوص الاعتبار الثالث فيراه الجورشي في قبول عدد من الذين حمل السلاح في الجزائر وفي ليبيا بصيغ مصالحة مع نظامي البلدين وهو ما يدل على أن ممارسة العنف قد بلغ أقصى درجاته ولم يحقق الأهداف التي كانت مطروحة.
لكن هذه المعاينة لحالة انحسار ظاهرة العنف لن تمنع القول بان احتمال تتجدد هذه المحاولات يبقى أمرا واردا وما حدث في تونس مؤشر على ذلك وحول المغزى من تغيير الاسم من الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى القاعدة في المغرب الإسلامي أشار صلاح الدين الجورشي إلى أن الجماعة الجزائرية يبدو واضحا أنها تريد أن توظف يافطة القاعدة لتحدث حالة إرباك فتسمية القاعدة تستبطن مخزونا سياسيا وأمنيا تتصور الجماعة الجزائرية أنه يعزز موقعها ويغطي على حالة الضعف والخلافات التي تشقها. وعن تبرير البعض لعنف الجماعات الإسلامية في المنطقة العربية بغياب الحريات العامة والفرص وكيف يمكن تبرير عنفهم في دول مثل بريطانيا أو فرنسا أو اسبانيا وهي من الدول التي تحترم الحريات العامة والفردية وتتوفر بها الكثير من الفرص، ذكر الجورشي أن الدوائر القريبة من تنظيم القاعدة تقدم مبررا لهذا العنف المصدر إلى الدول الغربية ولعل أهم إحدى التغييرات التي أحدثها أيمن الظواهري – الرجل الثاني في تنظيم القاعدة وغيره في الاستراتيجيات الإسلامية هو نقل المعركة من مستواها المحلي والإقليمي إلى المستوى الدولي اعتقادا منهم بأن تغيير السياسات الأمريكية والأوروبية يمر عبر توجيه ضربات مؤلمة لهذه الدول في عقر دارها. لكن هذا التفكير وان أدى إلى حالة إرباك وخلق صعوبات لهذه الدول إلا انه في المقابل ترتبت عنه نتائج مؤلمة جدا وخطيرة على الصعيدين العربي والإسلامي وكان أكبر متضرر من هذه الإستراتيجية العدمية هو الإسلام كدين وكثقافة وكرؤية إنسانية.
الغارديان: جبهة القاعدة الجديدة في شمال افريقيا قد تكون علامة على تنامي قوتها ومن يشاركها اديولوجيتها.
وعلى عكس ما ذهب إليه الخبير التونسي في قضايا الجماعات المسلحة صلاح الدين الجورشي ترى صحيفة الغارديان، في مقال كتبه المحلل السياسي البريطاني سايمون تيسدال بعنوان: "جبهة القاعدة الجديدة في شمال افريقيا"، أن "موجة التفجيرات في مراكز الشرطة وأماكن أخرى في الجزائر قد تكون علامة على تنامي قوة القاعدة ومن يشاركها اديولوجيتها من اسلاميين متشددين." وكتبت الغارديان أنه "وبينما يستهدف الاسلاميون الحكومات الموالية الغرب في كل من الجزائر وتونس والمغرب، فان هدفهم على المدى يبقى ضرب المصالح الغربية في المنطقة وربما اوروبا نفسها". وأن "هذه التفجيرات الاخيرة التي خلفت ستة قتلى على الاقل وعشرات الجرحى جاءت بعد هجوم في ديسمبر على موظفين امريكيين وبريطانيين في شركة هاليبورتن، التي كان يترأسها نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني، وادى هجوم آخر على ثكنة عسكرية الشهر الماضي الى مقتل خمسة جنود وعشرة من المهاجمين." وذكرت أن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال غيرت اسمها إلى "القاعدة في المغرب الاسلامي"، على غرار "القاعدة في العراق"، وذلك بعدما اعترف بها "رسميا" أيمن الظواهري، الساعد الايمن لاسامة بن لادن."
سي ان ان: الجماعة السلفية خفضت من هدفها الأصلي وهو الإطاحة بالحكومة لصالح استهداف الغربيين والبعد الكوني
تقول شبكة سي ان ان الأمريكية أن مع إعلان البيت الأبيض خطة إنشاء قيادة عسكرية موحدة لأفريقيا قبل نهاية 2008 ستكون مكافحة الإرهاب إحدى أبرز مهماتها، ومع تقارير عن تهديد لفرنسا أثناء فترة الانتخابات، تكون الجماعات المسلحة في المغرب العربي وما لها من علاقات جنوب الصحراء الأفريقية، قد طفت إلى صدارة الاهتمامات الأمريكية، بعد أن كانت خلال الخمس سنوات السابقة بمنأى عن أشدّ العمليات العسكرية التي تستهدف تنظيم القاعدة. وإذا سلّم الخبراء بأنّ هناك فئتين من الجماعات التي تتخذ من الدين برنامجا لها، أحدهما معتدل والآخر متشدد، إلا أنّه في حكم الواضح ـ حسب سي ان ان ـ أنّ الجماعات المتطرفة لها خطوط التقاء بالجماعات التي عدّت "معتدلة" على الأقل من حيث "المرجعية التاريخية" حتى وإن باتت تعتبرها هي أيضا في خانة الحركات "المرتدة." وفيما يوفّر على أهمية الضلع الجزائري، أعلنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر مؤخرا تغيير اسمها إلى "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" بناء على "تشاور مع زعيم القاعدة أسامة بن لادن". الجزائر على خلاف جارتيها الشرقية تونس والغربية المغرب، تقول شبكة سي ان ان، أنه ليس للحركة الإسلامية في الجزائر "عمق تاريخي" بالمفهوم الزمني باستثناء ما عرفت به البلاد من توق إلى "التعريب والدفاع عن الهوية الإسلامية" في مواجهة واحد من أقسى التجارب الاستعمارية التي عرفتها البشرية. وفي دولة اختارت منذ استقلالها المثال الاشتراكي الصارم الذي يعتمد على الجيش، وفي ظلّ التركيز طيلة أكثر من عقدين من الزمن على "ربح الزمن الضائع" من خلال برامج التعليم التي ارتكزت على "استعادة الهوية العربية والإسلامية" وفي ظلّ جوّ عام من النظر بريبة إلى كل ما هو غربي، شكل التوجه الإسلامي أبرز أفق "للانعتاق" لدى الجزائريين. وأقر الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد عام 1988، تحت تأثير الظرف العالمي الذي شهد انهيار حائط برلين والمعسكر الشرقي، تعديلا أنهى سلطة الحزب الواحد المتمثل في حزب جبهة التحرير الوطني وهو ما أدى إلى إنشاء عشرات الأحزاب كانت الأحزاب الدينية أقواها ولاسيما الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تزعمها عباسي مدني وعلي بلحاج. غير أنّ الجيش، سرعان ما تفطّن إلى "ما يمكن أن ينتج عن الجديد" فعمت الفوضى ودخلت البلاد حربا أهلية شهد انشقاق حركات "فرعية" عن جبهة الإنقاذ سرعان ما اندثر أضعفها وبقي منها حركتان أساسيتان هما الجماعة المسلحة والجماعة السلفية للدعوة والقتال. وفيما لا يعرف أي فرق أيديولوجي بين الجماعتين، يرجح فريق من الملاحظين أنّ صراع زعامات هو فقط الذي لا يجمعهما. فيما يعتقد خبراء أمنيون أنّ الفرق في الأهداف هو الذي يفصل الجماعتين حيث تركز الجماعة المسلحة على الأهداف المحلية فيما للجماعة السلفية للدعوة والقتال بعد "كوني يجعلها على علاقة وثيقة بتنظمي القاعدة."
أوليفييه روي: قرب الجماعة السلفية من أوروبا ومغاربية نشاطها والخبرة التي أحرزتها تجعل منها خطيرة في كل الأوقات.
ويعتقد خبراء أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال خفضت من هدفها الأصلي وهو الإطاحة بالحكومة لصالح استهداف الغربيين والترويج لعملياتها من خلال استخدام مهارات متزايدة في الانترنت. وقال أوليفييه روي وهو خبير في شؤون التشدد الإسلامي بالمركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية إن الجماعات المتشددة المسلحة في الجزائر والمغرب من غير المرجح أن "تقوم بالدور الأساسي" في تحدي سلطة الدولة لان هناك قوى سياسية أخرى تعمل في تلك البلاد. وفيما باتت "أخبار" الجماعة المسلحة نادرة، تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير عن أنشطة للجماعة السلفية للدعوة والقتال ولاسيما في غضون السنوات الثلاث الماضية، حيث نفذت أعمالا مسلحة في الصحراء والنيجر ومالي وتشاد وكذلك في موريتانيا. لى أنّ التقارير تشير أيضا إلى أنّ الجماعة "منكهة" بفعل الاستنزاف ومقتل رموزها مثل نبيل صحراوي واعتقال "خلفائه" مثل عماري صيفي المعروف بالبارا وهو ما أدى، وفقا للسلطات الجزائرية، إلى تضاؤل أعداد أعضائها من 28 ألفا أواسط التسعينات إلى نحو 800 حاليا. على أنّ "خطورة العنف" الذي تمارسه الجماعة القريبة جدا من الغرب (أوروبا) وكذلك "مغاربية" نشاطها في الآونة الأخيرة، و"الخبرة" التي أحرزتها في مواجهتها، تجعل منها "خطيرة" في كل الأوقات.
المغرب:
حسب شبكة سي ان ان الأمريكية فتجربة المغرب مع الحركات الإسلامية من حيث "العمق التاريخي" و"قانونية أنشطتها" تختلف عن بقية دول المغرب العربي، غير أنّ نقاط تشابه تجمعها بتجربة الجزائر من حيث انتهاؤها إلى حركتين تركز إحداهما على البعد المحلي فيما للثانية علاقات بتنظيم القاعدة. فقد كان المغرب سباقا في هذا المجال حيث شهد صداما بين "الشبيبة الإسلامية" والنظام الملكي منذ الستينات، قبل أن يتمّ تأسيس حركتين هما "حركة العدل والإحسان" و"حركة الإصلاح والتجديد" على أنقاض الشبيبة الإسلامية في بداية الثمانينات. ومع إجراء تعديلات دستورية فتحت الباب أمام التعددية الحزبية كان للحركتين الإسلاميتين حضور واضح في الحياة العامة. ويقول محللون إنّ كون طبيعة النظام في المغرب غير جمهورية، جعل من "الطموح نحو كرسي السلطة" أمرا ممكنا للجميع على خلاف الأنظمة الجمهورية في الدول العربية التي تتميّز بشدة قبضة الأحزاب فيها على مقاليد الحكم. ونجح الإسلاميون في الفوز بانتخابات بلدية غير أنّ الفشل كان نصيبها وهو ما فسره الملاحظون على أنها كانت خطة "ذكية" من العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، بحيث وضعهم في فوهة بركان من حيث التعاطي مع تفاصيل الحياة اليومية التي لا يدركون كيفية التعاطي معها. وقال محمد زيتوني وهو محلل سياسي مغربي إنّه وفي "الظاهر يمكن الفصل بين الحركات الإسلامية في المغرب من حيث اعتدالها وتشددها، ولكن لا يمكن فعليا التغاضي عن أفكار "ما يعدّ معتدلا" هي التي شكّلت الخطوة الأولى باتجاه الجيل الجديد من المتطرفين." وأضاف أنّ أغلب متشددي الجماعتين الإسلاميتين في المغرب لهم عرى وثيقة مع حركة العدل والإحسان مثلا. ولذلك فإنّ الحكومة المغربية بدأت عام 2004 إصلاحات في وزارة الأوقاف وكذلك في تشريعات تتعلق بالمرأة. وبالتوازي مع ذلك حكمت على أكثر من ألف شخص، 900 منهم بالسجن في تهم تتعلق بالإرهاب بعد هجمات هزت مدينة الدار البيضاء في ماي 2003. وكشفت الهجمات عن وجود جماعتين هما "السلفية الجهادية" التي قالت السلطات إنها تقف وراء الأعمال الانتحارية وكذلك "الجماعة المقاتلة الإسلامية المغربية" ذات الارتباط الدولي بتنظيم القاعدة. وإذا كان الغرب يتخوف من الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية "لخبرتها" القتالية وقربها من أوروبا، فإنه يتخوف من العناصر الإسلامية المتشددة المغربية بحكم ما عرف عن المغربيين من "تعلق مفرط بهويتهم" ورفضهم سياسات الاندماج التي تشجع الحكومات الغربية المهاجرين عليها. وأحصت أجهزة الاستخبارات الغربية عديد العناصر المغربية أو من أصل مغربي مثل "الانتحاري رقم 20" في هجمات 11 سبتمبر 2001 زكريا الموسوي وكذلك في ألمانيا في خلية فراكفورت الشهيرة مثل منير المتصدق أو عبد الغني المزودي. كما كشفت التحقيقات في إسبانيا أنّ عناصر مغربية تنتمي للجماعة المقاتلة شاركت في الهجمات التي هزّت مدريد في 11 مارس 2004. وفي الآونة الأخيرة قالت السلطات الإسبانية إنّ المغربي مبارك الجعفري أشرف على تدريبات في معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان عام 2001 وهو ينشط حاليا في مجال استقطاب انتحاريين ومقاتلين يتم إرسالهم إلى العراق.
تونس
وتقولف شبكة سي ان ان الأمريكية في توصيفها للحركات الاسلامية في منطقة المغرب العربي أن التجربة التونسية مع الحركة الإسلامية تتماثل مع المغرب من حيث "الامتداد التاريخي" ومع الجزائر من حيث كيفية التعاطي السياسي والأمني. فقد شاركت شخصيات ذات نفس إسلامي في حركة التحرير بتونس منذ عقد العشرينات من القرن الماضي وأبرزها الشيخ عبد العزيز الثعالبي قبل أن "يزيح" الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الوجوه "الزيتونية"(نسبة إلى تحصيلها العلمي في جامع الزيتونة)، ويؤسس برنامجه من أجل التخلص من الاستعمار على أساس "مدني علماني" واستمر في ذلك مع استقلال البلاد عام 1956. وحتى أواخر السبعينات من القرن الماضي كانت التجاذبات السياسية في تونس بين الحكومة التي يسيطر عليها الحزب الاشتراكي الدستوري(التجمع الدستوري الديمقراطي حاليا) والاتحاد التونسي للشغل وحركات يسارية سرية. ومع وصول البلاد إلى أزمة اقتصادية عميقة في بداية الثمانينات مع تصاعد "حرب خلافة بورقيبة" وجد وزير التربية الذي تمّ تعيينه آنذاك رئيسا للحكومة محمد مزالي، ذو النفس العروبي، الفرصة مواتية لإعلان التعددية السياسية في مسعى للتنفيس السياسي. غير أنه تمّ إقصاء الإسلاميين من إضفاء الشرعية على نشاطهم فأسسوا حركة تدعى "الاتجاه الإسلامي" اختارت العمل السري. كما شهدت تونس تأسيس فرع لحزب التحرير الإسلامي المعروف أنه يأمل الاستيلاء على السلطة بواسطة الانقلاب. غير أنه سرعان ما تمّ تفكيكه قبل أن يعلن قبل بضعة أسابيع وجوده في تونس من دون أن يتمّ التأكد من دقة ذلك. وبعد أن غيرت حركة الاتجاه الإسلامي اسمها إلى حركة النهضة، تماشيا مع دستور البلاد الذي يحظر إنشاء الأحزاب على قاعدة دينية أو لغوية أو عرقية، وقعت على وثيقة "الميثاق الوطني" بعد صعود الرئيس الحالي زين العابدين بن علي إلى السلطة في انقلاب غير دموي وشاركت في لائحات مستقلة في أول انتخابات تجري في عهد الرئيس الحالي. وكشفت تلك الانتخابات عن صعود التيار الإسلامي الذي حاز، وفقا لأرقام غير رسمية، على نحو ربع نسبة الأصوات وهو ما جعل السلطات التونسية تدخل في مواجهة حاسمة معه أدت فيما بعد إلى إدخال أغلب أعضائه السجن والمنفى. ويجدر القول إنّ "الخصوصية" التونسية التي تتمثل في كثير من مناحي الحياة انعكست بدورها في التعاطي مع "الظاهرة الإسلامية" في مجتمع غلب عليه التحديث حتى "التغريب" مثلما يصر على ذلك النشطاء الإسلاميون. فحسب سي ان ان الأمريكية فعلى خلاف الجزائر والمغرب، يرفض المجتمع التونسي، ناهيك عن السلطات الحاكمة، أي نفس "وهابي منغلق" في الحركات الدينية حيث أن تونس تعدّ واحدة من أبرز العواصم الإسلامية في التاريخ مثل القاهرة وبغداد ودمشق فضلا عن كون الكثير من علمائها شكلوا مرجعية "للشرق الإسلامي" مثل الطاهر بن عاشور وكذلك شيخ الأزهر خضر حسين التونسي. غير أنّ تلك "زيف الخصوصية" ـ تقول سي ان ان ـ انكشف عندما اهتز منتجع جزيرة جربة على عملية انتحارية في أفريل 2002 نفذها تونسي بأمر من مهندس هجمات 11 سبتمبر 2001 خالد شيخ محمد بواسطة هاتف جوال من مخبئه في باكستان. وشكّلت تلك العملية صدمة في دولة تقدم نفسها "عصيّة" على الإرهاب. غير أنّ المحلل السياسي عادل منتصر يشدد على أنّ هجوم جربة ليس دليلا على وجود القاعدة في تونس لأنّ من نفذها قدم خصيصا من خارج تونس كما لم يثبت أي تورط لتونسي من داخل البلاد فيها. ولا تتوفر في مواقع الشبكة الإلكترونية وكذلك في وثائق الاستخبارات المعلنة أي إشارة إلى وجود تنظيم مسلّح متشدد في تونس باستثناء ما تداولته أجهزة استخبارات غربية عن وجود تنظيم على علاقة "بأنصار السنة" سرعان ما تبين لاحقا أنه غير دقيق أو في أفضل الأحوال فإنّ الأمر ربما يتعلق بتنظيم تونسي متشدد مجهول خارج البلاد. وللمفارقة فإنّ عددا من "أبرز وجوه تنظيم القاعدة" في خارج تونس هم تونسيون "تميّزوا" أكثر من غيرهم في تنفيذ عمليات "نوعية" كان لها أثر مأساوي. فقد أثبتت التحقيقات أنّ من اغتال قائد تحالف الشمال الأفغاني أحمد شاه مسعود هما "صحفيان مزيفان" تونسيان. وشكّلت عملية الاغتيال تلك منعرجا في التناحر بين الفصائل الأفغانية. وفي فبراير 2006 فجّر تونسي من عناصر تنظيم القاعدة، وفقا للسلطات العراقية، وجرى اعتقاله، ويدعى "أبوقتادة التونسي" قبّة الإمامين الهادي والعسكري مما شكّل حسب الكثير من المحللين منعرجا صوب حرب أهلية في العراق. كما يقول المحققون الإسبان إنّ مخطط الهجوم على مدريد في 2004 تونسي. وتزامنت نهاية 2006 وبداية 2007 مع "اشتباكات مسلحة" في تونس بين قوات الأمن هناك مدعومة بالجيش، وعناصر "مجرمة" وفقا للسلطات التونسية التي قالت لاحقا إنّها على علاقة بعناصر "سلفية" في الجزائر، وتبنت جماعة أطلقت على نفسها اسم "شباب التوحيد والجهاد بتونس" في بيان لها العملية غير أن السلطات التونسية أن الببان مويف. وحتى ما أعلنته الحكومة التونسية في بداية الاشتباكات من أنّ الأمر يتعلق بمخطط "لضرب سفارات أجنبية" قالت تقارير لاحقة إنهما سفارتا بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، يبدو موضع تساؤل لدى الكثير من المحللين لاسيما أنّ المحكمة التي مثلت أمامها دفعة ممن تمّ اعتقالهم على خلفية تلك الأحداث، لم توجه لها تهمة الإعداد لضرب سفارات وإنما "محاولة لقلب نظام الحكم." ويقول أوليفييه روي الخبير الأمني الفرنسي "المجهول هو تونس. في تونس من الواضح أن الحكومة تمكنت من إحداث فراغ سياسي وهو ما ليس متحققا في الجزائر أو المغرب...هناك قدر كبير من الاستياء حتى بين الطبقات الوسطى العلمانية (في تونس) حاليا. لذلك أعتقد أن الطريق ممهد الآن بشكل أفضل للحركات المتشددة في تونس رغم ذلك." وذكر مسؤول أمريكي على اطلاع بالمنطقة عن تونس ـ حسب ما نقلت سي ان ان ـ "نحن قلقون. هذه الموجة الأخيرة من الاضطرابات في تونس تمثل جرس إنذار نوعا ما.. دعونا لا ننسى تونس." ومضى يقول "إن لديهم نفس الشبان الذين اتجهوا للتشدد ونفس نوع الجماعات الإرهابية المناهضة للحكومة بشكل تراكمي تماما مثل الدول المجاورة الأخرى في شمال أفريقيا."
ليبيا وموريتانيا
وحسب توصيفها دائما للحركات الاسلامية في منطقة المغرب العربي، تقول شبكة سي ان ان الأمريكية، أن الوضع في كل من ليبيا وموريتانيا يتشابه ويختلف نسبيا عن الوضع في بقية دول المغرب العربي. فعلى خلاف تونس والمغرب والجزائر، لم تشهد ليبيا عملية مسلحة بالمعنى الدقيق للكلمة، كما أنّ الأعمال المسلحة التي شهدتها موريتانيا لم تكن "إرهابية" أو ذات "خلفية إسلامية متشددة." على انه يجدر التذكير بكون كلا البلدين يحتوي على وجود "بشكل أو بآخر" لعناصر "متشددة" حتى وإن كانت لا ترتبط بتنظيم القاعدة. ففي موريتانيا، قالت السلطات إنّ "لجهاديي" الحركة الإسلامية الموريتانية "علاقة" بالجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية . وحاكمت نواكشوط حوالي خمسين اسلاميا موريتانيا متهمين بإقامة علاقة مع شبكة القاعدة التي اعلنت الجماعة السلفية ولاءها لها. وقالت السلطات إنّ هؤلاء "تدربوا على المعارك في مخابىء الجماعة السلفية للدعوة والقتال." وخاض هؤلاء الجهاديون في 2004 و2005 معارك ضد الجيش المالي وضد الجيش الجزائري. وفي 2003، خطفت الجماعة السلفية للدعوة والقتال 32 سائحا أوروبيا في الصحراء الجزائرية. وقال المحلل الموريتاني أبيه ولد الشيخ إنّ الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، التي سبق أن أعلنت هجومها على قاعدة للجيش الموريتاني، ترى في موريتانيا هدفا "مهما" بالنظر لما تمثله من معبر نحو أفريقيا وهي التي لطالما كررت نواياها في تأسيس خلايا في القارة السمراء. وأضاف أنّ أخطر عضو، ترى فيه موريتانيا التهديد الأكبر لها وللغرب في أفريقيا، هو مختار بلمختار المعروف بلقب "بالاعور" والذي انشق عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال وقام بعمليات تهريب في الصحراء الجزائرية والدول المجاورة. وفي ليبيا، ألقى نظام القذافي بتبعاته على كل شيء بما فيها "وجود التيارات الإسلامية" حيث يعتبر كلّ من ينشط سياسيا باسم الإسلام "زنديقا" ويصر في بياناته على اعتبار تلك العناصر "زنادقة لا علاقة لهم بالإسلام." وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وضمن الحرب على الإرهاب طفت على السطح أسماء "قياديين مهمين" في تنظيم القاعدة من الجنسية الليبية من ضمنهم أبو فرج الليبي وأبويحيى الليبي. وفيما يغيب أي توثيق لتلك الحركات في ليبيا إلا أنّ الاستخبارات الغربية ولاسيما الأمريكية صنّفت "الجماعة الإسلامية المقاتلة" في خانة الجماعات الإرهابية. وفي الآونة الأخيرة قالت تقارير إنّ نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام يعقد مفاوضات مع أعضاء من هذه الجماعة لإقناعهم بنبذ العنف و"العودة إلى البلاد" والمشاركة السياسية.
#محمد_مصدق_يوسفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيل صناعة الموت: الجهاديون الجدد من هم وماذا يريدون؟
المزيد.....
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|