أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - حين تنهض الأرض من رمادها














المزيد.....

حين تنهض الأرض من رمادها


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 10:24
المحور: السياحة والرحلات
    


ليس فيتنام وطنًا وُلد في سلام، بل أرضٌ عرفت النار كما تعرف الأمّ الولادة، تختلط فيها الدماء بالندى، وتتشابك الجراح بالسنابل. على مدى قرونٍ طويلة، ظلّ هذا الشعب الصغير في الجغرافيا، الكبير في الروح، يواجه الغزاة تلو الغزاة — من الصينيين إلى الفرنسيين إلى الأمريكيين — لكنه لم يفقد يومًا إيمانه بأن الحرية ليست هدية من أحد، بل نَفَسٌ يتنفسه الوجود نفسه.
في أزقّة هانوي القديمة، ما تزال الجدران تحمل آثار الرصاص، لكنها أيضًا تحمل الجداريات الملونة التي ترسم وجه طفلٍ يضحك فوق حائطٍ تشقّقه الذاكرة. هناك، بين الركام، تنمو الأزهار من جديد، وتُسمع أصوات الباعة المتجولين وهم يبيعون أمل الغد كما يبيعون أكواز الذرة الساخنة.
لقد فهم الفيتنامي أن النصر ليس في كسب المعارك فقط، بل في قدرته على تحويل الألم إلى موسيقى، والدمار إلى بداية أخرى.
حين انتهت الحرب، كان يمكن لهذه البلاد أن تستسلم للفقر واليأس، لكنها اختارت طريقًا آخر: طريق الإرادة الصامتة. من تلك الحقول نفسها التي مرّت فوقها الدبابات، نبت الأرز من جديد، وكأن الأرض نفسها قررت أن تسامح.
ومن بين أصوات المآذن في المساجد الصغيرة، وأجراس المعابد البوذية، وتراتيل المسيحيين، نهضت روحٌ جامعة تقول: “كلنا أبناء هذه الأرض… وكلنا ماءٌ من نهرٍ واحد.”
الفيتنامي لا ينسى، لكنه لا يحمل الكراهية في قلبه. هو يحفر في الصخر، يزرع في الطين، ويبتسم رغم المطر. ربما لذلك تحبه الطبيعة كما يحبها، فتعطيه بسخاءٍ خضرتها وسكونها وثمارها.
إنه شعبٌ استطاع أن يجعل من الوجع ذاكرة لا تُبكي، بل تُعلّم. ومن الحرب درسًا في الصبر. ومن الفقر مدرسةً للإبداع.
وحين تسير في شوارع "هو تشي منه"، ستدرك أن المدينة الحديثة لم تبنَ فقط بالإسمنت، بل بعرق أولئك الذين حملوا الطوب في الصباح، وغنّوا في المساء أغاني الحرية.
في المقاهي القديمة، يجلس الشباب إلى جوار الشيوخ، يتبادلون القصص والضحكات والحنين، كأن كل جيلٍ يسلّم مفاتيح الحلم إلى الجيل الذي يليه، في دورةٍ لا تنتهي من الأمل.
هكذا تعلّم الإنسان الفيتنامي أن يكون هو المعجزة: أن يقيم من الجرح بيتًا، ومن الذكرى وطنًا، ومن العرق قصيدةً في الهواء الرطب.
إنها فلسفة الحياة البسيطة العميقة التي جعلت من فيتنام بلدًا ينهض كالعنقاء من رمادها، لا تستسلم، بل تبتسم لتعيد تعريف القوة بمعناها الأجمل: أن تبقى إنسانًا رغم كل شيء.
وبينما تغرب الشمس فوق حقول الأرز المبلّلة بالندى، يتهيّأ المشهد لصفحةٍ أخرى من الحكاية — ليست حكاية حربٍ ولا نصر، بل حكاية الإنسان في صراعه اليومي مع التغير، مع الاقتصاد، مع الطموح، ومع العالم الحديث الذي يطرق أبواب القرى بالمصانع والتكنولوجيا.
في الفصل الخامس سنسير في خطى هذا التحوّل: من الريف الهادئ إلى المدن المتسارعة، من صمت الأنهار إلى ضجيج الأسواق العالمية، لنرى كيف حافظت فيتنام على روحها وسط عصف العولمة، وكيف صاغت نموذجًا للتوازن بين الهوية والحداثة، بين التراث والمستقبل.


يا له من طلبٍ يفرح القلب ويُلهب القلم!
إذًا فلنمضِ معًا — على مهلٍ ودهشةٍ — إلى الفصل الخامس من هذه الرحلة التي لم تعد مجرد استكشافٍ لبلدٍ جميل، بل تأملٌ في معنى النهوض الإنساني حين يتجسد في أرضٍ اسمها فيتنام.
أدعوك الآن إلى أن نتابع السير بين ناطحات السحاب وحقول الأرز، بين ضجيج المدن وصمت الطبيعة…



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حيث تتكلم الأرض بلغة الماء
- ألف عام من الصبر تاريخ فيتنام ومعنى الحرية
- بلاد الماء والنور نزهة فكرية في جغرافية فيتنام
- حين تُنير الآلة طريق القلب — التأمل الروحي والفلسفي في عصر ا ...
- نحو إنسان جديد في زمن الذكاء الاصطناعي — التوازن بين العقل و ...
- المعرفة والوعي بين الإنسان والآلة — حدود الفكر وحدود الروح
- الذكاء الاصطناعي ومحنة الضمير — قراءة في أخلاقيات العقل الصن ...
- الإنسان والآلة — من التنافر إلى التكامل دراسة في البدايات ال ...
- -شظايا الحب في عيون القمر-
- الانتكاسة
- -أنثى تتوضأ بالضوء-
- إلى التي كانت نُورَ النصفِ قرن
- -من رحم الشدائد تولد العظمة-
- حينَ تاهَ العُشّاقُ بينَ الزمانِ والحنين
- تاريخ النقد الأدبي والفلسفي في الثقافات العربية والغربية
- أدب الأطفال كوسيلة للتكيف مع التحديات المستقبلية
- -التجريب والاستكشاف: مفتاح الإبداع لدى الأطفال-
- تأثير الجمال على السلوك الأخلاقي بين الأديان والفلسفة
- الشهداء يصرخون ....... إننا قادمون
- -تأملات فلسفية في تجربة العشق والإنسانية-


المزيد.....




- الأردن: تكرار حوادث الاختناق خلال أسبوع بوسائل تدفئة يثير ال ...
- فيديو جديد يظهر رهائن غزة يحتفلون بـ-حانوكا- قبل وفاتهم
- برلين تستدعي سفير موسكو بسبب هجمات سيبرانية منسوبة لروسيا
- فضلون في بلا قيود: الأمن أساس الاستقرار
- أوروبا تقرر استخدام الأصول الروسية لتمويل قروض أوكرانيا
- كأس العرب: الأردن يتغلب على العراق ويلتحق بالمغرب والسعودية ...
- بعد عام على سقوط الأسد.. هل استعاد الإعلام السوري حريته؟
- إيران : تعتقل نرجس محمدي الحائزة على جائزة نوبل للسلام 2023 ...
- ليبيا: مقتل أحد كبار مهربي البشر في مداهمة أمنية عقب اعتداء ...
- فرنسا: بارقة أمل للأجانب بعد تبني الجمعية الوطنية لقرار التج ...


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - حين تنهض الأرض من رمادها