|
زيارة بوتين.. وفرصة لعلاقات متكافئة مع الكبار
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 13:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل ننجح هذه المرة في استخدام لغة المصالح المتبادلة? يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاليا بجولة في المنطقة بدأت بزيارة دول خليجية لم يكن متصورا قبل عقدين أن يكون هناك حديث عن صداقة وتعاون بينها وبين روسيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق. غير أن "جمهورية روسيا الاتحادية" حاليا هي أكبر الجمهوريات الخمس عشرة التي تمخضت عن انهيار الاتحاد السوفيتيي في نهاية عام 1991 والذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع العديد من الدول العربية. وهذه الجمهورية تسعى الآن لإقامة نظام اقتصادي يعتمد على السوق،ولم تعد توجهاتها الخارجية قائمة على الأيديولوجية بقدر ما أصبحت قائمة على لغة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية؛ وهي لغة الخطاب السائدة منذ انتهاء الحرب الباردة. ومن ثم لم يكن مستغربا أن يلقى بوتين استقبالا دافئا حافلا في المملكة العربية السعودية، التي لم يتعامل مسئولوها معه باعتباره وريثا للاتحاد السوفيتي الذي لم يكن يحلو لهم وصفه إلا بأنه إمبراطورية الكفر والإلحاد؛ وإنما تذكرت وسائل الأعلام والمسئولون في السعودية أن الاتحاد السوفيتي كان أول دولة تعترف بحكومة المملكة العربية السعودية. حيث إنه في 16فبراير عام 1926سلم كريم حكيموف قنصل روسيا السوفيتية إلى الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود مذكرة اعتراف الحكومة السوفيتية بكيان الدولة الجديد في شبه الجزيرة العربية؛ وكان ذلك مدخلا للحفاوة التي استقبل بها الضيف الروسي. ولم يقل استقبال بوتين في قطر باقل حفاوة، وهكذا...
ولا شك أن لغة المصالح الاقتصادية والاستراتيجية أصبحت تحتم على الدول العربية الانتباه إلى ضرورة تنويع حافظة مصالحها الاقتصادية بحيث لا تستمر في وضع البيض كله في سلة الغرب وحده في ظل هيمنة طاغية للقطب الأوحد؛ الذي لم يترك فرصة تمر إلا ونبهنا بتصرفات ملموسة على أرض الواقع إلى أن وضع أوراق اللعبة الاقتصادية كلها في يده لها مخاطرها على استقلال الإرادة السياسية لكل من ساروا في فلكه. وإذا كان التعاون السوفييتي/العربي حتى الثمانينيات من القرن الماضي اصطبغ بوجه عام بالصبغة الأيديولوجية التي كان سمة حقبة الحرب الباردة؛ وكان من أبرز منجزاته الاقتصادية إنشاء السد العالي في مصر ومجمع توليد الكهرباء على الفرات بسوريا ومجمع الحديد والصلب في مصر والجزائر والمشروعات الأخرى الاستثمارية الكبيرة في اليمن والمغرب وليبيا والسودان وتونس والعراق وغيرها من البلدان العربية ؛ فإن التعاون السوفييتي في مجال الاقتصاد والبناء العسكري لبعض البلدان العربية لم يكن من قبيل المساعدات الإنسانية والأيديولوجية بشكل كامل. فعن طريق الواردات من الدول العربية غطى الاتحاد السوفييتي احتياجاته من واردات الخامات والسلع من النفط والبلح (بنسبة 100%) ومن غزل القطن والبرتقال (بنسبة 70%) ومن العطور وأدوات التجميل بنسبة خمسة وعشرون فى المائة. إلا أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتقال روسيا إلى اقتصاد السوق تعثرت العلاقات التجارية والاقتصادية مع العالم العربي. وبذلك حرمت روسيا من أنواع كثيرة من السلع والمنتجات الضرورية لاقتصادها والتي كانت تحصل عليها من بعض البلدان العربية. وبدا الاقتصاد الروسي وكأنه في وضع لا يسمح له بتصدير المعدات والكثير من المنتجات التي حجزتها العديد من الشركات العربية بسبب الأزمة التي ألمت بالاتحاد الروسي. وأدى انتقال روسيا إلى اقتصاد السوق إلى تغيير توجهات التجارة الخارجية الروسية تماما في اتجاه البلدان الغربية وتحديدا الأوروبية. وعنى ذلك فتحت الأسواق الروسية على مصراعيها أمام السلع الغربية، الأمر الذي شكل صعوبة تنافسية كبيرة (لم تكن موجودة في العهد السوفييتي) في وجه المنتجات العربية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما تواجهه الأقطان والملابس الداخلية المصرية من منافسة حادة ليس فقط من قبل منتجات الدول الأوروبية في السوق الروسية بل ومن قبل المنتجات التركية والباكستانية والهندية والصينية وغيرها. الأمر الذي ينطبق أيضا على السلع الغذائية من الدول العربية ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، ظهر توجه جديد في العلاقات الاقتصادية لروسيا مع البلدان العربية تجلى في الاهتمام بدول الخليج النفطية مقارنة بالاهتمام السابق للاتحاد السوفييتي بالدول التي كان تعتبر ذات "توجه اشتراكي ". ففي عام 1995م وقعت روسيا والكويت عقدا بمبلغ 760 مليون دولار لشراء الأخيرة بعض المعدات العسكرية الروسية. الوضع نفسه مع دولة الإمارات التي وقعت عقدا لشراء منظومة صواريخ الدفاع الجوي المحدثة «بيتشورا». ولا شك أن اهتمام روسيا يتعزيز علاقاتها بدول الخليج العربي له ما يبرره، ففضلا عن الموقع الاستراتيجي الذي تشغله هذه الدول قرب الحدود الروسية، تعتبر روسيا الاتحادية من أهم دول العالم المصدرة للنفط والغاز، وهناك العديد من الخبرات التي تمتلكها في هذا المجال، وبالتالي فإن أي تعاون مستقبلي في مجال النفط والغاز بين روسيا والدول العربية من شأنه أن يزيد العوائد المادية على الجانبين، وكذلك الحد من التقلبات في الأسواق العالمية وتأمين مجالات أرحب وأكبر.
وبوجه عام تراجعت العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا الاتحادية والدول العربية بشكل كبير، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن ثم يرى محللون ضرورة تعويض ضعف العلاقات التجارية عن طريق العلاقات الاستثمارية، و دعا البعض إلى دخول رأس المال العربي إلى روسيا بقوة، مذكرين بحقيقة أن رأس المال يستطيع أن يؤثر سياسيا كما يؤثر اقتصاديا. خصوصا مع تزايد مساعي روسيا للاضطلاع بدور مؤثر على الساحة السياسية، واحتفاظها حتى الآن بصوت مؤثر ضمن الدول دائمة العضوية المالكة لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. وغني عن التوضيح أن المصالح الاقتصادية بين روسيا وإيران (التي تشارك في بناء مفاعل نووي في نطنز بإيران) كان لها أكبر الأثر في إعاقة صدور قرار دولي من مجلس الأمن يفرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية بسبب ملفها النووي،رغم المساعي الأمريكية والغربية المكثفة لإصدار مثل هذا القرار. ولعل روسيا الاتحادية تمثل الآن ـ ضمن قوى أخرى مثل الصين و اليابان وأوروبا الموحدة وأفريقيا ـ فرصة جيدة لتأمين التوازن في المصالح الاقتصادية، والتخلص من أغلال العلاقة التابعة للولايات المتحدة؛ فهي فرصة يمكن أن تقوم على أسس الندية وتلبية الاحتياجات المتبادلة؛ على نحو يضمن صيانة استقلال الإرادة السياسية، وتأمين حلفاء يدعمون المواقف العربية والحق العربي، في مواجهة الانحياز الأمريكي السافر لإسرائيل على كافة الأصعدة. ولا شك أن قيام مجلس الأعمال العربي الروسي، بموجب اتفاق التعاون الموقع في 17 يوليو 2002 بين غرفة التجارة والصناعة لروسيا الاتحادية والاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة للبلاد العربية، والذي عقد أول اجتماعاته بالقاهرة في يناير 2004 وكان سادس اجتماعاته في سان بطرسبرج في سبتمبر من العام الماضي، خطوة ينبغي تفعيلها والبناء عليها بخطى أسرع لتحقيق مصالح الجانبين. خصوصا مع وجود شبكة من المجالس الثنائية التي تعمل على خدمة المصالح المتبادلة وتراعي الخصوصيات لكل بلد عربي. وتشمل شبكة مجالس الأعمال الثنائية الروسية العربية كل من مصر، لبنان، سوريا، الأردن، السعودية، السودان، عمان، اليمن، الجزائر، تونس، الإمارات العربية المتحدة، والمغرب ثم البحرين. وجدير بالذكر أن الاجتماع السادس للمجلس تناول بالبحث العدوان الإسرائيلي على لبنان وأكدت الكلمات التي ألقيت في الاجتماع على استنكارها "للعدوان الآثم" وعلى ضرورة الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في إعادة بنائه وطالب أعضاء الوفد المصرى فى هذا الاجتماع أن بطلب مجلس الأعمال العربى الروسى من المجتمع الدولى ومن الأمم المتحدة تقديم المسئولين الإسرائيليين المتورطين إلى محاكمة دولية.
وإذا كنا قد اتفقنا على أن لغة المصالح أصبحت هي السائدة في عالم اليوم، فلماذا لا نسعى لاستخدام هذه اللغة لدعم حقوقنا في المحافل الدولية وردع قوى العدوان بالفعل عبر تقوية شبكة مصالحنا مع قوى حليفة أثبتت حتى الآن وفي مناسبات عديدة وقوفها إلى جانب الحق العربي، كما نجحت حتى الآن كل من إيران(في اعتمادها على مصالحها مع روسيا) وكوريا الشمالية (في اعتمادها على مصالحها مع الصين)؟
ولعل في زيارة الرئيس بوتين للمنطقة ـ التي يبحث فيها بدون شك عن تحقيق مصالح اقتصادية لبلاده يمكن استخدامها لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية لبلادنا ـ فرصة لتعزيز علاقات مع قوى تشكل إضافة لأوراق الضغط التي يمكن أن نمتلكها على الصعيد الدولي، بحيث لا نستمر في وضع الذي ظهره للحائط في العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وربما يكون من المفيد أن نذكر هنا بالمبادرة التي أعلنها الرئيس بوتين ـ خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في بلاده يونيو من العام الماضي ـ لتنظيم واستضافة منتدى اقتصادي عربي روسي في عام 2007. وكرر اقتراحه بضرورة إقامة صندوق استثمار عربي روسي مشترك يكون حافزاً لإنشاء مصرف مشترك، ولا ننسى ناشد الجميع بتقديم المساعدة للبنان الذي تعرض لحرب مدمرة خلال هذا الصيف.
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تركمانباشي ..ديكتاتور تغافلت عنه واشنطن
-
هل اتخذت مكانك في الطابور؟
-
بينوشيه.. رجل زعم السيطرة على أوراق الشجر
-
ليس دفاعا عن الوزير.. لكن رفضا لاحتكار الدين
-
تأملات في مسألة طرح ورقتي نقد جديدتين ..سقى الله أيام -أم مئ
...
-
بعد تساقط الأقنعة تباعا.. الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكي
...
-
بعد تساقط الأقنعة تباعا.. الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكي
...
-
بعد تساقط الأقنعة تباعا.. الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكي
...
-
الفساد.. غول يتهدد الأخضر واليابس
-
مطلوب وقفة من القانونيين والمجتمع المدني العربي
-
البابا.. وسيناريو الإلهاء المتعمد
-
كوراث القطارات المصرية عمدا مع سبق الإصرار والترصد
-
الصومال.. ونظرية الدولة الفاشلة 2-2
-
الصومال.. ونظرية الدولة الفاشلة 1-2
-
حزب الله.. والتكفيريون
-
السلطان عريان
-
تيمور الشرقية .. على سطح صفيح ساخن 2-2
-
تيمور الشرقية .. على سطح صفيح ساخن (1-2)
-
الطلاب.. رافد يدعم التغيير ولا يقوده
-
حنانيك يا موت..غاب نهار آخر..
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|