|
جماعات المصالح الاقتصادية الدولية كإحدى الفاعلين الدوليين
سمير محمود ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 08:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس ثمة ريب في أن حقبة النظر إلى السياسة باعتبارها عمليات تكاد تكون محصورة تماماً في نطاق الدولة القومية وتفاعلات خارجية على غرار كرة البليارد، قد ولّت. فالسياسة تتجه لأن تكون، باطراد، متعددة المراكز، حيث لا تؤلف الدول سوى مستوى واحد من منظومة مركبة ذات هيئات تحكم متداخلة ومتنافسة في الغالب، ومن المحتمل أن يبلغ تعقيد هذه السلطات المتراكبة، الجغرافية والوظيفية، حداً يضاهي سلطات القرون الوسطى. لكن تعقد وتعدد مستويات وأنماط التحكم إنما يعني نشوء عالم مختلف عن العالم الذي يلهج به خطاب العولمة، فهو عالم يحتفظ بمكانة متميزة، بارزة، مستمرة للدولة القومية.
وينبغي التوضيح من جديد، عند هذه النقطة، أن قضية التحكم بالنشاط الاقتصادي في إطار اقتصاد أشد تكاملاً وتدويلاً، هي قضية تحكم وليست مجرد استمرار دور الحكومات. لقد كانت الدول القومية تدعي لنفسها سمة مميزة خاصة هي حق تحديد كيفية التحكم بأي نشاط ضمن رقعة أراضيها، إما بأداء هذه الوظيفة بنفسها، وإما بوضع الحدود الملزمة للهيئات الأخرى... غير أن التحكم- أي السيطرة على نشاط ما بوسائل معينة سيطرة تؤدي إلى تحقيق طائفة من النتائج المرتجاة – لم يعد فقط من اختصاص الدولة وحدها. فهذه الوظيفة، بالأحرى، يمكن أن تؤدى عن طريق طيف واسع من المؤسسات والممارسات، العامة والخاصة، مؤسسات وممارسات تابعة للدولة ولغير الدولة، قومية وعالمية...إن نطاق ودور أشكال التحكم اليوم باتت مختلفة تماماً، عن القرون الوسطى- في الفترة التي سبقت سعي الدول القومية ذات السيادة إلى احتكار وظائف التحكم – لقد كان آنذاك تعايش سلطات متوازية، متنافسة ومتداخلة ممكناً، بفضل ضعف تكامل الاقتصادات والمجتمعات، وكانت درجة تقسيم العمل والاعتماد الاقتصادي المتبادل متدنية نسبياً، في حين ان الجماعات اليوم تعتمد في وجودها بالذات على تداخل وتنسيق نشاطات متباينة، متنائية في الغالب. ولا يسع الأسواق فمفردها أن تحقق مثل هذا الترابط والتنسيق. أو بالأحرى، إنها لن تنجح في تحقيق ذلك إلا إذا جرى التحكم بها على نحو موائم، وإلا إذا جرى ضمان وإدامة حقوق وتوقعات المشاركين البعيدين .
وعليه، فإن سلطات التحكم لا يمكن أن تنتشر وتتنافس ببساطة. إذ ينبغي ربط مختلف مستويات ووظائف التحكم بعضها ببعض في نوع من تقسيم السيطرة الذي يحافظ على تقسيم العمل... فثمة حاجة لدمج أطراف سلطات التحكم العالمية والقومية والمناطقية لتؤلف منظومة متكاملة نسبياً فإن لم يحصل ذلك، أدت الفجوات القائمة بين مختلف هيئات وأبعاد التحكم. إلى تآكل التحكم على كل المستويات... ويرى بعض منظرو العولمة، أن هناك قوتين أساسيتين مهمتين في الاقتصاد العالمي، وهما قوى السوق الكوني والشركات العابرة للقوميات، وانه لا يمكن لأي واحدة من هاتين أن تخضع لتحكم عمومي فعال. فالنظام الكوني محكوم بمنطق المنافسة في السوق، أما السياسة العمومية فستكون ثانوية، في أحسن الأحوال، نظراً لأن الهيئات الحكومية( القومية أو غيرها ) لا تستطيع أن تضاهي قوى السوق العالمي من حيث نطاقها... لكن الأسواق والشركات لايمكن أن تبقى في الوجود من دون سلطة عمومية لحمايتها، سواء على الصعيد العالمي حيث تواجه الدول الكبرى قوى إقليمية تسلطية تحاول انتزاع الثروة بالقوة ( أنظمة مستبدة ورجال عصابات )... لذلك فلحماية نظام التجارة العالمي الحر ( مثلاً ) يتطلب حقاً وجود قوة عسكرية تدعمه، ولا قدرة لأحد بتقديم هذه الحماية سوى الدول المتقدمة/ والولايات المتحدة بخاصة.
إذاً هناك أرضية اقتصادية صالحة للقول إن الاقتصاد العالمي ليس عصياً على التحكم بأي حال، فالتحكم ممكن على خمسة مستويات تبدأ من الاقتصاد العالمي وتنتهي باقتصاد المناطق، عن طريق مايلي :
- الاتفاق بين الدول المتقدمة والكتل الثلاث الكبار ( النافتا، الاتحاد الأوروبي، آسيان ). - قيام عدد كبير من الدول بإنشاء هيئات ضبط عالمية تتولى كل وحدة التحكم في بعد معين من النشاط الاقتصادي، مثل منظمة التجارة العالمية. - التحكم في مناطق اقتصادية كبرى بواسطة الكتل التجارية، مثل الاتحاد الأوروبي ونافتا. - تبني سياسات في المستوى القومي توازن التعاون والتنافس بين الشركات والمصالح الاجتماعية الكبرى. - تبني سياسات في مستوى المناطق المحلية لتقديم الخدمات الجماعية في المناطق الصناعية.
وهكذا فإن النظام الاقتصادي الذي يخضع للتحكم العالمي، حيث تتولى الوكالات العالمية والكتل التجارية والمعاهدات الكبرى بين الدول القومية السيطرة على بعض الأبعاد الأساسية للسياسة، سيواصل إسناد دور محدد للدولة القومية، لا في قناعها التقليدي بوصفها السلطة الوحيدة ذات السيادة، بل بوصفها وسيطاً حاسماً بين المستويات العالمية للتحكم، والجمهور الناطق في العالم المتطور. [6] ينتظم المجتمع الدولي حول فاعلين، يجعلونه في حركة ويسمحون له بالعيش. وقد أصبحت الدولة، معتبرة كفاعل وحيد في العلاقات الدولية، منذ التوقيع على معاهدة ويستفالي* عام 1648حتى بداية القرن العشرين. وعلى نحو تقدمي ظهر فاعلون آخرون متخطين للحدود القومية، حيث جاؤوا لمنافسة الدولة لكن دون أن يوجهوا الاتهام لدورها الأساس. واليوم، أصبح دور الدولة موضع شك في العلاقات الدولية، أو موضع إتهام. وأصبح يعتقد أن مفهوم الدولة، قد أفقد قيمته، تحت تأثير وصول فاعليين دوليين جدد، جاؤوا مباشرة لمنافستها على المسرح الدولي.... حيث تضاعفت العلاقات الأبعد من الوطنية وأصبح هناك ( منظمات، وحتى أفراد ) بدؤوا يتحركون بشكل موازٍ وغالباً، بالتنافس مع الدولة. ولديهم إرادتهم الخاصة ( وجدول أعمال ) خاص بهم، والذي ليس بالضرورة محدد ويتطابق مع ضرورات بلادهم. فهناك، شيكات وتدفقات، تتجاهل الحدود، ولا تقلق بشأن مواضيع السيادة الوطنية، التي هي في قلب عمل الدولة، ... فلم تعد العلاقات عبر الحدود تمر بالضرورة، بعد الآن، عبر أجهزة تحت سيطرة الدولة. التي عليها أن تتطابق بعد الآن، مع مؤسسات ذات طبيعة مختلفة تماماً.فالدولة، يعترف بها، ذات سيادة، فقط بالنسبة للقانون الدولي( وليس كما هو واقع الحال ).
ورغم أن العقيدة التقليدية، تعتبر بأن الأفراد، ليسوا فاعلين دوليين، لأنهم ليسوا مواضيع للقوانيين الدولية. مع ذلك، إنه من الصعب، نفي أهمية بعض قادة الدول، الذين أصبحوا وجوهاً تاريخية، وتتوقف على آرائهم قرارات هامة. فلبعض الوجوه الأخلاقي، أو الدينية ( البابا، الدالاي لاما، أية الله الخميني) آراء ذات أهمية دولية هامة. وهناك أيضاً رؤساء مشروعات كبرى أيضاً. فلقد كان جورج سوروس، الأمريكي من أصل مجري، في التسعينات الرمز الفردي، الذي يمكنه أن يلعب دوراً على المستوى الدولي، فقد أصبح أحد الذين يجسدون ( السوق ) بشكل طبيعي، الذي سيوجه العالم بعد اليوم. فقد ضاربت الشركة التي يقودها ضد الجنيه الإسترليني، في عام 1992، أدت هذه المساهمة إلى إجبار الحكومة البريطانية، على خفض قيمة الجنيه.
وبالمناسبة، فقد قبض سوروس هذا، مليار دولار، زيادة تكلفة، وهنا تظهر عناصر تقسيم جديدة للسلطة، تعتمد على قواعد غير مرئية في السوق. فلقد أخضع رجل وشركته المالية التي يترأسها، الحكومة، في أحد البلدان الأقوى في العالم، ثم يقوم بتكرار ذلك في الـ ( 1997 – 1998 ) خلال الأزمة الآسيوية، وبشكل موازٍ، فإنه يباشر أعمالاً، تهتم برعاية الآداب والعلوم والفنون، ذات المدى الواسع، في بلدان أوروبا الشرقية، وفي روسيا، خصوصاً من أجل نشر الديمقراطية فيها. ... وفي هذا السياق حول بيل غيتس رئيس شركة ميكروسوفت، والمعتبر على أنه أغنى رجل في العالم ، حول 400 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية. (وفي هذا تأثير مباشر أو غير مباشر على نشاطات هذه المنظمات والدول وتوجهاتها) .[7]
إن البيروقراطيون في الوكالات العولمية يمارسون تأثراً متزايداً كصناع لقوانين السوق الجديدة أو كأوصياء عليها, فلمنظمة التجارة العالمية قوة تحكم عالمية وذات سلطة مستقلة، فهي تشرف على التجارة في المنتجات الصناعية والزراعية والزراعية والخدمات والاستثمار وحماية الملكية الفكرية. وأحكامها تقيد كل الأعضاء، ولها القوة الكامنة لتفرض سلطانها على الدولة والقوى المحلية التي تنظم الإنتاج والأمن الغذائي. إن هيئة العاملين فيها تتألف من بيروقراطيين غير منتخبين ليس لهم جمهور انتخابي يحاسبهم عدا مجموعة مجردة من أحكام التجارة الحرة ومؤيديها. إن المفاوضات سرية، وترفض مشاركة المواطن. وعبر منظمة التجارة العالمية يتقلد مديرون عالميون سلطات استثنائية لإدارة شبكة العلاقات الاقتصادية العالمية، فهيئة قوة غير ديمقراطية تمارس السلطة السياسية على الصعيد الدولي عبر تركز السلطة في مؤسسات متعددة الجنسيات التي تقوم بإقرار أحكام عالمية، وتفرض هذه الأحكام أثناء صناعة السياسة الوطنية وممارستها.[8]
في تحليل للعلاقات الدولية، وفقاً لأحدى المدارس الليبرالية الجديدة، يظهر أنه ينبغي الاهتمام بالعلاقات عبر الوطنية التي يمكن أن تقوم عن طريق المنظمات المختلفة مثل المنظمات غير الحكومية والحركات السياسية، والتجمعات المختلفة. وينشأ عن هذه العلاقات آثار كبرى منها، حدوث تغير في موقف الأفراد، وإدخال التعددية الدولية، وهكذا شيئاً فشيئاً تقع الدول تحت تأثير هذه الجماعات المختلفة، وبالوقت نفسه فإن غالبية الحكومات ترى انحساراً في إمكانيات تأثيرها، ومع نشوء المنظمات الدولية، لا تعود الدول وحدها الفاعل الوحيد في مجال السياسة الخارجية.
لكن لا ينبغي الاهتمام فقط بالعلاقات عبر الوطنية، بل أيضاً بعلاقات الارتباط المتبادل التي تقوم على مفهوم الكلفة، فالكلفة المستحقة تزداد جداً إذا حاول ممثل التخلي عن الآخر. إن علاقات الارتباط المتبادل المركبة تتميز بوجود قنوات متعددة من الفعل المتبادل،هذا الفعل الذي لم تعد مجالاته مقيدة بالمجالين العسكري والدبلوماسي ( كرد فعل إزاء تحدي خارجي )، حيث أصبحت القوة العسكرية لاتستعمل، أو قليلاً ما تستعمل، في مجال تكون فيه الأطراف في حالة ارتباط متبادل معقد. كما أن الفاعلين يدركون، من خلال ارتباطهم المتبادل، المنافع المستقبلية للتعاون الحالي، وترتبط بهذه الفكرة فكرة استمرار المؤسسات- هذه المؤسسات التي تقوم باتخاذ القرارات لتحديد هدف جماعي والعمل على تحقيقه، وهو هدف تلتقي حوله آمال الفاعلين في مجال ما من مجالات العلاقات الدولية – وأخيراً، يمكن لعدد مرتفع من الفاعلين أن يٌلزموا بالتعاون، لاسيما إذا قررت أغلبيتهم معاقبة غير المتعاونين، وفي هذا ومهمة وظيفية لا يستهان بها. [9]
وهكذا يتبين لنا أنه صحيح أن الدول والمنظمات الدولية هي القوى الدولية الوحيدة التي تعتبر اليوم أشخاص القانون الدولي العام، إلا أنه توجد قوى أخرى لها وزن وتأثير في سير العلاقات الدولية لكنها لا تعتبر من أشخاص القانون الدولي. هذه القوى لها تأثير على اتخاذ القرار في الدول وفي المنظمات الدولية إنها قوى ضاغطة لأنها توجه أحياناً سلطة اتخاذ القرار تسمى هذه القوى ( جماعات الضغط الدولية ) ... التي أصبحت تمارس اليوم دوراً هاماً في العلاقات الدولية وذلك ليس بصفة خفية كما كان في الماضي، بل علناً مما جعلها تزاحم الدول والمنظمات الحكومية في ميدانها الخاص ويمس نشاط جماعات الضغط الدولية عدة ميادين السياسية، الاقتصاد، الدين، النشاطات النقابية. ويمكن ذكر أهمها على الساحة الدولية:
1 – المنظمات (الحكومية وغير الحكومية): حكومية كمجلس الأمن في منظمة الأمم المتحدة، وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية. وغير حكومية (جماعات المجتمع المدني الدولية) كالنقابات وأبرزها الاتحاد الدولي لنقابات العمال، وجمعيات حقوق الإنسان الدولية كالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بباريس، منظمة العفو الدولية ، أطباء بلا حدود ،وجمعية الصليب الأحمر الدولي. 2 – الأحزاب السياسية[10] ( الإقليمية والدولية ): الأحزاب الوحدوية القومية. الأممية الشيوعية، والدولية الاشتراكية ، الجماعات الدينية كالاتحاد الدولي الديمقراطي- المسيحي، جماعة القاعدة الإسلامية، اللوبي اليهودي الصهيوني الدولي. 3 –التجمعات العسكرية : ( والتي منها ذات خلفية سياسية كحلف الأطلسي ،وبعضها الآخر ذات خلفية اقتصادية كالشركات المتعددة الجنسيات لتصنيع وتجارة الأسلحة دولياً ). 4– الكارتلات الاقتصادية الدولية: الكارتلات المالية والنفطية كنادي باريس ولندن ووكالة الطاقة الدولية. وغرفة التجارة العالمية، الأوبك ( منظمة الدول المصدرة للنفط ). 5 - التكتلات والتجمعات الاقتصادية السياسية الرسمية الدولية: ( كالاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، منتدى دافوس، وقمة الثماني الكبار ) و منها تكتلات يهيمن فيها الجانب الاقتصادي على السياسي ( كالنافتا، آسيان ). وأخرى يهيمن فيها السياسي على الاقتصادي ( منظمة المؤتمر الإسلامي، منظمة دول عدم الانحياز، منظمة الدول الأمريكية، الاتحاد الأفريقي، جامعة الدول العربية ). 6 - الأجهزة السرية الدولية ( أجهزة المخابرات والتجسس الاقتصادي والسياسي والأمن الخارجي ) أو ما يسمى الطابور الخامس . 7- المافيا الدولية:( تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة وغسيل الأموال ) وشبكة الانترنت. Cnnكالـ الاقتصادية السياسية ( التجارية منها والإخبارية ) 8 – وسائل الإعلام
قد نجد صعوبة في الفصل بين جماعات المصالح الاقتصادية الدولية وجماعات المصالح السياسية الدولية نظراً لكون كل منهما يستخدم الوسائل والأدوات والأساليب الاقتصادية والسياسية في آن معاً لتحقيق أهدافه. لكن ما يميز الجماعات الاقتصادية أن برنامج عملها المعلن هو برنامج اقتصادي فقط، وبالتالي تأخذ الطابع الاقتصادي الدولي. هناك جماعات مصالح اقتصادية نطاق عملها الرئيسي داخل الدولة لكن لها تأثير على السياسة الخارجية لهذه الدولة. قد تكون رسمية دستورية ( كاللجنة الاقتصادية في البرلمان مثلاً ) أو المؤسسة العسكرية وشركات تجارة الأسلحة من ورائها.
وهناك جماعات مصالح اقتصادية نطاق عملها المعلن يتجاوز الحدود السيادية للدولة إلى المجال الحيوي الإقليمي والدولي، فهي ذات صفة دولية، وهناك جماعات عولمة رأسمالية وهناك جماعات مصالح للدول النامية
إن آلية الهيمنة على العالم واستغلاله من قبل رأس المال العالمي، تتسم منذ بداية التسعينات، ببراغماتية قصوى، فهي تتشكل من قطاعات متباينة، وليس لها إلا القليل من التماسك البنيوي، تعاني تناقضات داخلية عديدة، بحكم المنافسة المتوحشة التي تسود هذا النظام، ولهذا نجد بداخلها أطرافاً متعارضة متصارعة، وفي معارك مستمرة، تخبو حيناً ويشتد أحياناً كثيرة، أما أسلحتهم فهي الإنصهارات القسرية، والعرض العام للشراء بالإكراه، وتأسيس الاحتكارات، والقضاء على الخصم بسياسة إغراق السوق، ولكن عندما يتعرض النظام بمجمله، أو قطاع من قطاعاته الرئيسية للتهديدات والمعارضة، فإن الطغم المالية والتابعين لها يشكلون كتلة واحدة، ذلك أن إرادتهم في التشبث بقوتهم وحبهم الشديد للمال وللسيطرة دون حدود، كل هذه العوامل مجتمعة تدفعهم للدفاع بكل قواهم عن خصخصة العالم، هذه الخصخصة التي توفر لهم امتيازات خارقة وواردات مالية لا تحصى وثروات شخصية خيالية.
ويبسط رأس المال المعولم سلطانه على العالم بواسطة الإيديولوجيات التي يدعون إليها، ( كالليبرالية الاقتصادية، وتقديم مصالح العولمة على الاهتمامات القومية في إطار المسؤولية العامة، والإحساس بالواجب المشترك، والنظر إلى كيفية العمل الجماعي لصالح القرية العالمية)، وأيضاً بواسطة الضغط الاقتصادي والعسكري الذي يمارسونه، إما الإيديولوجية التي تقود ممارساتهم تقوم على ( توافق واشنطن )، ويتلخص أمر هذا التفاهم بمجموعة من الاتفاقات غير الرسمية، عقدت خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، فيما بين أهم الشركات العابرة للقارات ومصارف وول ستريت، وبنك الاحتياط الفدرالي ومؤسسات مالية دولية، وتقضي المبادئ التي بني عليها التفاهم، بأن تطبق هذه المبادئ في أية فترة من الزمن، وعلى أي اقتصاد في العالم وعلى أية قارة، إنها ترمي إلى أن تضفي، في أسرع ما يمكن، كل أشكال التنظيم الحكومية او غير الحكومية، وأن يتم التحرير الكامل تماماً وبأقصى سرعة ممكنة في جميع الأسواق ( للسلع، الرساميل، الخدمات، براءات الاختراع...، ألخ )، ليجري في النهاية إقامة إدارة عالمية وسوق عالمية موحدة تنظم نفسها بنفسها، وعليه فإن تفاهم واشنطن يصبو في النهاية إلى خصخصة العالم.
وما يلفت الانتباه حول حقيقة المنتدى الاقتصادي العالمي ، فهو نجاح مؤسسه ورئيسه، في تحويله قبل مايزيد عن 35 عاماً، من مؤسسة خاصة صغيرة إلى مايمكن أن نسميه( مجلس إدارة العالم في السياسة والاقتصاد )، بميزانية سنوية تصل إلى 50 مليون يورو من مساهمات ألف شركة عالمية كبرى، ويعمل في المنتدى 150 موظفاً بين مقره الرئيسي في جنيف والعواصم الدولية الكبرى،ويتحول المنتدى بذلك إلى أكبر منظمة غير حكومية في العالم، تعمل وفق مرجعية ( توافق واشنطن ) أي تحرير الاقتصاد العالمي.[11] انطلاقاً من مما طرحناه في مشكلة البحث توصلنا إلى أن مظاهر استخدام القوة وتنظيم استخدامها في المجتمع الدولي أخذت فعلاً تتوسع وتنتشر، فجماعات المصالح الاقتصادية الدولية برزت بفاعلية على الساحة الدولية وكرست سياسة استخدام القوة الجماعية، عبر تطبيقها لمفهوم الأمن الجماعي للدول المكونة لها، وحققت أهداف هذه الدول ، الاقتصادية والسياسية، دون استخدام القوة العسكرية. وعليه يظهر معنا : - أن جماعات المصالح الاقتصادية الدولية عبارة عن منظمات أو مؤسسات وتكتلات اقتصادية دولية متعددة الجنسيات تشكلها الدول المختلفة لتحقيق أو حماية مصالحها المشتركة الآنية منها أو البعيدة، المشروعة أو غير المشروعة على الصعيد الاقتصادي والسياسي الدولي . - إن جماعات المصالح الاقتصادية الدولية أثرت على طبيعة العلاقات الدولية حيث سيطرت بعض هذه الجماعات ،وخصوصاً الجماعات التي تهيمن الدول المتقدمة الغنية عليها، على مختلف الجوانب الاقتصادية و السياسية للعلاقات الدولية وأصبحت تتحكم بها إلى درجة كبيرة، الأمر الذي انعكس سلباً على الدول النامية حيث أفقدتها القدرة على التحرك وفق إرادتها الحرة، فهي أصبحت محكومة بقواعد هذه الجماعات وقوانينها وآليات عملها، رغم أن هذه الدول النامية حاولت محاكاة الدول المتقدمة ساعيةً لتشكيل جماعات مصالح اقتصادية لكن وبالرغم من تمكنها من تشكيل العديد منها لكنها لم تتمكن من مواجهة التحديات والآثار السلبية التي تكبدتها في علاقاتها مع جماعات المصالح الاقتصادية التي تهيمن عليها الدول المتقدمة. - كذلك ظهر لنا أن توازن القوى كان أحد الأسباب الهامة لنشوء جماعات المصالح الاقتصادية الدولية، ( انطلاقاً من أن التحالفات الجماعية الاقتصادية والسياسية تعمل على تحقيق هذا التوازن وتضبط الصراعات بدلاً من التصادم والصراع المتبادل). - كما تبين لنا مما سبق أن وجود القوة أو توفرها لدى الدول يمنحها فرصة أكثر لاستغلال التفوق القائم وتوجيهه لتحقيق مصالحها، وتنفيذ مخططاتها على حساب غيرها من الدول الأخرى القائمة في المجتمع الدولي، والتي تمتلك إمكانيات من القوة والقدرة أقل مما تمتلكه الدول القوية. لذلك فإن هذه الظاهرة هي التي تدفع إلى إنشاء جماعات المصالح الاقتصادية الدولية من أجل ردع أية محاولة تهدد الدول القوية.
وعليه فإن إيجاد الطريقة العملية لمواجهة، مسألة القوة واستخدامها في العلاقات الدولية، وكيفية إيجاد الطريقة المناسبة التي تؤدي إلى التحكم في ظاهرة القوة المتمثلة بجماعات المصالح الاقتصادية الدولية، وتطويق استخدامها، والعمل على توجيهها ووضعها في خدمة العالم كله، لابدّ من إيجاد القوة الفعالة الرادعة المقابلة لها، وإن تطبيق فكرة الردع هذه تؤدي إلى تحقيق التعادل النسبي في توزيع القوة بين المحاور والتكتلات والأحلاف المختلفة، و يتحقق ذلك بشكل فعلي عبر مشاركة فعالة للبلدان النامية في آلية اتخاذ القرار في جماعات المصالح الاقتصادية الدولية الموجودة أو عبر تشكيل أطر وتنظيمات جماعية جديدة تكون فاعلة و قادرة على تطويق التفاوت في القوى، من خلال المشاركة الجماعية الفعالة لجميع الدول أياً كان موقعها من الخطر الذي يتهددها سواء أكانت بعيدة أم قريبة منه. المراجع : معاهدة ويستيفالي: * التي وضعت حداً لحرب الثلاثون عاماً، والتي دمرت أوروبا، حيث لم ينجح الإمبراطور في ممارسة السلطة الزمنية على مقاطعاته في الإمبراطورية الرومانية- معاهدة الألمانية المقدسة، حيث اعترفت هذه المعاهدة بسيادة الدول، سواء تجاه الإمبراطور، أو تجاه البابا، ثم توسعت هذه المعاهدة فيما بعد، لتشمل باقي دول العالم. - الزعبي، موسى - تنوع الفاعلين الدوليين، مجلة الفكر السياسي، دمشق، عدد 16، ربيع – صيف 2002، 192،204. 8- روبيرتس, ج.تيمونز, أيمي هايت - من الحداثة إلى العولمة، رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغيير الاجتماعي، ، ترجمة سمر الشيشكلي ، مراجعة محمود عمر- الجزء الثاني، سلسلة عالم المعرفة، عدد 310 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2004 ،327 . 9 - غيّوم، اكزافييه - العلاقات الدولية، ترجمة قاسم المقداد، مجلة الفكر السياسي، دمشق، عدد خريف ، شتاء 2001، السنة الرابعة، اتحاد الكتاب العرب بدمشق، 91، 92. 10 - العبدلي، عبد المجيد - قانون العلاقات الدولية، تقديم محمد البجاري، ط 1، 1994، دون دار نشر,309 . 11 - حميد, محمد سميح- الأبعاد الاقتصادية والسياسية للمنتدى الاقتصادي العالمي.جريدة البعث، دمشق، عدد 12814، بتاريخ 23/ 2 /2006, 11.
#سمير_محمود_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البعد السياسي و التاريخي لنظرية الفوضى البناءة
-
أهمية الإعلام و الدعاية في السياسة
-
القوة في العلاقات الدولية
-
مقدمة في الواقعية السياسية
-
من أساليب الترهيب الاقتصادية- الكارتلات أو الاتفاقات الاحتكا
...
-
الدين والسياسة وإشكالية العلاقة بينهما في الفكر العربي
-
إرهاب الشرطي القابع بإرادتنا في رؤؤسنا
-
التخلف الإداري في القطاع العام
-
الطبقة العاملة والتحزب
-
مدلولات وأبعاد مفهوم جماعات المصالح الاقتصادية الدولية
-
نظرية الفوضى البناءة
المزيد.....
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
-
ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنو
...
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة 23 في الغارة الإس
...
-
ما هي الدول والشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل؟
-
سلسلة غارات إسرائيلية على منطقة البسطا وسط بيروت
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|