منذر حسن أبودان
الحوار المتمدن-العدد: 1834 - 2007 / 2 / 22 - 10:47
المحور:
الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2007 شباط : مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق
مفهوم إعادة بناء الدولة / يقصد بمفهوم إعادة بناء الدولة هو القيام بتحولات جذرية في بنية وثقافية بعض المجتمعات وإعادة هيكلة نظمها السياسي والاقتصادي وفقا لنموذج معين. ولقد تضمنت عملية إعادة بناء الدول سياسيا في بلدان العالم الثالث عند بعض الباحثين عدة متغيرات:
1 - بناء سلطة سياسية تكون عامة علمانية , محل السلطات التقليدية والدينية والعرقية , ويري أن هذا المتغير يتطلب أن تكون الحكومة شرعية , ومقبولة لدي المحكومين.
2- تطوير المؤسسات و الأبنية السياسية , والفصل بين الوظائف السياسية والتي تتضمن ربط عملية توزيع القوة وبناء الدولة .
3- توسيع المشاركة السياسية في المجتمع , وربط المشاركة بالمساواة بين الأطياف السياسية المختلفة .
وتثير هذه المتغيرات تساؤلاً حول من يقوم بهذه المهمة في العراق؟ وما الظروف التي أدت إلي الحاجة إلي إعادة بناء الدولة ؟؟
بالنسبة للقائمين من المفترض أن تقع عملية بناء الدولة على كاهل أحزابها السياسية والثقافية فكلما كانت الأحزاب واعية لماهية العمل السياسي ومصالح المجتمع , كلما عمدت لبناء دولة حديثة يرتقي نظامها لمصاف الدول المتقدمة .
ولكن الحقيقة تشير الي أن القائم علي عملية إعادة بناء الدولة هي الولايات المتحدة , سعيا لتحقيق مجموعة عن الأهداف التي تتراوح بين فرصة السيطرة على هذه الدولة التي يعاد بناؤها, وسعي الولايات المتحدة إلي إعادة تشكيل النظام السياسي بما يتلاءم ومصالحها الإستراتيجية ,وخاصة أن العراق يمثل أهمية إستراتيجية للإقليم الذي تقع به.
ولقد شكلت مجموعة من العوامل ما يعرف بالعراق الجديد أو إعادة بناء الدولة, ومن أهم هذه العوامل:
1- أن العراق اعتاد على خصائص النظام الديكتاتوري من خلال هيمنة الحزب الواحد وسيطرة الدولة على الاقتصاد والإيديولوجية الواحدة, والتحكم المطلق من جانب الدولة في الشئون العامة والخاصة.
2- حالة الاحتلال الأجنبي المباشر والذي أدي إلي انهيار السلطة السياسية والنظام السياسي في العراق .
3- العراق تعرض لهزيمة قاسية في حرب تحرير الكويت عام 1991 , أعقبتها فترة من الحصار والعقوبات الدولية استمرت لما يزيد على اثنتي عشرة سنه .
4- العراق دولة تعددية من حيث التركيبة الإجتماعية, الأمر الذي يفرض محددات على عملية إعادة البناء .
5- الولايات المتحدة الأمريكية , دولة الاحتلال الرئيسية , لها مصالح اقتصادية وإستراتيجية مهمة في العراق وترغب في ربط الدولة العراقية الجديدة بشبكة المصالح الأمريكية في منطقة الخليج ذات الأهمية الإستراتيجيةالخاصة بالولايات المتحدة , وكذلك أن الولايات المتحدة تنظر للعراق ونظامها السياسي السابق بأنه دولة مارقة, مثير للقلاقل ويهدد أمن الدول الصديقة للولايات المتحدة ويهدد مصالحها في المنطقة ومن ثم كان لابد من القضاء عليه وإعادة بناء الدولة الجديدة وفقا لنموذج معين يتفق مع التصور الأمريكي للمنطقة.
أن النظام السياسي في الدولة , هو انعكاس لتوجهات الأحزاب السياسية الفعالة في الصراع الاجتماعي, إن مبدأ التعددية السياسية هو التنافس العادل من اجل الوصول إلي السلطة السياسية ,ويتطلب ذلك الاحتكام إلي دستور وتشريعات قانونية غير ملتبسة تحدد مهام وصلاحيات السلطة الأساسية في الدولة .
* الأحزاب السياسية العراقية وأنماط التعامل مع آليات نقل السلطة:
لمعرفة طبيعة الوزن النسبي الذي تتمتع به القوي السياسية العراقية , الأمر الذي يقتضي تحليل مساهمتها ومشاركتها وموقفها من الآليات التي طرحت في إطار بناء الدولة الجديدة وتسلم السلطة والمتمثلة في التالي:
1- مجلس الحكم الانتقالي /
أثبتت الوقائع أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تعرف يقينا ماذا ستفعل بعد احتلالها للعراق , لقد تصورت أن الأمر من السهولة بمكان , وأنه يكفي بذل الجهود العسكرية لإسقاط النظام العراقي , وازحة رموزه , وحل تشكيلاته وقواته المسلحة وتنظيمه السياسي(حزب البعث ), فالفيصل النهائي في السيطرة هي القوة والتي هي ملك يمينها.
لذلك عينت في البداية الجنرال السابق "جي غارنر" حاكما إداريا في العراق باعتبارها أول خطوة اتخذتها واشنطن للبدء في عملية تشكيل البلاد , لكن "جي غارنر" أثبت سريعا فشلة الذر يع , وخاصة أن العراق لا يحتاج إلي جنرال عسكري , ولكنه يحتاج إلي رجل سياسة فاستبدله بالسفير السابق" بول بريمر" الذي اتخذ منذتعينه العديد من القرارات السياسية والاقتصادية الراديكالية لكن إجراءاته ظلت بلا غطاء سياسي أو قانوني, وان وفر لها غطاء الشرعية الدولية من خلال قرار مجلس الأمن رقم 1483. فكان لابد من إيجاد تشكيل إداري محلي يكون غطاءاً سياسياً للقرارات الأمريكية وذلك عندما تأسس مجلس الحكم الانتقالي في تموز 2003. والذي يتكون من 25 عضوا , تم اختيارهم من المعارضة العراقية علي اختلاف أطيافها السياسية والعرقية والمذهبية من بينهم 14 عضوا يمثلون القوي السياسية الشيعية في البلاد ,أي (56 % )من إجمالي الأصوات المقترحة ,وأربعة فقط من أبناء الطائفة السنية (16%) وخمسة أعضاء يمثلون الأكراد (20%) , وممثل للطائفة المسيحية الآشورية, وآخر للتركمان. وكان ينظر الشارع العراقي إلي أعضاء هذا المجلس أنهم جاءوا إلي العراق علي ظهر الدبابات الأمريكية . ومن ثم فهو مجلس يفتقد إلي الشرعية الوطنية ويستمد شرعيته من الاحتلال الذي عينة .ولم يتطرق الذين يوجهون هذه الاتهامات إلي أوضاع العراق بعد الاحتلال مباشرة , حيث الفوضى التي تضرب أطنابها في كل مكان , وغياب قوة سياسية عراقية بمقدورها ضبط الأمور وفي هذا الإطار كان من الصعب وجود قوة سياسية عراقية تكون مهيأة لتولي أمر العراق ولو بصورة جزئية أو مفيدة بعد خمسة وثلاثين عاماً من الحكم الدكتاتوري للحزب الواحد , وبالتالي لم تظهر أي قوة سياسية بديلة , فعندما سقط نظام صدام حسين لم يكن سوي فصائل المعارضة العراقية والتي يمكن تقسيمها:
الأولي: معارضة الوافده التي مارست المعارضة من الخارج العراق
الثاني: معارضة المقيمة التي كان لها وجود مباشر علي أرض العراق كالفصائل الكردية وبعض الأحزاب الإسلامية واليسارية إلي حد ما .
وانعكس البعد الطائفي أيضا في تشكيل أول مجلس وزراء منبثق عن مجلس الحكم الانتقالي في بداية شهر سبتمبر 2003 حيث ضم 25 وزيرا من بينهم 13 وزير شيعيا ,وخمسة من السنة , وخمسة من الأكراد, ووزير تركماني وأخر مسيحي .
و من أهم القرارات التي اتخذها بول بريمر ما يلي :-
1- تفكيك نظام صدام حسين فقد ألغي بريمر حزب البعث ووزارة الدفاع , ووزارة الداخلية , وزارة الإعلام ومعظم الأحزاب السياسية العراقية ضغطت باتجاه القضاء واجتثات البعث, والتخلص من كل أعضاءه كوضع سابق للتحرر الوطني وهكذا كانت عملية التخلص من حزب البعث بطريقة إيديولوجية وليس براجماتية كان لها انعكاساتها السلبية علي إحداث الاستقرار في العراق .
2-إرساء نظام سياسي جديد على ثلاثة مستويات, على المستوي المحلي باختبار أعضاء مجلس محلي جديد , وعلى المستوي القومي وعنيا بالإصلاح والإدارة المباشرة للبيروقراطية السابقة (الوزارة والوكالات الأخرى في الحكومة القومية) وعلى المستوي السيادي بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي لكيان سياسي أولي.
3- أعطاء الأولوية لإعداد دستور جديد للعراق ,وعمدة السلطة إلي إنشاء مجلس استشاري لوضع الدستور .
4- تشكيل نظام سياسي من خلال منظور ليبرالي يقوم على أساس الحرية الإقتصادية وتشجيع القطاع الخاص وتنظيم قطاع المال والأسعار.
فعلي الرغم من هذه القرارات, فان الإعلان عن أن الطائفية هي أساس تشكيل المجلس قد أثار المخاوف , وأعاد للأذهان المبدأ الاستعماري (فرق تسد) , وأنه سيكون من الصعب مستقبلاً التخلص من فكرة الطائفية .
وقد تبين هذا الأمر جيدا من موقفين , أولهم من الاجتماعات المتعددة التي فشلت في التوصل إلي تسمية من يرأسها ومن ينوب عنها ومن يتولى أمانة اجتماعاته, ومن يتحدث رسميا باسمها . وهكذا لم يكن أمام المجلس خيار سوي أن يعين مجلسا رئاسيا من تسعة أعضاء يتناوبون فيما بينهم الرئاسة ولمدة شهر واحد فكان ممثل حزب الدعوة إبراهيم الجعفري الرئيس الأول , تلاه رئيس حزب المؤتمر الوطني العراقي احمد جلبي , ثم أمين الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طلباني, ثم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم , ثم عدنان الباجه جي , ثم محسن عبد الحميد .
ثانيهم عندما بدء المجلس المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة العراقية المؤقتة استبعد فكرة رئيس تلك الحكومة كما انه لم يستعرض الأسماء التي ستحمل الحقائب الوزارية , وإنما استعرض حصة كل حزب أو طائفة بتسميه وزرائها وفق حصتها من الحقائب الوزارية.
*أهم التحفظات التي تأخذ علي هذه الحكومة " أنها حكومة غير شرعية": قد تأسست بقرار من الحاكم الأميركي بول بريمر وبالتالي سيطرة على جميع قراراته التي لا تصبح نافذة إلا بموافقته. رغم أنه يضم أحزاب سياسية لها وزنها , ولكنه من الناحية الفعلية لم يمثل كل العراقيين، فالمجلس لم يأتي عبر الانتخابات ، لذلك ظهر هناك رأيان بهذا الصدد:
الأول: يمثله عدد كبير من الشخصيات والمجموعات السنية يقابلها في الجانب الشيعي تيار مقتدى الصدر. ويرى هؤلاء أن المجلس غير شرعي وأنه يسهم في "شرعنة" الاحتلال كونه معينا من طرفه، ومن ثم ليس له الحق الحكم.
الثاني: يمثله تجمع الأحزاب السياسية المكون منها مجلس الحكم ويؤمن بشرعية وجوده، مع اختلاف مصدر هذه الشرعية من شخص لآخر داخل المجلس نفسه، فمنهم من يستند إلى قرار مجلس الأمن الذي يمنح العراقيين صلاحية تشكيل سلطة مؤقتة لإدارة شؤونهم، في حين أن البعض الآخر وأبرزهم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية يعتبر أن شرعية المجلس تستمد من ضرورة المحافظة على مصالح الشعب وتنظيم أمورهم، وعليه فإن مجرد المشاركة في المجلس لا تعطي مشروعية للاحتلال .
أدي عنف المقاومة العراقية , وفشل بريمر في إدارة العراق وأسلوب معالجته للمسألة العراقية , وضعف شرعية مجلس الحكم الانتقالي إلي اتخاذ الإدارة الأمريكية قرار بتسليم الحكم إلي العراقيين .
2- اتفاق نقل السلطة /
وقع مجلس الحكم الانتقالي في منتصف نوفمبر 2003 مع بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي اتفاق نقل السلطة , ويقضي هذا الاتفاق بنقل السلطة للعراقيين على عدة مراحل :-
الأول :- إلغاء الإدارة المدنية برئاسة بريمر وإعادة منصب رئيس الجمهورية وإقامة حكومة عراقية
تتولى شئون الحكم عبر مرحلتين:
أ- برئاسة وحكومة مؤقتة لمدة 6 أشهر, وقد عينهما بريمر بمعاونة الأخضر الإبراهيمي مساعد الأمين العام للأمم المتحدة
ب- تسهيل إقامة حكومة وطنية أقرب إلي نموذج حكومة كرزي في أفغانستان.
ثانيا:- رئاسة وحكومة منتخبة ودستور جديد في شهر يناير 2005. وفي الوقت الذي دعي فيه التيار السيستاني إلي إجراء الانتخابات , تري بعض الأحزاب العلمانية "حزب المؤتمر الوطني العراقي, وحركة الوفاق الوطني" أنه من الصعب بالإمكان إجراء الانتخابات في ظل حالة عدم الاستقرار انطلاقا متوازيا مع المشروع الأمريكي في مرحلة نقل السلطة والتي تقتضي بما يلي:
1- إبقاء قوات الاحتلال بحجة الحفاظ علي الاستقرار والأمن وتحقيق الأهداف التي حاربت من أجلها أمريكا وحلفائها في العراق.
2- قيام الحكومة العراقية (سواء المؤقتة أو المنتخبة) بالعمل علي فرض الاستقرار والأمن وبناء قوات الشرطة والجيش القادرين علي ذلك وخاصة تصفية الجماعات المسلحة المقاوِمَة للوجود العسكري الأجنبي.
3- استقدام قوات حليفة إضافية باسم القوات "متعددة الجنسيات" لمعاونة القوات الأمريكية وحلفائها الموجودين في الميدان علي فرض الاستقرار والأمن ، أي تصفية المقاومة المسلحة وحماية مشروعها ونهب وأعمار "استعمار" العراق لحين بناء قوات الحكومة العراقية القادرة علي القيام بالمهمة المخولة لها.
4- اضطلاع هيئة مراجعة مالية دولية "أي تدويل وهيمنة أمريكية عملياً" بمراقبة عوائد النفط وأوجه إنفاقه "أي أن اقتراب أي جهة عراقية حتى العملاء من السيطرة علي البترول العراقي هو خط أحمر للسياسة الأمريكية".
3- الحكومة العراقية المؤقتة /
بمجرد إعلان نتائج الانتخابات انتقلت القوي الفائزة إلي مرحلة تشكيل الحكومة التي سوف تدير البلاد , ولقد شهدت هذه المرحلة جدل واسع ليس فقط حول تشكيل الحكومة العراقية , وإنما أيضا حول تشكيل هيئة رئاسة الجمعية الوطنية.فقد كان المطلوب هو التوصل إلي اتفاق شامل حول كافة هذه الهيئات. ولقد ساد مرحلة التفاوض حول تشكيل الحكومة المؤقتة بالصعوبات الشديدة , وبكثرة المناورات الحزبية , وقد نتج عن ذلك إخفاق أي قائمة من القوائم في الفوز بأغلبية تسمح لها بالحكم منفردة , الأمر الذي حتم ضرورة تشكيل حكومة ائتلاف , وهو المشهد الذي يتوقع له أن يسود في النظام السياسي الجديد في العراق نظرا للتعدد الإثني المميز للعراق ولطبيعة النصوص الدستورية الحاكمة له , والتي تجعل الأغلبية البسيطة غير كافية لتمرير القرارات الرئيسية .
وقد توزعت الفترة التي احتاجتها القوي السياسية العراقية للانتهاء من مهمة تشكيل الحكومة بين ثلاث مراحل
المرحلة الأولي : دارت المفاوضات داخل قائمة الائتلاف حيث شهدت القائمة التي تكونت من عدد كبير من الأحزاب السياسية منافسة حادة بين عدد من رموزها وقواها الأساسية وأبرزها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة والمؤتمر الوطني العراقي. وقد احتاجت هذه التكتلات إلي حوالي الشهر للاتفاق علي ترشيح إبراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة لرئاسة الحكومة . وقد تعرض الائتلاف الهش لبعض الانشقاقات تحت ضغط المناورات الحزبية ,وشعور الأحزاب الصغيرة في الائتلاف بتجاهلهم من جانب القوي الرئيسية .
المرحلة الثانية: خاض الجعفري مفاوضات شاقة مع القائمة الكردستانية صاحبة ثاني أكبر تمثيل في الجمعية الوطنية , وقد تركزت مطالب الأكراد في تلك المفاوضات علي فئتين من المطالب , الفئة الأولي تتعلق بالمبادئ الحاكمة لسياسات الحكومة , وفي هذا السياق تركزت مطالب الأكراد علي التأكيد علي الفيدرالية , وعلي المطالبة بضم كركوك إلي إقليم كردستان وإعادة تصحيح الأوضاع السكانية فيها , وعلي شكل العلاقة بين قوات البشمركة وقوات الجيش وأجهزة الأمن العراقية , وعلي طبيعة العلاقة بين الدولة والدين . أما الفئة الثانية من المطالب الكردية فقد تركزت علي عدد وطبيعة المناصب المخصصة لممثلي الأحزاب الكردية , حيث طالبوا بالحصول علي منصب رئاسة الدولة , والذي ذهب في النهاية للسيد جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني , كما طالبوا بوزارتين سياديتين , ولكنهم وفقوا في النهاية بوزارة سيادية واحده.
المرحلة الثالثة : فقد دارت المفاوضات مع ممثلي الأحزاب السنية , وكانت المشكلة الرئيسية التي واجهت المفاوضات هي غياب أي ممثل شرعي ومعترف به لأهل السنة , فالتمثيل الضعيف للقائمة التي قادها غازي الياور لم تسمح له بادعاء تمثيل السنة , في نفس الوقت الذي لم يوجد فيه أي ممثل أخر يتمتع بشرعية كافية لتمثيل السنة . إن قادة الأحزاب الشيعية أظهروا حرصا علي تمثيل السنة لتعزيز شرعية النظام السياسي الجديد وتمثيله إلا أنهم لم يكونوا مستعدين للقبول بترشيحات السنة دون التخلي عن علاقتهم بالنظام السابق , أو بالجماعات السنية المسلحة , الأمر الذي أدي إلي اضطراب الجعفري لتقديم حكومتة للموافقة عليها من الجمعية الوطنية بدون أسماء الحقائب الست المخصصة للوزراء من السنة وذلك التزاما بالمهمة الدستورية المتاحة لها لتشكيل الحكومة , وقد احتاج الجعفري إلي اثني عشر يوما لاستكمال المفاوضات مع ممثلي السنة لشغل الحقائب المخصصة لهم , وخاصة للاتفاق علي شخص وزير الدفاع.
تمثل بعض القوي السياسية وبشكل يعكس تطلعات ونفوذ كل طائفة فقد حصلت الأحزاب الشيعية على نصب رئيس الوزراء ومنصب نائب رئيس الجمهورية , وعلى 7 حقائب وزارية هي " الاتصالات والمالية والتخطيط التجارة الشباب والرياضة بإضافة إلي وزير بدون حقيبة .
أما الأحزاب السنية فقد حصلت على منصب رئيس الدولة وخمس حقائب وزارية هي " الزراعة , الدفاع الصناعة الداخلية , وشؤون المحافظات".
أما الأحزاب الكردية , فقد حصلوا على 8 حقائب وزارية بالإضافة إلي منصب نائب الرئيس وهي " نائب رئيس الوزراء , والشئون , والأمنية , والبيئة , والخارجية, وحقوق الإنسان , والموارد المائية, والإشغال العامة ووزيرة الدولة لشؤون المرآة , إضافة إلي وزير بدون حقيبة " .
أما الأحزاب التركمانية فقد حصلت على حقيبة وزارية واحدة هي العلوم والتكنولوجي. وحصل المسيحيون "الآشوريون" على حقيبة واحدة هي الهجرة , كما يضم مجلس الوزراء بعض التوجهات السياسية في العراق فهناك 3 وزارة من المجلس الأعلي للثورة الإسلامية ووزير عن حزب الدعوة الإسلامي ووزيران من الاتحاد الوطني الكردستاني , والحزب الديمقراطي الكردستاني ووزير من الحزب الإسلامي العراقي ,ووزيران من حزب الوفاق الوطني. ومن الجدير بالذكر أن الحكومة المؤقتة لن تعكس مطالب الأحزاب السياسية المختلفة , بقدر ما كانت أداه أمريكية في إعطاء تصور شكلي عن جديتها في انتقال السلطة , حيث أن هذه الحكومة لن يكن لها سلطات تتعلق بالمؤسسة العسكرية , وكذلك الموازنة المالية العامة أو ثروات البلاد , وبالتالي لن تتمتع بأي من مقومات السيادة الوطنية والاستقلال الحقيقي.
ومن أهم التحديات التي واجهة الحكومة العراقية المؤقتة:
1-إن الحكومة تواجه مشكلة الأمن الداخلي , حيث أن القوات المسلحة السابقة مازالت تمثل تهديدا للأمن .
2-مشكلة تقاسم السلطة بين مختلف الأحزاب السياسية , فهناك خلاف كبير بين مختلف القوي السياسية العراقية ولا يمكن السيطرة علي الوضع الداخلي بدون حل هذه المشكلة حلا جذريا , بل أنها تهدد بنشوب حرب أهلية.
3- أزمة الشرعية : إن حكومة العراق المؤقتة شكلت بتدخل أمريكي , ولم تشارك فيها بعض الأحزاب السياسية الرئيسية في العراق " كالسنة" , ومن ثم فلم تستطع الحصول علي الرضاء العام الذي يبعث علي التفاؤل , لذلك تواجه هذه الحكومة " أزمة الشرعية .
فالشرعية هي القبول الطوعي للسلطة .أو شعور أفراد المجتمع باحترام أولئك الذين يتولون مقاليد الأمور في مجتمعهم , وهذا الشعور بالاحترام يجعل الاستجابة من جانب أفراد المجتمع ممكنة وميسورة.
فالسلطة في العراق تفتقر إلي أهم مصادر شرعية السلطة السياسية :
أ- المصدر الأول /مجموعة التقاليد الدينية والأعراف القبلية والعشائرية التي تعتمد القيادة السياسية علي تحقيق رضا المحكومين من خلال احترامها لها .
ب-المصدر الثاني/هو الشخصي (أي الشخصية التاريخية أو الكاريزما) ويكون فيه الحاكم نفسه هو مصدر الشرعية بسبب قصور المصادر الأخرى للشرعية .
ج-المصدر الثالث /هو العقلاني- القانوني , ويقصد به مجموعة المؤسسات والقواعد الإجرائية التي تتصل بتنظيم الخلافة السياسية وتضبط سير العملية السياسية.
* المحاصصة الطائفية وأثرها على عملية التحول الديمقراطي :
فمنذ سقوط النظام في نيسان 2003 وبدء أول نظام "محاصصاتي" طائفي في العراق بإنشاء أول مجلس للحكم مبني على الأغلبية والأقلية والقوميات والمذاهب والانتماءات والو لاءات ، وفي أول نظام حكم تنتقل فيه السلطة (سلميا) بدون انقلاب عسكري وتمرد شعبي ، أدي هذا النوع من المحاصصة التي أوجدها الاحتلال في أول ممارسة ديمقراطية مستعارة في العراق إلي إحداث انشقاق وتشرذم شديد التعقيد في مواقف الأحزاب السياسية .
حيث أثار التوزيع الطائفي –العرقي للسلطة جدلا حول سلامة هذا الأسلوب وأثره علي مستقبل السياسي في العراق, وأثير في هذا الجدل مخاوف شتي مما صار يسمي بـ"المحاصصة الطائفية" , وذهب البعض إلي التحذير من لبننة العراق , علما بان أي نظام سياسي في العالم يكتسب طابعة من خلال توزيع السلطة علي الأحزاب السياسية . حيث أن توزيع السلطة بين القوي الرئيسية التي تعود في النهاية إلي مكوناتها الطائفية والعرقية داخل النظام السياسي قد يترتب عليها انعكاسات سلبية.
وإذا ألقينا الضوء علي التجربة لبنانية سنجد أنه نظام لبنان نظام طائفي بناءاً علي ما نص عليه الميثاق الوطني عام 1943, والذي أوجد عرفاً (اتفاق غير مكتوب)، بتوزيع المناصب الرئيسية للسلطة على أساس طائفي،أي المحاصصة الطائفية والذي شكل معضلة أساسية يزداد تأثيرها السلبي على الدولة والمجتمع، مع تزايد الأزمات الداخلية والصراعات الإقليمية والدولية. فالطبيعة الطائفية للنظام اللبناني تتعارض كلياً مع الديمقراطية , حيث يعتمد النظام الطائفي معايير تميز بين طائفة وأخرى سواء في توزع المواقع الأساسية للسلطة (الرئاسات الثلاث). وهذا التفريق والتمييز بين المواطنين يشبه التمييز العنصري، ويتنافى مع المبادئ الديمقراطية .
ففي الوقت التي تري فيه الأحزاب السياسية العراقية أن سقوط نظام صدام حسين يعتبر فرصة سياسية كبري لتحقيق أمالها, نجد أن المجلس لم يضم كافة الأحزاب , ومن ناحية أخري أن هناك فرق مطلق في نصيب الأحزاب المشاركة في الحكومة, فالأحزاب الشيعية تري أنها أمام خيار مصيري بعد أن عاشت عقود طويلة من الحرمان السياسي , فمجلس الحكم الانتقالي كان يتمتع بأغلبية شيعية , في الوقت الذي يرأس الحكومة شيعي.
أما الأحزاب الكردية كان لها تمثيلها في مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة ,التي تعبر إلي حد ما عن طموحاتها السياسية إلا أنها تتطلع إلي ابعد من ذلك , حيث سعت بأن يكون رئيس الدولة أو رئيس الوزراء كرديا .
أما القوي السنية , بخلاف الوضع الكردي والشيعي لا تزال أكثر تشتتا , فالمجموعة التي كانت ممثلة بمجلس الحكم الانتقالي ,كانت ترفض الحديث باسم السنه , وبذلك لم يتم تشكيل كتلة سنية عربية بخلاف الأكراد والشيعة في تحدد مطالب تعبر بها عن الوجود السني في عراق ما بعد الإحتلال
أما الأحزاب التركمانية و الأشورية فأنهم يرفضون نصيبهم من المقاعد المخصصة لهم في الحكومة المؤقتة والتي لا تنسجم مع نسبتهم السكانية , علما بان التركمان يبدلوا جهدا كبيرا للعب دورا على الساحة السياسية العراقية ولكن معادات الأكراد لهم لم تحقق أمالهم , ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة للأحزاب الأشورية حيث فشلت في تحقيق أهدافها السياسية رغم العلا قات القوية التي تربطها بقوي خارجية .
أذن قيام نظام سياسي على أساس مبدأ المحاصصة الطائفية غير العادلة والشاملة الذي اعتمدته الولايات المتحدة باعتباره بديلا شرعيا للديمقراطية التي تسوقها عالميا, ينعكس سلبا على كافة الأطراف السياسية , من خلال:
1- غياب بعض القوي الرئيسة في الساحة العراقية يؤدي إلي حالة عدم الرضا ومن ثم عدم الاستقرار.
2- شدة الاستقطاب الطائفي والعرقي يؤدي إلي السعي للمصالح الفئوية, دون المصالح العامة مما يخلق أزمة.
"عدم الثقة" بين الأطياف المختلفة في الحكومة .
3- المحاصصة غير العادلة تؤدي إلي تعدد مرجعيات القرار الرسمي بدلا من المرجعية الشرعية الواحدة.
من هنا يثار تساؤلا يتعلق بأثر الأحزاب السياسية ذات الطابع الطائفي والعرقي على عملية التحول الديمقراطي والتطور السياسي في عراق ما بعد الحرب ؟؟
في الحقيقة إن "نموذج التعددية السياسية" يفترض أن السلطة لا تتركز في أيدي مجموعة محدودة من أفراد , وإنما هي قابلة للانتشار والاقتسام بين تلك المراكز العديدة والجماعات المتنافسة , تحقيقا لما يعرف بـ " حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجلة" , أو تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون , فمثل هذه المقولات تتضمنها الثقافة السياسية الديمقراطية , وتكفل تحقيقها النظرية والممارسة وفق التعددية السياسية. أما في حالة التعددية علي أساس طائفي وعرقي , فقد تعددت وجهات النظر في الإجابة على هذا التساؤل
الفريق الأول / يري أن الجماعات السياسية المقسمة ثقافيا " دينيا – عرقيا " تثير مشكلات خطيرة تجاه العملية الديمقراطية , لذا فأن إنشاء حكومة ديمقراطية والحفاظ عليها أكثر صعوبة بشكل عام في البلدان التي تعاني من انقسامات منها في البلدان المتجانسة. وذلك باعتبار أنها ليس ديمقراطية بشكل كاف وقد تضعف أمال المعارضة "الأقلية" في أن تصل إلي الحكم مستقبلا , ومن ناحية أخري أنها قد لا تكون عملية تتعاطي مع الشأن الواقعي وخاصة أنها تفتقد إلي دوافع المساومة والتوفيق.
2- الفريق الثاني / يري أن الجماعات المنقسمة ثقافيا , قد لا تكون عائقا أمام عملية التحول الديمقراطي وجوهر هذا النموذج أن يتم الأخذ بنموذج التراضي المشروط , و يمثل هذا النموذج نقطة تحول في التفكير بشأن العلاقة بين الانقسامات الطائفية والديمقراطية , وجوهر هذا النموذج هو التراضي بين النخب الممثلة أو المعبرة عن جماعات مختلفة على آليات للتعاون ولضمان مشاركة كل هذه الجماعات في الحكم.وهناك عدة مقومات لهذا النموذج .
1- نظام سياسي يقوم على ائتلاف واسع يضم ممثلي كل الجماعات الثقافية
2- فيتو متبادل لحماية مصالح الأقليات ويتم تضمينه في برنامج الائتلاف من خلال النص على اتخاذ القرارات بالإجماع إما داخل الحكومة أو المجلس الاستشاري
3- نظام الحصص العادل الذي يضمن تمثيلا مختلفا , بحيث لا يهمش طرف على حساب طرف أخر .
ولكن على الرغم من نجاح هذا النموذج في بعض البلدان إلا أن تطبيقه في العراق يختلف جذرياً فهناك أزمة ثقة شديدة التعقيد بين الأحزاب السياسية العراقية , وكذلك وجود أطماع حزبية فئوية وليس وطنية , و حالة الاغتراب السياسي , وعدم توافر الأرضية الخصبة لاستيعاب القيم الديمقراطية , في ظل سيطرت النظام الأبوي .
إذن من الناحية العملية لابد من الأخذ بـ "حكومة تكنوقراط " مؤقتة, أي تشكيل وزارة من خلال متخصصين أو خبراء كل في مجال عمله أو مهنيين بمعنى الطابع المهني التخصصي، بحيث تصبح الكفة المهنية مرجحة على الكفة السياسية التي تعتمد على معايير الإبداع والابتكار والتخصص العلمي والكفاءة، وهذا النموذج غالباً ما يتبع في الدول المتقدمة لتحقيق التوازن بين السياسة والإدارة , وهذا في مرحلة مؤقتة.حتى يتم التهئ التدريجي لإستيعاب التحول والتطور السياسي وهذا يتطلب معالجة عدة مشكلات :
1- صعوبات سياسية : ضرورة إخراج الاحتلال الأمريكي من العراق , الذي يقوم بتوفير الأرضية الخصبة لإفراز الطائفية السياسية وليوفر لها عوامل النمو والاستمرار, وخاصة أن من مستلزمات النظام الديمقراطي وجود إرادة سياسية مستقلة، تحمي هذه الممارسة وتسعى إلى تعميقها، وهذا الأمر يتطلب استقلالا حقيقيا كاملا.و من ناحية أخرى فان تحقيق الديمقراطية، يتطلب قيام الأحزاب السياسية، التي هي أساس العمل السياسي.
والتي تقوم بتأطير العمل السياسي الجماهيري باتجاه تحقيق أهدافها، وهذا الأمر غير موجود لحد الآن في العراق.
كذلك فقد نص قانون الأحزاب على ضرورة التزام الأحزاب السياسية بالقوانين الصادرة في عهد إدارة بريمر، كشرط للسماح بالعمل السياسي، وهذا الأمر يضع قيدا على تلك الحركات الرافضة للاحتلال، وكل التبعيات الناتجة عنه ويمنعها من العمل السياسي والدخول إلى الانتخابات.
2- صعوبات اقتصادية: إن الديمقراطية كنظام متكامل تتطلب وجود بيئة اقتصادية تكفل ممارسة الديمقراطية بشكل مناسب وفعال، بمعنى أخر أنها تتطلب مستوى من الرفاهة الاقتصادية للدولة وللمواطن على حد سواء وحتى يتم تعزيز النهج الديمقراطي لابد من الإحاطة بنقاط أساسية وهي:
1-المواطن العراقي لم يدرك ثقافة التحول نحو اقتصاد السوق
2-لا يوجد سياسات الإصلاح التي تحتاج إلى دور قوي ومتماسك وواضح للدولة.
3-عدم وجود مجتمع مدني فعال.
4-عدم وضع الكفاءة كفيصل لمن يوضع في موضع رسم السياسة واتخاذ القرار ,بمعني عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب .
3- صعوبات اجتماعية: هناك عدة مستويات تحكم التعددية الاثنية في العراق، مستوى اللغة –الثقافة، ومستوى الدين، ومستوى المذهب (الإسلامي)، على مستويين منهما هناك , أما المستوى الثالث- وهو المستوى الإسلامي
المذهبي– فهناك توجد أيضا أغلبية (الشيعة) وأقلية (السنة). فعلى تقاطع مستويي اللغة والمذهب فإن العرب السنة يصبحون أقلية أصغر (حيث أن الأكراد معظمهم سنيون مذهبا، ولكنهم ليسوا عربا) من العرب الشيعة. فالديمقراطية يمكن أن تنجح إذا رغبة الأقلية والأغلبية في التعايش المشترك ، لان انعدام هذه الرغبة يؤدي الي استحالة تطبيق الديمقراطية.كلما كان النظام الاجتماعي قد قطع شوطا أكبر في الابتعاد عن النظام الأبوي , كلما كان النظام السياسي أكثر ديمقراطية وقبولا للتنوع الفكري .ولكن الأحزاب السياسية العراقية لم تستطع أن تتجاوز مسألة الولاء القومي، فهناك أحزاب عربية من حيث العضوية على الأقل وأحزاب كردية وتركمانية وكلدو أشورية من حيث العضوية والأهداف ومناطق الانتشار، بل إن هناك أحزابا يفترض فيها أن تكون ضد القومية، من حيث طبيعة إيديولوجيتها، لكنها لم تستطع مع ذلك تتجاوز الولاء القومي.
ومن ناحية أخرى تشكل القبلية (العشائرية) والطائفية محور النسيج الاجتماعي العراقي، وتؤثر في سياق الديمقراطي، ونحدد تأثير ذلك على الديمقراطية بالأمور التالية:
أ- تحول ولاء الفرد من الدولة إلى الطائفة والعشيرة، ، نتيجة لضعف سلطة الدولة، فانه الفرد يلجأ إلى الاحتماء بالعشيرة والطائفة من أية قوة خارجية، وبالتالي أدى إلى ضعف مفهوم المواطنة.
ب- أن الديمقراطية تمثل مجموعة من القيم الأخلاقية والسلوكية تشكل العقلانية والاختيار الرشيد بين بدائل متعددة، في حين تعمل العشائرية والطائفية العراقية على تشويه هذه القيم.
4- صعوبات ثقافية: الثقافة السياسية تتعلق بتلك القيم والمعتقدات التي تحدد كيف يفسر الشعب الدور الصحيح للحكومة وكيف أن الحكومة ذاتها يتم تنظيمها , وإدراك الشعب للعلاقات الصحيحة بين الحاكم والمحكومين. فالمجتمع العراقي بوصفه مجتمع خضوع يتصف بصفات معينة منها هيمنة السلطة الأبوية في العائلة، ومن ثم المجتمع والدور المركزي للدين في الحياة الاجتماعية والمهم في الأمر هو الانعكاسات السياسية لطبيعة الثقافة السياسية وهي:
أ ـ الشعور بالعجز السياسي فالمواطن العراقي نتيجة لعقود طويلة من القهر والظلم الذي وقع عليه من الأنظمة المتعاقبة التي استخدمت ضده اقسي أنواع التعذيب والكبت فانه أصبح يشعر بالخوف من السلطة (أيا كانت) والعجز عن تغييرها والاستعداد لتقبل كل ما تفعله.
ب ـ السلبية تجاه الرأي الأخر فالمواطن العراقي يشعر انه يمتلك الحقيقة المطلقة ولا يقبل النقاش حولها. وينعكس هذا الأمر على الأحزاب العراقية التي لا يمكنها قبول اطروحات الأحزاب الأخرى وهذا الأمر يناقض الديمقراطية التي هي في أساسها القبول بالرأي الأخر.
ج ـ الاغتراب السياسي: ويقصد به شعور الإنسان بعدم الرضا وعدم الاهتمام بالتوجهات السياسية . هذا الشعور ينتج عن تراكم المشكلات الاقتصادية والأمنية وعدم قدرة الأنظمة المتعاقبة على حلها.
فالمواطن العراقي الذي لمس عجز مجلس الحكم ومن ثم حكومة علاوي وحكومة الجعفري عن حل المشاكل الأمنية والخدمية أصبح يشعر أن أية حكومة لن تستطيع تحسين الأوضاع , كما يعبر الاغتراب السياسي عن فكرة ذات طبيعة إخضاعية هي فكرة " الأمير البطل " , فهي تجعل الشعب لا يعتقد بدوره في صناعة مصيره، بل دائما ينتظر البطل الذي يقوده لتحقيق ذلك.
يحتاج أي نظام سياسي إلى وجود ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه , فالحكم الفردي توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها في الخوف من السلطة والإذعان لها , أما الحكم الديمقراطي فيتطلب ثقافة تؤمن بحقوقالإنسان، وتقتنع بضرورة حماية الإنسان وكرامته ، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين في ظل مناخ اجتماعي وثقافي مساهم يقوم على تقبل الأخر والحوار معه وقبول مبدأ الاختلاف لان إيمان المواطن بالعملية السياسية وتأثيرها على مستقبله ووجود وعي سياسي لديه بان السياسة منافسة سلمية بين برامج سياسية معينة لا علاقة لها بطائفة معينة أو انتماء اجتماعي معين هو السبيل لجعل العمل السياسي مجديا . فقد رأينا في الانتخابات كيف أن التصويت لقائمة معينة هو انتصار للمذهب وان الذي لا يصوت سوف يسأل عن ذلك يوم القيامة.
وتساهم الثقافة السياسية السائدة في المجتمع إلى حد كبير في تحديد شكل نظام الحكم، بل أنها قد تساهم في تحديد عناصر القيادة السياسية. فقد تكون القيادة السياسية حكرا على مجموعة صغيرة ذات وضعية خاصة "دينية أو مذهبية أو عرقية " .
#منذر_حسن_أبودان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟