جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 13:21
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إن دراسة أية ظاهرة سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية .. فيى التاريخ لايمكن أن تكون علمية وواقعية وصادقة بمعزل عن ظروف زمان ومكان حدوثها وسائر المؤثرات الداخلية والخارجية فيها .. ومن هنا يتوجب علينا الإلمام بكل ذلك - قدر المتاح لنا في ظروفنا القاهرة – لنعطي هذه الظاهرة مالها وما عليها بإنصاف لئلا تبقى رهن الزيف والكذب والجحود الذي مارسته التحريفية المعاصرة بزعامة خروشوف وخلفائه , الذي أنكر ستالين إنكاراّ كلياّ , الذي قدّم لأبواق الإعلام الرأسمالي الأمبريالي مادة دسمة للنيل من التجربة الإشتراكية الأولى في الغالم بل من النظرية الماركسية اللينينية كلها ... هذا لايعني إخفاء أخطاء ستالين والتستر عليها أبداّ . إنما يجب وضعها في مكانها الطبيعي وليس استخدامها لتبرير الإنحرافات الكبرى وصولاّ إلى الخيانات الكبرى التي دمّرت التجربة السوفياتية كلها . لحساب عودة الرأسمالية النهّابة ...
لم تكد الدولة الإشتراكية الأولى التي دشنتها ثورة أوكتوبر تحقيق الإنتصار النهائي على تدخل 14 دولة بجيوشها لإجهاضها من أوربا إلى اليابان بالإضافة لفلول الجيش القيصري .. حتى فجعت الدولة السوفياتية الفتية والعالم بوفاة قائدها فلاديمير لينين عام 1923 _ وقد ذكرت ذلك سابقاّ – وظروف التاّمر الداخلي والخارجي لتدمير الدولة الوليدة أول دولة للعمال والفلاحين الفقراء والجنود في التاريخ – وانتخب ستالين رفيق لينين في قيادة الثورة وانتصارها النهائي وفي بناء الدولة
وبقيادة ستالين بنيت الدولة السوفياتية من الصفر , كما بنيت الأممية الإشتراكية العالمية
كان على قيادته نقل الإتحاد السوفياتي من دولة متخلفة إقطاعية تفتقر للكهرباء وأبسط قواعد التقنية الصناعية والزراعية , كما تفتقر للخبرات الفنية والإجتماعية والديبلوماسية في جميع نواحي الحياة والبناء ...
كان على قيادته عبء تنظيم قيادة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وتنظيم نقاباتها وقياداتها التعاونية في المصانع والمزارع التعاونية , وبناء خبرات جديدة لم تعرفها البشرية في تاريخها إلى جانب بناء الحزب بين صفوف الشعب والجيش وفق المبدأ الماركسي اللينيني – الديمقراطية المركزية – ودعم النضال الأممي للشعوب المضطهدة في العالم ...
وكان على الدولة السوفياتية الفتية مجابهة المتاّمرين في الداخل والخارج , ومحاولة تجنب الحرب ضد النازية الصاعدة في ألمانيا , قبل استكمال البناء الإشتراكي , لكن النازية عدوة الشعوب قامت بغزو الإتحاد السوفياتي بعد استسلام الحكومات الأوربية كلها – باستثناء بريطانيا – للغزو النازي .
كان على قيادة ستالين والحزب والشعب السوفياتي البطل التصدي لجحافل النازيين الغزاة التي وصلت إلى مشارف موسكو مجهزة بأحدث الأسلحة التي لم يكن يمتلكها الجيش الأحمر ... كان على الجميع بقيادة ستالين دحر الغزاة .. وهذا ماتم بتلاحم القيادة والشعب والجيش لتحطيم النازية وتحرير البشرية كلها من شرورها وعنصريتها . وتحرير برلين ونصف أراضي ألمانيا قبل وصول القوات الأمريكية والحليفة ....لقد دفع الشعب السوفياتي 21 مليون شهيد لتحرير البشرية جمعاء بقيادة ستالين وحزبه ..
ومن الواجب علينا التحليل العلمي لمنجزات وماّثر قيادة ستالين وأخطائه بأسلوب المادية التاريخية وعرض التاريخ كما حدث فعلاّ لاكما نريده أن يكون .
لقد ارتكب ستالين أخطاءلها جذورها الأيديولوجية والإجتماعية والتاريخية ومن الضروري نقد أخطائه التي ارتكبها , لا التي عزيت إليه زوراّ أو ارتكبها الاّخرون ونسبت إليه أو التي فبركتها وسائل الإعلام المعادية للماركسية اللينينية سواء كانت من الرأسمالية الأمبريالية , أومن الإنتهازيين والتحريفيين المختلفي الأشكال والألوان من التروتسكيين إلى أنصار الأممية الثانية وسائر الإصلاحيين الإنتهازيين في الأحزاب التي ترفع لافتة الشيوعية التابعة لموسكو أيا كان النظام فيها والتابعة لأنظمة الإسبداد البورجوازية الجشعة في بلدانها ( القيادة البكداشية ومشتقاتها في سورية نموذجاّ بائساّ منها ) ...
قال الرفيق ماو : ( لقد ارتكب ستالين أخطاء معينة بينما كان يقدم ماّثره للشعب السوفياتي وللحركة الشيوعية العالمية . كانت بعض هذه الأخطاء مبدئية وبعضها حدث أثناء النشاط العملي , كما كان بعضها يمكن تجنبه , كان من العسير تجنب بعضها الاّخر في وقت لم تكن فيه لسلطة العمال والفلاحين ودولتهم أية سابقة تقتدي بها .. وحاد ستالين في طريقة تفكيره عن الما دية الديالكتيكية ووقع تحت رحمة المثالية والنزعة الذاتية في قضايا معينة . وفي النضال داخل الحزب وخارجه , وخلط بين التناقضات بين أنفسنا والتناقضات مع العدو ..-مناظرة حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية ص 151 )
ثم قال : ( وأثناء قيادة ستالين لقمع الثورة المعادية نال عدد كبير من المعادين للثورة ما يستحقون من عقاب ولكن في الوقت نفسه عوقب عدد من الأبرياء بصورة خاطئة . وفي عامي 1937 و1938 تعدّى نطاق قمع أعداء الثورة حدوده وكان هذا خطأ كبيراّ .. وبينما ندافع عن ستالين لاندافع عن أخطائه ومنذ زمن بعيد أحس الشيوعيون الصينيون ببعض أخطاء ستالين التي برز تأثير بعضها في الخطين الإنتهازيين اللذين برزا في صفوف الحزب الشيوعي الصيني – المصدر السابق ص 154 ) كما قال : لقد كان ستالين قادراّعلى نقد نفسه بشجاعة عندما يرتكب خطأ ما . فمثلاّ : أخطأ النصح فيما يتعلق بالثورة الصينية وبعد انتصار الثورة الصينية اعترف بخطئه , كما اعترف بأخطائه في عمل تطهير صفوف الحزب . في تقريره للمؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي السوفياتي عام 1939 .. ولكن ماذا بشأن خروشوف – زعيم التحريفيين الجدد - ؟ إنه ببساطة لا يعرف ما هو النقد الذاتي . وكل ما يعرفه وضع كل الأخطاء واللوم على كاهل الاّخرين , بينما ينسب كل النجاحات والماّثر لنفسه – المصدر السابق ص 162 )
برغم كل ذلك نحاول وضع أخطاء ستالين ومنابعها بالإضافة لما تقدم في مكانها الأكثر ذقة وعدد الة في النقاط الاّتية :
1- شخصنة القيادة بعد فقدان الحزب البولشفي معظم كوادره التي رباها أثناء النضال الثوري السري والعلني قبل وبعد أوكتوبر المجيدة , في تصديهم لأعداء الثورة الطبقيين والمستعمرين في الداخل والخارج , لتحل محلهم كوادر جديدة تنقصها التجربة والخبرة والقدرة على مجابهة الأخطاء وكشفها وممارسة ديمقراطية النقد والقيادة الجماعية في جميع نواحي البناء , بالإضافة لتسلل الكثير من الإنتهازيين وأبناء الطبقات المهزومة إلى صفوف الحزب والدولة لاعن قناعة وإيمان بالماركسية والنظام الإشتراكي , بل بدافع المصالح الشخصية والوصولية .. التي تتقن المديح والتزلف المتقن للكوادر والقيادة وتقديس كل ما يصدر عنها ككتاب مقدس يدعون الناس لحفظ نصوصه كالببغاءات , حتى إذا تعرض النظام الإشتراكي للأخطار كانوا أول المهللين للقادم الجديد...
2- تحوّل الديمقراطية المركزية أو الإشتراكية الديمقراطية العلمية إلى مركزية مشخصنة على حساب الديمقراطية واتخاذ القرار بعد دراسة جماعية من القاعدة إلى القمة نابعة من حاجات ومصالح الجماهير الشعبية صاحبة المصلحة المباشر في البناء الإشتراكي ...
3- عدم التمييز بين التناقضات بين صفوف الشعب كتناقض ثانوي يحل بالحوار الأخوي بالطرق السلمية بين الرأي والرأي الاّخر لبلوغ الأفضل للصالح العام .. وبين التناقض بين الشعب والوطن ومصالهما والعدو الأمبريالي الصهيوني كتناقض رئيسي لايحل إلا بالنضال بشتى الوسائل لدحر هذا العدو والتحرر من هيمنته ... لذلك رأينا قيادة ستالين لاتميز بين الناقضين وحاولت في كثير من الأحيان حل التناقض بي صفوف الشعب بالهراوة مع الأسف وتسببت بخسائر بريئة كان يمكن تجنبها بسهولة ....كما لم تضع أسساّ للتحول الذي قد يحصل في موضوع التناقضات ومتى يتحول التناقض الثانوي إلى رئيسي وبالعكس ...
وهذا ما أدركه الرفيق ماو في كتابه الشهير : ( الحل الصحيح للتناقضات بين صفوف الشعب )
4 – لعبت كثير من قيادات الأحزاب الشيوعية في العالم دوراّ سلبياّ في إسهامها في الأممية الإشتراكية باستثناء قيادة الحزب الشيوعي الصيني والفييتنامي في عهد ستالين , حيث كانت تسلك طريق التبعية العمياء لكل قرار يصدره الكرملين دون نقاش , حتى لوكان يتعلق في قضايا بلادها الداخلية ودون أن تقدم تحليلها ورؤيتها الخاصة من واقع بلدانها إلى المركز الأممي لتكون قراراته أصوب لمصلحة الشعوب ... الأمر الذي تسبب باتخاذ قرارات خاطئة على الصعيد العالمي تجلى ذلك في علاقات دول شرق أوربا وأحزابها مع موسكو والموافقة العمياء على قرار تقسيم فلسطين رقم 181 في 29 ت2 / 1947 . بينما رفض مؤتمر الأحزاب الشيوعية في لندن الذي انعقد في تموز من نفس العام يوم كان الإتحاد السوفياتي يرفض مشروع التقسيم الأمريكي – البريطاني
هذا كمثال فقط ....
4- لعب التحريفيون والبورجوازيون الصغار وفي مقدمتهم خروشوف وبيريا وغيرهم من الذين مارسوا القمع العشوائي بين صفوف الشعب دوراّ بارزاّ في القضاء على الديمقراطية داخل المجتمع الإشتراكي وألصق خروشوف خصوصاّ كل تلك الجرائم بستالين بعد وفاته وإليكم بعض النماذج :
قال خروشوف عام 1937 مدافعاّ عن ستالين ضد الذين يهاجمونه : ( إنهم برفعهم يدهم ضد الرفيق ستالين إنما يرفعونها ضدنا جميعاّ , يرفعونها ضد تعاليم ماركس أنجلز لينين – نشر في صحيفتي البرافدا والإزفستيا بتاريخ 15 حزيران 1963 . وقد وصف ستالين : بأنه صديق حميم , ورفيق في السلاح للينين العظيم , وبأنه – أعظم نابغة وقائد للبشرية – كلمة خروشوف في المؤتمر الثامن عشر للحزب – البرافدا – 15 مارس 1939
وفي 6 حزيران 1937 أعلن خروشوف في المؤتمر الخامس لإقليم موسكو: ( إن حزبنا سيسحق بدون رحمة عصابة الخونة ويبيد جميع الحثالات التروتسكية اليمينية ..إن الضمان لذلك هو قيادة لجنتنا المركزية ولقائدنا الرفيق ستالين .. إننا سنقضي قضاء تاماّ على الأعداء حتى اّخر رجل , ونذروا رمادهم للرياح - الرافدا -7 / حزيران 1937 )
وفي الثامن من حزيران 1938 في المؤتمر الرابع للحزب في كييف قال : ( لقد قضينا على عدد لابأس به من الأعداء و وسنقضي عليهم جميعاّ .. ومن الضروري أن تبقى أعيننا مفتوحة ,ان نرسخ في ذهننا كلمات الرئيس ستالين : مادام الحصار الرأسمالي مضروبأ علينا فإن المخربين والجواسيس سيتسللون إلى بلادنا – البرافدا – مناظرة المرجع السابق ص 162 )
وبعدوفاة ستالين أسفر هؤلاء عن وجوههم القبيحة وانقلبوا 180 درجة ليعلن خروشوف : اّه لو توفي ستالين قبل عشر سنوات – كلمة خروشوف في حشد الصداقة مع هنغاريا 19 تموز 1963 –
توفي ستالين في 23 شباط 1953 – أمنية خروشوف بوفاته قبل عشر سنوات أي عام 1943 يوم كان ستالين يقود حرب الدفاع عن البشرية جمعاء ضد قطعان النازية التي وصلت إلى أبواب موسكو ....
ثم كال لستالين سيلاّ من الشتائم والإفتراءات المخزية ( غبي – إيفان الرهيب – جلاد – ديكتاتور – لايفقه شيئا في قيادة الحرب وقاطع طريق ...الخ ) بينما أسهب خروشوف في مديح قادة الأمبريالية الأمريكية أيزنهاور وكندي وجمع حوله جيشاّ من الإنتهازيين والمنافقين صنعوا له البطولات والعبقريات الكاذبة وزعموأنه أحد بناة الجيش الأحمر , علماّ أنه لم يكن شيوعياّ أثناء ثورة أوكتوبر بل كان موظفاّ صغيراّ خلال الحرب الأهلية - الحياة للشعب – زاريا فوستوكا – 17 ك 1 / 1961 – مناظرة المصدر السابق ص168 -
قال لينين في مقال بعنوان : - المغزى السياسي للشتم – ( إن الشتم في السياسة دليل تخلف , يغطي دائماّ الإفتقار التام للمستوى الفكري , وقلة الحيلة والعجز والضعف المزعج للشاتم .....)
والأمر ليس بجديد في تاريخ الحركة الماركسية ومهاجمة قادتها .. ففي عهد الأممية الأولى استخدم باكونين لغة مشابهة ليشتم ماركس . ففي البداية أرسل له رسالة بتاريخ 22 ك 1 / 1868 قال فيها : أنا تلميذك وإنني أفتخر بذلك – نشرتها مجلة العصر الجديد في العدد الأول عام 1900
وبعد فشل مؤامرته لاغتصاب قيادة الأممية الأولى شتم ماركس قائلاّ : ( لكونه ألمانياّ .... فهو متسلط من أخمص قدميه إلى سمت رأسه . إنه ديكتاتور - فرانزميهرنغ – قصة حياة ماركس )
لقد أشار لينين أكثر من مرة إلى الفرق الكبير بين محرفي الأممية الثانية والماركسيين الحقيقيين في موقفهم من أخطاء الثوريين البروليتاريين أثناء نضالهم وعملهم بين الجماهير .قائلاّ : ( إن الماركسيين لم يخفوا أخطاء ببل وروزا لوكسمبرغ لكنهم عن طريق تلك الأخطاء تعلموا كيف يتجنبونها , ومع ذلك فإن ببل وروزا ورفاقهم في ألمانيا كانوا ثوريين عظاماّ رغم أخطائهم – مقدمة كراس حول نهج الحزب في النقابات العمالية ) وعلى النقيض من ذلك اكتفى المحرفون ب – الصياح والنقنقة – على أخطاء بيبل وروزا ... واستهزاءاّ بالمحرفين ذكر لينين مثلاّ روسياّ قديماّ بقوله : ( قد تطير النسور أحياناّ أكثر انخفاضاّ من الدجاج , لكن الدجاج لايستطيع أبداّ أن يرتفع إلى مستوى ارتفاع النسور .. إن بيبل ولوكسمبورغ كانا شيوعيين عظيمين وبقيا نسرين رغم أخطائهما . بينما بقي المحرفون سرباّ من الدجاج وسط أكوام الزبل في الساحة الخلفية لحركة الطبقة العاملة - لينين – ملاحظات معلق - )
لقد كانت حياة ستالين حياة قائد ماركسي لينيني حقيقي وثوري عظيم ونسر أممي شجاع رغم أخطائه , توفي وهو لايملك أكثر من البّزة التي على جسده ... نمت في عهده الحركة الشيوعية العالمية وحركات التحرر الوطني حمل راية الماركسية اللينينية وصانها ضد كل الأعداء ومكائدهم... وقف في مقدمة التاريخ وجبهة الشعوب , لم يساوم المستعمرين والرجعيين بأسرهم و وقف ضد الديكتاتوريات العسكرية في بلادنا وبنى حركة السلم العالمي وغيرها ... يتبع لاهاي – 20 / 2
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟